الإمارات تنقل تجربتها الناجحة للفضاء
مشاريع فضائية طموحة وبرامج واعدة لبناء قدرات الكوادر الوطنية وتمكين القطاع الخاص وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، تسعى من خلالها دولة الإمارات إلى تكرار ما حققته خلال الخمسين عاماً الأولى من إنجازات على الأرض، وتسجيل إنجازات مثيلة في الخمسين عاماً المقبلة، ولكن في الفضاء، بعدما تمكنت الدولة في السنوات الماضية من بناء قاعدة صلبة لانطلاق قطاعها الفضائي، الذي يعد الأكبر والأنشط والأكثر تطوراً في المنطقة، إلى آفاق واعدة لا يحدها سقف.
وحلم الفضاء كان في البدء حلم زايد، الذي أراد للكفاءات والعقول الإماراتية أن تدخل مجال استكشاف الفضاء، وتسهم في تطوير علومه وتقنياته وتعزيز اكتشافاته وصولاً إلى ترك بصمة إماراتية وعربية مؤثرة في استكشاف أسرار الفضاء، وتحقيق مستقبل أفضل للإنسانية وإثراء مسيرة المعرفة البشرية.
وفي الصورة الشهيرة لاستقبال المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، قبل 45 عاماً وتحديداً عام 1976 وفد وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» عقب تنفيذ المهمة الفضائية «أبولو»، التي وصلت إلى القمر، استشراف لمستقبل الإمارات المتميز في قطاع الفضاء، والذي توالت فصوله المشرقة تباعاً خلال السنوات القليلة الماضية، بإنجازات نوعية وقفزات اختصرت الزمن في مسيرة قطاع الفضاء بدولة الإمارات، لتؤسس لخمسين عاماً مقبلة من الريادة في الفضاء كما على الأرض.
نقلة
في نقلة نوعية في قطاع الصناعات الفضائية المتطورة، أسست حكومة دبي عام 2006 مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة «إياست»، بهدف دعم تأسيس قطاع الفضاء والتقنيات المتقدمة وتعزيز أبحاث الفضاء، وسعت لتحقيق مجموعة من الأهداف تمثلت في التركيز على برامج نقل المعرفة، وإعداد الفرق الأولى من الخبراء والمهندسين الإماراتيين المتخصصين في العلوم المتقدمة والتكنولوجيا وعلوم الفضاء وإطلاق المشاريع العلمية للدولة، حيث استمرت المؤسسة في عملها حتى أبريل 2015، حيث تم تأسيس مركز محمد بن راشد للفضاء بقرار من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، والذي نص على أن يتم دمج مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة مع مركز محمد بن راشد للفضاء، وبذلك يتولى مسؤولية دعم المشاريع التكنولوجية والبحث العلمي المتقدم في دولة الإمارات والمساهمة في دعم توجهات الحكومة لبناء اقتصاد مبني على المعرفة.
وحقق المركز العديد من الإنجازات، أهمها إطلاق القمرين الاصطناعيين «دبي سات 1» و«دبي سات 2» في 2009 و2013 على التوالي. كما نجح المركز بإطلاق «نايف 1»، كونه أول قمر اصطناعي نانومتري إماراتي إلى الفضاء الخارجي أوائل العام 2017.
وجاء مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، الذي بدأ كونه فكرة في الخلوة الحكومية عام 2013 ليصعد بالطموحات الفضائية العربية نحو الفضاء العميق وصولاً إلى الكوكب الأحمر.
ويشرف مركز محمد بن راشد للفضاء على برنامج الإمارات الوطني للفضاء، كما تولى المركز تنفيذ مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، الذي بدأ بشكل عملي عام 2014 ويستمر حتى 2023.
وينفذ المركز أيضاً «مشروع الإمارات لاستكشاف القمر – 2024» والذي يعد أول مهمة إماراتية تستهدف الهبوط في منطقة لم تستكشفها أي من مهمات استكشاف القمر سابقاً بحلول عام 2024. ويتضمن المشروع تطوير مُستكشف إماراتي الصنع -يحمل اسم «راشد» تيمناً بالمغفور له، بإذن الله، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم باني نهضة دبي- يقوم بإجراء اختبارات علمية عديدة.
وكالة الإمارات للفضاء
وجاء تأسيس وكالة الإمارات للفضاء بمرسوم بقانون اتحادي، بهدف تنظيم وتطوير قطاع الفضاء بالدولة، وإعداد وتأهيل الأجيال الإماراتية الشابة، التي تتمتع بمهارات علمية ومهنية متميزة، ما يرسخ دعائم الاقتصاد الوطني المستدام والمتنوع والمبتكِر، ويسهم في تطوير الأبحاث والمبادرات التجارية وبرامج علوم الفضاء واستكشافه عبر إقامة الشراكات الاستراتيجية والبرامج البحثية.
ومنذ تأسيس وكالة الإمارات للفضاء في عام 2014، شهد قطاع الفضاء الإماراتي تطورات متلاحقة تنفيذاً لاستراتيجيات مدروسة، حيث تم في عام 2016 إطلاق السياسة الوطنية للفضاء، والتي ترسم التوجّهات والغايات المراد تحقيقها في مجال الفضاء. وامتداداً على ذلك، في عام 2019، تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للفضاء 2030 لغاية تحديد الإطار العام لصناعة الفضاء في الإمارات والأنشطة، التي سيتم العمل عليها خلال العقد المقبل.
كما عملت الوكالة بصفتها هيئة اتحادية على تهيئة البنية التشريعية والتنظيمية الجاذبة للاستثمارات، وبما يدعم التطور في الأنشطة الفضائية، ويوفر بيئة جاذبة لاستقطاب الشركات العالمية في مجال الفضاء، حيث تم في عام 2019 إطلاق القانون الاتحادي في شأن تنظيم قطاع الفضاء، والذي يوضح القواعد والأحكام العامة لتنظيم وتصريح الأنشطة الفضائية.
كما أطلقت وكالة الإمارات للفضاء خطة تعزيز الاستثمار الفضائي، وذلك بهدف تسهيل الاستثمارات في صناعة الفضاء بالدولة، وبما يسهم في تحقيق مئوية الإمارات 2071 وخطة الثورة الصناعية الرابعة في تنويع واستدامة الاقتصاد، بالإضافة إلى تعزيز اقتصاد الدولة القائم على المعرفة والابتكار والتقنيات المتقدمة، وتشجيع ريادة الأعمال ورفع معدل تأسيس الشركات الصغيرة والمتوسطة. وفي سياق ذلك، أطلقت الوكالة عدداً من المبادرات، هي الأولى من نوعها في المنطقة والعالم العربي، والتي تركز على احتضان وتسريع تحويل الأفكار المبتكرة إلى مشاريع فضائية، حيث نتج عنها احتضان 6 أفكار وتحويلها إلى شركات ناشئة وطنية.
وتشرف وكالة الإمارات للفضاء على مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، إلى جانب عدد من المشاريع العلمية التي يتم تنفيذها، بالتعاون والشراكة مع الجامعات ومراكز البحث والتطوير، بما في ذلك مشروع نوابغ الفضاء العرب الرامي إلى خلق جيل من الشباب العربي المؤهل في قطاع الصناعات الفضائية المختلفة.
وتتابع الوكالة شراكتها وتعاونها مع الجامعات والمؤسسات الأكاديمية في الدولة لتحفيز الطلبة والطالبات على الانخراط في دراسة علوم الفضاء، حيث يتم تحقيق ذلك من خلال برنامج الابتعاث والرعاية الدراسية والمسابقات العلمية، واكتشاف واستقطاب الطلبة الموهوبين وفي تطعيم المناهج التعليمية واستحداث الدرجات العلمية، بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ما يسهم في توفير الكوادر المؤهلة القادرة على قيادة القطاع إلى المزيد من النمو المستدام في المستقبل.
البرنامج الوطني للفضاء
وجاء إطلاق البرنامج الوطني للفضاء في أبريل 2017 من قِبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لإعداد رواد فضاء إماراتيين، والوصول بـ«مسبار الأمل» إلى كوكب المريخ في عام 2021 عام الخمسين، فوضع خطة لمئة عام.
وتم في عام 2017 إطلاق برنامج الإمارات لرواد الفضاء، البرنامج المتخصص الأول من نوعه عربياً لتأهيل رواد فضاء إماراتيين، وترسيخ مكانة دولة الإمارات كونها شريكاً عالمياً في رحلات الفضاء المأهولة، وإرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية، وهو ما تحقق بانطلاق رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري في 25 سبتمبر 2019 إلى الفضاء الخارجي، ليكون أول إماراتي وثالث عربي يصل إلى الفضاء، وأول عربي يبلغ محطة الفضاء الدولية.
كما ضم البرنامج في أبريل 2021 الدفعة الثانية من برنامج الإمارات لرواد الفضاء، لتشكل مع الدفعة الأولى منه فريقاً إماراتياً رباعياً، يضم نورا المطروشي، ومحمد الملا، وسلطان النيادي، وهزاع المنصوري.
وفي مارس 2019، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مبادرة «المجموعة العربية للتعاون الفضائي» التي تتخذ من العاصمة الإماراتية أبوظبي مقراً لها، وتضم في عضويتها لدى تأسيسها 14 دولة هي: المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وسلطنة عُمان، والكويت، والأردن، ومصر، والمغرب، والعراق، وتونس، والجزائر، والسودان، وموريتانيا.
وفي فبراير 2021 وبالتزامن مع عام اليوبيل الذهبي لتأسيس اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، تمكنت الدولة بنجاح، شهد له العالم، من حفر اسمها في سجل الإنجازات التاريخية كونها خامس دولة في العالم تصل إلى مدار كوكب المريخ عبر مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ «مسبار الأمل»، الذي جاء تتويجاً لسنوات من الجهود المتواصلة في بناء قطاع فضائي متطور ونقل المعرفة إلى الكوادر الإماراتية وتهيئة البيئة التشريعية والتنظيمية والاستثمارية اللازمة لضمان النمو المستدام لهذا القطاع الواعد.
وفي يوليو 2020 أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إطلاق برنامج «نوابغ الفضاء العرب» الأول من نوعه عربياً، والذي يهدف لتدريب وتأهيل نخبة من المواهب والعقول العربية الفذة في علوم الفضاء والتكنولوجيا المتقدمة المرتبطة به، وتمكينهم بالمهارات والقدرات التي تمكنهم من قيادة مختلف قطاعات استكشاف الفضاء وعلومه وصناعاته.
مشروع الإمارات
وجاء الإعلان مؤخراً في 5 أكتوبر 2021 عن إطلاق مشروع الإمارات لاستكشاف كوكب الزهرة وحزام الكويكبات، الرابع عالمياً لاستكشاف كوكب الزهرة وحزام الكويكبات، ليرسم آفاقاً جديدة لصناعة الفضاء في دولة الإمارات.
وفي ظل هذه المشاريع الفضائية العملاقة، ومع مواصلة جهود زيادة جاذبية قطاع الفضائي الإماراتي للاستثمارات المحلية والإقليمية والعالمية، وتحفيز القطاع الخاص للمساهمة بشكل أكبر في نمو وازدهار قطاع الفضاء الوطني باعتباره أحد قطاعات اقتصاد المستقبل القائم على المعرفة والابتكار، تسعى دولة الإمارات إلى إحداث نقلة نوعية في القطاع، بحيث يصبح أحد الروافد المهمة للاقتصاد الوطني، ومساهماً نشطاً في الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
وتستند دولة الإمارات في خططها الاستراتيجية نحو زيادة مساهمة قطاع الفضاء في النمو المستدام للاقتصاد الوطني إلى قاعدة صلبة، مع وجود أكثر من 17 قمراً اصطناعياً مدارية، و7 مركبات فضائية جديدة قيد التطوير، وأكثر من 50 شركة ومؤسسة ومنشأة فضائية داخل الدولة، بما في ذلك شركات عالمية وشركات ناشئة، و5 مراكز بحثية لعلوم الفضاء، وثلاثة برامج جامعية في العلوم الفضائية في الدولة لتخريج الكوادر المؤهلة لقيادة القطاع نحو المزيد من التطور، وحالياً يقدر عدد العاملين في قطاع الفضاء الإماراتي بأكثر من 3100 شخص.
شراكة القطاعين
ويلعب القطاع الخاص دوراً مهماً في تطور وازدهار قطاع الفضاء الإماراتي، جنباً إلى جنب مع القطاع الحكومي، وتستهدف دولة الإمارات خلال الفترة المقبلة تحفيز القطاع الخاص على المساهمة بشكل أكبر في نمو وتطور القطاع، كما تواصل القيام بدورها في خدمة المؤسسات العاملة في قطاع الفضاء الوطني، بهدف تحفيز القطاعين الحكومي والخاص، للمشاركة في مواصلة نمو وازدهار القطاع، كما تواصل الدولة التعامل مع التحديات التي قد تواجه القطاع وتحويلها إلى فرص للنمو.
جاذبية
يتواصل العمل على تطوير البنية التشريعية والتنظيمية اللازمة لزيادة جاذبية قطاع الفضاء الوطني للمزيد من الاستثمارات ورواد الأعمال وشركات ومؤسسات القطاع الخاص سواء من داخل الدولة أو خارجها، كما تستهدف الجهات المعنية، وعلى رأسها وكالة الإمارات للفضاء، جذب المزيد من الشركات العالمية العاملة في القطاع الفضائي لاتخاذ دولة الإمارات مقراً إقليمياً لها، وذلك للاستفادة من البيئة المحفزة للابتكار والإبداع التي توفرها الدولة.
وتستهدف «الاستراتيجية الوطنية لقطاع الفضاء 2030»، تعزيز مساهمة القطاع الفضائي في الاقتصاد الوطني، ودعم الاقتصاد القائم على المعرفة، والعمل على تحقيق أهداف رئيسية من بينها، «تشكيل شراكات واستثمارات محلية وعالمية فاعلة في صناعة الفضاء».
تابعوا أخبار الإمارات من البيان عبر غوغل نيوز
#الإمارات #تنقل #تجربتها #الناجحة #للفضاء
تابعوا Tunisactus على Google News