الأم التي قاتلت للقصاص من مغتصبي ابنتها – BBC News عربي
- غيتا باندي
- بي بي سي نيوز – دلهي
تعرضت شابة هندية لاغتصاب جماعي واعتداء وحشي في حافلة في العاصمة الهندية دلهي وتوفيت بعد أيام متأثرة بجراحها.
ظلت الفتاة مستلقية على سرير في المستشفى لأيام تصارع الموت، وأطلقت عليها الصحافة إسم نيربهايا وتعني الفتاة التي لا تعرف الخوف .ونظراً لأنه لا يمكن تسمية ضحايا الاغتصاب بموجب القانون الهندي، فقد تم تعليق الإسم.
حدث هذا قبل عشر سنوات. فما حكايتها؟
تصدّر الاعتداء الوحشي على الفتاة، عناوين الصحف العالمية، وأدى إلى أسابيع من الاحتجاجات وأجبرت الهند على سن قوانين جديدة صارمة لمكافحة الجرائم ضد المرأة.
تم العثور على المتهم الرئيسي (سائق الحافلة) ميتاً داخل السجن بعد بضعة أشهر من ارتكاب الجريمة. تم شنق أربعة آخرين في مارس/آذار 2020 ، بينما تم الإفراج عن قاصر مدان بعد ثلاث سنوات، وهي العقوبة القصوى المسموح بها بموجب القانون.
غيرت الجريمة الطريقة التي ناقش بها الهنود مسألة العنف ضد المرأة وغيرت حياة العديد، ولكن ليس أكثر من حياة آشا ديفي، والدة نيربهايا.
ديفي، ربة منزل هادئة أمضت سنواتها في الاعتناء بمنزلها وأطفالها.
خلال العقد الماضي، تحولت إلى مناصرة وناشطة من أجل سلامة المرأة، تناضل من أجل العدالة أولاً ومن أجل ابنتها والآن من أجل “جميع بنات الهند”.
قبل عامين- في الذكرى الثامنة للاعتداء على ابنتها، وبعد بضعة أشهر من شنق المدانين، تعهدت “بالكفاح من أجل العدالة لجميع ضحايا الاغتصاب”.
وقالت “بهذه الطريقة سأكون قادرة على تكريم ابنتي”.
وعلى الرغم من آلام الساق المصابة التي تتطلب منها زيارات يومية لأخصائي العلاج الطبيعي، كانت المرأة البالغة من العمر 56 عاماً تقود مجموعة صغيرة من الناس في مسيرة على ضوء الشموع في منطقة دواركا، في دلهي كل مساء على مدى الأسابيع الخمسة الماضية.
إنهم يطالبون بالعدالة لشابة كانت في عمر الـ 19 عاماً، تعرضت للاغتصاب الجماعي والقتل قبل 10 سنوات.
أصدرت المحكمة العليا في الهند مؤخراً قرار إعدام بحق ثلاثة رجال ممن شاركوا في هذه الجريمة، وقالت إنه لا يوجد دليل قاطع على أن هؤلاء الرجال مذنبون.
تم تقديم عريضة مراجعة في المحكمة العليا، لكن آشا ديفي وآخرين قاموا باحتجاجات لضمان “عدم نسيان قضية اغتصاب تشاولا”.
أخبرتني آشا ديفي عندما زرت منزلها مؤخراً: “أحياناً يحضر 10 أشخاص، وأحياناً أخرى يكون هناك 15شخصاً ، لكننا نسير كل يوم”.
“نريد إلغاء أمر المحكمة. يجب أن يعاد المغتصبون المزعومون إلى السجن”.
في اليوم التالي لأمر المحكمة العليا، ذهبت آشا ديفي للقاء والدي الضحية.
“حصلت على العدالة ولم أعد مضطرة إلى الخروج وفعل أي شيء بعد الآن، لكنني أتذكر كيف كنت أجلس خارج قاعة المحكمة وأبكي، أحياناً بمفردي. أعتقد أن هذا لا ينبغي أن يحدث لأي شخص آخر. لذلك ذهبت وجلست مع والديها وبكيت معهم”.
