أزمة غذاء عالمية تهدد خبز الفقراء واندلاع المجاعات
اتُّهمت روسيا في مجلس الأمن بالتسبب بـ”أزمة غذاء عالمية” وتعريض الناس لخطر “المجاعة” عبر إطلاق حرب أوكرانيا، التي تعد “سلة الخبز” لأوروبا.
وأفادت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان خلال اجتماع لمجلس الأمن مكرّس للأزمة الإنسانية في أوكرانيا إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “بدأ هذه الحرب. فلاديمير بوتين أحدث هذه الأزمة الغذائية العالمية. وهو القادر على وقفها”.
وشددت على أن “مسؤولية إطلاق الحرب على أوكرانيا وتداعياتها على الأمن الغذائي العالمي تقع على عاتق روسيا والرئيس بوتين وحده”.
بدوره، شدد مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير على أن “عدوان روسيا على أوكرانيا يفاقم خطر المجاعة حول العالم” وبأن سكان الدول النامية سيكونون أول المتأثّرين.
وأضاف “لا شك في أن روسيا ستحاول جعلنا نصدّق بأن العقوبات التي تم تبنيها ضدّها هي التي تتسبب بعدم توازن وضع الأمن الغذائي للعالم”.
وبالفعل، أصر مندوب موسكو في الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا على أن الاضطرابات القائمة في سوق الغذاء العالمي سببها “هستيريا العقوبات الجامحة التي أطلقها الغرب ضد روسيا”.
وذكرت شيرمان والمدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي بأن أوكرانيا وروسيا، المنتجتان الرئيسيتان للحبوب، تمثّلان 30 في المئة من صادرات القمع العالمية و20 في المئة من الذرة و75 في المئة من زيت دوار الشمس.
وأعلن الاتحاد الأوروبي عن مبادرة للتخفيف من نقص الغذاء الناجم عن الحرب. ويسعى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى التزام متعدد الأطراف ضد القيود على تصدير المواد الخام المرتبطة بالزراعة.
ولفتت مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية جويس مسويا إلى أن النزاع في أوكرانيا “يهدد بتردي الأوضاع في أسوأ الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم، كما هو الحال في أفغانستان واليمن والقرن الإفريقي” حيث يعد انعدام الأمن الغذائي مشكلة في الأساس.
ارتفاع أسعار الغذاء
قال الصندوق الدولي للتنمية الزراعية التابع للأمم المتحدة (إيفاد) إن الحرب في أوكرانيا تسببت بالفعل في ارتفاع أسعار الغذاء ونقص المحاصيل الأساسية في أجزاء من وسط آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأدى الغزو الروسي لأوكرانيا الشهر الماضي إلى تقليص عدد الشحنات بشدة من البلدين، اللذين يمثلان نحو 25 بالمئة من صادرات القمح العالمية، و16 بالمئة من صادرات الذرة العالمية الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية.
وقال الصندوق الدولي للتنمية الزراعية إن ذلك يؤثر على أسعار التجزئة للمواد الغذائية في بعض أفقر الدول في العالم.
وقال رئيس الصندوق جيلبرت إف. هونجبو “إن الصراع في أوكرانيا، والذي يعد كارثة بالفعل بالنسبة للمتأثرين به بشكل مباشر، سيكون أيضا مأساة لأفقر شعوب العالم، الذين يعيشون في مناطق ريفية. نحن نشهد بالفعل ارتفاعا في الأسعار”.
وحذر من أن ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى زيادة معدل الجوع والفقر، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاستقرار العالمي.
ولا تعتبر معدلات أسعار القمح في الوقت الحالي بعيدة كثيرا عن المستويات المسجلة خلال أزمة الغذاء الأخيرة في عامي 2007 و2008، والتي أدت إلى احتجاجات في العديد من الدول النامية، كما تعتبر إلى حد كبير من الأسباب التي أشعلت انتفاضات الربيع العربي في الشرق الأوسط.
وتعد روسيا إحدى أكبر الدول المصدرة للأسمدة في العالم، التي ارتفعت أسعارها بالفعل في العام الماضي، مما ساهم في زيادة أسعار الغذاء العالمية 30 بالمئة، وبالتالي زيادة معدلات الجوع العالمية.
وللمساعدة في تخفيف الأزمة التي يواجهها سكان الريف الفقراء، الذين ينتجون حوالي ثلث الغذاء في العالم، قالت (إيفاد) إنها ستركز على بعض مبادرات مثل التحويلات النقدية، وزيادة التحويلات المالية، وتقديم إعانات للمؤسسات الزراعية.
سلة الخبز
كما حذر تقرير أصدره صندوق النقد الدولي من أن الصراع الدائر في أوكرانيا سيعرض الأمن الغذائي العالمي للخطر، فيما صرحت كريستالينا غورغييفا، المديرة العامة للصندوق، أن “الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في أفريقيا”. وأوكرانيا هي “سلة الخبز لأوروبا” بينما تعد روسيا من أكبر الدول المصدرة للقمح، وهما تستحوذان معا على ثلث التجارة العالمية لهذه الحبوب. وأشار “برنامج الأغذية العالمي” الجمعة الماضية إلى أن بعض الدول مثل مصر -التي تعتمد بشكل كبير على واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا- ستتأثر بصورة فورية من هذا الصراع.
وقالت كريستالينا غورغييفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي لمحطة “سي بي إس نيوز” “الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في أفريقيا”.
مجاعة عالمية
من جهته قال مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، إن الغزو الروسي لأوكرانيا تسبب في معدلات جوع شديدة في البلاد، ويزيد من مخاطر ارتفاع معدلات الجوع في روسيا، وقد يتسبب في زيادة عالمية في سوء التغذية والمجاعة.
وأضاف: “على مدى السنوات الثلاث الماضية، ظلت معدلات الجوع والمجاعة في ارتفاع. مع الغزو الروسي، نواجه الآن خطر مجاعة وشيكة وجوع في المزيد من الأماكن حول العالم. يجب وقف الهجمات العسكرية ضد أوكرانيا على الفور قبل أن تكون هناك عواقب عالمية وخيمة وطويلة الأجل للأمن الغذائي للجميع.”
أوكرانيا وروسيا هما من أكبر خمس دول مصدرة للحبوب في العالم. حسب بعض التقديرات، فإن الأمن الغذائي العالمي بات على المحك، حيث تبلغ قيمة التجارة الزراعية العالمية مع هذين البلدين حوالي 1.8 تريليون دولار.
وفقا للخبير الأممي، بدأت الآثار المباشرة للنزاع على الغذاء تظهر في مصر، وتركيا، وبنغلاديش، وإيران. تشتري هذه الدول أكثر من 60 في المائة من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا.
كما تعتمد بلدان مثل لبنان وتونس واليمن وليبيا وباكستان بشكل كبير على البلدين في إمدادات القمح.
مع بدء موسم الزراعة قريبا في أوكرانيا وروسيا، أعرب الخبير الأممي عن القلق من الاضطرابات طويلة الأجل التي سيحدثها النزاع على الغذاء.
كما أعرب عن قلقه بشأن الكيفية التي سيضر بها الغزو الروسي لأوكرانيا الناس في روسيا، مشيرا إلى فرض العديد من الدول عقوبات اقتصادية على روسيا، وتعمل العديد من الشركات، طواعية، على سحب استثماراتها من روسيا أو مقاطعتها.
“نظرا لأن العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا تتوسع لتتجاوز الأفراد والمؤسسات وتصبح عامة أكثر، فإن ما يقلقني هو أن الأشخاص الأكثر ضعفا في روسيا قد يتحملون عبئا غير متناسب. يتعين دائما قياس فعالية العقوبات مقابل الانتهاك المحتمل لحقوق الإنسان والعواقب الإنسانية.”
