أخبار الخليج | «كورونا» يغير العادات والسلوك
مع كل ما خلفه إعصار «كورونا» من خسائر اقتصادية باهظة لم يعرفها اقتصاد العالم من قبل، وخاصة في زمن السلم العام، إضافة إلى الأعداد الكبيرة من الضحايا البشرية التي تقترب من مليوني ضحية وأكثر من 82 مليون إصابة حتى الآن، فإن فيروس كورونا الذي اجتاح العالم على مدى ما يقرب من عام، ترك آثارا على كل تفاصيل الحياة الاجتماعية داخل الأسرة الواحدة، وفي أوساط المجتمعات بشكل عام، الأمر الذي ينذر بانعكاس ذلك على التقاليد الاجتماعية السائدة الخاصة بعلاقات الأفراد بين بعضهم البعض، سواء تعلق الأمر بأنشطة الأفراح مثل الزواج وإحياء المناسبات السعيدة كالأعياد وغيرها، أو مناسبات العزاء، حيث فرض انتشار فيروس «كورونا» على الجميع تجنب التجمعات بكل أشكالها والسلوكيات التي قد تؤدي إلى الإصابة بالفيروس.
يجمع معظم أساتذة علم الاجتماع على أن انتشار فيروس «كورونا» واجتياحه جميع دول العالم وتسببه في إجبار الدول على اتخاذ إجراءات صحية وتنظيمية غير مسبوقة بهدف الحد من انتشاره وتفشيه أكثر مما وصل إليه حتى الآن، كل ذلك، يرى هؤلاء أنه انعكس سلبا على العديد من العادات والتقاليد السائدة بين أفراد جميع الشعوب، أجبرهم على التخلي عن هذه العادات، أو جزء كبير منها، بغض النظر عما إذا كان هذا التخلي مؤقتا أو ربما يتحول إلى دائم، فإن هذا الفيروس وانتشاره خلق ممارسات جديدة غير مألوفة، بل غير مسبوقة، يرى هؤلاء الأساتذة أنها ربما تضاف إلى العادات والتقاليد، وقد تحل محل بعضها.
أستاذ علم الاجتماع التونسي منير السعيداني يرى أن بعض الآثار الاجتماعية والصحية لجائحة كورونا، من وجهة نظر علم الاجتماع، مثل التباعد الاجتماعي قد يقود إلى «إعادة تشكيل الصلة الاجتماعية بين الناس»، هذا إذا تحدثنا عن الجانب الاجتماعي وما تشكله العلاقات بين الناس وسلوكياتهم من منظومة متواصلة ومتكاملة تشكل البوتقة التي تحتضن العادات والتقاليد والسلوك الفردي والمجتمعي، لكن التأثير الذي سيتركه الفيروس لن يقتصر على البعد الاجتماعي، وإنما سيطول بكل تأكيد قطاعات مختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر نظام العمل، حيث -عن بعد- بات السمة الأساسية لإنجاز الأعمال ومواصلتها.
ففي استطلاع أجرته شركة الاستشارات الدولية International Work Group ومقرها لندن، أظهر أن هناك أكثر من 60 في المائة من الشركات في جميع أنحاء العالم لديها سياسة عمل مرنة، وأن هذه النسبة تتغير بشكل كبير من بلد إلى آخر، ففي حين تبلغ 80 في المائة في ألمانيا، فهي لا تزيد على 32 في المائة في اليابان. وتتوقع الشركة الاستشارية أن الاتجاه إلى المرونة في العمل سيتعزز ويستمر، وهذا توقع صائب، إذ ان العديد من المؤسسات في مختلف دول العالم أخذت في تعزيز شبكة أنظمتها الإلكترونية وتوسعتها، وهو مؤشر على أنها ستعطي العمل -عن بعد- لجزء من أعمالها، أهمية أكبر مما كانت عليه قبل انتشار وتفشي الفيروس.
ومثلما تتأثر عادات الناس وشكل علاقاتهم الاجتماعية مع بعضهم البعض بسبب التباعد الاجتماعي والتخلي (يتمنى الناس أن يكون مؤقتا) عن سلوك اجتماعي كان سائدا على مدى قرون من الزمن، مثل المصافحة بالأيدي وتبادل القبلات في المناسبات واتباع نظام صحي أكثر صرامة مما كان عليه الحال قبل ظهور وتفشي الفيروس وانتشاره، مثل هذه العادات يرى البعض أنها سوف تتأثر بكل تأكيد، وخاصة حين تطول مدة الإجراءات الاحترازية وبقاء تهديد الفيروس قائما، حتى بعد اكتشاف اللقاح وبدء العديد من دول العالم تطعيم سكانها، ذلك أن الجانب النفسي قد يطول تأثيره لدى البعض، وقد يتحول الحذر النفسي إلى سلوك عام.
ممارسات وعادات وطرق عمل واجتماعات ولقاءات وغير ذلك من الممارسات اليومية للفرد، سوف يطولها تغيير لا محالة، قد لا يكون هذا التغيير جذريا، وسريعا، ولكن مع الوقت والممارسة الجديدة سوف يتحول إلى شكل جديد من أشكال العادات والسلوك اليومي للأفراد، ففي ظل بقاء تهديد الفيروس قائما، لاحظ الجميع مدى الارتفاع الكبير في استخدام تطبيقات الشبكة العنكبوتية للإبقاء على التواصل الاجتماعي قائما بين مختلف أفراد المجتمع، وخاصة خلال إجراءات العزل الكلي الذي لجأت إليه بعض الدول للسيطرة على تفشي الفيروس وانتشاره، فكانت الشبكة العنكبوتية هي الملاذ الأكثر انتشارا بين الأفراد والمؤسسات.
بات في حكم المؤكد تقريبا أن طريقة العمل التقليدية لن تكون هي أساس عمل مختلف المؤسسات، الكبيرة منها بالدرجة الأولى، فقد أثبت العمل عن بعد الذي لجأت إليه هذه المؤسسات، قدرة فائقة على الإنتاج لا تقل جودة، كما ونوعا، عن أسلوب العمل التقليدي، هذا التحول في طريقة العمل من شأنه بكل تأكيد أن ينعكس على علاقات الأفراد (الموظفين) مع بعضهم البعض، وهي ليست كلها علاقات مهنية وإنما تدخل فيها العلاقات الاجتماعية كالصداقة مثلا. باختصار، فإن تغيرا في السلوك وأساليب عمل وحياة اجتماعية، آتية لا محالة.
إقرأ أيضا لـ”عبدالله الأيوبي”