- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

إنقلابا تونس والسودان

خلال أسابيع قليلة، شهدت تونس والسودان تطورات سياسية أعادت عقارب الساعة للوراء في البلدين، ووضعت الجيش في واجهة الأحداث.

لم يُضيّع الرئيس التونسي قيس سعيد وقتاً طويلاً حتى ثبًّت صيغة الانقلاب على أسلوب حكمه أخيراً. بعد قراره تعليق البرلمان في 25 تموز (يوليو) الماضي، وفرض حظر تجول، والتهديد بملاحقات وتعديلات دستورية وغير ذلك، نقل سعيد صلاحيات تشريعية وتنفيذية لشخصه. ببساطة، اختار الرئيس التونسي، هذه الشخصية المغمورة وغير المفهومة، تجنب أي حوار وطني أو حتى أي عملية شكلية لتعديل الدستور، بل لجأ الى زيادة صلاحياته، مع الإبقاء على غياب البرلمان والحكومة.

هذه التدابير الاستثنائية المنشورة في الجريدة الرسمية التونسية ليل الأربعاء الماضي، ألغت فقرات كاملة من دستور عام 2014، والذي استغرق وضعه سنوات في ظل نقاش وطني شامل للتوصل الى صيغة وتركيبة مناسبتين. بداية، مدد سعيد تعليق البرلمان واجراء رفع الحصانة عن جميع أعضائه، ومنح نفسه صلاحية “إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي”. صار الرجل نفسه مصدراً للتعديلات الدستورية بأمر رئاسي، وقد يلجأ لمشورة لجنة لو ارتأى ذلك. وشملت القرارات إعطاء الرئيس التونسي صلاحية “إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية”.

بعد عشر سنوات على الثورة والتطور السياسي، يختزل رجل واحد في تونس صلاحيات الرئيس والحكومة والبرلمان واللجنة الدستورية، علاوة على كونه قائداً للقوات المسلحة. حتى دكتاتورية زين العابدين بن علي كان فيها بعض الشكليات بين حزب حاكم وبرلمان وحكومة وغير ذلك. سعيد لا يبدو مهتماً حتى في هذه الشكليات، بل يُريد أن يحكم كخليفة من العصور الغابرة، بلا برنامج ولا مشاريع إصلاحية ولا فريق من الخبراء والاستشاريين، ولا حكومة ولا برلمان، بل حاكم مطلق.

والمفارقة هنا أن الخبرة الوحيدة لسعيّد تكمن في القانون الدستوري الذي حذفه من الوجود، ليُتوج نفسه حالة صفرية عدمية على رأس بلد منكوب.

في السودان، أحبط الجيش انقلاباً تقوده مجموعة من الضباط. لكن وبدلاً من أن يُترجم ذلك مزيداً من النفوذ للشق المدني في السلطة الانتقالية، هاجم القطبان العسكريان الأساسيان في البلاد (رئيس مجلس السيادة السوداني) عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، القوى المدنية وحملوها مسؤولية محاولة الانقلاب “لانشغالها بالكراسي عن مصالح الناس”، بما يشي بنوايا غير سليمة حيالها. ذاك أن الشراكة بين المدنيين والعسكر في السودان، لم تكن يوماً متكافئة، بل احتفظ الجيش بالنفوذ الأوسع ووضع الحكومة المدنية في الواجهة لتواجه أصعب مرحلة انتقالية في تاريخ البلاد.

عملياً، احتفظ العسكر بالسلطة المالية والأمنية (السيادية)، وبقيت الخيبات والمسؤوليات من نصيب المدنيين. والآن، حين وقع انقلاب عسكري، يحمل المدنيون المسؤولية حيال ذلك، إذ كان ناتجاً عن إخفاقات الحكم، وليس عن تغول القوى العسكرية والإسلاميين ورغبتهم في إبقاء كل خيوط السلطة في أيديهم.

بكلام آخر، الانقلاب العسكري في السودان يُمهد لإمساك العسكر بالسلطة وإلغاء الشراكة بالكامل مع القوى المدنية. مثل هذه الخطوة تتكامل مع مشهد الانقلاب التونسي، وتفتح الباب أمام المجهول الذي يتراوح ما بين الفوضى والعنف الدموي، والفشل الكامل في إدارة البلاد.

هذان الأسبوعان الماضيان أعادا دولتين كانتا واعدتين في عملياتهما الانتقالية وفتحهما الباب لمراكمة خبرات جماعية في السياسة والنقاش العام إلى عصر الانقلابات العسكرية والفوضى والحوكمة الفاشلة. والمنطقة بأسرها باتت قاب قوسين من اليتم، لا نموذجاً قابلاً للحياة، يُحتذى به في هذه البقعة من العالم.

- الإعلانات -

#إنقلابا #تونس #والسودان

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد