- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

أحمد سهوم .. شيخ لفن الملحون يتصدر المجددين ويتذيل لائحة المحافظين

- الإعلانات -

أسرار إبداع مغربي أصيل كَشَفها وأغناها شيخ الملحون الراحل أحمد سهوم، أحد أبرز شارحي ومبدعي هذا الفن في زمننا المعاصر.

الحاج أحمد سهوم ترجم لنفسه ملحونا! جمع مُنَجمَه تلميذه نور الدين شماس، فقال من بين ما قاله: “أصلي فيلالي ستنار / واسمي ما بين الشطار / ما خفى عن ناس اليضمار / الحاج أحمد شتهار / بين المشاهر / والكنيا سهوم أمن بغى الحضارة / من فاس للي فيها مولاي ادريس همامنا الغندور الوالي / اصغر لشياخ فالزمان ابتسلموا نال / دانت ليه المعنى مع القوافي ودرك تفنين / اشرح لي لكريم صدري // وجرى على لساني حكمة مختارة / هيا ني لها فصغري // الشكر عن نعمتو سرا واجْهارا”.

وكان الملحون، في حياة سهوم، “قضيته الأولى”، وكان “همه الوحيد (…) أن ينقل للناس ما فهمه منه”، خوفا من اضمحلالٍ رأى في القرن الماضي أنه يهدد هذا التراث الفريد.

الحاج أحمد سهوم

صفات متعددة ترافق اسم أحمد سهوم؛ فهو مجدد في شعر الملحون، وباحث فيه، ومتأمل في “المعاني”، وعلَم من الرعيل الأول للإعلام المغربي بعد الاستقلال، حمل على عاتقه تقريب أسرار الملحون، و”الذوق الرفيع” من المغاربة إذاعة وتلفزة، وفي لقاءات ومحاضرات ونوادٍ ومهرجانات.

سهوم، الذي لاعَه الملحون طفلا، كان في مغرب حديث العهد بالاستقلال على رأس المكتب الخاص بالملحون، الذي أنشأه الباحث والسياسي محمد الفاسي وهو وزير للشؤون الثقافية والتعليم الأصلي، وحضر المؤتمر التأسيسي لجمعية هواة الملحون، وكان ناطقا باسم معاني هذا الشعر منذ أواخر الخمسينيات في الإذاعة المغربية، ثم تلفزتها في ما لحق من السنوات.

أحمد سهوم، مؤلف “الملحون المغربي”، كان، قبل رحيله، أول المعاصرين الذين أصدرت أكاديمية المملكة ديوانَهم ضمن “موسوعة الملحون” التي توثق “قْصَايْد” أبرز شعراء الملحون المغاربة. وقد رأى هذا العمل النور متضمنا 173 قصيدة للحاج، تفصح عنها صفحات زادت عن الألف.

وفي “معلمة الملحون”، كتب محمد الفاسي أن لسهوم “طريقة في نظم الشعر وإن كانت تتمشى مع قواعده كلها، وإنما يطرق بعض المواضيع الحديثة. وله اطلاع واسع على الملحون ويتذوقه ويعرف تقديمه للجمهور في الأحاديث التي يذيعها بالتلفزة المغربية”.

أما في مؤلف “القصيدة”، الصادر سنة 1970، بعدما كان أطروحة الأكاديمي عباس الجراري لنيل شهادة الدكتوراه، فصنف آنذاك أحمد سهوم ضمن أعلام فاس، وكتب: “كان له (…) برنامج يقدمه في الإذاعة بعنوان “ركن الأدب الشعبي” استفدنا منه. وقد أطلعَنا على بعض الأوراق والتقاييد، فأفدنا منها غير قليل من النصوص والمعلومات”.

وفي سنة 2018، كتب الجراري، وهو رئيس لجنة الملحون بأكاديمية المملكة، أن سهوم “تابع مسيرة الملحون منذ نحو نصف قرن، وساهم فيها إنشاء وإنشادا وتبليغا عبر مختلف وسائل الإعلام”.

وتابع تقديم الديوان الصادر عن الأكاديمية سنة 2019: “منذ بداية التفكير في مشروع الموسوعة (…) استعرضنا عددا من أعلام الملحون الكبار، كان في طليعتهم -وما زال- الشيخ الحاج أحمد سهوم”، الذي “كان في مجمل إبداعه يستحضر القيم الدينية والوطنية ومقومات الهوية العربية الإسلامية، كما كان ينظر إلى الواقع الاجتماعي ومختلف ظواهر هذا الواقع ومظاهره، إيجابية كانت أو سلبية”.

أما دارجة سهوم الرصينةُ رصانةَ لغة الملحون، فكتب الناقد سعيد يقطين حولها: “أول ما يثيرك في الرجل هو طريقة كلامه وأدائه، ويذكرني بأبي العتاهية الذي قال إن بإمكانه جعل لغته اليومية كلها شعرا”.

وواصل يقطين في مقال نشرته جريدة “القدس العربي”: “كذلك كان سهوم يتكلم دارجة مغربية راقية وشفافة، عفوية وموزونة تزخر بالأمثال وأقوال الزجالين والصالحين، وشيوخ الملحون. تصل كلماته، وطريقة أدائه إلى شغاف القلوب، برناتها وإيقاعاتها وحمولاتها الدلالية والمعرفية. تلمس فيها رقة وعذوبة وسيولة، تذكرك بلغات أمهاتنا وجداتنا في حالات الصفاء والوداعة، ولا مجال لمقارنتها بدارجتنا التي نتكلم بها حاليا”.

وفي مقتطفات أوردها عباس الجراري، في تقديم ديوان أحمد سهوم، كتب الباحث نور الدين شماس أن شيخ الملحون قد “انتقل إلى مدينة سلا في الخمسينيات، وبمقهى عبد السلام المعتدر الفيلالي التحق بمجموعة من شيوخ مدينة سلا ليكونوا أول ناد للملحون بالمدينة. وفي سنة 1957، التحق بالإذاعة الوطنية بالرباط وأنتج العديد من البرامج الإذاعية؛ منها: ابا مْسعف، البيت السعيد، أغاني الصباح، مشاهد باسمة، مع التراث، إطلالة على التراث. ومن برامجه التلفزيونية في بداية بثها المباشر: التراث الحي”.

وزاد شماس متحدثا عن مسار سهوم: “عندما أُسس أستوديو الإذاعة بمدينة بني ملال التحق به كمنشط صحبة غازي الشيخ وابن ابراهيم أخريف. مكث… ببني ملال مدة 18 شهرا ليعود إلى الرباط في نهاية السبعينيات ليترك العمل بالإذاعة الوطنية نهائيا، ويكرس اهتمامه للتعريف بالملحون”.

قَدَر الملحون

بعد خبرة، بشر أحمد سهوم المغاربة، وعموم القراء والمستمعين؛ بذوقٍ “عندما يقرأ به القرآن والحديث والشعر تُشرِق المعاني”، ولو ضاقَت بالتعبيرِ عنها الكلمات، وقصر اللسان عن الإفصاح.

هذا الذوق لم يكن وليد يومٍ وليلته، بل شب عليه سهوم، طفلا، ومتعلما في دكاكين الخرازة، وتلميذا للشيخ إدريس العلمي.

ويحكي سهوم مساره البعيد عن اليسر، طفلا في فاس التي رأى فيها النور سنة 1936، ابنا لعائشة بنت العربي الملقبة بـ”الغمرية” وسيدي محمد بن علي الفيلالي الذي قال حوله الحاج، فيما نقله عباس الجراري: “لا أتذكر جيدا ملامحه وإن كنت أسمعهم يقولون عنه بأنه كان ماهرا على الكمان لأغاني المرساوي (العيطة)، وأنه كان يتوفر على مخزون ثقافي. وعندما توفي لم يترك وراءه من متاع الدنيا سوى (الغمرية) وأربعة ذكور هم: حمان، والعربي، وعبد العزيز الذي لم يعش طويلا، وأحمد سهوم (آخر المصران)، وأختنا جمعة. والذي أتذكره أيضا هو أن عائلتنا كانت فقيرة جدا”.

مع هذا القدر، كفلت سهوم طفلا زبيدة المراكشية، التي كانت على علاقة وثيقة بأمه، وهكذا، تابع الشاعر: “فرض علي أن أنشأ في بيت غير بيتنا، وبين أهل ليسوا هم أهلي، بعيدا عن أمي وإخوتي”. لكن، كانت أمه بالتبني “بفطرتها مولعة بالفن والأدب، رغم أنها لم تكن قد حظيت بنصيب من التعليم والثقافة. ومع ذلك جعلت من دارها منتدى فنيا وثقافيا (…) قبلة لرواة العنترية والأزلية، من أمثال (ابا الخمار) الذي كان يروي في كل لقاء فصلا من أزلياته، ويترك الفصل الآخر للجلسة القادمة حرصا على التشويق. كما كان يرتاده العازفون والمطربون من أمثال الكمنجاتي البارع حماد النشار، الذي تتلمذ على يديه مشاهير فاس كالفنان محمد عمور المودن”.

هنا، قضى أحمد سهوم لياليه يحفظ القصائد “بين زمرة من المهووسين بالملحون، والعازفين على الكمان، وبين رواد وعشاق العنترية والأزلية والمجاذيب”، مع الاختلاف إلى دكان للخرازة في “فاس البالي” متعلما الحرفة وإنشادَ الملحون.

ويتساءل سهوم بتجرد: “هل كان فن الملحون قدرا مقدورا لهذا الطفل منذ نعومة أظفاره؟”، قبل أن يجيب: “يبدو أن تقلبات الحياة وسني التشرد لم تنجح في انتشاله من هذا المصير. فقد صادف ذات يوم، عندما كان يغني بعض قصائد الملحون، أن سمعه السيد إدريس العلمي، وهو يومئذ من هو في شعراء الملحون، فأعجب بصوته وقرر إسناد قصائده إليه ليغنيها بصوته. ومن يومها أصبح إدريس العلمي شيخ أحمد سهوم في الملحون”.

لكن الحياة، كعادتها، لم تكن يسيرة؛ فـ”تكررت رحلة الكر والفر المأساويين بين الدار الرافضة والدار القاسية، إلى أن عيل صبره، فقرر الهجرة بعيدا عن الدارين معا. وهام في الأرض على وجهه طريدا شريدا مدة عامين كاملين، بين دروب فاس ومكناس ومراكش وتادلة وسلا، متنقلا بين حوانيت الخرازة حيث كان يكسب عيشه اليومي. وقد أفاده ذلك كثيرا في الاختلاط بالصناع التقليديين الذين كان بينهم شعراء وفنانون ومفكرون وسياسيون”.

وعلى الرغم من إتقان حرفة الخرازة، فإن “سلطة الملحون عليه كانت قوية، فقد ترسبت في وجدانه كأمواج جارفة ولم يشعر… إلا وهو محاصر من كل جانب بالملحون يقرأه ويفسره، باحثا عن مصادره وروافده، منشغلا به إلى درجة التصوف”، وفق سهوم الذي شهد على حياته بصيغة الغائب.

شاعر الملحون فاسي المولد قادته رحلة الحياة إلى سلا، ووارى جسدَه ترابُها بمقبرة تسمت باسم أحد رجالات مراكش السبعة “سيدي بلعباس”، أو أبي العباس السبتي، غير بعيد عن مرقد صاحب “الماريكان” الحسين السلاوي.

هذا القادم من فاس، يفخر بالانتماء إلى حاضرة سلا، ولا يُسِر حاجتها إلى الفخر به، كما قال في قارب يشق نهر “بوركَراك” التاريخي، خلال الدورة الرابعة لـ”الأيام الوطنية لنزهة الملحون”: “هنيئا لي بسلا وهنيئا لسلا بي، فيها ولدت أولادي وأحفادي (…) في سلا دْقيت أوتادي، في سلا حْيِيت أعيادي، في سلا غرست أمجادي، في سلا شيدت النادي، فكان النادي؛ النادي”.

في هذه الدورة، سنة 2016، التي تلاها سنة 2017 تكريم خصت به أكاديمية المملكة أحمد سهوم، فحفلٌ سنة 2019 قدمت فيه الأكاديمية ديوانه الكامل بوجدة، قال شيخ الملحون: “يا من أحيوا شبابي، يا من ذكروني بي. كنتُ نسيتني، ونسيت من أنا، ونسيت لم جئت إلى هذه الدنيا”.

وعلى قبر الفقيد أحمد سهوم، وقف المسرحي والمؤلف عبد المجيد فنيش في متم سنة 2020، شاهدا على ما قاله له صديقه خمسة أيام قبل رحيله: “إنني لا أنتظر شيئا من أي كان، وإنما أنتظر رحمة ربي أن تنزل”.

آخر المحافظين وأول المجددين

في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، تحدث عبد المجيد فنيش عن علَم الملحون الراحل، قائلا: هو “الشيخ الشاعر الناقد الباحث الموثق الإعلامي، الحاج أحمد سهوم رحمه الله. يمثل محطة باذخة من محطات الشعر الملحون، على مستويات متعددة، فإن كان الملحون يُعرَف بالشعراء والمنشدين والعازفين، استطاع أن يضيف إلى هذا المشهد ممارسة البحث في قصيدة الملحون، وتفكيك طلاسمها ورموزها، وتفكيك بنياتها العروضية، لكن بروح نقدية، وهو رجل لم يكن ليؤمن بسهولة بعدد من المسلمات، وهذا أمر يسجل له”.

وتابع الخبير في “لجنة موسوعة الملحون” بأكاديمية المملكة: “هو كذلك الشاعر الذي استطاع أن يكون آخر المحافظين وأول المجددين”.

ومن بين إسهامات الحاج سهوم، التي عددها فنيش: “سلسلة برامجه الإذاعية التي انطلق أولها سنة 1959، وصولا إلى غاية 2015، بوتيرة منتظمة أساسا في شهر رمضان، حيث كان يتحف المغاربة ببرامجه التي كان يتناول فيها الملحون كأدب من خلال التعريف بشيوخه وقصائدهم وتفكيك رموزها، ومن خلال قراءة حديثة في معجماتها وفي مضامينها”.

هذا العمل غذى به الراحل وأغنى “التجربة التي بدأها قبلها الأستاذ الفقيد العلامة محمد الفاسي، في جعل الإذاعة والتلفزة قناتين للتعريف بالملحون بدل الاكتفاء بقصيدة ملحون مغناة بطريقتها التقليدية؛ فأحمد سهوم من القلة التي استطاعت أن تجمع بين تقديم القصيدة، وبين النحت في خفاياها”.

وزاد المتحدث: “هو جزء من تاريخ الملحون السلوي الذي يعود إلى أكثر من ثلاثة قرون، حسب ما هو مدون”.

منير البصكري، أستاذ باحث خبير بـ”لجنة موسوعة الملحون”، ذكر، من جهته، أن أحمد سهوم قد خلف “ثروة غنية، ثروة شعرية هائلة، وبعث في الملحون روحا جديدة، مما دفع الكثيرين من المهتمين والمولوعين إلى الإقبال على قصائده والتعرف إليها، طربا ونغما وموضوعا وشكلا”.

وأضاف البصكري في تصريح لـ هسبريس: “الحاج أحمد سهوم جزء لا يتجزأ من تاريخ مسيرة الملحون في المغرب. تابع، لنصف قرن، مسيرة الملحون التاريخية، وحاول أن يبرز أهم مقومات الشعر الملحون أينما حل وارتحل، ويكفي أن نذكر تلكم البرامج الشيقة والقيمة في الآن نفسه التي كان يقدمها عبر الإذاعة الوطنية منذ 1957، إلى أن كان برنامج “الأدب الشعبي” سنة 1965″.

وواصل الأكاديمي: “إسهامات سهوم متعددة ومتنوعة، أغنى بها خزانة الملحون في المغرب، ولا ننسى برامجه القيمة في الإذاعة الوطنية منذ زمن مبكر، التي عرف من خلالها بالملحون شكلا ومضمونا، ومشاركاته العديدة بغير قليل من البحوث الجادة في مجال التعريف بالملحون، مما يكشف أن الرجل كان ذكيا جدا حين لمس منذ طفولته الأولى ما في الملحون من سمات جمالية وأبعاد إنسانية”.

هذا الاتقاد الذهني دفع الفقيد، وفق المصرح، إلى أن “ينكب على هذا الملحون نظما وإنشادا وبحثا وشرحا وتحليلا ونقدا، وراكم مجموعة من الأعمال القيمة تشهد له بالريادة”، علما أنه اختص بـ”نظرة متجددة” دفعته، شعريا، إلى “مواكبة ظواهر ومظاهر الواقع المجتمعي”.

وحول “سؤال الخلَف”، أكد الأكاديمي منير البصكري أن “لكل سلف خلفا”، متابعا: “الأساس هو أن نستمر، وأن تكون للملحون امتدادات نظما وإنشادا وبحثا، في إطار من الإبداع والتجديد”.

أما عبد المجيد فنيش، فقال إنه لا يعيش مطلقا “لحظة تخوف من غياب شاعر أو ناقد أو باحث، وأساسا في حظيرة الملحون”؛ لأن “خمسة قرون من وجوده في المغرب أكدت أنه أدب وفن مستمران في الحياة اليومية، وما دامت هذه الاستمرارية، والتناقل خلال العائلات (…) والتناقل بين الأجيال”، فإن المؤكد “ألا إشكال أبدا مطروح في قضية الخلَف. نعم لكل جيل، ولكل شخصية ملحونية خصوصياتها ولمساتها الخاصة (…) لكن اليقين أن الأسماء التي تشتغل الآن، والأسماء التي ستشتغل لاحقا في الملحون، ستشكل بدورها محطات لها خصوصياتها”.

#أحمد #سهوم #شيخ #لفن #الملحون #يتصدر #المجددين #ويتذيل #لائحة #المحافظين

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد