إصلاحات اقتصادية موجعة تهدد صناديق الحماية الاجتماعية في تونس | سناء عدوني
تونس- تواجه برامج الحماية الاجتماعية تهديدا جديا مع شروع الحكومة التونسية في تنفيذ إصلاحات اقتصادية موجعة تشمل رفع الدعم، مما يجعل الفئات الفقيرة والمتقاعدين عرضة لصعوبات جسيمة في ظل عجز الصناديق الاجتماعية على تلبية مطالبهم في وقت ترتفع فيه المطالب بتسريع الإصلاحات لتسوية ديون الصناديق واستكمال الخطط لوضع حزام الأمان الاجتماعي.
وتتزايد مخاوف التونسيين مع بدء الحكومة تنفيذ برنامج إصلاحات مع صندوق النقد الدولي من تأثرهم من تداعيات هذه الإصلاحات لاسيما في ظل تلكؤ برامج الحماية الاجتماعية وأزمة عجز الصناديق الاجتماعية التي تمثل المكسب الاجتماعي للطبقات الفقيرة والموظفين والمتقاعدين بالتزامن مع مراجعة الدعم ورفع أسعار بعض المواد الأساسية خلال العام الجاري.
وقال كبير خبراء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزير الإصلاحات الكبرى الأسبق توفيق الراجحي في حوار خاص مع “الـعرب” إن “أول عجز للصناديق الاجتماعية ظهر في عام 1993 وكان ضعيفا جدا في حدود 3 مليون دينار وكان غريبا في ذلك الزمن لأن الموظفين حينها كانوا صغارا في السن وكان هنالك مداخيل واحتياطات لكن ذلك دفع إلى التفكير في إصلاح الصناديق الاجتماعية”.
وبدأ إصلاح الصناديق الاجتماعية خلال العام 1994 حيث تم اعتماد إصلاحات سريعة عبر زيادة في الاشتراكات وإعادة النظر في الآليات والمعاشات وخلال العام 1995 تمت مراجعة التشريعات التي تتعلق بالتقاعد المبكر وسنوات العمل في القطاع الخاص.
توفيق الراجحي: على الحكومة إيجاد أرضية لبرنامج الأمان الاجتماعي لدعم الفقراء
وأفاد الوزير الأسبق أن “المرحلة الثالثة من الإصلاحات كانت أساسية حينما تم التحكم جزئيا في عجز صناديق القطاع العام من خلال القانون الذي صدر عام 2017 و2018 وذلك بالرفع من سن التقاعد إلى 65 سنة بطريقة إجبارية بسنتين وبثلاث سنوات اختيارية ورفع المساهمات إلى ثلاث نقاط، يساهم المشغل بنقطتين ونقطة على العامل وترفيع المساهمة التضامنية الاجتماعية بنحو 1 في المئة لتنويع مصادر تمويل الصناديق”.
وأشار الراجحي إلى أن “ذلك لم يكف لمعالجة إشكالية التمويل حيث بقي هناك عجز طفيف لكنه متصاعد في ظل تقلص الإمكانيات المالية للقطاع العام وتعثر الإصلاحات في القطاع الخاص في ظل عدم مراجعة القوانين فضلا عن ضغوط كورونا التي عمقت أزمة الصناديق الاجتماعية في القطاع الخاص الذي ترتبط مساهمته أساسا بانتعاش الاقتصاد”.
وخلال ذروة أزمة كورونا الأولى أقرت الحكومة مجموعة من التسهيلات لتخفيف الصعوبات على الشركات حيث سمحت بعدم سداد مستحقات الصناديق مما زاد حسب خبراء في تأزم الوضع المالي للصناديق الاجتماعية.
ولفت الوزير السابق إلى أن “مخاطر أزمة الصناديق الاجتماعية تكمن في استخدام أموال اشتراكات الصندوق الوطني للتأمين على المرض التي يفترض أن تستخدم في تأمين حق الصحة وتطوير خدماتها غير أنه تم صرفها في تأمين المعاشات بما يقارب 5 مليارات دينار (حوالي 1.83 مليار دولار)”.
