الإجابة هي مصر يا كُتّاب تونس!
لأنها ضمت كل أطياف الشعب المصري دون تفرقة…” من بيان لاتحاد كتاب مصر، يوم
20 تموز/ يوليو 2013.
قبل انقلاب 30 تموز/ يونيو، كانت مجموعة من المثقفين المعتصمين
قد اعتصمت في مقر وزارة الثقافة المصرية احتجاجا على قرارات وزير الثقافة الإخواني
علاء عبد العزيز. كان ذلك يوم 4 تموز/ يونيو 2013. يمكننا ببحث يسير أن نطالع مئات التصريحات
من مثقفين وفنانين مصريين من مختلف التخصصات الفنية والأطياف السياسية والأدبية، وهم
يعلنون الحرب على الإخوان باعتبارهم جماعة ظلامية، رجعية، تعادي الثقافة والتنوير الذي
يمثلونه.
وأنا في هذا المقال لست بصدد تقييم جماعة الإخوان بأي حال،
إنما أريد فقط أن أتأمل موقف المثقفين المصريين بعد أن عاينوا واقع مصر اليوم. أريد
أن أحسن الظن بهم حتى الغاية، فأزعم أنهم لم يتخيلوا لحظة ما سيفعله الجنرال السيسي
في شتى الملفات المهمة، بدءا بتيران وصنافير مرورا بحبس شعراء وأدباء وصحفيين، وقمع
حرية الرأي، بل والإمعان في قضايا الحسبة وحبس فتيات لمجرد أنهن يغنين ويرقصن على “التيك
توك”، وانتهاء بتعويم قاتل للعملة وقرارات اقتصادية تعصف بمعيشة المصريين عصفا…
لا أعرف نوايا الناس، ولا أريد أن أتهم هؤلاء المثقفين بالتواطؤ
والخيانة. سأفترض أن بعضهم على الأقل، لم يكن يهدف إلا لمصلحة مصر، لذا سأفكر فورا:
طيب ماذا فعل هؤلاء بعد مجزرة فض رابعة؟ ماذا فعلوا بعد اتساع دائرة القمع لتشمل مثقفين
وكتابا ونشطاء يساريين وعلمانيين؟ لم نسمع لهم حرفا. لا أقول لم نسمع اعتذارا، مع أن
الاعتذار واجب ولا ينقص من قدر أحد مهما أخطأ، لكنني أتوقع فقط أن يبدوا آراءهم فيما
يحدث، كي لا يكونوا خدما لسلطة قمعية، مهدوا لها السبيل ثم صمتوا كأنهم لم يعودوا مصريين
أصلا.
يمكننا أن نتأمل المشهد الآن. في مؤتمرات اتحاد الكتاب المصريين
أيام 30 تموز/ يونيو كانت صور علاء الأسواني بجوار محمد سلماوي وجمال الغيطاني، تتصدر
المشهد. ربما يمكن تأمل موقف الأسواني تحديدا لأن الرجل ظل على وفائه لثورة يناير،
وراجع مواقفه وبات يجاهر بمعارضة السيسي حتى اضطر لمغادرة مصر نهائيا. أعني أن الأسواني
لم يقصد إلى الانتفاع بتأييد 30 يونيو، بل كان حسن النية، لكن ذلك لم يمنع النتائج
الكارثية للانقلاب العسكري.
ولأن المقال ليس معنيا بمناقشة الحلول الممكنة لهذا النوع
من الصراع السياسي والانقسام المجتمعي، فإنني أميل لتأمل مواقف الكُتّاب والمثقفين
في أي مجتمع، ومحاولة فهم مدى الخطورة التي يمثلها دورهم الثقافي في دعم سلطة ديكتاتورية
قامعة.
يبدو لي أن الدوافع التي طغت على مواقف المثقفين كانت رفض
فصيل مختلف سياسيا، وهم ليسوا مضطرين لقبوله، لكن الكارثة تأتي حين يصل الأمر إلى مخالفة
الدستور والقانون وتبرير القمع ما دام موجها ضد خصوم أيديولوجيين. كما أن الإيمان بمبدأ
الضرورة السياسية قاد دوما إلى ديكتاتوريات ملطخة بالدم، لأنه لا سبب أبدا يسمح بانتهاك
الحقوق الأساسية للبشر، تحت أي ظرف، ولا ضمانة أبدا أن انتهاكها مرة ضد فصيل لن يتكرر
ضد فصيل آخر. عبر التاريخ لم يعرف البشر نوعا من العدالة والازدهار إلا في ظل سلطة
القانون، والتي تعني أنها تشمل الجميع، مهما اختلفت الظروف.
في تدوينة غاضبة شرح الصحفي اللامع محمد أبو الغيط مدى فداحة
اختيارات التيار المدني المصري، ليس في معارضة الإخوان، بل في شرعنة سلطة قمعية، بدأت
تنال أبناء التيار المدني ذاته، بينما هي في حاجة ماسة إليه، قبل أن تتمكن من السيطرة
التامة على مقاليد البلد. يستطيع المثقفون والكتاب أن يقودوا شعوبهم إلى الازدهار ويستطيعون
أيضا أن يسوقوهم إلى الهاوية.
اتحاد الكتاب التونسيين يدعم خطوات الرئيس: “تسقط مشاريع
الرجعية والعمالة”.
ربما يبدو غريبا بعد ذلك كله، أن يختار اتحاد كتاب تونس السير
على خطى اتحاد كتاب مصر، وفي أيام قريبة من أيام 30 يونيو الدموية، حيث تقترب ذكرى
مذبحة رابعة المروعة، التي أسست منحدرا حالك السواد في حياتنا السياسية. لماذا لم يستوعب
السادة الكتاب في تونس أن من يقمع فصيلا سيقمع غيره، وأن من يتخذ إجراءات تخالف الدستور
والقانون ليسقط فصيلا سياسيا وصل إلى السلطة عبر انتخابات غير مزورة، سيتخذ إجراءات
أقسى ضد أي فصيل سياسي مهما كان مؤيدا له؟
هل تبدو الحقائق البسيطة معقدة إلى ذلك الحد حين يتعلق الأمر
بالأيديولوجيا؟
لماذا يصرح الاتحاد بأن إجراءات الرئيس “دستورية”
مع أن المادة 80 التي استظل بها قيس سعيد تحتم أن يكون مجلس النواب منعقدا حال تفعيل
المادة، وأن يكون ذلك بموافقة رئيسه الذي أقاله سعيد من طرف واحد؟
مرة أخرى لا أريد التفتيش في نوايا أحد، ولا أعتقد حقا أن
مجموعة الكتاب في مجملهم متواطئون أو خونة، وأثق في أخطاء سياسية فادحة ارتكبتها النهضة
في الفترة الماضية، لكن يظل ملفتا جدا مسارعة الاتحاد إلى أن يتجاهل جميع الدلائل الواضحة
والمؤشرات التي تحذر من حالة استبداد سياسي لم يحدث أبدا أن جلب خيرا لأية دولة في
تاريخنا الحديث.
بعد انقلاب سعيد، سارع أتباع السيسي في مصر إلى الكتابة على
صفحاتهم: “الإجابة مصر”، بمعنى أن مصر سبقت تونس إلى تحقيق الإنجاز وهو إسقاط
الإخوان. بالطبع لا يخجل هؤلاء من أنفسهم وهم يكتبون ذلك بينما يعاني المصريون أشد
المعاناة تحت وطأة السيسي، لكن الحق أن الدرس المصري مهم جدا، لذا يؤسفني أن أقول لكتاب
تونس: نعم الإجابة مصر فحاولوا أن تتعلموا مما جرى لها!
#الإجابة #هي #مصر #يا #كتاب #تونس
تابعوا Tunisactus على Google News