الاقتصاد العالمي يدخل مرحلة عدم اليقين رغم بوادر التعافي |
باريس – يسود الترقب المسارات التي سيتخذها الاقتصاد العالمي في العام المقبل وسط تكهنات متصاعدة خاصة بعد التعافي الذي شهده في العام 2021 في أعقاب الانهيار في 2020 بسبب تداعيات وباء كورونا.
لكن الاقتصادي العالمي بدا وكأنه يغرق في أتون الشك خاصة وأنه ليس بمنأى عن الخضات بسبب أزمة الإمدادات والتضخم والمخاوف الصحية التي تُضاف إليها كذلك مستلزمات المحافظة على البيئة.
ومن الصين إلى الولايات المتحدة ومن أوروبا إلى أفريقيا، أدى الوباء في وقت واحد تقريبا إلى انهيار اقتصادات العالم في ربيع العام 2020. وبعد عامين وأكثر من 5.3 ملايين وفاة، صار السبيل للخروج من الأزمة أكثر تشتّتا.
واستفادت الدول الغنية من امتياز الوصول إلى اللقاحات حيث أزالت الولايات المتحدة آثار أسوأ ركود شهدته منذ الكساد الكبير في الثلاثينات وبدا أن منطقة اليورو ستحقق الشيء نفسه في نهاية العام.
لكن الانتشار السريع للمتحورة أوميكرون وتدابير الإغلاق التي فرضتها تثير مخاوف من تبعات جديدة على العديد من القطاعات بدءا بالنقل الجوي والمطاعم والضيافة والسياحة.
ويؤكد محللون من بنك “إتش.أس.بي.سي” البريطاني أن “الانتصار في المعركة ضد الفايروس لا يزال بعيد المنال”، مشيرين إلى أن الاقتصاد لا يزال “بعيدا عن العودة إلى مساره الطبيعي”.
في الطرف الآخر من المشهد، تفتقر البلدان الفقيرة إلى اللقاحات. ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، التي يتوقع صندوق النقد الدولي أن تسجل أبطأ انتعاش، حصل على اللقاح أقل من 4 في المئة من السكان في الكاميرون أو إثيوبيا أو أوغندا على سبيل المثال، وفقا لجامعة جونز هوبكنز.
ويتوقع صندوق النقد الدولي حتى عام 2024 أن تفشل معظم البلدان الناشئة والنامية في تلبية توقعات النمو التي حددتها قبل ظهور الجائحة خاصة وأن عددا من البنوك المركزية (في البرازيل وروسيا وكوريا الجنوبية وغيرها) قد رفعت أسعار الفائدة لدرء التضخم المتسارع الذي من شأنه أن يعيق تعافيها.
وحتى في الصين، قاطرة النمو العالمي، يتباطأ الانتعاش مع تراكم المخاطر، كما حذر صندوق النقد مؤخرا من الاستهلاك الأسري الذي يكافح لاستعادة مستويات ما قبل الوباء وأزمة قطاع العقارات مع الصعوبات التي واجهتها شركة إيفرغراند العملاقة المثقلة بالديون إلى ارتفاع سعر الفحم ونقص المكونات اللذين يثقلان كاهل الشركات.
وكتب محللو غولدمان ساكس في توقعاتهم لعام 2022 “كانت المفاجأة الأكبر في عام 2021 هي ارتفاع التضخم”. وكان الدافع وراء ذلك هو الفوضى التي عمت سلاسل التوزيع ونقص المنتجات الأساسية للتجارة الدولية مثل أشباه الموصلات.
ويُعزى ذلك إلى الزيادة الكبيرة في الطلب أثناء الأزمة وبعدها، ولكن أيضًا بسبب النقص في صغار العاملين في قطاع التجارة العالمية من العمال الذين يفرغون البضائع في الموانئ وسائقي الشاحنات والعاملين في المتاجر الكبرى الذين لم يعودوا إلى مواقع عملهم بعد رفع الحجر الصحي.
كما يقف وراء التضخم ارتفاع أسعار المواد الخام (الخشب والنحاس والصلب) والطاقة (البنزين والغاز والكهرباء).
وفيما اعتبر محافظو البنوك المركزية ارتفاع الأسعار مسألة مؤقتة فقد أثارت القلق على أعلى المستويات واعترف به البنك المركزي الأميركي أخيرا على أنه ليس عارضا، معلنا أنه سيعمل على تسريع رفع أسعار الفائدة عام 2022 على الرغم من خطر تباطؤ النمو.
وفي هذه البيئة المتقلبة، قال رويل بيتسما أستاذ الاقتصاد بجامعة أمستردام إن “السؤال هو معرفة إن كنا خرجنا بالفعل من الأزمة”.
ويؤكد عدد كبير من الشركات مواجهة صعوبات أمام نقص السلع والمواد والتضخم. لكن في الوقت الحالي، لا يزال صندوق النقد الدولي يتوقع نموا عالميا بنسبة 4.9 في المئة العام المقبل.
وبين تلبية احتياجات الأسر وتجنب نهاية العالم، صار من الصعب إيجاد توازن كما اتضح من الاستنتاجات المتباينة لمؤتمر الأطراف “كوب 26” الذي عُقد في نوفمبر.
فالاتفاق الذي تم التوصل إليه يدعو الدول إلى زيادة التزاماتها لخفض انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة اعتبارا من عام 2022، لكنه لا يضع العالم على مسار متسق للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بمقدار أقل بكثير من درجتين مئويتين كما هو مذكور في اتفاقية باريس عام 2015.
وقال بيتسما بأسف إن “التفكير قصير المدى هو ظاهرة معتادة، خاصة لدى السياسيين”، مطالبا بفرض ضريبة كربون موحدة في جميع القطاعات ورادعة بما فيه الكفاية، وهو أمر بعيد كل البعد عمّا هي عليه الحال اليوم.
فتغير المناخ والكوارث الطبيعية المرتبطة به يمكن أن تؤثر أيضا على أسعار الأغذية، عدا عن أن أضرارها قُدرت بنحو 250 مليار دولار من قبل شركة إعادة التأمين السويسرية “سويس ريه”.
وتقترب الأسعار العالمية بالفعل من مستوياتها القياسية التي بلغتها عام 2011، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة. فقد ارتفع القمح بنسبة 40 في المئة تقريبا خلال عام واحد ومنتجات الألبان بنسبة 15 في المئة، وتجاوزت الزيوت النباتية المستويات القياسية.
وقالت نبيهة عابد المقيمة في تونس العاصمة “واضح أن أسعار كل شيء قد ارتفعت”، مشيرة إلى أسعار اللحوم والدجاج التي تضاعفت مرتين في بعض الأحيان. وللدلالة على ما وصلت إليه الحال، تقول هذه الأم إن الشكشوكة وهي طبق تقليدي قوامه الفلفل والبصل والبيض وزيت الزيتون “صارت رفاهية في حين كانت وصفة للناس الذين لا يملكون المال”.
لذلك بات السؤال الذي يُطرح بشدة في ظل هذا المناخ هو هل تثير هذه المعطيات الخشية من اندلاع احتجاجات وأعمال شغب بسبب الجوع كما حصل في 2008؟
وقال سيباستيان بونسيليه خبير القمح في شركة أرجيتيل الفرنسية الاستشارية، “بين القمح والخبز، هناك خطوة واحدة فقط. إنه الغذاء الأساسي لقسم من البشرية وقد بات مهددا”.
#الاقتصاد #العالمي #يدخل #مرحلة #عدم #اليقين #رغم #بوادر #التعافي
تابعوا Tunisactus على Google News