- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

أخر الأخبار / الانتكاسة العالمية للديمقراطية الليبرالية

- الإعلانات -

أخر الأخبار / الانتكاسة العالمية للديمقراطية الليبرالية

تنحسر الديمقراطية الليبرالية عالمياً في العقد الأخير، بحسب التقرير الصادر أخيرا عن مشروع أنماط الديمقراطية في جامعة غوتنبرغ في السويد، والذي يقيس حالة النظم الديمقراطية في العالم طبقاً لقواعد منهجية منضبطة. ففي عام 2021 انخفضت مؤشّرات الديمقراطية في العالم إلى مستوياتٍ مشابهةٍ لحالة الديمقراطية عام 1989، ومكتسباتٌ كثيرة حققتها الديمقراطية عالمياً خلال العقود الثلاثة الماضية تتلاشي. وفي المقابل، يشهد العالم موجةً من التحول صوب الأتوقراطية. وقد رأى التقرير أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يقود الآن العدوان العسكري على أوكرانيا هو الحاكم الذي بدأ في روسيا موجة التحول صوب الأتوقراطية منذ عشرين عاماً. ومن وجهة نظر معدّي التقرير، فإن هذه الحرب التي تخوضها روسيا تعكس المخاطر التي يشكّلها تصاعد السلطوية في العقدين الأخيرين على الأمن العالمي. يتبنّى التقرير مؤشّرات لتعريف الديمقراطية الليبرالية، تضم مكونات الديمقراطية الانتخابية من عقد انتخابات عامة تنافسية ونزيهة، بمشاركة جميع المواطنين من دون تمييز، ضمان حرية تكوين الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية، وحرية الرأي والتعبير. وهناك مكوّنات ليبرالية تشمل الفصل بين السلطات، وتقييد السلطة التنفيذية بالسلطتين التشريعية والقضائية، وضمانات حكم القانون والحريات الفردية. بينما تضم الأنظمة السياسية التي تصنّف بالأتوقراطية الانتخابية المؤسّسات التي تشبه، من حيث الشكل، تلك الموجودة في الديمقراطيات الليبرالية، لكنها لا تقوم بوظائفها نفسها وبدون القيم الدستورية والسياسية التي تحكمها في الديمقراطية الليبرالية. وبعضهم يعرّفها بالأنظمة السياسية الهجينة التي تضمّ مكونات من الحكمين، الديمقراطي والسلطوي، معاً. ثم هناك الأنظمة الأتوقراطية المغلقة، والتي لا قيود فيها على سلطات النخب الحاكمة فرداً أو جماعة.

سجّل عام 2021 تحوّل 33 دولة تضم 36٪ من سكان العالم صوب السلطوية، منها ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي

وطبقاً لتقرير جامعة غوتنبرغ، فقد حققت الديمقراطية صعوداً مؤقتاً عام 2012 في 42 دولة، ثم انحسرت في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأسيا والمحيط الهادئ وشرق أوروبا ووسط آسيا، وبعض دول أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، حيث يعيش اليوم 70٪ (5.4 مليار نسمة) من سكان العالم في ظل أنظمة ديكتاتورية، بعدما كانت هذه النسبة 49٪ عام 2011. وتظل الأتوقراطية الانتخابية أكثر الأنظمة انتشاراً في العالم، والتي تسود في 60 دولة، بينما تصاعد عدد السلطويات المغلقة ليصل إلى 30 دولة في عام 2021. وقد بلغ عدد الدول التي يمكن اعتبارها ديمقراطية ليبرالية 34، وهو الأقل منذ 1995. وقد سجّل عام 2021 تحوّل 33 دولة تضم 36٪ من سكان العالم (2.8 مليار نسمة) صوب السلطوية، منها ست دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وهو أكبر عدد من الدول منذ خمسين عاماً. في حين شهدت فقط 15 دولة تضم 3٪ من سكان العالم التحوّل نحو الديمقراطية. لقد كان عام 2021 أكثر الأعوام درامية بالنسبة لمسار التحولات الديمقراطية في العالم، فقد شهد وحده ستة انقلابات على الديمقراطية، بعدما كان معدل حدوث الانقلابات عالمياً أقل كثيراً منذ عام 2000. قادت هذه الانقلابات كلاً من تشاد وغينيا ومالي وميانمار إلى أنظمة سياسية أتوقراطية مغلقة. وكان الجيش قد استولى على السلطة في ميانمار في 1 فبراير/ شباط 2021، وهو اليوم نفسه الذي كان من المقرّر أن ينعقد فيه البرلمان أول مره بعد انتخابه عام 2020. وقد قوّضت هذه الانقلابات مساري الانتقال الديمقراطي في السودان وتونس. كما مثلت عودة حركة طالبان في أفغانستان في 15 أغسطس/ آب 2021 انتكاسة لمسار بناء الديمقراطية في تلك الدولة، والذي بدأ منذ عشرين عاماً. فمنذ وصول “طالبان” إلى الحكم، أُغلق نحو 40٪ من وسائل الإعلام، وتزايد اعتقال الصحافيين وتعذيبهم، ومصادرة الحريات العامة. وبحسب التقرير، ما يميز هذه الموجة من انحسار الديمقراطية هيمنة الاستقطابات السياسية والمجتمعية في مجتمعاتٍ كثيرة، وهي الوضعية التي توظفها القوى المعادية للديمقراطية، وخصوصا من ذوي الميول الشعبوية، لتصنيف المختلفين سياسياً أنهم يمثلون تهديداً وجودياً للدولة والمجتمع. ويقود هذا الاستقطاب قطاعات مجتمعية إلى القبول بالتضحية بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لإطاحة الخصوم. وبحسب تقرير أنماط الديمقراطية فقد وصلت هذه الاستقطابات إلى مستويات سامة في 40 دولة. تعتمد أيضاً السلطوية الصاعدة على توظيف الدعاية الإعلامية والإلكترونية لخداع الرأي العام وتضليله، وتغذية الانقسامات المجتمعية، وتتّجه إلى تقويض مؤسسات الديمقراطية الليبرالية والممثلة في أجهزة إدارة الانتخابات، السلطة القضائية والمؤسسات النيابية. وقمع منظمات المجتمع المدني، والذي عدّها التقرير أكثر الفئات المستهدفة، في ظل هذه الموجة العالمية، تليها وسائل الإعلام المستقلة.

