- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

إلى أين المفر؟ | صحيفة الخليج

محمود حسونة

في الماضي لم تكن حالة الطقس تعني الناس كثيراً، وبالتالي لم تكن تشغل الإعلام، وكانت أخبار حالة الطقس ودرجات الحرارة تنشرها بعض الصحف في صفحات التسالي والألعاب، أما في القنوات التليفزيونية، فكان خبر الطقس يتذيل نشراتها الإخبارية، والسبب وراء تهميش خبر حالة الطقس هو أنه كان مستقراً، ملامح فصوله الأربعة واضحة، درجات الحرارة تدور حول معدلاتها الطبيعية ولا يتطرف الجو حرارة في الصيف أو برودة في الشتاء، أما اليوم فقد أصبح خبر الطقس وأحواله عالمياً لا يقل أهمية عن الخبر السياسي، بل هو خبر سياسي يتم نشره في الصفحات الأولى أحياناً، وفي محطات التليفزيون، إما أن يتصدر نشرات الأخبار أو يحتل مكاناً متميزاً بين أخبار الصدارة، وأصبح خبراء الطقس والمناخ ضيوفاً دائمين في البرامج الصباحية و«التوك شو» المسائي، والسبب أن المناخ تخلى عن استقراره وأصبح شديد التطرف، وأحوال الطقس تجاوزت التوقعات.

عانى معظم سكان نصف الكرة الشمالي، خلال الأسابيع الماضية، تجاوز درجات الحرارة للمألوف، وهي المعاناة التي لا يستبعد استمرارها خلال أغسطس المقبل، فالتطرف الحراري لم يعد يأتي على شكل موجات عابرة لأيام محدودة، ولكنه يستمر أياماً وأسابيع. وخلال الموجة الممتدة الأخيرة ظل الناس إما محاصرين داخل بيوتهم أو هاربين إلى السواحل أو مسافرين إلى الخارج بحثاً عن نسمة هواء نادراً ما تأتي، بعد أن بدّلت التغيرات المناخية ملامح معظم الكوكب، وحوّلت الأخضر أصفر والأصفر اكتسى بألوان مختلفة. وجعلت الأمطار تسقط في غير مواعيدها في مناطق متعددة، والجفاف يضرب مناطق رطبة، والرطوبة تضاعف الإحساس بالحر وتسبب ضيق تنفس لمن يعانون حساسية تنفسية أو أمراضاً رئوية، والعواصف تهب من دون سابق إنذار، والحرائق تشتعل وتتمدد في أماكن متفرقة، والأعاصير تجرف الحي والجماد، ولا يصمد أمامها ثابت مهما كان رسوخه. 

شاهدنا خلال الأيام الماضية مشاهد تدمي القلوب، حرائق تحاصر البحر المتوسط، من شماله اليونان وإسبانيا وفرنسا إلى سوريا في شرقه إلى الجزائر وتونس غربه، وفي غرب الكوكب حرائق تطارد البشر في ولايات أمريكية وكندية. أما آسيا فقد كانت صاحبة الحظ الأكبر من الانهيارات الأرضية والأمطار الغزيرة والأعاصير، في الصين واليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، ولم تسلم الولايات المتحدة من الأعاصير. 

- الإعلانات -

زماننا احتكر أفعل التفضيل في كل ما يتعلق بالمناخ، وحسب تصنيفات مؤسسات دولية معنية بالمناخ كان يناير الماضي الأشد برودة في دول مختلفة، وكان ديسمبر الأشد برودة في بريطانيا منذ 100 عام، وكان إبريل الأشد برودة في مصر منذ 120 عاماً، وحالياً يتوقع غافين شميت كبير علماء المناخ في ناسا، أن يكون يوليو الجاري الأكثر سخونة على الإطلاق، ليس فقط منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، ولكن منذ مئات إن لم يكن آلاف السنين، مشيراً إلى أن التغييرات المناخية «غير المسبوقة في جميع أنحاء العالم» لا يمكن أن تُعزى فقط إلى ظاهرة إلنينو المناخية، مؤكداً أن «ما نراه هو سخونة شاملة، في كل مكان على الأغلب، لاسيما في المحيطات. منذ عدة أشهر شهدنا درجات حرارة لسطح البحر، حطمت الأرقام القياسية حتى خارج المناطق الاستوائية، وإذا كان يوليو الجاري هو الأكثر سخونة، فلا نستبعد أن يكون يوليو المقبل أكثر منه حرارة، وما يليه أكثر وأكثر، ما دام الإنسان لا يرتدع ويواصل ضخ انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي».

ارتفاع درجات الحرارة وما تبعه من ظواهر مناخية متطرفة، تسبب في مقتل وهروب وتشريد الملايين في مناطق مختلفة، كما تسبب في تلف ملايين الأفدنة من المحاصيل الزراعية، ليصبح الإنسان مهدداً في حياته وفي غذائه بفضل التغير المناخي الناجم عن ازدياد الانبعاثات الكربونية، وتجاوزات سادة وحكام العالم في حق الكوكب، والذين لا يكتفون بإشعال حروب وصناعة أسلحة تكفي لتدميره عدة مرات، ولكن طالت تجاوزاتهم الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه والطقس الذي يحتوينا، ولم يعد على الكوكب مكان آمن يمكن أن يهرب إليه الإنسان من سياسات صناع الموت والإبادة.

mahmoudhassouna2020@gmail.com

#إلى #أين #المفر #صحيفة #الخليج

تابعوا Tunisactus على Google News

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد