“الأمر الموحش” يفتح الأسئلة حول حرية الصحافة في تونس
أطلق القضاء التونسي اليوم الخميس سراح الصحافي البارز زياد الهاني الذي أوقف قبل يومين، بعدما انتقد مادة في قانون العقوبات تتعلق بإهانة رئيس الدولة خلال بث إذاعي.
وقال زياد الهاني (59 سنة) بعد الإفراج عنه أمام محكمة بالعاصمة التونسية للصحافيين “ناقشت فقط فصلاً قانونياً ولم أسئ لأحد، وقلت إن هناك تعسفاً في استعمال الفصل 67”.
وأضاف “أفرج عني على أن يتواصل التحقيق”.
“تعليق ساخر”
وأوقف زياد الهاني من الشرطة بعد استجوابه مساء الثلاثاء من الفرقة الخامسة لمكافحة جرائم تكنولوجيا المعلومات والاتصال للحرس الوطني، وذلك بعد ساعات على إدلائه بتعليق ساخر على مادة في القانون الجزائي تتعلق بجريمة “ارتكاب أمر موحش في حق رئيس الجمهورية”، أي في هذه الحالة الرئيس قيس سعيد، خلال برنامج صباحي إذاعي، وأكد “من يتصور أنه سيخمد صوتي فهو مخطئ”.
هذا الإجراء استنفر المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة، خصوصاً أنه جاء بعد أيام من صدور قرار قضائي يمنع تداول وسائل الإعلام وتطرقها لقضية تعرف إعلامياً بالتآمر على أمن الدولة، ويحتجز سياسيون ورجال أعمال بسببها.
تندد منظمات غير حكومية محلية ودولية بتراجع الحريات في تونس (أ ب)
وكان الهاني تطرق بالتحليل في مداخلة إذاعية للمادة الـ67 من المجلة الجزائية سارية المفعول منذ 1913، التي تنص على سجن أي شخص لثلاث سنوات في حال دين بإهانة الرئيس، وهي مادة لطالما كانت عرضة للنقد بعد تسجيل كثير من التتبعات القضائية ضد تونسيين بسببها.
سارعت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إلى مطالبة السلطات بإطلاق سراح الهاني، لاسيما أنه يواجه أزمة صحية، داعية إلى الاحتجاج الخميس للمطالبة بذلك، فيما لم تتردد أوساط سياسية بما فيها أطراف موالية للرئيس قيس سعيد، في إدانة قرار الاحتفاظ بالهاني المعروف عنه دفاعه المستمر عن الحريات.
منعرج “خطر”
قرار توقيف زياد الهاني جاء بعد سلسلة من القرارات، كان آخرها قرار في البرلمان لمنع تغطية الصحافيين لأنشطة لجان المجلس، تلاه قرار قضائي يمنع التداول في قضية التآمر على أمن الدولة في وسائل الإعلام.
وهذه القضية المثيرة للجدل تفجرت في يناير الماضي، وبسببها أوقف عديد من السياسيين، من بينهم خيام التركي (ناشط سياسي مستقل) وعصام الشابي (الأمين العام للحزب الجمهوري) وغازي الشواشي (ناشط سياسي مستقل) ورجل الأعمال النافذ كمال اللطيف وغيرهم، قبل أن يوقف رئيس “حركة النهضة الإسلامية” راشد الغنوشي.
وقال عضو النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين وجيه الوافي إن “حرية التعبير والصحافة وصلت إلى مرحلة خطرة اليوم بعد توقيف الزميل زياد الهاني على خلفية تصريح إعلامي، هذا التوقيف جاء بعد سلسلة من التحقيقات مع عديد من الزملاء حول معنى المرسوم 54 الذي أصبح سيفاً مسلطاً على رقاب الصحافيين اليوم في تونس”.
وتابع الوافي في تصريح لـ”اندبندنت عربية” أن “هذا المرسوم يمثل خطراً داهماً على حرية الصحافة، حرية الصحافة في خطر اليوم وحذرنا من ذلك لاسيما بعد قرار منع التداول في قضية التآمر على أمن الدولة والخروق التي تمت أساساً عند التحقيق مع زياد الهاني، إذ تم ذلك من دون حضور محامين. ما يحدث يؤكد وجود تطاول على الصحافيين وحرية الرأي والتعبير، نحن جدار الصد الأخير للدفاع عن حرية التعبير في تونس”.
وقامت نقابة الصحافيين بعديد من التحركات في مسعى إلى الضغط على السلطات لوقف تنفيذ المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية ضد الصحافيين، لكن لم يكن هناك من استجابة، مما يثير تساؤلات عن الخطوات المقبلة التي تقوم بها النقابة كما غيرها من المنظمات المدافعة عن الحريات.
وقال الوافي إنه “سيكون هناك اجتماع موسع للمكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للصحافيين حتى ننظر ونناقش التطورات الأخيرة، التي كان من بينها تصريح رئيس البرلمان أنه سيمنع الصحافيون من تغطية أنشطة لجان مجلس النواب، ويمنع التداول في قضية التآمر على أمن الدولة، وصلنا إلى مرحلة خطرة ونقابة الصحافيين ستتخذ قرارات في حجم هذه التطورات”.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إدانات ومخاوف
وتواترت أمس الأربعاء الإدانات لقرار اعتقال الهاني وسط تحذيرات من الأحزاب الموالية للرئيس قيس سعيد من وجود أطراف تسعى إلى توريطه والسلطة في الحد من الحريات، من خلال استخدام بعض القوانين التي من شأنها تقييد تلك الحريات.
وبعث الرئيس سعيد في كثير من المرات رسائل طمأنة مفادها بأن “الحريات مضمونة، وذلك بعد عودة تونس لنظام الحكم الرئاسي القوي”، لكن بعض التوقيفات والإحالات على التحقيق التي شملت عديداً من الصحافيين باتت تثير قلقاً متنامياً من تراجع محتمل على هذه المكاسب.
وقال الأمين العام لحزب “حركة الشعب” الموالي للرئيس سعيد زهير المغزاوي إنه تلقى بانزعاج كبير توقيف الهاني، داعياً إلى إطلاق سراحه.
وشدد المغزاوي في المقابل على أن “هناك أجهزة وأشخاصاً في الدولة والحكومة يعترضون على المرسوم 54 الذي لا بد من تعديله، خصوصاً أن الرئيس ديمقراطي ولا يقبل بالظلم بالتالي عليه أن يحذر من هذه الطبقة”.
ومن جانبه دان الأمين العام لحزب العمال اليساري والمعارض حمة الهمامي قرار توقيف الهاني، موضحاً أنه “يستهدف ترهيب وتخويف الصحافيين” وفق قوله.
تضييق
وأصدر الرئيس سعيد المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم الإلكترونية في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكن مراقبين يعتبرون أن ما يعيب هذا القانون جنوحه عن التصدي للجرائم التي ترتكب في الفضاء الافتراضي وبات يقتصر على الصحافيين.
وينص الفصل 24 من المرسوم على أنه “يعاقب بخطية قدرها 50 ألف دينار (حوالى 17 ألف دولار)، وبالسجن لمدة خمس سنوات من يتعمد استعمال شبكات وأنظمة معلومات واتصال لإنتاج أو ترويج أو نشر أو إرسال أو إعداد أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة بهدف الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان”.
وفي أيار (مايو) الماضي نظمت نقابة الصحافيين التونسية احتجاجات تنديداً بسياسة الحكومة تجاه حرية التعبير والصحافة، معتبرة أنها “تهدف إلى إخضاع وسائل الإعلام”، وذلك في أعقاب احتجاز الصحافي ومدير إحدى الإذاعات نور الدين بوطار الذي أطلق سراحه أخيراً.
واعتبر الصحافي والباحث السياسي التونسي محمد صالح العبيدي أن “ما تشهده تونس منذ فترة هو إصدار لقوانين وقرارات تهدف إلى التضييق أكثر على حرية الصحافة والتعبير في مناخ يتسم عموماً بالانغلاق السياسي، بعد توقيف كثير من السياسيين من دون توضيحات رسمية لطبيعة التهم الموجهة إليهم”.
لكن بعض الموالين للرئيس سعيد ألقوا باللوم على الهاني إثر تصريحه، إذ قال الأمين العام لحركة “تونس إلى الأمام” عبيد البريكي إن “هذه التصريحات وبخاصة تدوينة الهاني فيها أسلوب لا يليق وعبارات فيها تهجم على داعمي مسار الـ25 من يوليو (تموز)”، في إشارة إلى مسار سياسي يقوده الرئيس التونسي منذ حوالى سنتين.
وحذر البريكي في المقابل في تصريحات لوسائل إعلام محلية بثت مساء الأربعاء، من أن “التجاوزات في التعامل مع الحريات لا يمكن أن تؤدي إلا إلى التوتر” وفق قوله.
#الأمر #الموحش #يفتح #الأسئلة #حول #حرية #الصحافة #في #تونس
تابعوا Tunisactus على Google News