آفة الاتجار بالبشر مستفحلة في تونس وضحاياها المهاجرون الأفارقة
“لا عبودية في مملكتنا…”، هكذا نص الفصل الأول من “الأمر العلي” الذي أصدره أحمد باي في يناير (كانون الثاني) 1846… أما اليوم وبعد مرور حوالى 180 عاماً، فتعود مظاهر العبودية والاستغلال والإكراه لتطفو مجدداً على سطح المجتمع التونسي، وهي أشكال مختلفة لظاهرة الاتجار بالبشر.
وسجلت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في عام 2021، “1100 حالة اتجار ثلثها بنساء وأكثر من نصفها أطفال، كما استهدفت جرائم الاتجار الأجانب بنسبة 82 في المئة، 64 في المئة منهم من ساحل العاج”.
سجن وغرامة
ويعرف القانون التونسي جريمة الاتجار بالبشر على أنها “استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد بهما أو غير ذلك من أشكال الإكراه… وذلك بقصد الاستغلال أياً كانت صوره”.
ويعاقب هذا القانون بــ”السجن 15 سنة وغرامة مالية تتراوح بين 50 ألف دينار (17 ألف دولار) و100 ألف دينار (33 ألف دولار) كل من يتاجر بالبشر”.
ويعتبر القانون رقم 61 لسنة 2016 ضمانة لكل من يتعرض لأي نوع من أنواع الاستغلال أو الإكراه، إلا أن الظاهرة تستفحل في المجتمع التونسي، الذي يشهد تحولات مجتمعية وديموغرافية لافتة، بخاصة مع توافد آلاف المهاجرين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، بينما تعيش البلاد أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخها، ما جعل هؤلاء المهاجرين أحياناً عرضة للاستغلال.
فما أسباب استفحال تلك الظاهرة في تونس، وكيف يمكن الحد منها؟
أكدت رئيسة هيئة مكافحة الاتجار بالبشر في تونس روضة العبيدي في ندوة صحافية، أن “عمليات الاتجار بالأشخاص شهدت، خلال عام 2021، ارتفاع عدد حالات الاستغلال الاقتصادي، الذي يمثل أكثر من 64 في المئة، وهو يتعلق أساساً بالعمل القسري بنسبة تتجاوز الـ40 في المئة، يليها الاستغلال الاقتصادي للأطفال في الأنشطة الهامشية، وبخاصة التسول بنسبة تفوق 20 في المئة، والأنشطة الإجرامية بنسبة 13 في المئة”.
استغلال ومضايقات أمنية
وكشف التقرير أن مواطني ساحل العاج هم الضحايا الرئيسون للاتجار بالأشخاص في تونس. إبراهيم كوليبالي، طالب من ساحل العاج، يعمل في مطعم وسط العاصمة التونسية، توجس خوفاً في البداية ورفض الحديث عن وضعيته في تونس ثم تحدث بنوع من الألم عن “سوء معاملة من بعض أصحاب المطاعم”، وشعوره بنوع من “الاستغلال” مقارنة بزملائه التونسيين والتونسيات، وأضاف كوليبالي أنه موجود في تونس منذ ما يزيد على أربع سنوات وقد أكمل دراسته، إلا أنه لا يرغب في العودة إلى بلده، بسبب الوضع الأمني والاقتصادي غير المستقر هناك، وقال “تونس آمنة وجميلة”، طالباً في الوقت ذاته “حسن المعاملة من قبل التونسيين، وبخاصة رجال الأمن”. وقال إنه “يتعرض أحياناً إلى مضايقات بسبب عدم حصوله على الإقامة”.
وقلل كوليبالي من حدة عبارة “الاستغلال” في العمل، إلا أنه أشار إلى أنه يعمل ساعات أكثر من زميلاته وزملائه التونسيين، وأنه يتقاضى 20 ديناراً (أقل من 7 دولارات) في اليوم، بينما يتقاضى العمال التونسيون أكثر منه، رافضاً بابتسامة أن يفصح عن المبلغ بالتحديد.
أمثال كوليبالي في تونس يُعدون بالآلاف، حيث يقدر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عددهم بأكثر من 60 ألفاً، بينما لا يجيز القانون التونسي استقدام العمالة الأجنبية، وهو ما وضعهم في خانة الاقتصاد غير المنظم، يعيشون الخوف من الترحيل، وهم الهاربون من واقع متأزم بسبب الحروب الأهلية والصراعات في بلدانهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوظف المهاجر من دون عقد أو ضمانات قانونية، ولا يحصل بالتالي على الأجر الذي يوازي حقيقة الجهد الذي يقدمه.
نشر ثقافة مكافحة الاتجار
ودعت رئيسة هيئة مكافحة الاتجار بالبشر روضة العبيدي، إلى “التصدي للعوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية التي تجعل الأشخاص عرضة للاتجار، والعمل على نشر ثقافة مكافحة الاتجار بالأشخاص، في المؤسسات التربوية، في كل مناطق الجمهورية، فضلاً عن تكثيف البرامج التوعوية والومضات التحسيسية في وسائل الإعلام، والتأكيد على واجب الإشعار بوضعيات الاتجار بالأشخاص”.
كما دعا تقرير الهيئة إلى “اعتماد نظام معلوماتي يمكن من معالجة البيانات المتعلقة بالضحايا، بشكل مهني يضمن حماية المعطيات الخاصة بالضحايا”.
القانون وحده لا يكفي
في سياق متصل، أكدت أستاذة علم الاجتماع المتخصصة في الجريمة والانحراف لطيفة التاجوري، أن “الاتجار بالبشر جريمة عابرة للحدود ولا يخلو منها أي مجتمع”، لافتة إلى أن “القانون وحده لا يمكن أن يحد من تلك الظاهرة، لأن الفئة التي تتعرض للاستغلال والاتجار، فئة هشة ومنزوعة الحقوق وبلا حماية”. وأضافت أن “المتاجرين يقدمون للضحايا وعوداً زائفة في العمل أو الهجرة ويتم إغراؤهم من أجل استغلالهم في شبكات الدعارة أو التسول، كما أن المهاجر لا يجد فرصة سهلة للاندماج، لأنه مرفوض من قبل المجتمع، لذلك يكتفي في أغلب الأحيان بالعمل مقابل ما يسد رمقه ويوفر له نوعاً من الحماية”.
وخلصت التاجوري إلى أن هذه “الشبكات تكسب أموالاً طائلة من الاتجار بالبشر”، مشيرة إلى “تقارير أممية تحدثت عن أن عدد ضحايا الاتجار بالبشر يفوق مليوني شخص في العالم وأن شبكات الاتجار، غنمت ما يزيد على سبعة مليارات دولار من هذه التجارة”.
ملاءمة التشريعات الوطنية للمعايير الدولية
ولأن ظاهرة الاتجار بالأشخاص عابرة للدول، أوصى تقرير “هيئة مكافحة الاتجار بالبشر” بـ”ملاءمة التشريعات الوطنية ذات العلاقة بمكافحة الاتجار بالأشخاص، مع المعايير الدولية المعتمدة ومبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدولية، مع التركيز على حقوق الضحايا”.
ودعا أستاذ القانون العام بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس هيكل محفوظ، إلى “تعاون دولي وثيق لمكافحة الظاهرة، من خلال تبادل المعلومات والرصد والتوثيق، ووضع آليات وطنية في مستوى الرصد، تكون أكثر فاعلية وجدوى، وتتعاون مع منظمات المجتمع المدني”.
#آفة #الاتجار #بالبشر #مستفحلة #في #تونس #وضحاياها #المهاجرون #الأفارقة
تابعوا Tunisactus على Google News