كما قدمت مؤخراً دعمها لعريضة عبر الإنترنت تطالب بتحقيق العدالة لبلقيس بانو بعد أن أفرجت حكومة كوجارات قبل الأوان عن 11 رجلاً أدينوا باغتصابها وقتل العديد من أفراد عائلتها.
تم تأسيس مؤسسة باسم آشا ديفي، لمساعدة الناجيات من الاغتصاب وتقديم المشورة لضحايا العنف المنزلي، تضم قضاة سابقين ومحامين ومسؤولي شرطة سابقين ونشطاء كمتطوعين.
على مدى السنوات القليلة الماضية، عملوا مع عشرات العائلات.
غالباً ما يدفع وجودها الشرطة والسلطات إلى العمل، لكن آشا ديفي تقول إنه بعد 10 سنوات من وفاة ابنتها، لم يتغير شيء على أرض الواقع.
في عام 2012 ، العام الذي تعرضت فيه نيربهايا للاعتداء، سجلت الهند 24923 حالة اغتصاب.
في عام 2021 ، وهو العام الأخير الذي توفرت بيانات الجريمة عنه، ارتفع العدد إلى 31677.
تقول آشا ديفي: “القوانين تُسن على الورق، والوعود تُقطع، ولكن هناك ضعف في التنفيذ”.
“إذا استمر الحال على هذا النحو، فسنفقد ثقتنا بالعدالة”.
ينبع نشاط آشا ديفي من تجربتها الخاصة ومعركتها الطويلة مع العدالة ومعاناتها كأم خسرت ابنتها.
بعد مرور عشر سنوات، لا تزال ذكريات ذلك الأحد تسيل الدموع من عينيها. و تقول: “لا ينبغي لأحد أن يرى أو يعيش يوماً مثل 16 ديسمبر/كانون الاول”.
كانت ابنتها البالغة من العمر 23 عاماً وقتها، قد أكملت لتوها تدريبها كأخصائية علاج طبيعي؛ وحصلت على مقابلتي عمل في مستشفيين وكانت قد قبلت من قبل أحدها للتدريب.
“لقد تلقت بالفعل بطاقة هوية من المستشفى وكان من المقرر أن تبدأ يوم الاثنين أو الثلاثاء وقالت لي ،” أمي، ابنتك طبيبة الآن “. “كانت مسرورة للغاية”.
بعد ظهر يوم الأحد، عندما غادرت المنزل، وعدت والدتها بأنها ستعود في غضون ساعتين أو ثلاث ساعات.
عندما رأتها آشا ديفي بعد عدة ساعات، كانت ترقد في المستشفى وهي ملطخة بالدماء.
ووصفت إصابة ابنتها بقولها لقناة تلفزيونية “بدا الأمر وكأنه قد تم إنقاذها من وحوش الغابة. قال الطبيب إنه لا يعرف ما يجب فعله وما يجب إصلاحه”.
تعرضت الشابة للاغتصاب الجماعي من قبل سائق الحافلة وخمسة رجال آخرين وتعرض صديقها للضرب المبرح.
ألقي بهما عراة غارقين بدمائهم على جانب أحد الطرق وتركوهما ليموتا، لولا عثور بعض المارة عليهما واتصالهم بالشرطة حيث نقلا إلى المستشفى.
تقول آشا ديفي: “ما حدث لها كان وحشياً لدرجة أنها لم تنجُ من الاعتداء، فعاشت 12 يوماً. أطلق عليها إسم نيربهايا، لقد كانت شجاعة حقاً”.
وتقول وهي تمسح دموعها إن “أكثر ما ندمت عليه” في حياتها هو أنه بينما كانت ابنتها على قيد الحياة، “ظلت تتوسل إلينا للحصول على الماء، لكننا لم نتمكن من إعطائها ملعقة ماء واحدة”.
“ظللت أفكر، ما خطيئة ابنتي؟ لماذا كان عليها أن تموت بشكل مؤلم؟ رأيتها تتألم واستمديت القوة من آلامها. لقد وعدتها بأن أقاتل لتحقيق العدالة من أجلها، كل ما أردته هو أن يعاقب الرجال الذين فعلوا هذا بابنتي”.
مع بدء المحاكمة، لم تفوت آشا ديفي أي جلسة.
وتقول: “لم تفتني جلسة واحدة في المحكمة، أهملت منزلي وشؤونه، كان جل اهتمامي حضور جلسة المحكمة ما دامت هناك واحدة”.
على الرغم من الاهتمام بالجريمة، فقد استغرق الأمر أكثر من سبع سنوات لتنتهي القضية ويُعدم المغتصبون.
تقول آشا إنها كرست كل طاقتها وإرادتها للقتال من أجل تحقيق العدالة لابنتها.
نشأت آشا في منطقة متخلفة في ولاية أوتار براديش شمال الهند و “اضطرت إلى ترك المدرسة بعد الصف الثامن لأن المدرسة الثانوية كانت بعيدة جداً عن المنزل” ، وكان عليها أن تعمل بجد لفهم لغة القانون و تعلم كيفية عقد الاجتماعات الصحفية.
لكن المعاناة الشديدة للأم الحزينة، التي غالباً ما تلتقطها كاميرات التلفزيون، حركت العديد من الهنود وجذبت المحامين والنشطاء والمشاهير والسياسيين من جميع التوجهات لتقديم الدعم لها.
وخرجت احتجاجات في شتى أنحاء الهند للمطالبة بإعدام المغتصبين.
ولكن بمجرد أن أكدت المحكمة العليا أحكام الإعدام في سبتمبر / أيلول 2017 ، بدأت عائلات المدانين ومحاميهم بمحاولات اللحظة الأخيرة لوقف الإعدام عن طريق تقديم التماسات مراجعة والكتابة إلى السلطات لطلب الرأفة.
أشار نشطاء أيضاً إلى أن الدراسات على مستوى العالم أظهرت أن عقوبة الإعدام لا تقلل من الجرائم، فهي تؤدي في الواقع إلى المزيد من عمليات القتل حيث يحاول الجناة إزالة الأدلة.
لكن آشا ديفي، وهي أكبر مؤيدة لعقوبة الإعدام، تصر على أنها مبررة.
قالت لي: “هناك أشخاص يتحدثون عن حقوق الإنسان للمتهمين، لكن ماذا عن حقوق الفتاة التي ماتت جراء الاغتصاب والقتل الوحشي؟ لن يتغير أي شيء ما لم يحسب الناس حساب العواقب ويخافون”.
بينما كانت القضية آخذة تسير من خلال النظام القضائي الهندي، تقول آشا ديفي إن الناس أحياناً كانوا يقولون لها: “ابنتك رحلت عن العالم، استسلمي، فأنت تضربين رأسك بالحجر”.
“لكنني حصلت على دعم هائل من المجتمع. وهذا جعلني أعتقد أنهم لا يعرفون ابنتي ويقفون إلى جانبها، فلا بد لي من ذلك”.
تقول آشا ديفي إنها كانت تشعر بالخوف أحياناً، لكنها حافظت على إيمانها.
“كنت أقول لنفسي، إن لم يُشنق هؤلاء الرجال، فمَن يُشنق إذاً؟ ما هي الحالة النادرة التي ستُطبق فيها عقوبة الإعدام؟”.
مرت القضية بالعديد من التقلبات والمنعطفات قبل إعدام المحكوم عليهم في الساعة 5:30 من صباح يوم 20 مارس/آذار 2020.
قالت لي: “لم أستطع إنقاذها، لكن عندما أعدموا، شعرت بالسلام، لأنهم دفعوا ثمن ما فعلوه بابنتي”.
وصفت شروتي سينغ، وهي ناشطة في مجال حقوق الجندر، كانت تعمل مع آشا ديفي لمدة عام تقريباً في ذلك الوقت، ليلة الشنق بقولها: “لم ننتظر خارج السجن حيث جرت عمليات الإعدام، بل عدنا إلى المنزل لنكون مع نيربهايا”.
جلسوا في الغرفة حيث كانت صورتها معلقة على الحائط. قالت آشا ديفي لابنتها: “الآن بمقدورنا أن نرفع رؤوسنا، لم نخذلك يا ابنتي”.
#الأم #التي #قاتلت #للقصاص #من #مغتصبي #ابنتها #BBC #News #عربي
تابعوا Tunisactus على Google News