إحياء للعروشية وإنهاء للأحزاب وضرب الحريات.. سعيد يواصل نهجه الاستبدادي
يواصل الرئيس التونسي قيس سعيد استخفافه بالضغوطات الداخلية والخارجية، إذ يحث الخطى لتثبيت برنامجه الديكتاتوري، مستغلًا ضعف المعارضة ولا مبالاة الشعب بما يحصل في البلاد، ورغبة بعض القوى في تأزيم الوضع التونسي أكثر.
يظهر هذا الأمر في المراسيم الرئاسية التي أعقبت إقرار الدستور الذي كتبه سعيد بنفسه دون استشارة أحد، آخر هذه المراسيم صدرت قبل يومين، واحد منها يتعلق بالقانون الانتخابي وفيه ضرب للأحزاب ومحاولة لإنهاء العمل السياسي وإحياء لـ”العروشية” و”القبلية” في البلاد، والثاني متعلق بجرائم المعلومات والاتصال.
في ديسمبر/كانون الأول 2020، قُتل شخصان في الجنوب التونسي وأصيب العشرات بجروح متفاوتة، إثر نشوب خلاف عقاري على قطعة أرض بين مجموعتين سكنيتين في منطقة “العين السخونة” الواقعة في قلب الصحراء على حدود محافظتي مدنين وقبلي.
مواجهات واشتباكات دامية استخدمت فيها بنادق الصيد والحجارة والعصي والأسلحة البيضاء بين مجموعة “المرازيق” التابعين لمعتمدية دوز (محافظة قبلي) و”الحوايا” التابعين لمعتمدية بني خداش (محافظة مدنين).
لم تكن هذه المواجهات القبلية الأولى التي يسقط فيها قتلى في تونس، فكثيرًا ما تشهد البلاد مثل هذه الأحداث الدامية، خاصة في محافظات الجنوب وبالتحديد في قفصة التي عرفت العديد من الأحداث القبلية الأليمة، رغم أن الدولة دائمًا ما تؤكد قضاءها على العروشية.
يرى سعيد أن عهد الأحزاب مرحلة وانتهت في التاريخ، وأن الأحزاب التونسية عاجزة عن قيادة المرحلة التي تمر بها البلاد
يبدو أن هذه الأحداث المحزنة ستعرف لها طريقًا إلى تونس في القريب، بسبب القانون الانتخابي الذي سنه الرئيس قيس سعيد ونشره في الرائد الرسمي لتنظيم الانتخابات التشريعية القادمة المقررة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
يُريد التونسيون أن يتجاوزوا تلك الأحداث الأليمة وينموا انتماءهم للوطن عوض الانتماء العائلي والقبلي، لكن لسعيد رأي آخر يظهر من خلال تقسيم الدوائر الانتخابية، ففي قفصة مثلًا رأى قيس سعيد أن يمنح مقعدًا واحدًا لكل من العرايس والرديف والمضيلة والمتلوي وسيدي بوبكر، وهو أمر من الصعب أن يمر بسهولة.
دائمًا ما تحصل خلافات قبلية بين أبناء هذه المناطق وداخل نفس المنطقة أيضًا، وقديمًا الأحزاب كانت تعمل على ترضية كل جهة بطريقة ما، أما الآن بعد إقرار عضو نيابي واحد لكل هذه المناطق، فمن المنتظر أن تشهد محافظة قفصة صراعات قبلية دامية.
نفس الشيء بالنسبة لمحافظة قبلي، التي منح النظام فيها مدن قبلي الشمالية والجنوبية وسوق الأحد مقعدًا واحدًا في البرلمان السابق، ونسي النظام المعارك الدامية التي حصلت بين أبناء المدن الثلاثة في مرات سابقة إثر خلافات عقارية فما بالك بانتخابات تشريعية.
يعني ليسي المنزه 6 وليسي النصر وليسي المنزه 9 والPères Blanc ما يحملوش بعضهم وكل عام تلحم عرك بيناتهم وسي قيس سعيد يحب يعمل انتخابات نيابية وعاطي كرسي واحد لام العرايس و الرديف والمتلوي والمظيلة.
بقدرة ربي ما ثمة كان الخير.#حرب_العروش
via Oussema Ghajati#Tunisie #تونس— helmi attia (@helmiattia) September 16, 2022
من شأن تقسيم الدوائر الانتخابية الجديد أن يُحيي من جديد ظاهرة “القبلية” أو ما يسمى أيضًا بـ”العروشية” التي حكمت المجتمع التونسي قبل عقود سابقة من الزمن، ذلك أن “العروشية” ما زالت محددًا أساسيًا من محددات سلوك المجتمع التونسي، رغم سعي الدولة والأحزاب السياسية والمنظمات لوضع حد لها.
وتعد بعض مناطق تونس، مجالًا خصبًا وثريًا لنمو النزعات القبلية بالنظر إلى تركيبته المجتمعية والثقافية الخصوصية التي تهدد التماسك الاجتماعي في تونس، فالانتماء للقبيلة أقوى من الارتباط بالدولة وهو ما يُريد قيس سعيد تأصيله.
فضلًا عن إحياء القبلية والعروشية، يُفهم من مرسوم الانتخابات وجود إرادة من قيس سعيد لضرب الأحزاب وإنهاء العمل السياسي في البلاد، وصدر في الجريدة الرسمية أول أمس الخميس المرسوم الذي يدعو الناخبين للتصويت لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل، متضمنًا تعديلات جوهرية على القانون الانتخابي لعام 2014.
ينصّ القانون الانتخابي الجديد على اعتماد طريقة الاقتراع على الأفراد بدل القوائم المتبع منذ سنة 2011، والتصويت على دورتين، وإقرار مبدأ سحب الوكالة من النواب المنتخبين، وخفض عدد أعضاء مجلس نواب الشعب من 217 إلى 161، منهم 10 نواب عن التونسيين المقيمين بالخارج.
خلال عرضه للقانون الجديد، تهجم قيس سعيد كعادته على الأحزاب السياسية، محملها مسؤولية ما يحصل في البلاد من أزمات اقتصادية واجتماعية، وسبق أن قلص سعيد إلى حد كبير صلاحيات البرلمان مقابل تعزيز سلطات رئيس الدولة.
قيس سعيد خرج مرسوم لتكميم افواه الناشطين السياسيين والمدونين حسب ما صرح به مدون وناشط سياسي من انصاره اليوم بسجن 5 سنوات و غرامة مالية ب 50 ملون دينار كل من يشوه مسؤول او موضف او ينشر خبر غالط او ايشاعات او مغالطة او اخبار مرعبة الخ …! كانت تشخر زادت بف !.
— Dhaou achour (@AchourDhaou) September 17, 2022
إقرار العمل بنظام الاقتراع على الأفراد بدل القوائم، من شأنه وضع حد للأحزاب السياسية، فلا أهمية للأحزاب في الانتخابات القادمة، ولا جدوى من وجودها وفق تصور قيس سعيد، فالأفراد فقط من لهم حق الترشح.
عبر هذا المرسوم، يواصل قيس سعيد تكريس حكمه الفردي، فمن خلال منع الأحزاب السياسية التي تمثل العمود الفقري لكل نظام ديمقراطي، من الوجود في البرلمان القادم، ستكون السلطة بيد الرئيس سعيد فقط، لا ينازعه أحد فيها.
بالتالي سيكون النواب الجدد في البرلمان القادم تابعين فقط، لا جدوى من وجودهم، إلا تأثيث “مسرحية” قيس سعيد، التي لا يُرجى منها خير للتونسيين، فهم مجرد “كومبارس” في خدمة منظومة الحكم الفردي.