وقال السيد مايكل فخري إن الجوع والمجاعة وسوء التغذية هي أمور غالبا ما تكون نتيجة للفشل السياسي. “لا ينبغي استخدام الغذاء كسلاح ولا ينبغي دفع أي بلد في العالم إلى المجاعة واليأس”.
اكتناز الغذاء والبنزين
بدوره حذر رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس الناس والشركات من اكتناز الغذاء والبنزين على الرغم من الارتفاع الحاد في الأسعار الذي أثاره الغزو الروسي لأوكرانيا وعقوبات واسعة فُرضت على روسيا.
وأبلغ مالباس منتدى افتراضيا استضافته صحيفة واشنطن بوست أن العقوبات سيكون لها تأثير على الناتج الاقتصادي العالمي أكبر من الحرب نفسها، لكنه قال إنه استنادا إلى التقديرات الحالية فإنه لا يتوقع أن تنهي الأزمة التعافي العالمي أو أن تخفض الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وأضاف أنه يتوقع استجابة قوية من المنتجين حول العالم لزيادة الإمدادات عند الحاجة، ولا يرى حاجة لأن يعمد الناس إلى تخزين كميات إضافية في مطابخهم أو مطاعمهم.
وقال إنه يتوقع زيادات كبيرة في المعروض من الطاقة من خارج روسيا والمعروض من الغذاء من خارج روسيا وأوكرانيا بما يخفف تأثير الزيادات الحادة في الأسعار التي أثارتها الحرب ويساعد في استمرار التعافي.
وأضاف أن إمدادات الطاقة ربما يجري زيادتها بخطى أسرع من إمدادات الغذاء بالنظر إلى أن التعديلات الزراعية تستغرق في العادة حوالي عام.
“الشيء الصائب الذي يحب عمله في هذه الظروف الحالية هو عدم الخروج وشراء كميات فائضة من الطحين أو من البنزين.”
وقال مالباس إن تداعيات العقوبات “واسعة النطاق.. إنها قاسية لروسيا كدولة وتمتد إلى شعب روسيا كنتيجة مباشرة لانخفاض قيمة الروبل.”
“بالنسبة لكثيرين من الروس، فإن انخفاض قيمة العملة الذي يعانون منه الآن يعيد إلى الأذهان ذكريات النظام الشيوعي”، مشيرا إلى زمن كانت فيه الحاجات الأساسية والسلع الاستهلاكية شحيحة في اقتصاد روسيا.
الجوع في إفريقيا
أشار تقرير صادر عن معهد كييل الألماني للاقتصاد العالمي إلى أن الدول الأفريقية قد تتعرض لأضرار جسيمة نتيجة استمرار وقف صادرات الحبوب الأوكرانية جراء الحرب.
قال المعهد “من الممكن أن تلحق الحرب في أوكرانيا أضرارا جسمية بإمدادات الحبوب المستخدمة في إنتاج الطعام بالدول الأفريقية، على نحو يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الغذاء إذا توقفت أوكرانيا عن توريد الحبوب”.
أضاف المعهد “يزود البلد (أوكرانيا) دول شمال أفريقيا بشكل خاص بكميات كبيرة من الحبوب، والتي لا يمكن تعويضها من خلال مصادر إمداد أخرى حتى في الأمد الطويل.”
تأثر مستوردو الحبوب على مستوى العالم بشدة من ارتفاع الأسعار، وبلغ القمح أعلى مستوياته منذ 14 عاما إثر التوقف المفاجئ للصادرات الأوكرانية والانخفاض الحاد في صادرات روسيا. وأدى الصراع إلى إغلاق موانئ تصدير الحبوب.
تسهم روسيا وأوكرانيا بنحو 30 بالمئة من صادرات القمح العالمية علاوة على كميات كبيرة من الأعلاف الحيوانية وزيوت الطعام. وانخفضت الشحنات بشكل كبير بسبب القتال.
قال المعهد “بسبب الحرب، من المرجح أن تنعزل أوكرانيا مبدئيا عن الاقتصاد العالمي، مع انقطاع خطوط التجارة، وتدمير البنية التحتية واحتمال توجيه جميع عوامل الإنتاج المتبقية نحو اقتصاد الحرب”.
أضاف “خروج أوكرانيا من منظومة التوريد سيفاقم بشكل ملحوظ وضع الإمدادات في جميع أنحاء القارة”.
ومن بين البلدان الأشد تضررا تونس حيث سينخفض إجمالي وارداتها من القمح بأكثر من 15 بالمئة، وستتراجع واردات مصر بنسبة تزيد عن 17 بالمئة، بينما ستقل واردات جنوب أفريقيا بمعدل سبعة بالمئة.
وستتعطل أيضا واردات الحبوب بشكل ملحوظ في الكاميرون والجزائر وليبيا وإثيوبيا وكينيا وأوغندا والمغرب وموزامبيق.
تأثير ارتفاع أسعار النفط
بدأ الأفارقة يشعرون بتأثير التداعيات الاقتصادية للأزمة الأوكرانية، فارتفعت أسعار الوقود والحبوب والأسمدة في القارة السمراء، من نيجيريا إلى مالاوي، ما يثير مخاوف من تفاقم الفقر فيها.
وارتفعت أسعار النفط العالمية إلى أعلى مستوياتها التي لم تسجّلها طيلة عقد تقريبًا، متجاوزة 100 دولار للبرميل بعد وقت قصير من غزو روسيا لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير، ما وجه ضربة قوية للعديد من الشركات جنوب الصحراء.
ويعتبر الخبّاز جوليوس أديوالي من لاغوس أن أزمة ارتفاع سعر الوقود هي كارثة. فباتت شبكة الكهرباء الهشّة في نيجيريا تزوّد مؤخرًا السكان بساعات قليلة من التغذية يوميًا، ما أجبر أديوالي على الاعتماد على المولّدات التي تعمل بالديزل لتوليد الطاقة، غير أن سعره يرتفع.
وقال أديوالي فيما كان الموظّفون في المخبز يكدّسون أرغفة الخبز “لا ضوء منذ الأمس ونحن نعمل باستخدام كهرباء المولّد منذ الأمس”. وأضاف “زادت تكلفة الانتاج بشكل كبير جدًا”.
ونيجيريا هي أكبر منتج للنفط في إفريقيا وأكبر اقتصاد فيها، لكن طاقة تكريرها قليلة.
وتدعم الحكومة تكلفة البنزين، غير أن الديزل ووقود الطائرات يُباعان بسعر السوق.
وحذّرت عدة شركات طيران محلية هذا الشعر من أنها مضطرة لإلغاء رحلات جوية عدة بسبب شحّ في الوقود للطائرات.
وكان الديزل يُباع في نيجيريا بنحو 300 نيرة نيجيرية (0,72 سنتًا) للتر الواحد، لكنه أصبح الآن يُباع بـ730 نيرة (1,75 دولارًا) للتر.
وقال الرئيس الإقليمي لاتحاد المصنعين النيجيريين لانري بوبولا لوسائل إعلام محلية “لا أعلم كيف سنتأقلم لأن 70% من الأعمال تجري على الديزل”.
وتابع “وتعمل بعض الشركات أيضًا لساعات محدودة على الديزل لأنها لا تستطيع تحمّل تكلفة مولّدات طيلة اليوم”.
وتعتبر المحللة في مجموعة “يوريجا غروب” لتحليل المخاطر السياسية آماكا أنكو أن، في حال استمرت الأزمة، فستخسر الدول الإفريقية التي تعد من كبار المستوردين للوقود والحبوب، فيما سيربح مصدّرو هذه السلع.
وتشير إلى أن هناك أيضًا دولًا مثقلة بالديون مثل غانا ستكافح مع ارتفاع تكاليف الاقتراض مع انخفاض اندفاع المستثمرين للمخاطرة.
