إنجازات قيس سعيد منذ 25 تموز/ يوليو..!!
ولأن فخامته مغيب في دهاليز وهمه وأحلام يقظته؛ فهو لا يدرك ما الذي يحدث في تونس ولا يحس بأوجاع الفقراء والمهمشين. ويشعر المراقب لآليات أدائه أنه ذاهب بتونس نحو مصير يجهله هو نفسه أو يتجاهله، بينما يتساءل عنه الجميع داخل الوطن وخارجه، لكنه لا يستمع لأحد، ولا يكترث برأي أحد، وهو ماض بتونس نحو الخراب والدمار بما يوسوس له به أولئك الذين حرضوه على الانقلاب، وسانده إعلامهم وخلايا ذبابهم الإلكتروني المكشوف والرخيص.
ولو استعرضنا إنجازات فخامة الرئيس خلال 225 يوما لوجدناها جميعها تصب في دمار تونس والقضاء على مكوناتها وركائزها الأساسية المكونة للدولة.. فما الذي حصده التونسيون حتى الآن؟ وما الذي سيحصدونه حتى نهاية هذا العام؟ الجواب لا يحتمل إلا وجها واحدا، وهو مزيد من الدمار، الذي سيجعل القلة المتبقية التي تسانده تتراجع بالضرورة، ولن يبقى في صفه إلا حفنة من المرتزقة والواهمين والسذج، ولن يكون لهم أدنى قيمة في الفعل السياسي والاجتماعي، لقلة عددهم وضعف قدراتهم سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا.
لم يهتم بعض التونسيين بدور دولة الإمارات في المحيط العربي، وهي التي أدت دورا خطيرا في الدول التي ثارت على حكامها، فقد استطاعت نيابة عن أسيادها أن تدمر مصر وتجوع شعبها، وتقضي على أنفاس الحرية والعدالة الاجتماعية فيها، واستطاعت أن تعيث في ليبيا خرابا بدعمها اللا محدود لحفتر في الشرق الليبي، ولولا تدخل تركيا، لكانت طرابلس وباقي التراب الليبي اليوم بيد حفتر وزمرته العسكرية، ولكانت ليبيا ترزح اليوم تحت حكم دكتاتوري قذر. كذلك فقد استطاعت الإمارات أن تفكك اليمن وتقطع أوصاله، واستحوذت لنفسها على الموانئ والمواقع الاستراتيجية في اليمن، وحرمت الحكومة الشرعية من عائدات الموانئ التي تعد بمليارات الريالات اليمنية؛ نوعا من بلطجة القوة والمال، وها هي تضع يدها في تونس مع حاكم مغفل أو متواطئ، وهي الدولة المطبعة بعمق ووقاحة عالية مع الكيان الصهيوني؛ فكيف نفهم ما قاله فخامته يوما عن التطبيع بأنه خيانة عظمى، بينما يستعين بمشورة الذين أسماهم بالخونة وبتوجيهاتهم، فأي تناقض هذا؟!
وجدير بالذكر أن الإعلامي الصهيوني المعروف “إدوارد كوهين” تحدى قيس سعيد أن يقول مرة أخرى بأن التطبيع مع إسرائيل خيانة عظمى، ولم يقل فخامته ولن يقول من بعد..!
ربما يدرك فخامته أو لا يدرك بأن هدف مَن دفعوه للانقلاب ليس النهوض بتونس وإعادة بنائها، بل تدميرها والقضاء على ثورتها، وإشاعة الفوضى والاحتراب الداخلي فيها، كما حدث في دول الربيع العربي الأخرى، في محاولة لإقناع الشعوب العربية بأن الثورات مآلها الخسارة والهدم والتخريب، وأنها لم تجلب لهم سوى الفقر والجوع والوجع الصعب، فإن كان فخامته لا يدري فتلك مصيبة، أو كان يدري فالمصيبة أعظم!
