أردنية تتقن فن الفسيفساء بالإرادة والقدمين |
مأدبا (الأردن) – بابتسامة لا تفارق محياها، تلوّح الأردنية رحمة خيرالله للعالم دون يدين، برسالة عنوانها الإرادة تحقق ما كان مستحيلا، رغم الظرف الصعب والنادر الذي تعيش معه.
خيرالله (36 عاما) المولودة بلا ذراعين، قصة إنسانية تزخر بالمعاني والعبر، تجاوزت خسارة فقدان العمل اليدوي لتبني مستقبلها بقدميها، في إصرار على النجاح.
لم تتوقف الشابة الأردنية عند الاعتماد على قدميها في تلبية احتياجاتها اليومية، لكنها قررت أن تكون عنصرا فاعلا في مجتمعها، فلجأت إلى فن الفسيفساء لتشكل من خلاله لوحات فنية لا يتقنها سوى الموهوبين. وتبدع خيرالله في بيت الفسيفساء للحرف والتحف اليدوية (خاص) بمحافظة مأدبا (وسط) دون كلل ولا شكوى.
ولدت رحمة بمنطقة شفا بدران بالعاصمة عمان عام 1986، وهي الشقيقة الثالثة لاثنين من الذكور وواحدة من الإناث. مرّت أسرتها بظروف معيشية صعبة، فوالدتها ربة منزل ووالدها الذي كان يعمل بالسباكة، اضطر لترك عمله نتيجة تعرضه لمشاكل صحية.
وقالت رحمة “عندما ولدت مكثت والدتي بالمستشفى لأسبوع قبل أن تعلم بحالتي”. وأضافت “عندما حضر والدي إليها من دوني تساءلت مذعورة، فرد عليها ‘إن ابنتنا بخير، لكن هناك أمر لا بد من قوله وهو أن ابنتك دون يدين'”. وتابعت “كان رد والدتي وقتها ‘الحمد لله’، ومنذ ذلك الوقت قالت سأسميها رحمة”.
وبأسلوب يدل على فخرها بوالدتها، قالت خيرالله “أمي من علمتني كيف أستخدم قدمي، فقد كانت تعطيني الأشياء وتضعها بين أصابعي وتراقبني من بعيد”. وأضافت “شيئا فشيئا تعودت على ذلك، ورفعت لي أمي مستويات التعليم والتدريبات، وألحقتني بمركز خاص للإعاقة الحركية، وزادت بعدها قدراتي بشكل كبير”.
وبحزن واضح، بيّنت رحمة “تلقيت تعليمي المدرسي من الصف الأول وحتى السادس في مدرسة لذوي الإعاقة، لكن لم يتم قبولي بعدها بأي مدرسة، بحجة عدم القدرة على تحمل مسؤوليتي، علما بأنني لا أعاني من أي مشاكل صحية”.
وأضافت “كنا لا نملك منزلا وتوجهنا لكثير من الجهات الحكومية لمساعدتنا إلا أننا كنا نواجه بالرفض”. وقالت عن المنزل الذي تقيم فيه مع عائلتها “ظهرت قبل 20 عاما على إحدى القنوات الفضائية، وتابع قصتي الأمير السعودي نايف بن عبدالعزيز، وبالفعل تواصل معنا وتبرع لنا بمبلغ مالي اشترينا به قطعة أرض وبنينا عليها منزلا”.
وأضافت “زيادة على المنزل، تبرع لي بتركيب أطراف اصطناعية، وذهبت إلى الولايات المتحدة وعدت إلى الأردن بعد 3 أشهر بتلك الأطراف”. وتابعت “وعدني الأمير السعودي بأن أؤدي العمرة والحج، وتم ذلك بالفعل، وخلال أدائي لمناسك الحج، أتعبتني الأطراف فاضطررت لوضعها بحقائب سفري، ومع الأسف سرقت تلك الحقائب، ومن يومها وأنا دون أطراف”.
وبسؤالها عن نظرة المجتمع لها، صمتت الشابة الأردنية قليلا، وتباطأت أنفاسها قبل أن تتكلم مجددا “قبل 15 عاما، كنت أشعر بنظرات الناس التي تدل على أنهم ينفرون مني، فأنا آكل وأشرب بقدمي”. وواصلت “عندما كنت أشاهد ردود أفعال الناس ونظراتهم كنت أغلي من الداخل لكني لا أرد عليهم، وأكتفي بالقول: لهم الله”.
وعام 2018 التحقت رحمة بدورة لتعلم فن الفسيفساء دامت 13 يوما، وكان مطلوبا من المشاركين إنجاز لوحة واحدة على الأقل خلال الفترة التدريبية.
الشابة الأردنية لم تتوقف عند الاعتماد على قدميها في تلبية احتياجاتها اليومية فلجأت إلى فن الفسيفساء لتشكل من خلاله لوحات فنية لا يتقنها سوى الموهوبين
كان صوتها هادئا وخافتا بعض الشيء وهي تروي قصة التدريب على الفسيفساء، لكنه ارتفع مع نبرة فخر بدت على محيّاها حينما قالت “تمكّنت أثناء التدريب من تصميم 3 لوحات فسيفسائية، وقد انبهروا بما فعلت”. وأضافت “أكد القائمون على الدورة أن ما قمت به لا يقدر عليه الأصحاء، ولم يكن تعاطفا، فقد حصلت على المركز الأول”.
وبابتسامة تبدي فخرها، أضافت “أُقيم للمشاركين حفل تخريج، وقد وقف لي الجميع وهم يصفقون، وقد كنت فرحة بذلك”. وتابعت “أما الآن فأنا سعيدة بعملي الجديد، فقبل أسابيع تواصل معي أحد المختصين بصناعة الفسيفساء في المدينة طالبا مني العمل معهم في صناعة اللوحات الفسيفسائية المختلفة”.
وتقع مدينة مأدبا على بعد 33 كيلومترا، جنوبي العاصمة الأردنية عمان، ويعود تاريخ تأسيسها إلى عهد “المؤابيّين” في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. ويُطلق على مأدبا “عاصمة الفسيفساء” لأن أغلب المواقع السياحية فيها تحتوي على لوحات الفسيفساء، فضلا عن وجود مراكز كثيرة تتخصّص في تعليم هذا الفن.
#أردنية #تتقن #فن #الفسيفساء #بالإرادة #والقدمين
تابعوا Tunisactus على Google News