وقد يستفيد مُنتجو الغاز مثل تنزانيا والسنغال ونيجيريا من تحرّكات أوروبا لإنهاء الاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية، حسبما ترى دانيال ريسنيك من معهد بروكينغز للأبحاث.
لكنها تعتبر أن التحدّي المباشر هو معاناة العائلات الإفريقية التي يكافح الملايين منها لتأمين معيشتها.
وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا الأحد “الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في إفريقيا”.
وسيفاقم ارتفاع الأسعار انعدام الأمن الغذائي في اثيوبيا التي تشهد نزاعًا والتي يعيش فيها نحو 20 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات غذائية.
وتفيد مكاتب وكالة فراس برس بأن التضخم يزداد في أنحاء كثيرة من القارة الإفريقية.
في كينيا، بات شوال دقيق القمح يُباع الآن مقابل 150 إلى 172 شلن كيني (1,3 إلى 1,5 دولار أميركي)، مقارنة بأقل من 140 شلن في شباط/فبراير.
وعادة ما يحصل ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا جنوب الصحراء على خُمس وارداته من القمح من روسيا و10% أخرى من أوكرانيا، بحسب الحكومة.
في العاصمة الأوغندية كمبالا، تسببت الأزمة الأوكرانية بارتفاع أسعار الصابون والسكر والملح وزيت الطهي والوقود.
وقال وزير المالية الأوغندية دافيد باهاتي لوكالة فرانس برس “إن معظم السلع الأساسية منتجة محليًا لكن بعض المكونات مستوردة وتتحدد اسعارها بفعل الصدمات في الأسواق الدولية”.
وتقول ريتاه كاباكو (41 عامًا) وهي مساعدة في متجر في كمبالا لوكالة فرانس برس “تنفق عائلتي المكوّنة من أربعة أشخاص معدّل 5,000 شلن لتوفير الطعام والأساسيات، لكن لم يعد ذلك كافيًا … أصبحت أنفق الآن أكثر من 10,000 شلن”.
ضحايا كلّما اندلعت حرب
ومع حذره من التضخم الناجم عن الأزمة في أوكرانيا، رفع البنك المركزي في موريشيوس سعر الفائدة الرئيسية إلى 2%، في أول ارتفاع منذ العام 2011.
وقال رئيس الحكومة في موريشيوس برافيند كومار جوغناوث في خطاب متلفز “من المؤسف أن، بعد أن صفت السماء بعد كوفيد-19، ظهرت غيوم إضافية”.
في العاصمة الصومالية مقديشو، ارتفعت أسعار الوقود وزيت الطهي ومواد البناء والكهرباء.
وقال التاجر محمد عثمان “قبل أسبوع، كان سعر غالون زيت الطهي من 20 لترًا 25 دولارًا، واليوم أصبح 50 دولارًا. وكان سعر لتر البنزين 0,64 دولارًا واليوم يبلغ 1,80 دولارًا. إنه أمر جنوني”.
في إفريقيا الجنوبية، ارتفعت أسعار الخبز وزيت الطهي في مالاوي بمعدل 50%.
وقال فاتساني فيري، وهو مدقق حسابات كان يشتري الخبز في العاصمة ليلونغوي، “هذه الحرب لا تعنينا وليس من العدل أن ندفع مثل هذا الثمن الباهظ”.
وأضاف “لا يمكننا أن نكون ضحايا كلّما اندلعت حرب في مكان ما في العالم”.
المصريون يحسبون تكلفة زيادة أسعار الخبز
يتقاضى محمود فرج راتبا شهريا قدره 1500 جنيه مصري (95 دولارا) من عمله كحارس عقار في القاهرة، لكن الراتب لم يعد كافيا لإطعام أسرته المكونة من خمسة أفراد.
وأسعار الغذاء بمصر في تزايد حتى من قبل الغزو الروسي لأوكرانيا. والآن ارتفع سعر الخبز الذي يعوّل عليه الكثير من المصريين كمكوّن أساسي في غذائهم مع اضطراب صادرات القمح من البحر الأسود وزيادة الأسعار العالمية.
ويفرض ذلك ضغوطا مالية على الأسر التي تحملت بالفعل أعواما من التقشف في بلد يعيش قرابة ثلث سكانه البالغ عددهم 103 ملايين نسمة تحت خط الفقر الرسمي ويكابد كثيرون منهم شظف العيش.
يقول أصحاب المتاجر إن تكلفة كيس الخبز المدعوم زادت 25 بالمئة في الأسابيع الثلاثة التي تلت بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، فضلا عن تزايد أسعار الزيت والبيض والمعكرونة وغيرها من الأغذية عالية الاستهلاك.
وقال عطية حماد رئيس شعبة المخابز بالغرفة التجارية للقاهرة إن أسعار الطحين زادت بما يصل إلى 15 بالمئة.
يقول فرج (52 عاما) “آكل أقل حتى لا يجوع أطفالي”. ولم تعد ميزانيته اليومية المخصصة للخبز تكفي إلا لشراء ثمانية أرغف صغيرة بدلا من عشرة من قبل. ويضيف “أحيانا نطبخ وجبة جيدة كل ثلاثة أيام وبقية الأسبوع نأكل شيئا مثل الخبز والجبن”.
ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وتشتري أكثر من 60 بالمئة من احتياجاتها من الخارج. وشكلت روسيا وأوكرانيا نحو 80 بالمئة من تلك الواردات في العام الماضي.
والآن يسارع التجار للاستيراد من أماكن أخرى بعد توقف الشحنات بسبب القتال في أوكرانيا والعقوبات على روسيا.
قال تاجر في المنطقة “إذا أردت بديلا فستكون الأسعار مختلفة تماما”، في إشارة إلى تقلبات العقود الآجلة التي يستند إليها السوق.
وارتفعت العقود الآجلة للقمح في باريس تسليم مايو أيار بنحو 50 بالمئة من مستوياتها المتدنية في فبراير شباط.
خطر اجتماعي
كشفت دراسة نشرها المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية هذا الأسبوع أن زيادة الأسعار في الآونة الأخيرة قد يرفع الإنفاق الحكومي السنوي على واردات القمح إلى الضعف تقريبا من نحو ثلاثة مليارات دولار إلى 5.7 مليار، وهو مبلغ قد تواجه الحكومة صعوبة لتدبيره نظرا لعدم تغير تكلفة الخبز المدعوم منذ الثمانينيات على الرغم من انكماش حجم الرغيف.
وأثارت محاولة لزيادة سعر الخبز المدعوم في 1977 أحداث شغب، في حين شهد عصر الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك اضطرابات في 2008 بسبب نقص القمح. وكان الهتاف الرئيسي في الانتفاضة التي أطاحت به بعد ذلك بثلاثة أعوام “عيش حرية عدالة اجتماعية”.
والآن تحذر منظمات دولية منها البنك الدولي من أن زيادة أسعار الطاقة والغذاء قد تؤدي إلى اضطرابات اجتماعية مماثلة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وحاولت الحكومة طمأنة المصريين في الأسابيع الماضية بأن احتياطيات القمح الموجودة والمحصول المحلي تكفي لتغطية الطلب على الخبز المدعوم لنحو ثلثي السكان لمدة لا تقل عن ثمانية أشهر.
كما رفعت الحد الأدنى للسعر المدفوع للمزارعين لزيادة توريد المحصول المحلي، وتقول إنها تخصص ميزانية لواردات قمح أعلى سعرا رغم الضغوط على المالية العامة.
ويقول مسؤولون إن إصلاحات الدعم قد تُدرج في ميزانية 2022-2023 المقرر إعلانها هذا الشهر، وإن لم يتضح بعد حجم أي إصلاحات.
ويأتي القمح المخصص لبقية أنواع الخبز من سوق خاصة متنامية يقول المتعاملون بها إن احتياطياتها أقل.
واحتجزت السلطات 12 شخصا على الأقل للاشتباه في التخزين والمضاربة في سلع غذائية ووجه الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة يوم الثلاثاء لتسعير الخبز غير المدعوم.
وحظرت مصر تصدير القمح والطحين وغيرهما من السلع الغذائية تشمل العدس والفول الأخضر لثلاثة أشهر.
ومن المتوقع أن تؤدي زيادة أسعار السلع الأولية إلى ارتفاع الأسعار في مختلف قطاعات الاقتصاد. وزاد التضخم الأساسي إلى أعلى مستوياته منذ نحو ثلاثة أعوام في فبراير شباط، ومن المتوقع أن يواصل ارتفاعه مع إقبال المستهلكين على الشراء قبيل شهر رمضان الذي يحل في مطلع الشهر المقبل.
وقال تيموثي كالداس من معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط إنه على الرغم من أن الضغوط الجديدة قد تُزيد الإحباطات المتصاعدة بسبب أحوال المعيشة، فإنها ربما لا تؤدي إلى احتجاجات شعبية أصبحت الآن محظورة فعليا بعد حملة طويلة على المعارضة السياسية.
وأضاف “رأينا المصريين يتحملون أيضا ضغوطا صعبة دون الخروج إلى الشوارع بأي عدد يذكر”.
مخاوف في دول المغرب العربي
منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، يقبل سكان دول المغرب العربي على شراء الدقيق والسميد مع ارتفاع أسعارها، بالتزامن مع اقتراب شهر رمضان الذي يزيد خلاله الاستهلاك على الرغم من تأكيد السلطات توفر كميات تكفي.
في محلّ تجاري في مدينة أريانة (شمال تونس)، كل الرفوف المخصصة للدقيق والسميد فارغة تماما ولا وجود سوى لثلاث علب سكر في الجانب المقابل.
وقد وضع العمّال لافتة كتبوا عليها “من فضلكم لا يسمح بشراء أكثر من 1 كلغ”، حسب مراسل فرانس برس.
وقال العاملون في المحل “لا يوجد نقص في التزويد ولكن لهفة في الاقبال على شراء الدقيق والسميد”.
وتتسوق هدى حجيج (52 عاما) بين أروقة الحل. وهي تتهم السلطات بأنها “لم تقدر (مسبقا) اندلاع حرب في أوكرانيا”، مؤكدة أنه “لا يوجد ارز ولا دقيق في مطبخي منذ أسبوعين”.
وأكد رئيس الغرفة الوطنية للمساحات التجارية الكبرى الهادي بكور في تصريحات اعلامية سابقة أن المواد الغذائية الأساسية متوفرة “ولن يكون هناك نقص” في نيسان/أبريل الذي يتزامن مع شهر رمضان الذي تتجمع خلاله العائلات ويتزايد نسق الشراء داخل الأسرة.
واعتبر المسؤول أن التهافت على شراء الدقيق (ارتفع بنسبة 700 بالمئة) والسكر (تضاعف ثلاث مرات) مردها أن التونسي يشتري بنسق كبير خلال فترة الأزمات.
يقضي الهادي بوعلاّق (66 عاما) الموظف المتقاعد يومه في البحث في مختلف الأسواق في مدينة أريانة لشراء ما استطاع من زيت ودقيق لتخزينه و”يدفع ضعف المبلغ المحدد” إن لزم الأمر.
لا نقص في القمح
يضطر سليم الطالبي صاحب مخبزة في العاصمة تونس، لشراء الدقيق الذي يستعمل عادة لاعداد الحلويات من المحلاّت التجارية ويخصصه لصناعة الخبز، بكلفة 10 دنانير للكيلوغرام الواحد أي ثلاثة أضعاف الثمن الذي كان يشتري به من مزوده.
ويعبر الطالبي لفرانس برس عن “قلقه” من اعتماد تونس كليّا على أوكرانيا وروسيا في توريد القمح الليّن. وقال “كل هذا ولم نشهد بعد تداعيات الحرب”.
