احتواء 700 ألف أفريقي في سوق العمل
بدأ الاتحاد العام التونسي للشغل (النقابة الأكثر تمثيلاً في تونس) مسار الاحتواء النقابي للعمالة الأفريقية في تونس، من أجل ضمان حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، بعد رصد انتهاكات لها من قبل مؤجرين يستغلون هشاشة وضعهم لتشغيلهم بأجور ضعيفة.
ويفرض تزايد العمالة الأفريقية في تونس وتحولات سوق تشغيل الأجانب التأطير النقابي لهذا الصنف من الأجراء ممن يعملون في قطاعات اقتصادية مهمة، ولا سيما منها القطاع الخدماتي من دون أدنى ضمانات قانونية.
والأسبوع قبل الماضي، أعلنت المركزية النقابية بدء نقاباتها في إجراءات احتواء للعمالة الأفريقية وحمايتهم من الاستغلال.
وخلال السنوات الماضية، سجلت سوق العمل التونسية زيادة غير مسبوقة في العمالة الأفريقية، بعد أن تحوّلت تونس إلى أرض عبور بين دول أفريقيا جنوب الصحراء والضفة الشمالية للمتوسّط.
وتؤكد بيانات للاتحاد العام التونسي للشغل أن عدد العمال الأفارقة في تونس يقدّر بأكثر من 700 ألف، وأن عددهم تضاعف في السنوات الثلاث الأخيرة، بسبب تدفق المهاجرين غير الشرعيين ممن كانوا يعملون في ليبيا إلى البلاد خلال السنوات الأخيرة.
ورصد الاتحاد العام التونسي للشغل استغلالا لعمال أفارقة في قطاعات البناء والأشغال العامة والخدمات وبدرجة أقل الزراعة، بسبب ضعف تشريعات العمل التي تحمي حقوقهم.
وقالت عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل المكلفة بالعلاقات الدولية، نعيمة الهمامي، إن الاتحاد العام التونسي للشغل بصدد إحداث لجان خاصة للعمال الأفارقة، مؤكدة تأسيس نقابات خاصة بهم في 4 أقاليم كبرى في كل من العاصمة ومحافظات سوسة وصفاقس ومدنين.
وأضافت الهمامي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن هذه الأقاليم تعرف تواجدا مكثفا للعمالة الأفريقية، مشيرة إلى أن ظروف عملهم غير جيدة، وأن أزمة كورونا زادتها سوءا بسبب تراجع الأنشطة الاقتصادية المشغلة للعمال الأفارقة.
وأكدت المسؤولة النقابية أن العمال الأفارقة يحتاجون، أكثر من أي وقت مضى، إلى هياكل تدافع عن حقوقهم حتى لا يكونوا الحلقة الأضعف في سوق العمل، معتبرة أن تأسيس نقابات تحتويهم توفر لهم حماية قانونية وتساعدهم على تحصيل حقوقهم.
وأضافت أن أغلب الأفارقة في تونس يعملون دون تصاريح عمل قانوني، لافتة إلى أن العديد منهم يتعرضون إلى الاستغلال بسبب عدد ساعات العمل المرتفعة وحجز المشغلين لجوازات سفرهم.
وقالت الهمامي إن أرباب العمل يحتاجون إلى تقديم طلب للدوائر الرسمية قصد السماح لهم بتوظيف يد عاملة أجنبية، ما يضطرهم إلى الانتظار لفترات طويلة للحصول على الموافقة بعد أن تتولى وزارة العمل عرض الوظائف الشاغرة على المحليين وثبوت عدم رغبتهم في العمل في الوظائف المعروضة.
وأضافت أن طول فترة الانتظار للحصول على تصاريح العمل تدفع نحو تشغيل الأجانب من دون عقود وبأشكال مخالفة للقانون.
ويخضع كل الأجانب الوافدين على تونس إلى قانون يعود إلى سنة 1968 المتعلق بحالة الأجانب في البلاد، ويعرف هذا القانون بمن تعتبره الدولة مواطنا أجنبيا وبشروط دخول البلاد التونسية والموانع التي تقتضي طرد الأجانب والعقوبات المقررة للتونسيين عند إيوائهم للأجانب بشكل غير قانوني. كما نص هذا القانون على جملة من الشروط للعمل في تونس والحصول على تراخيص إقامات مؤقتة أو دائمة.
وفي وقت سابق، قال مدير عام الهجرة واليد العاملة الأجنبية بوزارة التكوين المهني والتشغيل، أحمد المسعودي، إن تونس تمنح سنويا ما بين 5 و6 آلاف ترخيص عمل للأجانب، باعتبار دورهم في إضافة اقتصادية لتونس، ومساهمتهم في ترويج المنتوج التونسي وجلب الاستثمارات الخارجية.
ويعتبر المتحدث باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مدنية)، رمضان بن عمر، أن تأسيس نقابات خاصة بالعمالة المهاجرين من دول جنوب الصحراء أساسا أمر جيد، غير أنه يؤكد أن تحسين ظروف عمل هذه الفئة من المهاجرين يتطلب جهدا حكوميا.
وقال بن عمر، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن أغلب العمال المهاجرين من دول جنوب الصحراء يعيشون في تونس بطرق غير نظامية ويشتغلون في أعمال غير نظامية أيضا، ما يجعلهم عرضة للانتهاكات بمختلف أصنافها.
ويلقى بن عمر مسؤولية هشاشة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للعمال المهاجرين على عاتق السلطات التونسية، مؤكداً عدم امتلاك هذه الأخيرة أي بيانات عن عددهم أو انتشارهم الجغرافي في البلاد.
وبينت دراسة لمنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول وضع المهاجرين في تونس أن هذه الفئة تحصل، بطريقة غير شرعية، على فرصة القيام بعمل غير نظامي.
وهكذا يواجه هؤلاء وضعاً قانونياً واجتماعياً هشّاً يتيح للمؤجر في قطاعات متعددة استغلالهم بطريقة أفضل، من دون أن تتكبّد الدولة تكلفة كبيرة، وفي الآن ذاته يُصوَّر هذا الواقع بأنه يُقدّم فرصة للمهاجرين الذين لا يملكون أوراقاً قانونية وفرصة للاندماج الاجتماعي في البلد المستضيف.
وبينت ذات الدراسة حصول العمال المهاجرين غير النظاميين على وظائف في قطاعات معينة من الاقتصاد المحلي كالمطاعم 34% والخدمات المنزلية 21%، ثم البناء 20% والحرف والمهن الحرة 18%، في حين تستقطب قطاعات أخرى نسبا ضعيفة من اليد العاملة المهاجرة.