- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

البعد الاجتماعي الغائب في سياسة بريطانيا لمكافحة تداعيات العقوبات ضد روسيا | القدس العربي

تلتقي بريطانيا مع كثير من الدول العربية من حيث تأثير تداعيات الحرب الأوكرانية، والعقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا. وعلى الرغم من تنوع هيكل التجارة الخارجية ومرونته مقارنة بالدول العربية، فإن بريطانيا كانت تعتمد إلى حد كبير على واردات الوقود والنفط الخام من روسيا بنسبة 8 في المئة من احتياجات الاستهلاك المحلي. وكانت هذه النسبة ترتفع إلى 18 في المئة من استهلاك الديزل، و5 في المئة من وقود الطائرات. بشكل عام كانت المشتقات النفطية المستوردة من روسيا تعادل 24 في المئة من الواردات، حسب إحصائيات العام الماضي. ومع أن بريطانيا دولة منتجة للنفط والغاز إلا أن احتياجاتها أكبر من الإنتاج المحلي مما يجعلها مستوردا صافيا للنفط الخام والمشتقات، وكذلك للغاز الطبيعي. لكن بريطانيا حتى فرض العقوبات على روسيا كانت تعتمد على الغاز الروسي بنسبة 4 في المئة فقط، على العكس من أوروبا التي يغطي الغاز الروسي لديها حوالي 40 في المئة من احتياجات الاستهلاك. ولذلك فإن الإدارة الأمريكية أصبحت تميل إلى وجهة نظر مفادها أن استقلال الاتحاد الأوروبي عن روسيا في مجال الطاقة هو مسألة معقدة، ولن تتحقق سريعا، ويجب التعامل معها بكثير من الدقة والعناية، وهو ما كان أحد أهم موضوعات القمة الأوروبية-الأمريكية التي عقدت في بروكسل مساء الخميس الماضي.

العقوبات وأسعار الطاقة

لا تعتمد بريطانيا على روسيا في مجالات تجارة السلع الغذائية بما فيها الحبوب، على عكس الحال مع الدول العربية التي تعتمد بنسبة كبيرة على كل من روسيا وأوكرانيا في إمداداتها الغذائية، واحتياجاتها الزراعية، خصوصا القمح والذرة والزيوت النباتية ومحاصيل العلف الحيواني والأسمدة. ومن ثم فإن العقوبات المفروضة على روسيا لن تؤثر على بريطانيا بشكل مباشر في مجال السلع الغذائية. ومع ذلك فإنها ستظل معرضة لتداعيات العقوبات في الأسواق العالمية بشكل عام، خصوصا مع انتشار آثار التضخم في كل القطاعات وفي جميع أنحاء العالم. الذي يدفع ثمن العقوبات في الدول المستهلكة هو المواطن، حيث يتم نقل أعباء ارتفاع الأسعار إلى المستهلك النهائي.
وقد حدد وزير الخزانة البريطاني في «بيان الربيع» الذي يسبق بداية السنة المالية (تبدأ في أول نيسان/أبريل وتنتهي في آخر اذار/مارس) أولويات السياسة المالية للحكومة في ثلاثة محاور رئيسية ترتبط كلها بمكافحة النتائج المترتبة على الزيادة في أسعار الطاقة، واحتمالات تجدد أخطار فيروس كورونا ومتحوراته، وإعادة التوازن إلى القوائم المالية للحكومة أي تخفيض العجز وتقليل الحاجة إلى الاقتراض. وتضمنت أهداف السياسة المالية التي عرضها وزير الخزانة: أولا، مساعدة العاملين على مواجهة الزيادة في تكاليف المعيشة. وثانيا، خلق ظروف إيجابية لزيادة فرص العمل ورفع كفاءة سوق العمل من حيث الاستثمار في التدريب والتطوير التكنولوجي. وثالثا، توزيع الأعباء المترتبة على الإجراءات الحكومية لتحقيق الهدفين الأول والثاني وفقا لمعايير العدالة في المشاركة. ويمكن القول بشكل عام أن الإجراءات التي تم الإعلان عنها تتميز بالدقة والموضوعية بالنسبة للهدفين الأول والثاني، لكنها ليست بالقدر نفسه بالنسبة للهدف الثالث، وهو ما أدى إلى إطلاق انتقادات قاسية ضد حكومة المحافظين، خصوصا فيما يتعلق برفض فرض ضريبة ثروة على الفئة الأكثر ثراء في المجتمع، ورفض فرض ضريبة استثنائية على شركات إنتاج النفط والغاز التي تتمتع بايرادات عالية جدا نتيجة ظروف سياسية، وليس نتيجة لعوامل تتعلق بتحسين الإنتاجية أو القدرة التنافسية.
أما في الدول العربية فإن السياسات المالية إما أنها تتبنى حلولا جزئية غير كافية لتحفيف الأعباء، أو أنها تترك السوق تتحرك في الاتجاه الذي يقوده رجال الأعمال لتحقيق مصالحهم. ورغم أن تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، والحرب في أوكرانيا، تترك آثارها السلبية على قطاعات شديدة الحساسية مثل الغذاء والطاقة والسياحة والاستثمار والسلاح، فإن ردود الفعل الحالية عربيا تنصرف في أحسن الأحوال إلى مواجهة التداعيات المباشرة قصيرة الأجل، بدون الاهتمام بوضع خطط جادة طويلة الأجل لتحقيق الأمن الغذائي، وتنوع هيكل الإنتاج وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتقديم أنواع جديدة من السياحة غير التقليدية بما يوسع سوق السياحة في بلدان مثل مصر ولبنان وتونس والمغرب والأردن، وإقامة بنية اساسية تكنولوجية ومعرفية لتطوير الاقتصاد بشكل عام. وقد عودتنا السياسات العامة في الدول العربية على الاستجابات المحدودة قصيرة الأجل التي يعود بعدها دولاب العمل إلى الركود التقليدي، فلا يجد المواطن أمامه غير «التعايش» مع الأزمات.