أعلنت السلطات التونسية أن لديها مخزونا يكفي حتى حزيران/يونيو المقبل وأن المواد الغذائية الأولية (القهو’ والسكر والمعجنات والسميد) مدعومة من قبل الدولة بشكل كبير. فسعر الخبز مثلا لم يتغير منذ عشر سنوات (حوالي 0,6 يورو).
ومنظومة الدعم التي تعتمدها تونس وتهدف إلى تفادي اضطرابات اجتماعية مثل تلك التي حصلت في ثمانينات القرن العشرين، يتم اعتمادها أيضا في الجزائر التي تفكر في تغييرها.
والجزائر ثاني أكبر مستهلك للقمح بعد مصر (10 ملايين طن سنويا). لكنها “لا تستورد القمح اللين من روسيا وأوكرانيا” حسب الديوان الجزائري المهني للحبوب، بينما أكد مسؤول في الميناء “لن يكون هناك نقص ويتواصل جلب الحبوب في ناقلات كبرى في اتجاء ميناء الجزائر العاصمة”.
بالرغم من ذلك، سجل نقص في مادة السميد في تيزي وزو وبجاية ومنطقة القبائل بسبب التهافت على الشراء. وعلق الناشط على موقع فيسبوك موح بن عامر “الحرب في أوكرانيا وتم الهجوم على كل مخازن السميد”.
في الواقع، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في دول المغرب العربي قبل الهجوم الروسي على اوكرانيا.
وذكر الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع بأن هذا الغلاء “مرتبط بالظرفية الدولية”، بعد الركود الذي سببته الجائحة وأدى كما قال الى “الارتفاع المطرد الذي عرفته أسعار الحبوب والمنتجات البترولية في السوق الدولية”.
تجار بلا ضمير
في أحد أسواق الرباط يشكو الزبون مراد (37 عاما) من “الغلاء الفاحش لأسعار المواد الزراعية بسبب ارتفاع أسعار الوقود، ولكن أيضا بسبب الجفاف”، الذي يعاني منه المغرب هذا العام ويعد الأسوأ منذ أربعين عاما.
ويعاني المغرب الذي يعتمد على الخارج لتأمين احتياجاته من المحروقات، من ارتفاع أسعارها في الأسواق الدولية.
وقد تسبب ذلك بإضراب هذا الأسبوع لمهنيي النقل البري للركاب والبضائع، بينما “تدرس الحكومة إمكانية تقديم دعم مالي لمهنيين النقل قصد حماية القدرة الشرائية للمواطنين والحفاظ على الأسعار في مستويات معقولة”، وفق ما أفاد الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس.
كما شهدت ليبيا البلد النفطي الذي يعتمد على استيراد المواد الغذائية (75% من استهلاكها من القمح يأتي من روسيا وأوكرانيا)، ارتفاعا للأسعار خاصة في مادة الدقيق والحليب والزيت والمخللات والسكر.
وارتفع ثمن الخبز اثر الأزمة في اوكرانيا وأصبح الجنيه الليبي الواحد (حوالي 0,22 يورو) لا يسمح بشراء أكثر من ثلاث قطع من الخبر المدعوم بدلا من أربع في السابق.
ويندد صالح مصباح رب العائلة الذي كان يتجول في سوق للجملة بالعاصمة طرابلس “بعض التجار بلا ضمير ويستغلون كل الأزمات”.
وترى سميّة الثلاثينية التي كانت تحمل كيسين من الدقيق يزن كل منهما خمسة كيلوغرامات “لاحظنا ارتفاعا في اسعار الدقيق خاصة الدقيق الجيّد للحلويات والخبز مع ان الحكومة طمأنت الناس وقالت أن لديها مخزونا كافيا من القمح والدقيق، لكنني لا أظن ان ذلك صحيح”.
#أزمة #غذاء #عالمية #تهدد #خبز #الفقراء #واندلاع #المجاعات
تابعوا Tunisactus على Google News