وحسب البيانات تم صرف نحو 2.5 مليار دينار في تأمين معاشات القطاع الخاص وحوالي 2.5 مليار دينار في تأمين معاشات القطاع العام مما تسبب في انخرام الصناديق وأضر بالمنظومة الصحية.
وتابع الراجحي أن “الدولة اليوم تواصل إيفائها بالتزاماتها تجاه موظفي القطاع العام بفضل عدد من الإصلاحات لكن من الضروري المواصلة”، مشيرا إلى أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في القطاع الخاص يكافح إشكاليات كثيرة تتعلق بغياب الحوكمة وتعثر الإصلاحات والتهرب من دفع المساهمات.
وشدد على “ضرورة إصلاح صناديق القطاع الخاص التي تقوم في الوقت الحالي بتغطية المعاشات من خلال السحب من أموال الصندوق الوطني للتأمين على المرض”.
واعتبر المتحدث أن “لهذا السبب وفي ظل حصول الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على مساهمات أموال صندوق الوطني للتأمين على المرض سيستمر في دفع المعاشات على المدى القريب والمتوسط لكن على حساب قطاع الصحة والصيدلية المركزية وجودة الخدمات”.
وأوضح الراجحي أن “من بين أسباب عجز الصناديق أيضا هو ديونها لدى المؤسسات العمومية على غرار قطاع النقل الذي لم يدفع مساهماته منذ سنوات وتهرب الشركات من دفع المساهمات” داعيا إلى “الإصلاح من أجل دفع الشركات العمومية إلى الإيفاء بمساهماتها”.
وقدر الوزير الأسبق “ديون الصناديق الاجتماعية في القطاع العام والخاص تجاه الصندوق الوطني للتأمين على المرض بنحو 5 مليارات دينار (حوالي 2.2 مليار دولار)” مرجحا هذا الرقم إلى المزيد من الارتفاع. مشيرا إلى أنه “لم يقع الإصلاح في القطاع الخاص نظرا للتجاذب بين الحكومة والنقابات الممثلة في الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة (منظمة الأعراف) والاتحاد العام التونسي للشغل بالرغم من وجود قانون جاهز منذ سنة 2018”.
واعتبر الراجحي أن “قدرة الصناديق على تأمين المعاشات في المدى القريب مرتبط بدعم الدولة ومرتبط باستخدام اشتراكات قطاع الصحة لذلك في غياب الإصلاحات فإن ديون الصناديق لقطاع الصحة سترتفع لأكثر من هذا الرقم”.
2.2 مليار دولار توقعات وصول عجز الصناديق في ظل تعطل الإصلاحات بحلول العام 2030
وكان الراجحي قد شرع في تنفيذ مجموعة من الإصلاحات للصناديق الاجتماعية خلال فترة توليه لوزارة الإصلاحات الكبرى خلال عهدة رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد ومن جملة هذه الإصلاحات إحداث “صندوق لجدولة الديون الاجتماعية” غير أن هذا المشروع تعطل.
وفسر الراجحي خلال حواره مع “الـعرب” طبيعة هذا الصندوق وأهدافه وأسباب تعطله حيث أكد أن “صندوق جدولة الديون من الإصلاحات ت الهيكلية والمؤسساتية الكبرى”.
ولفت إلى أنه “من الضروري استئناف العمل على هذا الملف والتقدم في الخطوط العريضة والكبيرة للإصلاحات لاسيما مع بدء الحكومة بمراجعة الدعم دون تقديم أي خطة لدعم برامج الحماية الاجتماعية”.
وكان رئيس الحكومة هشام المشيشي قد بدأ التفاوض مطلع مايو الماضي مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد وفق خارطة إصلاحات شملت مراجعة الدعم ما من شأنه التأثير على الطبقات الاجتماعية الهشة ومحدودة الدخل.
وينص برنامج الحماية الاجتماعية الذي كان من العناوين الكبرى لمخرجات الاجتماع العام لمنظمة العمل الدولية خلال العام 2012 على تركيز الأرضية الاجتماعية الأفقية والعمودية عبر ضمان دخل لجميع المواطنين وتأمين تغطية صحية شاملة واعتماد أنظمة تكميلية وتطوعية في القطاع العام والخاص في ما يتعلق بمعاشات المتقاعدين والتأمين على المرض.
وفي هذا السياق أكد الراجحي أن “ترفيع التدخلات الاجتماعية ضروري لإنجاح برامج الحماية الاجتماعية” مشيرا إلى أن “هذه التدخلات قد ارتفعت في 2018 – 2019 إلى مستوى 2.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كانت تقدر بنحو 1 في المئة خلال أولى سنوات الثورة”.
مطالب بتسوية الديون ووضع حزام للأمان المجتمعي لدعم الفئات الضعيفة
وشدد الوزير الأسبق بأنه “على الحكومة إيجاد أرضية فعلية لبرنامج الأمان الاجتماعي لدعم الفئات الفقيرة بعد المصادقة على قانون لتنظيمه في يناير 2019 غير أنه لم ير النور بفعل تعطل تركيز الهيئة المخصصة لمتابعة هذا البرنامج”.
واقترح كبير خبراء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزير الإصلاحات الكبرى الأسبق حلولا لمشكلة مستحقات الصناديق الاجتماعية لدى الدولة وديون الصناديق لبعضها البعض من خلال “جمع كافة ديون الصناديق الاجتماعية في صندوق واحد باسم ‘صندوق الديون الاجتماعية’” وإيجاد حل لهذه الديون الاجتماعية التي تتجاوز 10 مليارات دينار (حوالي 3.67 مليار دولار). وتدين الصناديق الاجتماعية للدولة التونسية بأموال تم صرفها في دعم المواد الأساسية وقطاع النقل والكهرباء والغاز.
وشدد الراجحي على ضرورة التقدم في المشروع الإصلاحي الذي قدمه سابقا لمشكلة ديون الصناديق وتوفير موارد جديدة للدولة لدعم الصناديق من خارج قانون المالية من خلال “حصر كل الديون في هذا الصندوق الاجتماعي وربطها برزنامة إصلاحات كبرى للمؤسسات المعنية”.
وأوضح بأنه “من خلال مشاريع موازنات قادمة يمكننا تخصيص اعتمادات بعنوان خلاص المستحقات المتخلدة بذمة الدولة تجاه ديوان الحبوب وشركة الكهرباء والغاز وشركة صناعات التكرير.. وتحويل الديون إلى صندوق التأمين على المرض وصندوق الإحاطة الاجتماعية ويتولى صندوق جدولة الديون على عاتقه تسوية هذه الديون”.
خلال ذروة أزمة كورونا الأولى أقرت الحكومة مجموعة من التسهيلات لتخفيف الصعوبات على الشركات حيث سمحت بعدم سداد مستحقات الصناديق مما زاد في تأزم وضعها المالي
وخلص الراجحي إلى أنه “تبعا لذلك ستجد الدولة سنويا موارد ضمن قانون المالية وتحولها إلى صندوق جدولة الديون الاجتماعية ما يمكنها من سداد هذه الديون اقتداء بحلول فرنسا منذ سنوات”.
وفي حال استمرت خطوات إعادة هيكلة الصناديق تسير ببطء شديد، فإن توقعات الخبراء ترجح أن يبلغ العجز في صندوق الحيطة الاجتماعية نحو 2.2 مليار دولار، بينما سيصل العجز في صندوق الضمان الاجتماعي إلى نحو 1.76 مليار دولار بحلول 2030.
وانعكس الركود وتباطؤ النمو في الكثير من القطاعات الإنتاجية خصوصا وسط ضغوط جائحة كورونا على وضعيات الصناديق بعد أن باتت ترزح تحت مشاكل مالية مزمنة، إلى درجة أن الأوساط الاقتصادية تتحدث عن دخولها في إفلاس غير معلن.
تابعوا Tunisactus على Google News