الأزمة السياسية التونسية في ظل استحقاقات الداخل ودعم الخارج
منذ 6 ساعات
حجم الخط
أشد ما يخشاه التونسيون، هو أن يأتي الحل من الخارج بتدخل أطراف أجنبية لفرض جلوس الفرقاء مع بعضهم البعض للخروج من هذه الأزمة.
تونس-»القدس العربي»: استفحلت الأزمة السياسية في تونس بشكل لافت حتى باتت مصدر قلق وانزعاج كبيرين لعموم التونسيين بعد أن أثر السياسي على الاقتصادي والاجتماعي والصحي والثقافي وغيره. ويبدو أن حكام تونس الجدد أعجز من أن يجدوا المعادلة الكفيلة بحلحلة هذه الأزمة في ظل التعنت والتعصب للرأي الذي يميز أغلب الطيف السياسي في بلد فشل مسار عدالته الانتقالية في تحقيق المصالحة بين مختلف فئاته.إلا أن اللافت هذه الأيام، هو أن الراغبين في تغيير النظامين السياسي والانتخابي بدأوا يتنظمون ويعبرون عن وجودهم الفعلي ويجدون مساندة من أطياف عديدة فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي، سواء تعلق الأمر بأحزاب سياسية أو جمعيات ومنظمات أو بمستقلين من المثقفين والفنانين والمهنيين وغيرهم. وتتقاطع مطالب هؤلاء مع مطالب رئيس الجمهورية قيس سعيد التي عبر عنها في وقت سابق ولقي نتيجة لذلك معارضة واسعة وشديدة من الفريق المعارض له والذي تقوده حركة النهضة.ويرغب هؤلاء في العودة إلى الشعب، صاحب السلطة الأصلية، لاستفتائه حول شكل النظام الأمثل من بين النظامين الرئاسي والبرلماني، بدون فرض نظام بعينه يستفتى حوله بالقبول أو الرفض. ولم تتعرض هذه الأطراف إلى النظام المجلسي الذي تعتمده بعض البلدان على غرار الكونفدرالية السويسرية وله جذور في التاريخ التونسي القديم.بين الرئاسي والبرلمانيويشار إلى أن هناك أطرافا تسعى لإخافة التونسيين من النظام الرئاسي وتوهمهم بأن في اعتماده ستكون هناك عودة إلى الاستبداد، وأن نظام بن علي كان رئاسيا شأنه شأن نظام بورقيبة. والحقيقة، أن الأمر يتعلق بمغالطة كبرى باعتبار أن نظام بن علي يسمى في القانون الدستوري «النظام الرئاسوي» وهو تحريف للنظام الرئاسي باعتبار أن رئيس الدولة كان يجمع فيه صلاحيات عديدة ومنها رئاسة المجلس الأعلى للقضاء، وهو أمر لا وجود له في النظام الرئاسي القائم على التفريق بين السلط وعلى رقابة بعضها على البعض.فلا يمكن في النظام الرئاسي، الذي تعتمده فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، أن يرأس رئيس الجمهورية المجلس الأعلى للقضاء، وتؤول الرئاسة لهذا الجهاز المشرف على القضاء إلى رجل قانون منتخب من أهل الاختصاص شأنه شأن الأعضاء وذلك لضمان الفصل بين السلط والتوازن فيما بينها. كما تبقى للبرلمان في النظام الرئاسي إمكانية سحب الثقة من رئيس الجمهورية شريطة توفر بعض الشروط ومنها المرور إلى المحكمة الدستورية العليا للتثبت من جدية طلب سحب الثقة وهو ما يضمن الرقابة بين السلط على بعضها البعض ويمنع الرئيس صاحب الصلاحيات التنفيذية الكبرى من الاستبداد.ويرى البعض أنه إذا تم الاستفتاء واختار الشعب التونسي النظام البرلماني فإنه يتم إلغاء الانتخابات الرئاسية ويقتصر الأمر على انتخاب أعضاء البرلمان الذين سيختارون رئيسا للجمهورية مجردا من الصلاحيات يكون رمزا لوحدة البلد لا غير، وتمنح الصلاحيات التنفيذية بالكامل لرئيس الحكومة الذي يكون ممثلا للحزب الأغلبي، وذلك خلافا للنظام التونسي الحالي الذي ينعت بأنه هجين. ففي هذا النظام يؤتى بشخص غير منتخب لا هو ولا حزبه، جاءت به توافقات هشة ويمنح أغلب الصلاحيات التنفيذية بينما رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب بالاقتراع العام والمباشر يبقى محدود الصلاحيات وبإمكان رئيس الحكومة حشره في الزاوية متى تراءى له ذلك.كما يقتضي إقرار النظام البرلماني في تونس وضع آليات دستورية تحفظ استقراره وتضمن عدم انهيار الحكومات خلال مدة زمنية قصيرة كما يحصل في النظام الحالي، الهجين، الذي هو أقرب إلى النظام البرلماني منه إلى الرئاسي. وتصنف هذه الآليات الدستورية في خانة ما يسمى في القانون الدستوري بـ»الترشيد» الذي تحتاجه دولة مثل تونس تبحث عن الاستقرار السياسي وتروم الهدوء لضمان انتعاش الاقتصاد المرتبط بالسياسة وأزماتها.والحقيقة أنه لا حل يبدو في الأفق في ظل فشل مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل للحوار بسبب إصرار الرئيس قيس سعيد على عدم الجلوس إلى خصومه الذين نعتهم بأقذع النعوت. وحتى المساعي التي قام بها الوزير والقيادي النهضوي السابق لطفي زيتون لإذابة الجليد وتقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي يبدو أنها باءت بالفشل وتركت دار بقمان على حالها.
دعم خارجي
ويبقى أشد ما يخشاه التونسيون، وهو ما سيحصل على ما يبدو، هو أن يأتي الحل من الخارج بتدخل أطراف أجنبية لفرض جلوس الفرقاء مع بعضهم البعض للخروج من هذه الأزمة باعتبار أن الأمر يتعلق بأطراف دائنة للدولة التونسية بأموال طائلة تدرك أن تعطل عجلة التنمية وتوقف الإنتاج في البلد سيعرقل عملية خلاصهم لأقساط قروضهم. فهذا التدخل سيظهر التونسيين بمظهر العجزة غير القادرين على إدارة خلافاتهم سلميا وفي الإطار الديمقراطي الداخلي، وبأنهم لا يختلفون عن بعض أشقائهم الذين حملوا السلاح بوجه بعضهم البعض وفتحوا الأبواب على مصراعيها إلى التدخلات الخارجية لإيجاد الحلول لمشاكلهم.وتأتي في طليعة البلدان المهتمة بالحل في تونس فرنسا، المستعمر السابق، وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدم منذ سنوات ضماناتها لصندوق النقد الدولي حتى تتمكن تونس من الاقتراض بعد أن تراجع التصنيف السيادي الائتماني للخضراء إلى درجات دنيا لا تمكنها من الاقتراض متى شاءت ودون ضامن. وقد أكدت ويندي شيرمان نائبة وزير الخارجية الأمريكي مؤخرا التزام الإدارة الأمريكية بدعم جهود تونس في إنجاح مسارها الديمقراطي وإرساء مؤسساتها الدستورية لأنها شريك متميز لبلادها بينه وبين واشنطن قيم مشتركة على غرار الالتزام المتبادل بمبادئ الديمقراطية، على حد تعبيرها.وفي هذا الإطار يبدو أن هناك دعما صحيا واقتصاديا سيصل من واشنطن إلى تونس في القريب العاجل مشروطا بالتفاهم بين الفرقاء السياسيين لتجاوز هذه الأزمة السياسية واستكمال البناء الديمقراطي. فقد أكدت شيرمان أن الولايات المتحدة بجرعات لقاح ضد كوفيد-19 إلى دول العالم وستكون تونس في صدارة البلدان التي ستتمتع بهذه الجرعات، كما تم رصد أموال لتونس لدعم قطاعات عديدة وهو ما سيساهم، على حد تعبيرها، في خلق مواطن شغل عديدة ويعزز الاقتصاد التونسي.ويؤكد البعض على أن هذه الإغراءات المالية الأمريكية الهامة ستسيل لعاب الفرقاء السياسيين خلافا للمساعدات الصحية التي قد تعنيهم في شيء باعتبارها تهم صحة عموم التونسيين التي لا يبدو أن الطبقة السياسية، ومن خلال تعاملها مع أزمة الكوفيد، توليها الاهتمام اللازم. فالمرجح إذن أنهم سيجنحون إلى السلم لضمان وصولها إلى تونس لتنتعش الجيوب قبل الاقتصاد، ولا يصل بالنهاية إلى المواطن البسيط من هذه الأموال إلا الفتات، وفي أفضل الأحوال، وذلك قياسا على مبالغ سابقة صرفت من دول صديقة لتونس من مختلف أنحاء العالم وانتهت إلى وجهات غير معلومة.
تابعوا Tunisactus على Google News