لم يكن أحد يتخيل بأن قيس سعيد الأستاذ الجامعي قد يشترك في مؤامرة على بلده، فما يحدث اليوم في تونس ينقصه فقط قليل من التهور أو الراديكالية الشعبية، لتشتعل البلد وتصبح كليبيا أو سوريا أو اليمن لا قدر الله، فما يفعله قيس سعيد لا يمكن أن يبني وطنا، ولا يمكن أن يغير البلد إلى الأفضل. وقد طفت على السطح عورات التغييرات التي أقدم عليها وكان آخرها يوم الاثنين الماضي (7 آذار/ مارس)، حيث عين مجلسا للقضاء الأعلى مؤقتا، من قضاة متقاعدين وآخرين ممن كانوا من جلاوزة ابن علي وقضاته الظلمة. فما الذي يعنيه هذا؟!
لقد فقد قيس سعيد كل خيوط اللعبة وهو اليوم متورط ومحاصر في قصره، ويعيش في عزلة وفشل ذريع.. حتى الاستشارة الشعبية التي كان يعول عليها ليرفع بها من معنوياته، فشلت ولم يشارك فيها إلا نحو 2 في المئة من مجموع الشعب التونسي، مما جعله يحس بانحسار شعبيته وعزوف مناصيريه عنه، وهو ما أدى إلى انهيار مبررات انقلابه الذي قام بناء على ما أطلق عليه (الشرعية الشعبية)، وربما كانت الأرقام التي ادعاها -على ضآلتها- مفبركة وغير دقيقة.
لقد أصبح المنقلب خطرا حقيقيا على تونس، ولم تعد له تلك الشعبية التي اكتسبها في البداية، مما جعله حبيس القصر، فهو لم يخرج للشارع -كما سبق- منذ أربعة شهور، وباتت نقمته تشمل الجميع، وتوقف مؤخرا عن الإشادة بأنصاره من الشباب الذين ساندوه في انتخابات الرئاسة وفي انقلابه، وقد سئم كبار الضباط في الجيش خطاباته المتكررة فيهم، وأحس المنقلب بخطرهم في آخر اجتماع له بهم من خلال مجلس الأمن القومي، بعد الحريق في مكاتب حركة النهضة جراء إشعال أحد الأشخاص نفسه، قبل نحو أربعة شهور، حيث ألزمه المجلس بأن يتعاطف مع ما حدث، وأن يعزي بوفاة الرجل، مما جعله على مسافة منهم، ولم يُعقد المجلس منذ ذلك الحين، فيما أعلم، على الرغم من أهمية ذلك وضرورته بسبب ما تمر به البلاد من كوارث على كل صعيد.
وإذا طرحنا سؤال عنوان المقالة عن إنجازات قيس سعيد، فلن نجد غير البوار والدمار، فقد كان أول إجراءاته إعلان حالة الطوارئ وحل البرلمان وسحب الحصانة من أعضائه، وحل حكومة المشيشي، والهيمنة على المؤسسة العسكرية ووزارة الداخلية. وبناء على الأحكام العرفية، منح نفسه السلطة التشريعية بإصدار المراسيم الرئاسية، وترؤس النيابة العامة، ثم إلغاء مجلس القضاء الأعلى. وفوق كل هذا، تمت عمليات إرهاب ممنهجة لسياسيين وإعلاميين، وتم تقديم عدد كبير منهم للمحاكم العسكرية، ناهيك عن الاختطاف والاعتقال خارج القانون، والإهانات التي طالت عددا من أخلص الشخصيات وأكثرها نبلا وإجماعا شعبيا عليها من أمثال البحيري والكيلاني، وقد تم الإفراج عن الأول يوم الاثنين الماضي بالتزامن مع تشكيل مجلس القضاء الأعلى.
وعلى الصعيد الاجتماعي، فقد ضاقت الحياة بالناس، وخصوصا في الأسبوع الفارط، حيث بدأ الناس يحسون بكارثة قادمة بعد أن أغلقت المخابز أبوابها لعدم توفر السميد الرقيق والفارينة (دقيق الخبز)، وكان سبب ذلك عدم قدرة الدولة على توفير القمح، مما أدى إلى إغلاق بعض المصانع أبوابها، وتسريح عدد من عمالها أو إجبارهم على أخذ إجازات غير مدفوعة الأجر، والثلاثاء الماضي (أي قبل ثلاثة أيام) عمد عدد من المواطنين إلى افتكاك أكياس من مادة السميد بالقوة، في أثناء توقف شاحنة كانت تنوي تفريغ حمولتها في إحدى الشركات لبيع الجملة في مدينة حفور من ولاية القيروان، وذلك حسب موقع إذاعة موزاييك المحلي. ونقلت منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات لحالات غير مسبوقة في المغازات (المتاجر الكبرى) والناس تصرخ وتتدافع للحصول على كيلو سميد أو فارينة؛ ما نبّه -بجدية أكبر- إلى خطورة المعضلة الاقتصادية القائمة؛ فقد تفاقمت الأزمات بشكل سافر، وأكثر وضوحا من ذي قبل، فالضجر والتبرم والشكوى والدعاء على الرئيس صارت لازمة متكررة على ألسنة الناس، وخصوصا ربات البيوت اللواتي يقع على عاتقهن تدبر الأمور المنزلية وشراء احتياجات العائلة، فقليلا ما يقوم الرجل بهذا الدور، كما هو الحال في الشرق.
لقد تسببت إجراءات سعيّد بصدمة كبرى للطبقة السياسية في البلاد، وأثارت تحفظات خارجية من خلال مسؤولين وبرلمانيين غربيين، وكان آخر هؤلاء المفوَّضة السَّامية لحقوق الإنسان “ميشال باشليت” التي قالت -في أثناء كتابة هذا المقال- مساء الثلاثاء (8 آذار/ مارس)، من منصة الأمم المتحدة في جنيف: “في تونس، يساورني قلق عميق إزاء استمرار تعليق عمل البرلمان والتآكل السريع للمؤسسات الرئيسية، خصوصا قرار الشهر الماضي بحل مجلس القضاء الأعلى الذي يقوض بشكل خطير سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء”.
وقد أدت إجراءات الرئيس العشوائية إلى تأخير الحصول على المساعدات والقروض من دول الغرب والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ليتفاقم الوضع الاقتصادي، ويبدأ الشعب بالصراخ، هذا الشعب الذي لم يجد لدى الأستاذ الجامعي أي صدى لصراخه، سوى اتهام الأشباح بالاحتكار والفساد. كما هي العادة المكرورة التي ملها التونسيون وباتوا يتندرون بها، وصار التونسيون يتساءلون: أين هم المحتكرون والفاسدون؟ لماذا لا يقبض عليهم؟ لماذا لا يذكرهم بالاسم؟ وقال أحد السياسيين: لماذا لم يقترب الرئيس من عبير موسي المطلوبة في قضايا مالية عديدة أمام القضاء؟
ومن أقبح إنجازاته تكليف نجلاء بودين، الأمية في السياسة، رئيسة للحكومة، ولو تأملنا شخصيتها الضعيفة لفهمنا كيف أن قيس سعيد لا يستطيع العمل مع الأقوياء، بل إنه يزيحهم من طريقه حتى لا يتعثر بهم.
ومنها أيضا إنجازه مهزلة الاستشارة الإلكترونية التي لم يشارك فيها إلا ما نسبته 2 في المئة من المواطنين، وقد عارضها كل الطيف السياسي بمن فيه بعض المؤيدين لإجراءات المنقلب. وهي هزيمة كبرى لبرامجه غير المحسوبة، لكنها مؤشر إيجابي كبير لمقاومي الانقلاب، حيث تؤشر هذه التجربة الفاشلة على هزائم قادمة، خصوصا عند التصويت على الدستور الذي سيكلف فخامته بعضهم بكتابته بناء على توجيهاته، وأخشى ما أخشاه أن يقاطع المعارضون التصويت، فيتم إقراره.
لم نر بعد أي منجز إيجابي لهذا الكائن الدوغماتي، العاجز عن قراءة اليوم، وعن التخطيط لغد، فمنذ انقلابه الأسود حتى اليوم والأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، والمشهد السياسي القائم يبدو سورياليا بامتياز، حيث يحار المراقب في فهم ما كان، أو تخمين ما سيكون. والثورة قادمة بالضرورة، ولا يساورني في ذلك أدنى شك، اللهم إلا إذا استبقها الجيش بعزل هذا الرجل وتخليص البلاد والعباد من شروره وآثامه.. وإن غدا لناظره قريب!
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
#إنجازات #قيس #سعيد #منذ #تموز #يوليو
تابعوا Tunisactus على Google News