تصوّر القيادات الشعبوية حكوماتها بأنها تمثل الديمقراطية الشعبية الحقيقية، وأنها تأتي بديلاً للنموذج الليبرالي الذي خان تطلعات الشعب

وفي كتابه الصادر نهاية العام الماضي، يكشف أستاذ القانون الدستوري والقاضي السابق في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، أندريا ساجو، كيف أن صعود الشعبوية قوّض من الحكم الدستوري، ومؤسسات الديمقراطية الليبرالية في المجر وبولندا وتركيا وفنزويلا، معتبراً أنها انتهجت أسلوب الحكم بالخداع، في إشارة إلى تكتيكات انتهاك الحكم الدستوري في الديمقراطيات غير الليبرالية، الظاهرة التي وجدت صدى لها أيضاً لدى بعض التوجهات غير الليبرالية في الأنظمة الديمقراطية المستقرة مثل الولايات المتحدة في ظل حكم الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب. تصوّر القيادات الشعبوية حكوماتها بأنها تمثل الديمقراطية الشعبية الحقيقية، وأنها تأتي بديلاً للنموذج الليبرالي الذي خان تطلعات الشعب. لكنها في الحقيقة تؤسّس، عبر سياساتها وخطاباتها، لسلطوية باسم الشعب. لا تهدف هذه الديمقراطيات الشعبوية إلى قمع المعارضة، بقدر ما يجري تصويرها معارضةً نخبوية، وعديمة القيمة والفائدة. ويتجه كثير من هذه الأنظمة الشعبوية إلى اعتماد ما تعرف ب”ديمقراطية الاستفتاءات”، والتي تقوم في مواجهة الدستورانية الليبرالية ومؤسساتها تحت لافتة الانتصار لحكم الأغلبية. يفضّل هذا النموذج الدفاع عن الانتخابات والاستفتاءات باعتبارها تمثيلا للإرادة الشعبية، على حساب باقي مكوّنات الديمقراطية الليبرالية من مؤسسات تمثيلية، فتنتقل من مبدأ الفصل بين السلطات إلى هيمنة السلطة التنفيذية على باقي سلطات الدولة، وتعمل على إعادة صياغة مؤسسة القضاء والمحاكم العليا والدستورية، وتعديل القوانين الانتخابية، والتحايل على حكم القانون بذريعة تحقيق أهداف مجتمعية عليا تمثل الإرادة الشعبية، وتعتمد، في غالب الأحيان، على مفهوم الاستثناء والطوارئ، للخروج عن قيود الدستور وحكم القانون.

شهدت دول كثيرة انتكاسات لديمقراطياتها، بما فيها بعض الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كانت تعاني بالفعل من سوء جودة مؤسساتها الدستورية، أو عدم قدرة نخبها السياسية على الانتقال ببلدانهم إلى مرحلة تعزيز الديمقراطية، وهي الخطوة الأصعب في مخاض التحوّل الديمقراطي. ولم تسلم الديمقراطيات القديمة من بعض الانحرافات، خصوصا مع صعود التيارات الشعبوية، لكن هذه الديمقراطيات المستقرّة تبقى قادرة على احتواء الانحرافات. إن سلامة (وعمق) الديمقراطية الليبرالية ومؤسساتها وارتباطها بمقاربة شاملة لحقوق الإنسان هما الضامنان لاستقرارها على المدى الطويل، وقدرتها على تحقيق التنمية الاقتصادية والإنسانية وغيرها من منافع اجتماعية وسياسية في مجالات الصحة وحماية البيئة وتحقيق الأمنين، الداخلي والعالمي.

بتاريخ:  2022-04-13

قراءه الخبر
من المصدر

#أخر #الأخبار #الانتكاسة #العالمية #للديمقراطية #الليبرالية

تابعوا Tunisactus على Google News

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد