الأداء الاتصالى لوزارة الصحة أثناء أزمة كورونا (1)
فى مطلع عام 2020، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة طوارئ صحية ذات بعد دولى (جائحة)، حيث أعلنت أن فيروس كورونا المستجد الذى ظهر فى الصين وانتشر فى عديد من مناطق العالم يشكل كارثة وبائية، ومن خصائص الكارثة أنها كاملة المفاجأة، أى أنها ليست تصاعدية كالأزمة، وخسائرها البشرية والمادية كبيرة، وأسبابها غالباً عوامل طبيعية، وأحيانا إنسانية، بفعل الإنسان وقساوته على البيئة، فضلاً عن صعوبة التنبؤ بوقوعها والتعامل معها وإدارتها.
وتولد الكوارث العامة حاجات مختلفة لدى الأشخاص المعنيين، أهمها الحاجة إلى المعلومة والحاجة إلى التضامن؛ فالإحساس بأن الكارثة “جماعية” وأنك “لست وحدك” يخفف من وطأة المصاب. وفى هذا السياق أصبحت مواقع التواصل الاجتماعى أحد أبرز الفواعل فى كارثة جائحة كورونا التى واجهت العالم، حيث أصبحت الحاجة إلى المعرفة دافعاً قوياً لمستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى التى لجأ إليها المستخدمون فى جميع أنحاء العالم للتزود بالمعلومات والبيانات، خاصةً مع عدم إظهار وسائل الاعلام الرسمية -فى بداية الأمر-كثيراً من الاهتمام فى تحليل وتغطية اخبار الجائحة، واتسمت هذه البيانات بتجهيل مصادرها فى معظمها، مما أفسح المجال لوباء معلوماتى يقوّض جهود الاستجابة العالمية ويهدد التدابير المتخذة لمكافحة الجائحة.
ولعل أبرز أمثلة الأخبار المغلوطة ما انتشر على أنه تصريح لرئيس الوزراء الإيطالى “جوزيبى كونتي” يقول فيه: “انتهت حلول الأرض والأمر متروك للسماء”، فى إشارة إلى ما وصفوه بإعلان إيطاليا فقداناً تاما للسيطرة على تفشى فيروس كورونا، وهو الأمر الذى نفاه مكتب روما فى وكالة فرانس برس. وفى تونس انتشرت أنباء عن طبيب تونسى فى طريقه للوصول إلى دواء لكوفيد-١٩، وعمد البعض إلى فبركة فيديو يظهر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وهى تتحدث عن الطبيب التونسى وإنجازه.
وكانت منابر بعينها مصدراً لترويج الشائعات واستخدام أسلوب السخرية والتهكم من أى مجهودات حكومية خاصة بالشأن المصرى فى التصدى لجائحة كورونا مثل قناة “الجزيرة” القطرية، وميلها إلى التشكيك الدائم فى قدرات الدولة المصرية على إدارة الكارثة، أو محاولة التشكيك فى الأرقام المعلنة من جانب الدولة المصرية الخاصة بالإصابات وحالات التعافى والوفيات، لدرجة أن بعض هذه المنابر قد اعتمد على دراسات غير علمية للزعم بأن مصر هى الدولة صاحبة المعدلات الأعلى فى العالم من حيث الإصابة بالوباء.
وقد دفع انتشار الاخبار المضللة على مواقع التواصل الاجتماعى شركة الأمن السيبرانى Check Point Software Technologies إلى نشر تقرير أشارت فيه إلى أنه منذ بداية العام 2020 تم إنشاء أكثر من 4000 موقع إلكترونى خاص بكورونا المستجد (كوفيد -19)، وحسب الشركة فإن 3% من هذه المواقع ضارة، و5% من المواقع مثيرة للريبة والشك.
وعلى النهج نفسه حذرت منظمة الصحة العالمية من وجود إيميلات تستهدف الإيطاليين بها عدد من الأدوية التى يزعم أنها تستخدم لعلاج كورونا، لكنها تحتوى على ملفات ضارة، بمجرد تحمليها على جهاز الكمبيوتر يتم اختراق الحسابات الخاصة.
الأمر الذى دفع منظمة الصحة العالمية فى بداية 2020، اعتماد قرار يدعو الدول الأعضاء إلى إتاحة محتوى موثوق عن كوفيد-19 واتخاذ تدابير لدحض المعلومات المضللة والخاطئة، وتسخير التكنولوجيات الرقمية فى شتى جوانب الاستجابة. كما يدعو القرار المنظمات الدولية إلى التصدى للمعلومات الخاطئة والمضللة فى الفضاء الرقمي، والعمل على التصدى للأنشطة الإلكترونية الضارة التى تقوّض الاستجابة الصحية للجائحة، ودعم إتاحة البيانات العلمية الدقيقة للجمهور.
وفى استجابة للقرار استخدمت وزارة الصحة المصرية صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى للتواصل مع المواطنين لإدارة الكارثة، تنشر بها المعلومات والارشادات الصحيحة لتفادى انحراف المعلومات، فكانت وسيلة للأفراد الذين لجأوا إليها للحصول على المعلومات المؤكدة حول الفيروس، خاصة مع توالى أحداث الجائحة الكارثية –عالمياً-وتأثيرها على قطاعات واسعة من السكان.
وأصبحت وزارة الصحة المصرية السلطة التوجيهية والتنسيقية ضمن منظومة الأمم المتحدة فيما يخص المجال الصحى فى مصر. وقامت الوزارة بالتعامل مع الكارثة عن طريق بناء قاعدة معلومات وتحديد أساليب التواصل مع الجمهور المستهدف، وكانت الصفحات الرسمية لوزارة الصحة المصرية على فيس بوك ملجأً آمناً للمواطنين المصريين، حيث بدأت بالتحذير والنصح والإرشاد، لينقلب الأمر مع تزايد الإصابات والوفيات إلى نشر أشكال من المواد الاعلامية تحث الأفراد على ضرورة الالتزام بالتعليمات الصحية، واتباع الإجراءات السليمة للوقاية من الوباء.
وتطورت الصفحات الرسمية المصرية بالتزامن مع مبادرة شركة فيس بوك بإنشاء مركز معلومات إلكترونى عبر موقعها يحتوى على المعلومات الموثوق فيها حول الفيروس، والتى مصدرها بالأساس منظمة الصحة العالمية وبيانات وزارات الصحة بكل البلدان حول العالم، وعند قيام أحد الأشخاص بمحاولة البحث عن أى موضوعات تتعلق بكوفيد 19، يتم تحويله مباشرة إلى مركز المعلومات وصفحة منظمة الصحة العالمية والصفحات الصحية المحلية التى تم ربطها بالمطورين الذين يتعاملون معها حول العالم، بهدف تطوير نظام رد تلقائى على تطبيق “ماسنجر”، يقوم بتوفير معلومات وإجابات مسبقة للرد التلقائى والفورى على استفسارات زوار هذه الجهات الحكومية عبر صفحاتهم على فيس بوك، الأمر الذى عزز بدفع المستخدمين إلى اللجوء إلى الصفحات الرسمية الموثقة للمؤسسات المعنية بدولهم أو المؤسسات العالمية.
وقد فرضت التدابير المتخذة فى جميع أنحاء العالم لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد على مناحى الحياة واقعاً جديداً تدور أنشطته فى الواقع الافتراضي؛ ففى ظل التزام كثير من سكان العالم منازلهم ضمن إطار التدابير المتخذة لمنع انتشار الفيروس، بدأ كثيرون فى قضاء مزيدٍ من الوقت أمام شاشات الأجهزة الذكية لتتتبع أخبار الوباء ومجريات الأحداث فى بلدانهم والبلدان الاخرى وذلك فى ظل الحقيقة العلمية التى تؤكد أن الفرد ينشط اتصالياً وقت الأزمات ليستمد من وسائل الاعلام المعلومات التى تجعله يأمن على نفسه وحياته.
وتحولت منصات وسائل التواصل الاجتماعى إلى خيارٍ أول لأولئك الذين لا يريدون الانفصال عن محيطهم الاجتماعى أثناء البقاء فى المنزل، مما جعل المتلقى يواجه كماً هائلاً من المعلومات بعضها صحيح وكثير منها مغلوط بما قد يؤدى إلى مزيدٍ من الارتباك وعدم اليقين وقت الكوارث والأزمات، وفى مصر لجأ كثير من الأفراد إلى الصفحات الرسمية لوزارة الصحة على فيس بوك للحصول على المعلومات الحقيقية بعيداً عن التضليل الإعلامى بشأن الفيروس، والذى انتشر بشكلٍ كبير على عديدٍ من الصفحات، الأمر الذى ألقى مسئوليةً كبيرة على المؤسسة الرسمية.
وفى ضوء ذلك تحددت مشكلة الدراسة المهمة التى أعدتها د. أمل يوسف خطاب الأستاذ المساعد بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة بها لرصد وتحليل سمات الأنشطة والممارسات الاتصالية للصفحات الرسمية لوزارة الصحة المصرية على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، وذلك من خلال دراسة وتحليل عدة متغيرات تشمل الموضوعات التى تناولتها بالتغطية والتحليل وأشكال عرض المحتوى المقدم ودلالتها وخصائص وأنماط المصادر التى اعتمدت عليها الصفحات واتجاهاتها، وأنماط التفاعل بين الصفحات والجمهور بما يوضح ويحلل ويفسر الكيفية التى تناولت بها الصفحات مجريات الأمور وتطوراتها وقدر الاهتمام الذى أولته الصفحات للحدث، وذلك بهدف تحليل الأداء الاتصالى للصفحات، واستخلاص دلائل وآليات وأهداف توظيف هذا الاداء بهدف تحديد السمات العامة لمحددات التعامل مع الكارثة التى واجهتها وزارة الصحة -كمؤسسة رسمية من مؤسسات الدولة المصرية – من خلال إدارة خطة اتصالية عبر صفحاتها الرسمية فى فترة استثنائية تمر بها الدولة المصرية والعالم أجمع.
وتتناول هذه الدراسة أحداثاً وتطورات وتداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد كما قدمتها الصفحات الرسمية لوزارة الصحة المصرية، وذلك فى الفترة من أول يناير 2020 حتى أول يونيو 2021. وتمثل هذه الفترة الزمنية مرحلة مهمة فى مراحل وجود الجائحة فى مصر؛ فتاريخ أول يناير 2020 هو بداية الاهتمام الحقيقى والوجود الفعلى للتغطية الصحفية التصاعدية للجائحة على صفحات الوزارة، وتاريخ أول يونيو 2021 يمثل بداية التغير الفعلى لوجود الفيروس ونشاطه حيث يمثل انتهاء – ما استقر عليه صحياً – الموجة الثالثة من الجائحة، وذلك طبقاً لتصريحات وزارة الصحة المصرية ومنظمة الصحة العالمية، حيث شهد العالم انحساراً فى معدلات الاصابة.
وقد اعتمدت الدراسة على أسلوب الحصر الشامل لكل المواد المنشورة على الصفحات الرسمية لوزارة الصحة المصرية حول أحداث وتطورات جائحة فيروس كورونا المستجد، وذلك حرصاً على أن تأتى النتائج وهى تتسم بأكبر قدر من الصدق والدقة والموضوعية للكارثة، واهتمت الباحثة بالتحليل الكيفى إلى جانب المؤشرات الكمية التى جاءت نتيجة استخدام تحليل المضمون لمواد الصفحات.
وتم استخدام تحليل المضمون الكمى والكيفى كأداة بحثية فى إطار هذه الدراسة للوقوف على خصائص مضمون المواد الاعلامية التى نشرتها صفحات الدراسة فى اطار تغطيتها لتطورات جائحة كورونا المستجد، إلى جانب رصد وتصنيف المصادر التى اعتمدت عليها الصفحات المدروسة فى التغطية الإعلامية.
ونستعرض الأسبوع المقبل نتائج هذه الدراسة المهمة.
#الأداء #الاتصالى #لوزارة #الصحة #أثناء #أزمة #كورونا
تابعوا Tunisactus على Google News