أخبار الخليج | تونس والنقاب جدل يخدم الإرهاب
الجدل الذي أُثير حول القرار الأمني التونسي بمنع لبس النقاب في الأماكن الرسمية لن يتوقف، والانتقادات سوف تتواصل مع أن الغالبية العظمى من أبناء الشعب التونسي على قناعة من أن دوافع القرار هي لمصلحة المواطنين لأن مثل هذا القرار لا علاقة له إطلاقا مع الحريات الدينية في تونس وهذه الحريات ليست مقيدة بأي قيود، هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، فإن الوقائع على الأرض أثبتت كيف أن الجماعات الإرهابية في تونس نفسها استخدمت لباس النقاب للتخفي والتسلل وتنفيذ أعمال إرهابية راح ضحيتها مواطنون أبرياء، لهذا فإن الأصوات المنتقدة لقرار حظر النقاب في الأماكن العامة في تونس، لن يكون لها ذلك الصدى المؤثر على خطوات تنفيذه.
فالأصوات المنتقدة لهذا القرار، سواء بوعي أو من دون وعي أو لها أي دوافع تقف ورائها، فإنها تقدم خدمة غير مباشرة لدعاة التطرف والإرهاب ولا تختلف من حيث التأثير عن مواقف الدعم المباشر الذي تتلقاه الجماعات الإرهابية ودعاة الأفكار المتطرفة التي أضرت بالعلاقات بين أفراد المجتمع الواحد وشوهت تعاليم الدين الإسلامي في الوسطية والاعتدال، بل ولعبت دورا سلبيا ومؤثرا في ارتفاع وتيرة معاداة الإسلام وأتباعه لدى الشعوب الأخرى، خاصة الشعوب الأوربية التي توجد في أوساطها جاليات إسلامية كبيرة.
منتقدو القرار نظروا إليه من زاوية أيدولوجية عقدية فقط، مع أن دوافعه لا علاقة لها بأي شكل من الأشكال بالمعتقد والحريات الشخصية التي كفلها الدستور التونسي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هؤلاء المنتقدين لم يضعوا نصب أعينهم المصلحة العامة للمواطن التونسي، ونسوا أو أنهم تناسوا الأخطار التي تهدد هذا المواطن بسبب تصاعد أنشطة الجماعات الإرهابية، خاصة وأن تونس تقع بين فكي كماشة الإرهاب المنتشر فوق الأراضي الليبية والتي أثبتت كل الدلائل أنه المصدر الرئيسي لأنشطة الإرهابيين فوق الأراضي التونسية.
فدوافع منع النقاب في الأماكن الرسمية، أي في مختلف المؤسسات والدوائر الحكومية في تونس، جاء لأسباب أمنية خالصة وارتبط مباشرة بالعمليات الإرهابية التي وقعت قبل مدة في العاصمة التونسية وكان يقف وراءها إرهابيون تخفوا بالنقاب النسائي للتحايل على أجهزة الأمن وأدت هذه الأعمال إلى سقوط عدد من رجال الأمن والمواطنين قتلى فيما أصيب آخرون، وبالتالي لا مجال هنا للحديث عن «الحريات الدينية» أو «الحريات الشخصية» ذلك أن النقاب حولته بعض الجماعات الإرهابية إلى وسيلة لتحقيق أهدافها الإجرامية.
القرار الذي أصدره رئيس الحكومة التونسية السابق يوسف الشاهد، وعُمم على الوزراء والمسؤولين جاء في نصه: «في إطار الحفاظ على الأمن العام، وحسن سير المرافق العمومية، وضمان التطبيق الأمثل لمتطلبات السلامة؛ يتعين اتخاذ الإجراءات الضرورية لمنع أي شخص غير مكشوف الوجه من دخول الهياكل العمومية التابعة لكم»، وهو جاء على خلفية ما شهدته العاصمة التونسية من أعمال إرهابية، يصب في مصلحة المواطن التونسي بالدرجة الأولى لأن المواطن هو المستهدف من الأعمال الإرهابية حتى وإن كان عنوان هذه العمليات موجه ناحية المؤسسات الحكومية.
يعلم الجميع أن الجماعات الإرهابية تطور باستمرار أساليبها ووسائلها ولا تتردد في اللجوء إلى أي وسيلة متاحة لبلوغ ذلك، ومن بينها بطبيعة الحال النقاب الخاص بالمرأة والذي يحجب كامل تفاصيل الوجه بحيث يتعذر على رجال الأمن أو غيرهم من المكلفين بمهام أمنية التعرف على شخصية المنتقب أو المنتقبة، والإجراءات التونسية الأخيرة لم تتخذ إلا بعد أن اكتشفت الأجهزة الأمنية أن النقاب استخدمه الإرهابيون لتسهيل تسللهم إلى الأماكن المستهدفة وتنفيذ عملياتهم الإرهابية، وبالتالي لم يكن أمام هذه الأجهزة سوى اتخاذ الإجراءات الاحترازية والاحتياطية لحماية الأمن العام ومصالح المواطنين والمقيمين.
التصدي لأنشطة وأساليب الجماعات الإرهابية، وإن كانت المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على عاتق الأجهزة الأمنية الرسمية، إلا أن جزءا من هذه المسؤولية يقع على عواتق المؤسسات الأهلية والأفراد أيضا، ومن هذا المنطلق كان يجب دعم مثل هذا القرار بقوة، بدلا من انتقاده وتضليل الدوافع من وراءه، مع أن هذه الدوافع أمنية لا غير ويعلمها حتى من قاد حملة التشهير بالقرار وحرف أهدافه واعتباره موجها ضد الحريات الشخصية، وكأن المطالبة بكشف الوجه فيه انتقاص لهذه الحريات أو تعدي على خصوصية الفرد، مثل هذه المواقف غير الواعية إنما تخدم الجماعات الإرهابية وتوفر الغطاء لأساليبها التي تلجأ إليها لتنفيذ أعمالها الخطيرة.
إقرأ أيضا لـ”عبدالله الأيوبي”
الصورة من المصدر : www.akhbar-alkhaleej.com
مصدر المقال : www.akhbar-alkhaleej.com