من المعلوم أن مشروع قيس سعيد يقوم على فسخ الحياة الحزبية تمامًا وتعويضها بما يسميه النظام المجالسي الذي يعتمد أساسًا على الوكالة التي يسحبها الناخبون متى قرروا ذلك، وقد تأكد هذا الأمر في مرسوم الانتخابات القادمة.
ويرى سعيد أن عهد الأحزاب مرحلة وانتهت في التاريخ، وأن الأحزاب التونسية عاجزة عن قيادة المرحلة التي تمر بها البلاد، وسبق أن قال قبل توليه الرئاسة: “عشتُ مستقلًا وسأبقى مستقلًا وسأواري الثرى مستقلًا لوحدي”.
يتيح المرسوم الرئاسي للسلطات النفاذ إلى معطيات جميع التونسيين دون استثناء في أي حامل معلوماتي بما في ذلك البيانات المخزنة
ما يزيد من صدق هذه الفرضية أن سعيد أقام خطابه منذ بداية حملته التفسيرية التي سبقت الانتخابات الرئاسية على نقيض المنظومة الحزبية، فقد أوضح وبين في أكثر من مرة أنه لا يؤمن بها كأداة للفعل السياسي، وأنه يسعى للقضاء عليها، حتى يستفرد بالحكم بحجة أن الشعب له أن يحكم مباشرة دون وساطة.
يُذكر أنه منذ اعتلائه كرسي الحكم في أكتوبر/تشرين الأول 2019، اتسمت علاقة سعيد مع الأحزاب بالفتور، فلم يجر أي مفاوضات مباشرة معها في تشكيل حكومتي إلياس الفخفاخ وهشام المشيشي وتستمر هذه السياسة إلى اليوم.
لم يتوقف سعيد عند استدعاء “القبلية” و”العروشية” وضرب الأحزاب السياسية وإنهاء العمل السياسي، فقد امتد عمله نهاية الأسبوع إلى مجال الحريات أيضًا، وسن في هذا الصدد مرسومًا يقيد الحريات في تونس ويهدد كل معارض بالسجن.
يفرض المرسوم الجديد أحكامًا ذات صياغة مُبهمة قد تؤدي إلى سجن الأفراد لمدد تتراوح بين 5 و10 سنوات بناءً على مفاهيم مبهمة وغامضة مثل نشر معلومات كاذبة أو غير صحيحة، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ويفرض المرسوم السجن 5 سنوات على من ينشر أخبارًا ومعلومات كاذبة أو إشاعات عبر شبكة الاتصال وأنظمة المعلومات، بهدف الاعتداء على الآخرين أو الإضرار بالأمن العام أو بث الذعر، وتتضاعف العقوبة إذا كان المستهدف موظفًا عامًا، كما ينص على غرامة قدرها 50 ألف دينار تونسي (15 ألفًا و500 يورو).
يتيح المرسوم الرئاسي للسلطات النفاذ إلى معطيات جميع التونسيين دون استثناء في أي حامل معلوماتي بما في ذلك البيانات المخزنة، ما من شأنه أن يضيق على التونسيين أكثر ويتيح للسلطة تقييد حركتهم ونشاطهم، فالعديد من المفاهيم الفضفاضة كالأمن العام وغيره يمكن تطويعها خدمة للنظام.
يستهدف المرسوم العاملين في القطاع الصحفي ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ويمنح السلطة فرصة السيطرة على الفضاء العام وتطويعه خدمة لمصالحه، خاصة في ظل عجز نظام قيس سعيد عن الاستجابة لمطالب التونسيين وتفاقم الأزمة التي مست كل القطاعات.
تؤكد هذه المراسيم المتتالية نية قيس سعيد مواصلة إرساء برنامجه الاستبدادي القائم على حكم الفرد الواحد، دون أن يولي أي اهتمام للحريات وحق الشعب التونسي في العيش الكريم.
#إحياء #للعروشية #وإنهاء #للأحزاب #وضرب #الحريات. #سعيد #يواصل #نهجه #الاستبدادي
تابعوا Tunisactus على Google News