- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

الانعكاسات الاقتصادية للأزمة الروسية الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط

 


الانعكاسات الاقتصادية للأزمة الروسية الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط

 

 

على الرغم من البُعد الجغرافي بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -خاصة الدول العربية- وبين أطراف الصراع في الأزمة الروسية الأوكرانية، فإن تداعيات الأزمة على منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تكون أكبر بكثير من المتوقع، بسبب اعتماد الدول في تلك المنطقة على استيراد سلع استراتيجية من روسيا وأوكرانيا. كما أن بعض دول منطقة الشرق الأوسط تربطها علاقات تجارية قوية بكل من أوكرانيا وروسيا ؛ لذا فستكون آثار الأزمة ملموسة، ولكن بدرجات متفاوتة بين اقتصادات تلك الدول. وفي الوقت الذي تعاني فيه تلك الدول من تداعيات جائحة كورونا وتعطُّل سلاسل الإمداد، ومشكلات داخلية تخص كل دولة في المنطقة، جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية بتبعات سلبية مُضاعفة على مستويات الأمن الغذائي والرفاهة عبر أرجاء المنطقة، فضلًا عن جائحة كورونا، ويتناول هذا التحليل أبرز تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط، وذلك على النحو التالي:

 

أولًا: التداعيات السلبية للأزمة

 

بدايةً تمثل الأزمة تهديدًا للأمن الغذائي لدول الشرق الأوسط؛ حيث يمثل كل من روسيا وأوكرانيا ما يقرب من ثلث صادرات القمح في العالم، وتعتمد نحو 50 دولة على روسيا وأوكرانيا في ما لا يقل عن 30% من وارداتها من القمح، ومن بين هذه الدول: لبنان ومصر وليبيا وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية واليمن وتونس وإيران والأردن والمغرب. وبعد أن أدت جائحة كورونا والتحديات اللوجستية الناتجة عن تلك الأزمة إلى زيادة أسعار القمح بنسبة 80% منذ أبريل 2020، جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية لتتسبب في ارتفاع أسعار السلع العالمية؛ حيث ارتفعت أسعار القمح بأكثر من 60٪ هذا العام مدفوعة بالاضطرابات الناجمة عن الأزمة؛ فمع بداية الأزمة ارتفعت العقود الآجلة للقمح في باريس بنسبة 16% في 24 فبراير الماضي، وفي مايو الماضي ارتفعت العقود الآجلة للقمح في شيكاغو بنحو 6٪ لتصل إلى 12.47 دولارًا للبوشل، وهو أعلى مستوى لها في شهرين.

 

بالإضافة إلى ذلك، أوقفت روسيا صادراتها من سماد نترات الأمونيوم، الأمر الذي يؤثر على الزراعة في الدول التي كانت تعتمد على روسيا في وارداتها من هذا السماد. وجدير بالذكر أن العديد من البلدان في الشرق الأوسط معرضة بشكل خاص لارتفاع الأسعار وتعطل الإمدادات. كما تُعد روسيا وأوكرانيا أيضًا من الموردين الرئيسين للذرة والشعير وزيت عباد الشمس؛ حيث ارتفعت أسعار الذرة هي الأخرى إلى أعلى مستوى منذ عام 2012، بينما وصل زيت فول الصويا وزيت النخيل إلى مستويات قياسية. وعلى إثر ذلك صرحت منظمة الأغذية والزراعة “الفاو”، بأن الأسعار العالمية للأغذية والأعلاف قد ترتفع بما يتراوح بين 8 و20% بسبب الصراع في أوكرانيا، وتشتد الأزمة المتعلقة بالأمن الغذائي على إثر قرار الحكومة الهندية بفرض قيود على صادرات القمح لكبح جماح الأسعار المحلية للحبوب الغذائية، وفقًا لإخطار صادر في 14 مايو الماضي في الجريدة الرسمية في الهند، باستثناء الشحنات التي تتضمن خطاب اعتماد غير قابل للإلغاء قبل القرار.

 

وعلى الصعيد المصري، لتقليل آثار الأزمة الروسية على أسعار الغذاء في مصر، يوصي المحللون في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI) بتنويع مصادر وارداتها القمح، وخفض استهلاك الفرد من الخبز، وتوجيه برنامجها لدعم الغذاء بكفاءة كبرى، وتطبيق وفورات في التكاليف على تدخلات الأمن الغذائي الأخرى ، وتكييف قطاع الزراعة لديها مع النقص الوشيك في المياه والتهديدات المتعلقة بالمناخ.

 

وستعاني الدول التي تواجه أزمات اقتصادية مزمنة من عواقب وخيمة للأزمة الأوكرانية، مثل: لبنان وسوريا وتونس واليمن. وجدير بالذكر أنه من المحتمل أن تنذر الأزمة لتلك الدول بتعريض أمنها الغذائي لخطر بالغ. فعلى السبيل الذكر، تقوم سوريا باستيراد نحو 75% احتياجاتها من المواد الغذائية والنفط، ويأتي معظم وارداتها من القمح من روسيا. ويستورد لبنان من أوكرانيا وروسيا أكثر من 90% من احتياجاته من الحبوب، واحتياطاته من الحبوب لا تكفي إلا لمدة شهر تقريبًا. ويستورد اليمن نحو 40% من احتياجاته من القمح من هذين البلدين. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في تلك الدول فسوف يرتفع أعداد الأشخاص المعرضين لنقص حاد في الأمن الغذائي.

 

كما تجدر الإشارة إلى أن الدول المستوردة للنفط مثل باكستان، ستعاني من تداعيات كبيرة للأزمة الأوكرانية، خاصة في ظل ارتفاع أسعار النفط والسلع الأساسية، والذي سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة الفاتورة الاستيرادية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تآكل الاحتياطي الأجنبي لتلك الدول في ظل تراجع حركة السياحة بعد أن بدأت تسترد عافيتها على خلفية التداعيات السلبية لجائحة كورونا؛ مما يؤدي في النهاية إلى زيادة الضغوط الاجتماعية في تلك الدول، ولن تستطيع تحويلات العاملين بالخارج، خاصة العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي، أن تعوض إلا جزءًا بسيطًا من صدمة ارتفاع تكلفة الفاتورة الاستيرادية وتراجع حركة السياحة.

 

كما بدأت العقوبات المفروضة على روسيا في إلحاق الضرر بالتجارة العالمية، وقد يترتب على ذلك عواقب وخيمة على مستوردي الطاقة والحبوب مع إحداث آثار متتالية في جميع أنحاء العالم الذي لا يزال يعاني من اضطرابات سلسلة التوريد التي سببتها جائحة كورونا، وحتى الآن، كان تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على التجارة العالمية أكثر حدة في البحر الأسود؛ حيث تعد المواني الروسية والأوكرانية محاور رئيسة للقمح والذرة، ومع توقف حركة المرور أدى ذلك فعليًّا إلى إغلاق ثاني أكبر منطقة مصدرة للحبوب في العالم. ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا تم تحويل مئات وناقلات البضائع السائبة بعيدًا عن البحر الأسود، وتقطعت السبل بالعشرات في المواني حتى أصبحوا غير قادرين على تفريغ حمولاتهم الثمينة، كما أدت العقوبات المفروضة على روسيا إلى زيادة مخاطر نقل البضائع عبر الطرق. وقبل الأزمة،  كان قد  تم شحن أكثر من 95٪ من إجمالي صادرات أوكرانيا من الحبوب والقمح والذرة عبر البحر الأسود، وذهب نصف هذه الصادرات إلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومع إغلاق هذه القناة الحيوية اختنقت التجارة البحرية لأوكرانيا بعد أن تعرضت موانيها للتهديد الروسي.

 

ومع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، بدأ العديد من الدول المتقدمة التي تواجه ركودًا تضخميًّا في التفكير في تشديد السياسة النقدية؛ لكبح جماح التضخم، وبدأت بالفعل العديد من الدول في رفع أسعار الفائدة؛ حيث قام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مؤخرًا برفع أسعار الفائدة على الأموال الفيدرالية 75 نقطة أساس لتصل إلى 1.75%، وذلك ضمن نهج السياسة التشديدية التي يسير عليها المركزي الأمريكي لمواجهة معدلات التضخم التي بلغت مستوياتها العليا منذ 40 عامًا. وينتج عن ذلك موجة من هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة في إطار لجوء عدد كبير من المستثمرين للاستثمار في السندات الأمريكية؛ الأمر الذي دفع عددًا كبيرًا من البنوك المركزية في دول الشرق الأوسط برفع أسعار الفائدة تجنبًا لهروب رؤوس الأموال.

 

ومع العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وتقييد البنوك الروسية، ستصبح الاستثمارات أقل في المشروعات في منطقة الشرق الأوسط، وإذا لم تتمكن البنوك من استخدام نظام الدفع الدولي سويفت، فسيضر ذلك بشركات الشرق الأوسط التي لديها اتفاقيات تصدير مع روسيا.  كما أدت العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا ضد الكيانات والأثرياء الروس، وإجراءات موسكو المضادة مثل ضوابط العملة، إلى تعقيد استثمارات صناديق الثروة في الشرق الأوسط.



ثانيًا: التداعيات الإيجابية للأزمة

 

وعلى صعيد آخر، تمثل تلك الأزمة فرصة لتعزيز دول الشرق الأوسط صادراتها من الغاز الطبيعي؛ فبالإضافة إلى قطر، هناك دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكنها اغتنام الفرصة لمساعدة أوروبا على تقليل اعتمادها على روسيا. على سبيل المثال، زادت مصر بالفعل من إمداداتها من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، ومؤخرًا تم توقيع مذكرة التفاهم الثلاثية بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي بشأن التعاون في مجال تجارة ونقل وتصدير الغاز الطبيعي بين الأطراف الثلاثة، وذلك تحت مظلة منتدى غاز شرق المتوسط، وتعد تلك الاتفاقية اعترافًا بأن مصر باتت مركزًا إقليميًّا لتداول وتجارة الغاز. ومن المتوقع أن ترتفع شحنات الغاز الطبيعي المسال من مصر إلى أوروبا بعد الاتفاق، لكن قد يستغرق الأمر عامين قبل تحقيق زيادة كبيرة في الصادرات المصرية من الغاز الطبيعي. كما يمكن أن توفر الجزائر 7 مليارات متر مكعب إضافية سنويًّا إلى الاتحاد الأوروبي، ويمكن لمنتجي الغاز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن يكونوا جزءًا من الحل مع زيادة حصتهم في السوق، كما أن إظهار حسن النية في الوضع الحالي يمكن أن يجلب لهم عقودًا مربحة في المستقبل. ولن تكون تلك التعويضات بمثابة استغناء عن الغاز الروسي؛ حيث تشكل حصة الغاز الطبيعي الروسي نحو 40٪ من سوق الغاز في الاتحاد الأوروبي.

واتصالًا، ستتحسن الموازنات العامة للدول المصدرة للنفط؛ فعلى المدى القصير، تستعد دول الخليج المصدرة للنفط والغاز للاستفادة من ارتفاع عائدات الصادرات للنفط والغاز؛ خاصة صادراتها من النفط، والتي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال الفترة الماضية منذ بداية التوترات الروسية الأوكرانية. فبعد بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا تخطى سعر برميل النفط عتبة المائة دولار لأول مرة منذ أكثر من سبع سنوات، وبعد مضي أكثر من 100 يوم منذ اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية لا تزال أسواق النفط متقلبة مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن العقوبات على النفط الروسي، واستمر سعر خام برنت في الارتفاع ليسجل 122.01 دولارًا للبرميل في نهاية الأسبوع الأول من يونيو 2022، كما رفعت إدارة الطاقة الأمريكية توقعاتها لنمو الطلب على النفط هذا العام مع توقعات بتراوح أسعار النفط في نطاق (115-130) دولارًا للبرميل خلال الصيف الجاري.

المصدر: قاعدة بيانات رويترز

 

الانعكاسات الاقتصادية للأزمة الروسية الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط



جدير بالذكر أنه عند مستويات الإنتاج الحالية، يوفر سعر 100 دولار لبرميل النفط دفعة كبيرة لإيرادات تصدير النفط في دول مجلس التعاون الخليجي، لدرجة أن المحللين يتوقعون عدم وجود عجز في الميزانية بين الدول الأعضاء الست في عام 2022 إذا استمر هذا السعر. وعلى الرغم من أن الحروب دائمًا ما تترك وراءها تداعيات يعاني منها جميع الدول التي تشترك مع أطراف الحرب بعلاقات تجارية واستثمارية، فإنه في هذه الحالة سيكون من المتوقع للدول المصدرة للوقود الأحفوري، مثل: قطر والسعودية والكويت وليبيا والجزائر، أن تشهد تحسنًا في أرصدة المالية العامة وميزان المدفوعات الخارجية وتعزيز معدلات النمو بعد أن بدأت تعاني تلك الدول -خاصة الكويت- من ظهور عجز بالغ في الميزانية.

 

وختامًا، فيما يتعلق بالشرق الأوسط تتعدد الانعكاسات اقتصادية للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا على المنطقة، ويأتي في مقدمة تلك الانعكاسات: الأمن الغذائي للمنطقة؛ حيث إن روسيا وأوكرانيا من بين أكبر منتجي ومصدري القمح في العالم، بالإضافة إلى زيادة المعاناة الاقتصادية للدول التي تعاني أزمات اقتصادية بالفعل، خاصة في ظل ارتفاع مستويات التضخم العالمي وحالة عدم اليقين التي تنتاب الاقتصاد العالمي.

- الإعلانات -

#الانعكاسات #الاقتصادية #للأزمة #الروسية #الأوكرانية #على #منطقة #الشرق #الأوسط

تابعوا Tunisactus على Google News

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد