الأبنودى شاعر الناس رغم أنف أنصاف المواهــب والحاقدين
مرت ذكرى ميلاد عبدالرحمن الأبنودى شاعر الناس فى مصر والوطن العربى، ولم يتذكره السادة الذين عاشوا معه سنوات ينادونه بلقب “الخال”، وكان ـ الخال ـ يغدق عليهم من خيرات الله، فكانت موائده عامرة بالأرانب المسمنة، والمانجو التى استوت على أرض الإسماعيلية.. ولله الحمد، لم أذق طعم أرانب الأبنودى ولا مانجو الأبنودى، كل ما ذقته ديوان شعر أعاره لى الشاعر الصديق “ياسر الزيات” فى عام 1987 فى مدينة سوهاج، ومنذ ذلك التاريخ عرفت فن الأبنودى وتعلقت به روحى، وكان الصديق ياسر الزيات شاعرا متحققا وتنشر له مجلة “إبداع” قصائده، فى عهد الدكتور عبدالقادر القط، رئيس التحرير الذى جعل من المجلة الثقافية منبرا للتجارب الشعرية المتمردة، وسجلا للإبداع المصرى الراقى، ومنذ أن قرأت ديوان “الأرض والعيال”، وأنا أشعر بأن هذا الشاعر لا يشبه أحدا، وله مذاق صادق، فهو من “أبنود” التابعة لمحافظة “قنا”، والعبد لله من “سوهاج”، والثقافة واحدة، سوهاج تشبه قنا، فى كل شىء، وفى شهور رمضان كان “الأبنودى” يجمع الأهل والأقارب، أهلنا وأقاربنا ـ العربان ـ فى كل محافظات الجمهورية، وهو يروى سيرة بنى هلال، مع الشاعر السوهاجى “جابر أبوحسين”، وسيرة بنى هلال هى الزاد الروحى للناس فى الصعيد والبحيرة والشرقية وكل المحافظات التى سكنها العربان منذ قدوم بنى هلال وبنى سليم من البحرين والعراق والجزيرة العربية إلى مصر فى زمن العزيز بالله الفاطمى، ثم ارتحالهم فى عهد المستنصر الفاطمى إلى برقة وتونس وفاس ومكناس وجبال أطلس، وعودتهم للحياة فى مصر، وكان “الأبنودى” الفنان صوت الناس، لما قضى من عمره سنوات مشغولا بجمع السيرة الهلالية من أفواه شعراء الربابة فى الصعيد والدلتا، بل إنه سافر إلى تونس ليدقق القسم التونسى من السيرة، واستطاع أن ينقذ السيرة من الضياع.
وفى شعر العامية حقق الأبنودى ما لم يحققه شاعرمن أبناء جيله، وفى الأغنية كتب الأغنيات الشعبية، المشربة بروح الشعب الكادح فى الغيطان وفوق الجسور، وغنى كلماته مطربون كبار “عبدالحليم حافظ، نجاة، وردة، شادية، محمد قنديل، صباح، محمد رشدى، محمد منير، ماجدة الرومى”، ولما ظهرت الدراما التليفزيونية وأصبح “التتر” مهماً، كتب الأبنودى “تترات” مسلسلات مهمة، بلغته الرقيقة المصرية الروح، وانفرد ـ الأبنودى ـ بعدة انفرادات منها أنه الشاعر الذى اختاره التاريخ ليبلغ الشعب المصرى بالكارثة الكبرى “هزيمة 5 يونيو 1967“، بأغنية حزينة غناها “عبدالحليم حافظ” هى “عدى النهار، والمغربية جاية، تتخفى ورا ضهر الشجر، وعشان نتوه فى السكة، شالت من ليالينا القمر”، ولما أذيعت الأغنية فهم الشعب الرسالة المؤلمة.
والأبنودى هو من كتب “يا بيوت السويس” للمطرب المناضل “محمد حمام”، وفيها نبوءة بعودة الناس للمدينة الباسلة التى قهرت “شارون” الصهيونى، ولم يتمكن من احتلالها، والأبنودى هو من كتب أغنيات نصر أكتوبر للعندليب “ابنك بيقول لك يا بطل” و”وصباح الخير يا سينا”.. وفى السينما كانت له بصمة فى أفلام “الطوق والأسورة” و”شىء من الخوف” و”أغنية الموت” و”البرىء”، وكان الحاقدون وأنصاف الموهوبين يكرهون الأبنودى بسبب موهبته غير العادية، وقدراته الإبداعية الشاسعة، فهو كتب المقال والمربع والأغنية والقصيدة والسيناريو والحوار، وهو شاعر العامية الوحيد الذى حصل على جائزة الدولة التقديرية التى كانت حكرا على شعراء الفصحى، وفى يوم “21 أبريل” سوف تحل ذكرى رحيله “توفى فى 21 أبريل 2015“، وأتمنى أن يتذكره المخلصون فى هذا الوطن، فالأبنودى واحد من حراس ثقافة الوطن، ويستحق أن نتذكره وندعو له بالرحمة.
شارع المواردى .. شاهد على عبقرية يسـرى
الجندى
من مسلسلات شهر رمضان مسلسل شارع المواردى، الذى كتب له السيناريو والحوار الراحل المبدع “يسرى الجندى” وأخرجه الراحل “إسماعيل عبدالحافظ” عن قصة للكاتب الراحل محمد جلال ـ رئيس تحريرمجلة الإذاعة والتليفزيون الأسبق ـ وقبل التوقف أمام موضوع المسلسل، من المهم التأكيد على أن “عبقرية” يسرى الجندى هى التى صنعت نجاح هذا المسلسل، والدليل هو أن “الرواية” التى كتبها “محمد جلال” لم نسمع بها ولم نقرأ مقالا نقديا يشيد بجمالياتها الروائية، وهذا يعنى أن “السيناريست” جعل من “خامة الرواية” ميدانا فنيا، فرمح ومرح ولعب وهدم وبنى وخلق تواريخ للشخصيات وبث فيها الروح، فاستطاع الممثلون رؤيتها فشخصوها، فعاشت فى وجدان الجماهير، بصيغة أخرى هناك قصص وروايات تحتوى على مفجرات إبداعية تجعل السيناريست ينفعل ويرسم عوالم شخصيات لم ينشئها الروائى أو القاص، وهذا حدث مع فيلم «شىء من الخوف»، كانت قصته ساذجة، فجعلها الأبنودى أيقونة سينمائية، وهذا ما فعله الجندى فى “شارع المواردى”، خلق شخصية محمد المواردى الكبير الذى يمتلك أدوات الثروة “القهوة والوكالة”، وأعطاه البعد القاهرى، والقاهريون تجار منذ عصور المماليك والفاطميين، ولهذا ظهر السيد أحمد عبدالجواد فى “بين القصرين” تاجرا، وكل قصص وروايات القاهرة فيها شخصية التاجر، ورسم السيناريست العبقرى حالة “حى السيدة زينب” التى تختلف عن “حالة الحسين” و”الجمالية”، ورسم الحقبة التاريخية التى وقعت فيها الأحداث بدقة علمية ووعى وطنى فارق، فسهل ذلك مهمة المخرج ومهمة الممثل ومهمة منشئ الديكور، وبقية العناصر الأخرى التى تشكل هيكل وجوهرالمسلسل، والأحداث بدأت من ثلاثينيات القرن الماضى، وهى سنوات القحط والجوع والبطالة، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، وجاءت الأربعينيات لتشهد الحرب العالمية الثانية، وفيها تكونت “اللجنة الوطنية للطلبة والعمال”، وهى أول عمل شعبى، يحول الغضب الجماهيرى إلى أداة ضاغطة على المحتل البريطانى والقصرالملكى المتواطئ معه، وتحت هذا الضغط الشعبى سحبت بريطانيا جيشها من المدن المصرية وجعلته داخل معسكرات فى منطقة قناة السويس، وتوالى عرض الأحداث فظهرت عمليات الفدائيين المصريين ضد جيش الاحتلال، وهنا ظهرت شخصية “نسيم” ـ العميل المتحالف مع المحتل ـ وأعوانه من نوعية “غباشى”، وحاول “نسيم” ادعاء الوطنية، لكن أمره افتضح، وهو «الجد الأعلى» لرجال “الانفتاح الاقتصادى” الذين ظهروا فى عهد السادات وخربوا الاقتصاد الوطنى.
وعبقرية “يسرى الجندى” المثقف ظهرت فى تحليل المفاصل التاريخية التى شكلت خلفية “الدراما”، وكان إسماعيل عبدالحافظ موفقا فى اختيار فريق التمثيل، وهم صلاح السعدنى وحمدى أحمد ويحيى شاهين وسيد عبدالكريم ومحمد وفيق والمنتصر بالله وهالة صدقى وسناء يونس ومنال سلامة وشريف منير، ويستطيع المشاهد المدقق العثور على روح “القاهرة ” التى ظهرت بوضوح ومذاق مختلف عن “أرابيسك” و”ليالى الحلمية” التى كتبها الراحل أسامة أنور عكاشة، وفى النهاية أقول رحم الله “يسرى الجندى” الذى خلق عالم “شارع المواردى” وقدم تاريخ نضال الشعب المصرى بصدق وفن راق.
محمد وفيق .. فنان قدير من زمن «رأفت الهجان»!
محمد وفيق، فنان كبير وقدير، سكندرى النشأة والمولد، ووالده كان أستاذا جامعيا، وتلقى تعليمه فى المدرسة المرقسية بالإسكندرية، والتحق بمعهد الفنون المسرحية فى دفعة جمعته مع “نور الشريف ومجدى وهبة وعبدالعزيز مخيون”.. أثناء دراسته عمل فى التليفزيون، وشارك فى مسرحيات، وهو من مواليد ”
24 سبتمبر 1947” وتوفى فى ”
14 مارس 2015“، وله مشاركة رائعة ضمن برنامج تليفزيونى دينى هو “أسماء الله الحسنى” مع الفنانين “مدحت مرسى وأشرف عبدالغفور وسميرة عبدالعزيز”، وله مشاركة مهمة ضمن مسلسل “الكتابة على لحم يحترق”، وقدم شخصية “الظاهر بيبرس”، ومسلسل “المرشدى عنتر”، وكان فيلم “الرسالة ” مع المخرج العالمى مصطفى العقاد محطة مهمة من محطات حياته الفنية، وكان أداؤه لشخصية “عمرو بن العاص” فارقا وبارزا وكاشفا عن موهبة كبيرة لديه، وتوالت مشاركاته فى الأعمال السينمائية والتليفزيونية والإذاعية، لكن مشاركاته فى الأعمال الدرامية الرمضانية أسهمت فى صناعة نجوميته، فهو ضابط المخابرات “عزيز الجبالى” فى “رأفت الهجان”، الذى كانت مهمته تأمين وتغطية “رأفت الهجان” طوال سنوات عمله لحساب المخابرات المصرية، والفنان الراحل “محمد وفيق” له دور مهم فى فيلم “الهروب” إخراج عاطف الطيب، وهو دور ضابط الشرطة الذى لا يهمه سوى إرضاء رؤسائه، دون مراعاة الظروف والقوانين الاجتماعية والعادات، وله دور مهم فى مسلسل “شارع المواردى” ـ إبراهيم المواردى ـ وهذا الدور يوضح جوانب كثيرة من موهبة الفنان الراحل وقدرته على التعبير.
وشارك رحمه الله فى مسلسلات رمضانية ناجحة منها “بوابة الحلوانى” و”محمد رسول الإنسانية” و”الأبطال”، وكان عاشقا محبا وصاحب قلب فياض بالمشاعر الطيبة، وتجلى ذلك فى حبه الكبير للفنانة الراحلة “كوثر العسال ” وهى ابنة خالته، أحبها وتزوجها وقضى معها سنوات، بعد انتظار دام عشرين عاما.
#الأبنودى #شاعر #الناس #رغم #أنف #أنصاف #المواهــب #والحاقدين
تابعوا Tunisactus على Google News