- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

استهدفت آلاف العائلات… حملة الستينيات في تونس لـ”تهذيب” الألقاب العائلية – رصيف 22

- الإعلانات -

في 20 آذار/ مارس 1956، حصلت تونس على استقلالها من فرنسا، فاتجهت الحكومة آنذاك إلى بناء الدولة وتحديثها، خاصةً بعد اعتلاء الرئيس الحبيب بورقيبة سدة الحكم إثر إعلان الجمهورية في 25 تموز/ يوليو 1957.

كان الحبيب بورقيبة يسعى إلى بناء دولة حديثة مماثلة للدول الغربية، فبدأ بوضع مجلّة الأحوال الشخصية وأطلق حملةً لتنظيم الحالة المدنية وتهذيب بعض الألقاب التي لا تتماشى مع رؤية حكومته للدولة الوطنية الناشئة والأمة التونسية التي دافع عنها كثيراً.

كان التونسيون، منذ ما قبل الاحتلال الفرنسي في 1881، يحملون ألقاباً رسميةً في سجلّات الدولة، إذ اتخذوا ألقاباً مرتبطةً بمهنهم مثل النجّار، أو جهاتهم مثل البنزرتي، أو كنية آبائهم، وحرص الاحتلال الفرنسي على تثبيت هذه الألقاب في سجلاته فأصدر منشوراً في 30 حزيران/ يونيو 1925، يحثّ فيه المواطنين على تثبيت ألقابهم أو إيجاد ألقاب جديدة لكن تلك الحملة لم تجد صدىً لدى الشعب، واقتصرت المطالب على الراغبين بالجنسية الفرنسية فقط.

يقول الكاتب محمد علي الحباشي، في كتابه “التونسيون الأصول والألقاب”: “في المدن الكبرى كان لكل عائلة تقريباً لقبها الثابت المستمدّ من السلالة العرقية أو الأصل الجهوي، مثل التونسي والباجي والدزيري والطرابلسي، بينما في بعض القرى والأرياف كانت الكنية تتحوّل إلى لقب عائلي مثل لقب البكّوش والعايب وبوسنّة وبومعيزة”. ويُضيف الحبّاشي أنّ بعض العائلات حافظت، خصوصاً في الوسط والجنوب، على ألقابها البربرية مثل بربورة وبربر.

بعد استقلال البلاد، أصدرت الحكومة التونسية في 26 أيار/ مايو 1959، القانون رقم 53 الذي يقضي بأن “يكون لكل تونسي لقب عائلي وجوباً”، وينصّ فصله الأوّل على أنّه “ينبغي على كلّ تونسي أن يكون له زيادةً على اسمه أو أسمائه، لقب عائلي”.

وينصّ القانون في فصله الرابع على أنّه لا يمكن للمواطنين اختيار ألقابٍ “ربّما تكون من أجل معانيها أو عند النطق بها محلّ التباس أو سخرية أو تكون من حيث سماعها منافيةً للأخلاق الفاضلة”.

“في المدن الكبرى كان لكل عائلة تقريباً لقبها الثابت المستمدّ من السلالة العرقية أو الأصل الجهوي، مثل التونسي والباجي والدزيري والطرابلسي، بينما في بعض القرى والأرياف كانت الكنية تتحوّل إلى لقب عائلي مثل لقب البكّوش والعايب وبوسنّة وبومعيزة”

منع القانون الألقاب التي أصلها غير عربي، ما عدا الألقاب التي سبق استعمالها قديماً في المغرب العربي وأصلها أندلسيّ، بينما تم تحجير أسماء البلدان في الألقاب، مثل الألقاب المستعملة في بعض الدول العربية على غرار المصري أو العراقي.

تبعت هذا القانون حملة واسعة في تونس في بداية الستينيات شملت آلاف العائلات هدفت إلى حصولهم على ألقاب جديدة والتخلّص من الكنيات الموروثة وتغيير الألقاب أو “تهذيبها” بما يتماشى مع قانون 1959.

ثم صدر القانون عدد 20 في 28 أيار/ مايو 1964، الذي ينصّ فصله الأوّل على أنّه “يمكن لكلّ شخص اكتسب الجنسية التونسية أن يطلب الإذن بإبدال لقبه واسمه بأمر”.

بموجب قانون 28 أيار/ مايو 1964، ووفق كتاب “التونسيون الأصول والألقاب”، بدأت الحكومة التونسية بحملة تهذيب شملت مئات الألقاب في كل جهات الجمهورية، وتم تحويل تلك الألقاب إلى ألقاب جديدة أو اتّخذت تلك العائلات ألقاباً أخرى موجودةً على غرار لقب “كوفاتش” الذي أصبح “سلامة”، ولقب الأعمى الذي أصبح بن عمار، ولقب الجحيشي الذي أصبح بن معمّر أو بالرحومة وتغيّر لقب الجربوعي أو القزدور إلى بن عبد الله.

كما تحوّل لقب عبعوب إلى الحامي، وكركوب إلى العياري، والبوهالي إلى المكي، وبوكراعين إلى بوكريم، والكارك إلى الذويبي، وحبحوبة إلى بن زمال.

لاقت الحملة رواجاً كبيراً في البلاد بالرغم من إصرار بعض العائلات على المحافظة على ألقابها الأصلية، وظلّ البعض ينادي العائلات بألقابها الأصلية التي تغيّرت في سجلات الدولة.

كما رافق عملية تهذيب الألقاب تهذيب العديد من الأحياء السكنية، والتخلًّص منها، فأقدمت الحكومة على هدم حيّي “برج علي الرايس”، و”بورجل” القصديريّين.

قال المؤرّخ والأستاذ في الجامعة التونسية خالد عبيد، في تصريح لرصيف22، إن قرار تهذيب الألقاب تم اتخاذه بسبب وجود العديد من الألقاب غير المقبولة على مستوى معنى اللفظ أو على مستوى مدلوله أو لأنه يتنافى مع أخلاق التونسيين.

وأشار عبيد إلى أن المجتمع التونسي يمنح الألقاب عن طريق مهنة الشخص أو الكنية التي يُنادى بها في جهته، مبيّناً أن هنالك ألقاباً غير مقبولة نهائياً، فكانت هذه الحملة في إطار المقاربة التي قامت بها الدولة آنذاك، والتي تشمل ضرورة تهذيب الألقاب في إطار تهذيب اليومي والحياة اليومية للتونسيين.

بعد الاستقلال كانت هنالك ألقاب لا تستقيم مع الذوق العام مثل “بايع راسو” (بائع نفسه)، أو الذبّاح أو معزة أو بومعزة. ألقاب غريبة وأخرى “عروشية”، دفعت الحبيب بورقيبة إلى إطلاق حملة “تهذيب الألقاب”

ورأى المؤرّخ أن التونسيين في سنوات الستينيات لم يصلوا بعد إلى المرحلة التي وصلوا إليها بعد ذلك من التحضّر والثقافة والذوق العام، نافياً في الآن ذاته أن يكون لتلك الحملة أي توجه نحو القضاء على العروشية (القبليّة).

كما أبرز أن هنالك ألقاباً لا تستقيم مثل “بايع راسو” (بائع نفسه)، أو الذبّاح أو معزة أو بومعزة الذي أصبح بوميزة، بينما تحوّل لقب “مذبوح” إلى ممدوح في نطاق التهذيب اللفظي.

وبيّن عبيد، أنه لهذا السبب شملت حملة تغيير الألقاب والتخلّص من الكنيات الموروثة المرتبطة بعامل جغرافيّ، أو عرقيّ أو جهويّ أو حِرَفيّ أو حتّى بتشوّهات جسديّة وخلقيّة.

ورأى عبيد، أن هنالك مقاربةً نفسيةً في هذه الحملة، لأنّ الشخص الذي يحمل لقباً غير مستساغ أخلاقياً وسلوكياً يؤثّر فيه ذلك، وقد يصبح الطفل مدعاةً للسخرية من زملائه وأقرانه في المدرسة، لأن الحملة استهدفت كل ما يُعدّ مستقبحاً لفظياً.

كما أبرز الأستاذ في الجامعة التونسية، أنّ الحملة شملت أيضاً بعض الأماكن التي تحمل أسماءً غير مقبولة، مثل منطقة “الداموس” التي تحوّلت إلى اسم “منزل حياة”، وكذلك تحوّل اسم “الخريبة” إلى “العامرة”.