ضريبة على شركات النفط لماذا؟

يستند منطق الدعوة إلى فرض ضريبة استثنائية على أرباح شركات النفط والغاز إلى حجتين: الأولى هي أن إيرادات مبيعات هذه الشركات تضاعفت تقريبا منذ إعلان الميزانية البريطانية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ولم تكن الزيادة في أسعار البترول من 60 إلى ما يقرب من 120 دولارا للبرميل، ومن حوالي 30 دولارا للمليون وحدة حرارية للغاز إلى أكثر من 50 دولارا ناتجا عن ظروف اقتصادية طبيعية، ولكن هذه الزيادات في الأسعار جاءت نتيجة توترات سياسية وعسكرية، أي أنها لا تعود إلى مجهود بذلته الإدارة، ولا إلى زيادة في الاستثمارات لرفع الإنتاجية، ولا إلى استثمارات لإضافة مواصفات أفضل للمنتجات. وليس من المنطقي أن يتحمل المواطن وحده معظم الزيادة في أسعار الوقود وفواتير التدفئة المنزلية بنسبة تزيد عن 50 في المئة مع بداية السنة المالية، ثم بنسبة إضافية تبلغ 40 في المئة تشرين الأول/أكتوبر المقبل عندما تسقط القيود المفروضة على الشركات في تسعير الطاقة للاستهلاك المنزلي.
أما الحجة الثانية فإنها تتعلق بحاجة الحكومة إلى موارد إضافية لتحقيق توازن الميزانية، تتضمن إجراءات لتقليل الحاجة إلى الاقتراض السنوي، وتخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي، التي كانت قد ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لتصل إلى 322 مليار جنيه استرليني أي ما يعادل 15 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي. لقد استسهل وزير الخزانة فرض أعباء على أصحاب الدخول الثابتة برفع قيمة اشتراكات الضمان الصحي والاجتماعي بنسبة 1.5 في المئة وذلك لتحصيل ما يقرب من 11 مليار جنيه استرليني كدخل إضافي للخزانة. في حين كان يمكنه فرض ضريبة استثنائية وضريبة ثروة على الأكثر ثراء. وتقدر بعض المؤسسات ومراكز الأبحاث المتخصصة مثل «أوكسفام» و«معهد السياسات العامة» أن ضريبة الثروة وحدها يمكن أن تدر حصيلة تصل إلى 45 مليار جنيه سنويا.

الركود التضخمي

بالإضافة إلى هاتين الحجتين فإن شركات النفط والغاز هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن رفع أسعار الوقود والتدفئة المنزلية، وهو ما سيرفع نسبة التضخم في الربع الأخير من العام الحالي إلى حوالي 8.7 في المئة، ليكون بذلك أعلى مستوى للتضخم في بريطانيا منذ 40 عاما. كما سيؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى إضعاف فرص النمو، وتخفيض معدله إلى 3.8 في المئة فقط بدلا من التقديرات الأصلية التي كانت تتوقع نموا بنسبة 6 في المئة. ويقول مكتب المسؤولية المالية أو ما يعرف اختصارا بـ« OBR» وهو هيئة مستقلة تمولها وزارة الخزانة، أن ارتفاع التضخم وانخفاض النمو سيسفر عن انخفاض مستوى المعيشة للمواطنين بنسبة 2.2 في المئة في السنة المالية المقبلة، وهي أكبر نسبة انخفاض في مستوى المعيشة منذ بدأ العمل بالنظام الإحصائي الحالي. ولا يتوقع مكتب المسؤولية المالية إن يعود مستوى المعيشة إلى ما كان عليه قبل جائحة كورونا حتى السنة المالية 2024/2025. ومع تشديد العقوبات على روسيا فإن أسعار النفط والغاز يمكن أن تزيد إلى المستوى الذي يعرقل النمو ويضع الاقتصاد على طريق «الركود التضخمي» الذي يعني زيادة الفقر والبطالة وتدهور النمو.
الدعوة إلى فرض ضريبة استثنائية على شركات النفط والغاز، وضريبة ثروة على الفئة الأكثر ثراء تكتسب قوة في أوساط كثيرة، منها حزب العمال، حيث استهلت وزيرة الخزانة في حكومة الظل العمالية رايتشل رييفز، هجومها على السياسة المالية للمحافظين من هذا المدخل. وقد حاولت الحكومة تخفيف الآلام الناتجة عن ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة معدل التضخم بإعلان عدد من الإجراءات من أهمها تخفيض الضريبة على الوقود بنسبة 5 في المئة لمدة سنة كاملة. لكن مكتب المسؤولية المالية يحذر من أن أسعار الوقود قد تقفز فجأة بنسبة كبيرة في العام المقبل عندما يترافق انتهاء العمل بالتخفيض الضريبي المؤقت مع الزيادة الدورية في جدول الضريبة على الوقود، التي من المتوقع أن تكون بنسبة 6 في المئة. هذا يعني عمليا أن أسعار الوقود يمكن أن تزيد بنسبة 11 في المئة، بما يمثل صدمة لقطاع النقل وأصحاب السيارات والاقتصاد بشكل عام. وجدير بالذكر أن نسبة الضرائب الحكومية على الوقود تعادل ما يقرب من 70 في المئة من السعر النهائي الذي يدفعه المستهلك. لكن الانحيازات الاجتماعية لحزب المحافظين تحول دون أخذ اعتبارات العدالة الاجتماعية في الحسبان، إذ فضلت الحكومة عدم ربط زيادة المعاشات وإعانات الضمان الاجتماعي بنسبة التضخم، وقررت زيادة بنسبة 3.1 في المئة فقط مقابل نسبة التضخم التي ستصل إلى 8.7 في المئة. ومع أنها أقرت عددا من الإجراءات لتخفيض عبء ارتفاع أسعار الطاقة، إلا أن النسبة الأعظم من الحوافز تعتبر قروضا يلتزم المواطنين بسدادها فيما بعد.
وقد أسهمت التضحيات التي تحملها المواطنون في تعزيز القدرة المالية للدولة، حيث زادت إيرادات الميزانية بسبب زيادة حصيلة الضرائب، كما انخفض الانفاق الحكومي في بعض المجالات منها قطاع الرعاية الصحية، بما يسمح للحكومة في السنة المالية الحالية بتخفيض الاقتراض العام بنحو 55 مليار جنبه استرليني عن التقديرات الواردة في البيان المالي في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. ويتوقع مكتب المسؤولية المالية إن تزيد الإيرادات عن التوقعات خلال الفترة حتى عام 2025 أي مع نهاية البرلمان الحالي وبداية دورة سياسية جديدة، وهو ما يسمح للحكومة بهامش واسع لزيادة الإنفاق بما يعوض أثر التضخم وانخفاض القوة الشرائية للجنيه الاسترليني. إن الحكومة تستعد من الآن للانتخابات العامة المقبلة.

- الإعلانات -

#البعد #الاجتماعي #الغائب #في #سياسة #بريطانيا #لمكافحة #تداعيات #العقوبات #ضد #روسيا #القدس #العربي

تابعوا Tunisactus على Google News

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد