صرح فني يشع بنور الوطنية إلى متى يبقى أسير النسيان؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الفن والثقافة والحضارة ثالوث مبجل غير مقدس، مبجل لأنه سعي الانسان الى الرقي، وغير مقدس لانه لم يأتِ على ظهر غيب، انه من الانسان للانسان من اجل محو المسافة المصطنعة بينهما. اكثر الاعمال الفنية، وخاصة في عصرنا الحاضر، إنْ هي إلّا بضائع استهلاكية في الاسواق، يقتنيها مشتريها ليس من موضع التذوق للفن والتقدير للفنان بل من اجل التظاهر بحيازة، اي امتلاك، اعمال فنية، وهؤلاء حولوا الفن من قيمة نوعية الى سلعة مادية. امام التجارة بالفن، والتظاهر مع الذوق المفقود، تزخر حضارة الانسان باعمال فنية اصيلة خالدة، هي انوار ثقافية تضيء الطريق امام الانسان ليتحسس طريقه الى الرقي.. الفن ذوق وتقدير، فمن لا يقدر الفن فانه بعيد عن الثقافة، ومن كان بعيدًا عن الثقافة فانه لا يعي معنى الحضارة.
حدث فني – ثقافي مميز تناقلته وسائل الاعلام البحرينية في هذه الصيغة الخبرية: «في 17 سبتمبر 2019 افتتح سعادة الشيخ هشام بن عبدالرحمن آل خليفة محافظ محافظة العاصمة قاعة عرض (مون لايت جاليري- كافيه) التي تعتبر أول قاعة على مستوى البحرين نظرا لفرادتها بقطع فنية نادرة ومميزة صممت وصنعت في البحرين تتنوع بين لوحات فنية وأعمال نحت راقية تحاكي الماضي».
قاعة عرض «مون لايت جالري – كافيه» ليست قاعة عرض بالمعنى التقليدي، بل صرح فني ثقافي اصيل تفتخر به حضارة دلمون الحديث – الحاضر، وهو اقرب الى روضة ثقافية ثمارها اعمال فنية متعددة الوجوه الجمالية والاغراض السامية. روعة في الابداع ليس له في الوطن مثيل، ولكنه ليس في المكان الصحيح حيث يليق بمكانته الراقية وجمعانيه السامية. لا يمكنك ان تقدر قيمة هذا الصرح الفني المميز إن لم يحالفك الحظ أن تزره وتستمتع بملكة الذوق ما جادت به روائع الابداع الفني على يد استاذ فن النحت السيد حسن جناحي، الذي فكر واجتهد وابدع وانتج صرحاً فنياً متعدد الوجوه، من شجرة الوطن، وهي شجرة الحياة الاصيلة والاصلية، الى عالم الموسيقى وفضاءات فنية اخرى ذات ابعاد ثقافية وانسانية عميقة.
هذا الصرح الفني الاصيل، ويا لحسرة الفن، محشور في ركن منسي في منطقة سترة على الحافة الشمالية الغربية، بين ابنية غير متناسقة وغير منظمة، لا توحي بأي شيء سوى ركام من الطوب والاسمنت تشوهها ابواب ونوافذ في هياكل شبيهة بابنية لا يعرف منها السكني من التجاري، والادهى ان الوصول اليها والخروج منها من الصعوبة بمكان ان ينفر الانسان من هذا الركن.. هذا الركن، موضعًا وبنية وشكلًا، لا يوحي إلّا بالنفور، فلا الموضع مضيافٌ ولا الابنية تطمئن النفس البقاء فيها ولا الشكل يحذب الانظار اليه، إنه ركن أقرب الى المسخ. عندنا مثل شعبي معبر نصه «كل ديرة وفيها مقبرة»، والقصد ليس مقبرة الاموات، ولكن ذاك الركن المنبوذ الذي تنفر منه الناس، لا مشاة ولا سيارات ولا حتى دراجات تمر بين ردهات الركن المنسي المنبوذ، وإن مرت فعلى مضض واضطرار.
عجب فوقه ما هو أعجب.. كل الذين زاروا هذا المعرض تملكتهم دهشة ذات وجهين من العجب، عجب الاعجاب، وعجب الاستفسار الممزوج بالاستنكار.. عجب الاعجاب هو في هذا الصرح الفني الذي ابدعته عبقرية ومهارة فنان كرس جهده الفكري والابداعي واخلاصه الوطني وطبيعته الانسانية، إضافة الى ما جاد به من مدخره المالي، في بناء صرح فني يشع بنور الوطنية، ويهديه الى الوطن بسخاء الولاء للوطن.. وعجب الاستفسار هو كيف يمكن لهذا الصرح الوطني البارز والمميز أن يكون اسير هذا الركن وضحية النسيان؟!!! والاستفسار، ليس بمعناه السلبي بل الايجابي الذي يأمل في محو الاستفسار، والعمل الجدي الوطني الملتزم باعطاء الوطن حقه في هذا الصرح، واعطاء هذا الصرح المكان الذي يليق به، وهذا واجب وطني والتزام ثقافي وتقدير فني، إذ أن هذا الصرح يمزج بعبقرية فائقة بين الفني والثقافي والوطني والانساني، وبعده الانساني يجعله موضع الترحاب والتقدير والاعجاب من ابناء الوطن ومن ابناء جميع الشعوب عندما تسمح لهم الفرصة لزيارته..
الاستاذ الفنان حسن جناحي يتقدم الى كامل الوطن بعطائه الوطني المميز ولسان حاله «هذا ما قدمته لوطني.. ارجو ان يتقبله المواطن ويضعه ذوو الشأن والقرار في مكانه اللائق به، شأنه شأن أي عمل وطني يهدف الى رفع مكانة الوطن بين الامم، ويعرف الشعوب بما يتميز به هذا الوطن».. ولسان حال من زار المعرض الذي يستضيف هذا الصرح الفني هو «انه عمل وطني خالص في ديباجة فنية مبدعة، والرجاء أن ينقل هذا الصرح الوطني الى الموضع اللائق به لأنه واجب وطني، وجزاك الله الف خير يا فنان الوطن».
البحرين، كانت وما زالت، منارة ثالوث «الفن والثقافة والحضارة»، ويتساءل هذا الثالوث: أما آن لهذا الفارس في عالم الفن والجمال والولاء الصادق للوطن أن يمتطي الحصان اللائق به، وينتقل بصرح الفن والولاء للوطن الى موضع يليق بمكانة الوطن؟!!
#صرح #فني #يشع #بنور #الوطنية #إلى #متى #يبقى #أسير #النسيان
تابعوا Tunisactus على Google News