التواجد الإيراني في دول المغرب العربي
ففي خضم الصراع الطائفي الذي تعيشه كثير من البلدان العربية، والذي أثارته أمريكا منذ غزوها للعراق 2003م، وأشعلته عام 2011 بما أسمته بالربيع العربي، والذي مكّنت خلاله إيران من العراق وسوريا واليمن، ولم تكتف بهذا؛ إذ نجدها تسعى إلى فرض معادلة جغراسياسية جديدة قائمة على تطوير علاقاتها الاقتصادية، وكذلك الثقافية مع دول المغرب العربي، وشرق إفريقيا وغربها بتشييع السُّنة، لتكوين مليشيات مسلحة تخدم أهداف إيران ومخططاتها في إفريقيا، فإيران اليوم تلعب لعبة القوة الإقليمية النووية والاقتصادية والثقافية، ولعلّ في حجز جناح خاص للحضارة الفارسية-الإيرانية في متحف اللوفر بباريس، إثر الزيارة الرسمية للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى فرنسا يناير 2016، تأكيد إيراني على اعتماد الثقافة بمثابة سلاح جديد يُروِّج لحضارتها، فالثقافة لا تؤمن بالحدود الجغرافية ولا بالصراعات السياسية ولا المذهبية، وهي من أهم الأسلحة التي تعتمدها القوى في العالم لغزو الشعوب، ولعل هذا هو التوجه الإيراني بعد إقرار مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي بالدور والتأثير الحاسم للثقافة في خطاب ألقاه بمناسبة عيد النيروز مارس 2014 الذي كان شعاره «الاقتصاد والثقافة بعزيمة وطنية وإدارة جهادية».. لذا كان التواجد الإيراني في بلاد المغرب العربي اقتصادي ثقافي، فالثقافة الإيرانية كانت حاضرة بقوة في تونس قبل ثورة يناير 2011م، إلّا أنّ المخاوف من الامتداد الشيعي تضاعفت بعد الثورة، بسبب خروج تجمعات الشيعة في تونس في بعض مناطق الجنوب من السرية إلى العلن بعد تنصيص الدستور التونسي الجديد 2014 على أهمية احترام الأقليات الدينية.. وصدرت في الذكرى الثانية للثورة «الصحوة التونسية»، أول صحيفة للشيعة في تونس، وهي صحيفة أسبوعية مستقلة جامعة شعارها «الحق أحق أن يتبع».
لا تتوفر إحصائيات دقيقة عن عدد الشيعة في تونس إلا أن المتشيعين منهم يعتبرون انتماءهم للفكر الشيعي مرجعه الدولة الفاطمية التي حكمت تونس وشمال إفريقيا في القرن التاسع الميلادي، والتي كانت تعتمد هذا المذهب.
وقد شنّت عناصر من الطبقة السياسية والفكرية حملة ضد التعاون الثنائي وانفتاح تونس نحو إيران خوفًا من امتداد الفكر الصفوي، وقد دعت بعض الأحزاب السياسية إلى مساءلة وزيرة السياحة ورئيس الحكومة تحت قبة البرلمان للكشف عن خفايا اتفاق التعاون السياحي بين تونس وإيران.
وأعلنت مؤخرًا رئيسة الحزب الدستوري الحر التونسي عبير موسي أنّ حزبها سيعود إلى الاعتصام مجدّدًا أمام مقر الإخوان في تونس لحين غلقه. وقالت إنّ ذلك يأتي على خلفية ما اعتبرته تجاهل مطالب حزبها بحل هذا التنظيم المشبوه وقطع دابر التمدّد الإيراني في تونس.
أمّا المغرب فإلى جانب العلاقات بين البلدين في المجال الاقتصادي وخاصة الطاقة، سعت إيران إلى توطيد علاقاتها الثنائية معها في المجاليْن السياحي والثقافي، وكان لها أنشطة مشبوهة نُسبت إلى السفارة الإيرانية، تشمل نشر الفكر الشيعي في أوساط المغاربة، وممارسة التأثير الأيديولوجي على شرائح الشباب، وهو ما اعتبرته الرباط تدخلًا في الشأن الداخلي والسيادي للمغرب، وإساءة للمقومات الدينية للشعب المغربي ووحدة عقيدته ومذهبه السني المالكي، فقطعت علاقاتها الدبلوماسية بإيران عام 2009م، والتي عادت عام 2014 بشرط عدم التدخل الإيراني في الشؤون الدينية للبلاد.
أمّا الجزائر فقد ازدادت المخاوف الجزائرية من هذا التهديد إبان مشاركة وفد من الشيعة الجزائريين في الاحتفالات بأربعينية الإمام الحسين 2014، حيث رُفِعَ العلم الجزائري إبان هذه الاحتفالات في سماء كربلاء، الأمر الذي يؤكد مدى تمدد هذا التوجه بالجزائر في السنوات الأخيرة.. وتمّ العثور على كتب ومطويات شيعية في بعض المساجد في الجزائر العاصمة تحت عنوان: أدعية طواف وسعي، وهي كتب فارسية تسعى إلى نشر المذهب الشيعي، وقد تولدت عن ذلك حملة لطرد الملحق الثقافي بسفارة إيران بالجزائر أمير موسوي، حرَّكها الحقوقي الجزائري المقيم بفرنسا أنور مالك، الذي أكد أنّ موسوي تجاوز مهمته الدبلوماسية، فصار يُنسِّق سريًا مع متشيعين جزائريين، ونظم رحلات إلى طهران وحتى النجف، مؤكدًاً أنّهم التقوا بإيران برجال دين شيعة وعناصر من جهاز المخابرات الإيراني والحرس الثوري، الأمر الذي اعتبره مالك بمثابة صناعة للوبي شيعي وطائفة شيعية بالجزائر، وهو ما يُهدِّد الأمن القومي الجزائري.
ويلاحظ أنّ إيران دخلت بلاد المغرب من بوابتي السياحة والثقافة، وركّزت على الثقافة بهدف تشييع السنة وتسليحهم وتدربيهم، ليُكوِّنوا مليشيات مُسّلّحة موالية لإيران في بلاد المغرب العربي يعملون بالوكالة لتنفيذ أهدافها ومخططاتها، وهي بهذا تسير على خطى الصفويين القدامى في تشييع السُّنة ليدينوا بالولاء للولي الفقيه الإيراني الاثنا عشري.
#التواجد #الإيراني #في #دول #المغرب #العربي
تابعوا Tunisactus على Google News