اعتقال نشطاء ومدونين يثير مخاوف التونسيين من عودة “الدولة البوليسية” | حنان مبروك
تونس – أعادت حملة الاعتقالات التي طالت نشطاء ومدونين إلى أذهان التونسيين صورة الدولة البوليسية التي جثمت على صدورهم لمدة 23 سنة، قبل أن يقرروا الانتفاض ضدها وإسقاطها في العام 2011.
وشهدت العاصمة تونس وعدد من المناطق الداخلية تحركات احتجاجية في الأيام الأخيرة، ردا على تأزم الوضعين الاقتصادي والسياسي، وتراوحت ردود فعل الأجهزة الأمنية حيالها بين الرد بخراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع، وبين محاولة اعتماد سياسة ضبط النفس.
طريقة التعاطي الأمني شابها الكثير من الجدل بين مؤيد ومحتج، لكن اللافت أنه ومع انحسار موجة الاحتجاجات، سجلت حملة اعتقالات واسعة طالت نشطاء ومدونين شاركوا في تلك المسيرات، الأمر الذي جعل المنظمات الحقوقية وقوى المجتمع المدني تتحرك خوفا من فقدان مجال الحريات، الذي شكل المكسب الوحيد الملموس على مدار عشر سنوات من الثورة.
ونددت سمر سحاق عضو جمعية النساء الديمقراطيات في تصريحات لـ”العرب” بقمع الاحتجاجات وحملة الإيقافات العشوائية التي تشنها الأجهزة الأمنية، معبرة عن “مساندة الجمعية وتضامنها المطلق مع كافة أشكال الاحتجاجات في تونس”، مشيرة إلى أن “حق التظاهر والاحتجاج أصبح مسلوبا في تونس بعد 2011”.
وأعلنت الجمعية أنها تدعم الموقوفين بثلة من المحامين الذين سيترافعون عنهم بشكل مجاني، داعية منظوريها إلى المشاركة في الاحتجاجات القادمة بكثافة، رفضا “لعسكرة البرلمان والعودة إلى دولة البوليس”.
واعتبرت سحاق أن اعتقال المحتجين يعيد تونس “إلى مربع العنف الذي يذكيه الخطاب القائم على التقسيمات الجهوية والأيديولوجية… بين يسار ويمين / شمال وجنوب”.
وعبرت الناشطة الحقوقية عن تخوف من تغوّل “النقابات الأمنية وخطابهم المسيّس والمؤدلج، الذي يتعارض ومدنية الدولة وحقوق النساء والإنسان بصفة عامة سواء كانت فردية أو جماعية”.
وقالت إنّ التونسيين خرجوا في 2011 مطالبين بحقهم في التعبير وانتقاد سياسات الحكام، ولا يمكن بعد عشر سنوات أن يظل التونسي يدور في حلقة مفرغة، ويسلب حقه في التظاهر السلمي والتعبير.
شباب لا يخاف التعبير والمواجهة
ودعت منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية السبت إلى مسيرة احتجاجية كبرى بمناسبة ذكرى اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد، للتنديد بسياسات الحكومة، وللمطالبة بحلّ البرلمان وطرد الطبقة الحاكمة، ومحاسبة المتورطين في اغتيال بلعيد، وإطلاق سراح الموقوفين في الاحتجاجات.
وتكشف الصور المنتشرة عبر وكالات الأنباء ووسائل الإعلام المحلية والدولية أن الاحتجاجات المستمرة في تونس، لا تشبه تلك التي وقعت في الأعوام الماضية، حيث خرج فيها الشباب أولا، وتظاهروا باعتماد أساليب تعبيرية فنية، مطوعين الألوان التشكيلية والموسيقى ومواد التجميل للتعبير عن مواقفهم من الواقع الخانق.
وتقول الناشطة إشراق ناصر لـ”العرب” إنّ مظاهر الاحتجاج التي لم يتقبلها البعض سلمية فنية، لا تشبه أساليب احتجاج ماضية “فنحن نرش الأمن بالألوان الزيتية، بينما كان غيرنا يرش الناس بالمياه الحارقة”، في إشارة إلى قيادات في صفووف حركة النهضة الإسلامية.
وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية خالد الحيوني قال إن معظم المعتقلين في الاحتجاجات تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عاما.
وإشراق، الشابة العشرينية، واحدة من بين العشرات من الشبان الذين يخرجون يوميا منذ نحو أسبوعين للاحتجاج، وتعرّضت مع آخرين لتهديدات من قبل رجال الأمن بالتعنيف والاغتصاب والهرسلة.
وتحكي ناصر لـ”العرب” أن وحدات الأمن قاموا بمحاصرة منزل إحدى الناشطات في المجتمع المدني (رانية العمدوني)، في حين تعرضت الناشطة ياسمين صخر للهرسلة أمام ابنها الرضيع.
وعن سؤالها حول الصور المنتشرة للمواجهات مع الأمنيين في شارع الحبيب بورقيبة، الشارع الرئيسي للعاصمة تونس، تقول ناصر إن الصورة المتداولة لا تتجاوز شارع بورقيبة، حيث يتعرض المحتجون للتعنيف في الشوارع الفرعية ويحاصرهم رجال الأمن بالغاز المسيّل للدموع، حتى إن سكان تلك المناطق أحيانا يتعرضون للعنف لمجرد مطالبتهم الأمنيين بعدم رمي قنابل الغاز التي تصل تأثيراتها إلى داخل منازلهم.
وينص الفصل 19 للدستور التونسي على أن الأمن الوطني أمن جمهوري، قواته مكلفة بحفظ الأمن، والنظام العام، وحماية الأفراد والمؤسسات والممتلكات، وإنفاذ القانون، في كنف احترام الحريات وفي إطار الحياد التامّ.
وتعتبر ناصر في تصريحها لـ”العرب” أن الأمن التونسي “وظفته كافة الأنظمة المتعاقبة على تونس كأداة قمعية تسيطر بها على الشعب”، مشيرة إلى أن “المؤسسة الأمنية التي تحترم مكانتها لا تقبل أن يتم تطويعها ضدّ الشعب المفقر، الذي يساهم عبر الضرائب في تأمين رواتب موظفيها، بتخويفه واستعمال العنف ضدّه دون موجب، أو لخدمة مصالح حزبية ضيقة”.
وتقول الشابة ذات الاثنين والعشرين سنة، إن الشعب التونسي كان “في 2011 يطمح للقطع مع سياسة التعذيب في السجون وفي دهاليز وزارة الداخلية وتلفيق التهم ضدّ المحتجين والمعارضين، إلا أنّ الحكام الحاليين الذين كانوا ضحية تلك الانتهاكات يعيدون تجسيد مأساتهم الماضية على الشباب الصاعد”.
واختتمت ناصر بالقول إن الاحتجاجات الأخيرة أثبتت أنه من الضرورة “حلّ النقابات الأمنية التي تتبع مصالح حزبية، وتعمل على إسكات صوت التونسيين المنتقد للسياسات الفاشلة”.
والخميس، أدان الاتحاد العام التونسي للشغل الاعتقالات “العشوائية”، التي طالت عددا من الشباب والمدونين إثر الاحتجاجات السلمية الأخيرة، بسبب نشرهم تدوينات تعبّر عن آرائهم ومواقفهم من الشأن العام، مطالبا بإطلاق المعتقلين.
وأكد الاتحاد تلقيه تقارير حقوقية تفيد بوقوع “انتهاكات كثيرة لحرمة ناشطات وناشطين من قبل جهات أمنية منفلتة”، وآخرها اعتقال رامي الرياحي، عضو حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد على خلفية تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وطالب السلطات بالكفّ عن انتهاج “سياسة القمع”، داعيا الحكومة “إلى الاستماع إلى الشعب واعتماد مبدأ الحوار مع الشباب الذين يتعرضون إلى التهميش والإقصاء والتفقير”.
أما حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد فاعتبر إيقاف عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب رامي الرياحي، تزامنا مع إحياء الذكرى الثامنة لاغتيال الأمين العام للحزب شكري بلعيد، “استهدافا للحزب بأكمله ومواصلة لمحاولات هرسلة مناضليه وتهديدهم على خلفية مواقفهم المناقضة لمنظومة الحكم والمنحازة لقضايا الشعب”.
استنكار لاستبداد الأمن
تابعوا Tunisactus على Google News