وقال عبيد، إنّ إصدار القانون رقم 53 المؤرخ في 26 أيار/ مايو 1959، والذي ينصّ على ضرورة أن “يكون لكلّ تونسي لقب عائلي وجوباً”، لم تكن وراءه خلفيات سياسية أو ثقافية مثل التخلّص من العروشيّة، وإنّما الهدف الأساسي منه تهذيب الذوق والسمو بمستوى الوعي لدى التونسيين.

وكشف عبيد، أنّ أغلب الألقاب في تونس وأحوازها والمدن الكبرى الرئيسيّة، كانت ذات مصدر عروشي بسبب موجات نزوح اضطراري وجماعي ارتبطت بمجاعات أو أوبئة أو مصادرة أراضٍ خاصة بعد سياسة التعاضد التي قادها وزير بورقيبة، أحمد بن صالح.

تبدو مسألة تهذيب الألقاب في تونس ذات أبعاد عديدة، منها الجانب المتعلّق بالبعد النفسي للفرد والمجموعة، “فاللقب القبيح قد يترك صاحبه محل سخرية وتنمّر في الفضاء العام، وتكون له تأثيرات نفسية عميقة في الفرد”، على حدّ تعبير أستاذ علم الاجتماع سامي نصر.

وقال نصر في تصريح لرصيف22، إنّ الألقاب لها أهمية خاصة في تعامل الأفراد في ما بينهم لأنّها تمثّل إحدى الصور التي يحملها الشخص على غيره في التفاعل الاجتماعي.

وأفاد نصر، بأنّ الألقاب تعبّر عن هوية الأفراد كونها تحمل أحياناً اسم جهة أو مهنة أو غير ذلك، مشيراً إلى أنّ الإنسان يتعامل مع الآخر بعدّه غريباً، بينما تحمل الألقاب بعض الأمور المجهولة.

لاقت الحملة رواجاً كبيراً في البلاد بالرغم من إصرار بعض العائلات على المحافظة على ألقابها الأصلية، وظلّ البعض ينادي العائلات بألقابها الأصلية التي تغيّرت في سجلات الدولة

وأبرز نصر أنّ تهذيب اللقب يساهم في تهذيب الفرد وعقليته ويبعد عنه نوعاً من التنمّر الذي قد يسقطه في العنف وردّة الفعل المرتبطة بتفاعل سلبي، لأنّ التنمّر هو أخطر أنواع العنف، على حدّ تعبيره.

وشدّد نصر على ضرورة أن نربّي الأجيال القادمة والأطفال على ثقافة الاختلاف والتعايش والتجانس مع المخالف، لأنّ الألقاب يمكن أن يكون لها تأثير كبير في تقبّل الآخر لأن الأسماء والألقاب أوّل مظاهر الاختلاف بين الناس.

ورأى نصر، أن العنف الرمزي ليس شكلاً من أشكال العنف فقط، بل هو منتج للعنف في حد ذاته، أي أنّ التنمر على شخص بسبب لقبه يولّد ردة فعل.

كما أبرز نصر أن التنمر بسبب الأسماء والألقاب، يولّد لدى الفرد استنباطاً داخلياً لذلك التصرف المشين، ثم تتم إعادة إنتاجه في شكل آخر عن طريق العنف تجاه الآخرين أو تجاه الذات أيضاً.

كما عدّ أنّ الألقاب تلعب دوراً في التّعريف بالفرد، لأنّ لقب الفرد يستبطن نوعاً من أنواع الانتماء والهوية، فهو يرمز إلى عائلة معيّنة أحياناً، وأحياناً أخرى يكون اللقب نسبةً إلى جهة معيّنة مثل القفصي أو القليبي أو الجندوبي، مبيّناً أن التنمّر في هذه الحالة يكون مساساً بالهوية والانتماء.

نجحت حملة الستينيات في تحقيق جزء كبير من أهدافها، وغيّرت مئات الألقاب في كل الجهات، لكن بعض العائلات حافظت على بعض الألقاب التي كانت مشمولةً بإلزاميّة التغيير، فيما ما زالت حملات التشويه والتنمّر تستهدف بعض الشخصيات العامة التي غيّرت عائلاتها ألقابها خلال هذه الحملة، وذلك في إطار المزايدات السياسية.

#استهدفت #آلاف #العائلات #حملة #الستينيات #في #تونس #لـتهذيب #الألقاب #العائلية #رصيف

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد