الجفاف يهدد تصبير الزيتون بمراكش .. ومخاوف من الوسطاء والمضاربات
تعتبر سلسلة الزيتون في المغرب، السلسلة الرئيسية للأشجار المثمرة المزروعة حيث تمثل 65 في المائة من مجموع مساحة الأشجار المثمرة على الصعيد الوطني كما يشكل القطاع مصدرا مهما لفرص الشغل إذ يوفر أكثر من 51 مليون يوم عمل سنويا، أي ما يعادل 380 ألف منصب شغل قار.
وعلى مستوى جهة مراكش فإن أهمية هذه الزراعة تتمظهر من خلال المكانة التي تحتلها الجهة على الصعيد الوطني، باحتلالها للمركز الثاني، بـ24 في المئة من الإنتاج و20 في المئة من مساحة مزروعات الزيتون الوطنية، إلى جانب تغطيتها لـ52 في المئة من الصادرات الوطنية من مصبرات الزيتون.
لكن الموجة غير المسبوقة من الجفاف، التي تضرب المغرب مجددا والعجز في هطول الأمطار الناتج عن التغيرات المناخية، يجعل المملكة تعاني من ندرة هيكلية في المياه تزداد حدة سنة بعد أخرى، وهذا يشكل تهديدا اجتماعيا واقتصاديا وبيئيا متزايدا ينبغي أخذه بعين الاعتبار في سياسات الدولة، ويلقي بظله على صناعة الزيتون وتصبيره، خاصة وأن تغير المناخ أصبح الآن حقيقة يؤكدها عدد متزايد من الأدلة العلمية في العالم بأسره.
فما هي أهم معالم أزمة الوحدات الصناعية في إنتاج زيت الزيتون وتصبيره خلال هذه السنوات؟ وكيف يمكن الحديث عن تأثير قلة المادة الأولية ومنافسة المضاربين والوسطاء من جهة، والالتزامات الخارجية؟ وكيف ينعكس سلبا انخفاض الحصاد بنسبة 40٪ على مقاولات التصبير؟ وهل تملك الوحدات الصناعية مناعة ضد انخفاض المادة الخام؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن أهمية التكتلات الاقتصادية بين الشركات في ظل ما يشهده المغرب من جفاف والمنافسة الخارجية؟
المضاربات والوسطاء
لحسن الزاكي أحد شباب إقليم الحوز المجازين الذي اختار مجال الفلاحة، أوضح أن المهنيين كانوا يتوقعون ارتفاع ثمن الزيتون بعد شهر رمضان الماضي، بفعل نشاط الوسطاء الذين تحركوا لشراء عدد كبير من الضيعات قبل أن تلد الشجرة بحوالي 4 أو 5 دراهم، وفئة أخرى تحركت بعدما بدأ الأشجار تظهر أولى أوراقها، لكن قلة العرض جعل الثمن يتراوح بين 5 و6 دراهم، وبعد شهر شتنبر ارتفع إلى 7 و8 و9 دراهم، ما جعلنا نتنبأ بأن أثمنة الزيتون الموجه لعصر زيت الزيتون ستصل إلى 12 درهما للكيلوغرام الواحد، بينما يبلغ ثمن الزيتون الأسود 15 درهما، أما ثمن زيت الزيتون فستتراوح ما بين 75 درهما و85 درهما للتر الواحد.
وأرجع هذا الشاب في تصريح لهسبريس، هذا الوضع” إلى الجفاف وضعف السقي الذي تستفيد منه عدة مناطق فلاحية”، وزاد قائلا” هناك نوع آخر من المضاربين الذين يشترون كميات كبيرة من الزيوت القديمة بما يناهز 45 و55، لمزجها بالزيوت الجديدة لبيعها وهذا نوع من المضاربات والاحتكار الذي يؤدي إلى ارتفاع ثمن الزيت، وهو ما عاينته هسبريس في لقائها مع أحد الفاعلين بقطاع بيع هذه المادة لحظة تلقيه مكالمة هاتفية تسأل عن مكان العثور على كميات كبيرة من هذه المادة، لكن الأخير نفى علمه بذلك.
وحدات التصبير مهددة
وقال هذا الفاعل الاقتصادي المتخصص في إنتاج زيت الزيتون، الذي طلب عدم الكشف عن هويته من جهته، يصعب على الحرفي أن لا يعرف توفر المادة الخام من عدمه، لأن شجرة الزيتون تتكلم منذ شهر غشت، ما يمكن المهنيين من معرفة نسبة توفرها بالسوق وكيفية التعامل مع تقلبات شجر الزيتون خاصة في ظل المتغيرات المناخية، وهذه المعرفة تجعله لا يسقط في تعاقدات لا يستطيع ضمان تحقيقها على أرض الواقع.
وفي لقاء مع هسبريس، تابع المتحدث نفسه موضحا”أن منتج زيت الزيتون يتعامل مع السوق المحلي كأولوية، وبعد ذلك تأتي السوق الخارجية، لكن المشكل الكبير هو الذي تعيشه الوحدات الصناعية المعنية بتصبير الزيتون، بسبب قلة المادة الخام، لكن لا خوف من المنافسة الدولية، لأن المتغيرات المناخية قدر تعيشه كل الدول المنافسة كاليونان وإيطاليا وإسبانيا وتونس وغيرها”، مضيفا” لكن التعليب المغربي يكافح ليحافظ على مرونته وحضوره في السوق الدولي بالاستجابة لعملائه حتى في حالة ضعف الحصاد بنسبة 40٪ مقارنة بالعام السابق وارتفاع تكلفة الإنتاج، وبعضه سينتج ويبيع بخسارة هذا السنة الفلاحية”.
وعن ارتفاع أثمان الزيتون، فهذا المصدر يرجع ذلك إلى قانون السوق، لكن الأمل قائم في المقبل من المواسم بفضل الدعم الموجه نحو زيت الزيتون من خلال توسيع المساحات الذي يشكل غاية الجيل الجديد للإستراتيجية الجديدة “الجيل الأخضر 2020-2030”، ما سيساعد في التغلب على متاعب صناعة التعليب التي تعاني من نقص في توفير المادة الأولية، والتحرر من تلاعبات الوسطاء والمضاربين الذين يربحون أكثر من الفلاح”، مشيرا إلى أن معظم الشركات بقطاع زيت الزيتون أو تصبيره، هي شركات عائلية صغيرة ومتوسطة”.
الحل في بناء تكتلات
وعن شروط البقاء في سوق أضحى مفتوحا ويخضع للمنافسة وجودة الانتاج، قال منعم الحسين أستاذ العلوم الاقتصادية بكلية مراكش التابعة بجامعة القاضي عياض أصبح السعي نحو التكتل الاقتصادي سمة تطبع المشهد الاقتصادي المعاصر، لذا فالحل الوحيد لضمان استمرارية هذه الشركات العائلية كأشكال تقليدية بالنسبة ، هو التكتلات والتكامل الاقتصادي اللذان يضمنان المكاسب في الرفع من الإنتاجية والكفاءة الاقتصادية للمقاولات، ما سيمكنها من تطوير قدرتها التنافسية، والسبب الوحيد لتقدم الدولة في الصناعة والتجارة والفلاحة والتكنولوجيا وقطاع الخدمات. وعن صادرات شركات التصبير، فلا يمكن أخد القرار بخصوصها حاليا لأن السنة الفلاحية لا زالت تبشر بالخير في ظل التساقطات المطرية الحالية التي تعرفها المملكة المغربية.
وأوضح هذا المتخصص في علم الاقتصاد في تصريح لهسبريس، أن مشكل قلة المادة الخام، في ظل التغيرات المناخية التي يمكن أن تطول، وتجاوز مشكلة ندرة مياه السقي يمكن حلها في المناطق المجاورة للبحر من خلال المشاريع البديلة كتحلية مياه المحيط الأطلسي، لكن هذا المشروع يحتاج إلى ميزانيات ضخمة، ويصعب استفادة مدن بعيدة عنه كمراكش من ذلك، لأنه لا يبدو أن مشكل قلة التساقطات سوف يتم تجاوزها، فالتقارير الأممية الخاصة باحترام البيئة تبقى حبرا على الورق، بسبب تصلب موقف الدول الصناعية كالولايات المتحدة الأمريكية والصين، اللتان ترفضان فرض قيود على المؤسسات الصناعية التي تساهم بشكل كبير التلوث، خوفا من تعرض هذه الشركات للأزمة ما سيؤدي إلى تسريح العمال.
شكلت جائحة “كوفيد19″، درسا قويا لنا، يضيف منعم الحسين، الذي يدعو إلى التفكير في تصميم للتهيئة يتأسس على رؤية استراتيجية على المدى البعيد، ويضمن امكانية تأسيس قطاعات صناعية متعددة، إلى جانب الصناعة السياحة، ما سيمكن من تجاوز كل الأزمات، ويحقق التكامل الاقتصادي، ويساهم في مجموعة من المكاسب لفائدة مدينة مراكش، لضمان السلم والاستقرار، والرفع من مستوى رفاهية سكان بهجة الجنوب.
التجميع الفلاحي
ومن الحلول التي طرحها برنامج المغرب الأخضر، لمواجهة التحديات التي تعترض الاقتصاد الفلاحي، أخرجت وكالة التنمية الفلاحية إلى الوجود الإطار التنظيمي الجديد بمشروع التجميع الفلاحي، بوضع نصوص جديدة بسطت شروط المصادقة على تكوين تكتلات التجميع الفلاحي والحصول على دعم مشاريع التجميع الفلاحي، من أجل إرساء مشاريع من الجيل الجديد، بحسب الوكالة الوطنية للتنمية الفلاحية، التي أطلقت مشاورات موسعة ومكثفة مع جميع الشركاء والفاعلين المهنيين والمانحين الدوليين، لإنجاح هذا المشروع الذي يعكس وعي جميع الفاعلين في القطاع الفلاحي بأن التجميع الفلاحي هو مستقبل الفلاحة في المغرب.
ومن إيجابيات التجميع الفلاحي، تشكيل الفلاحين لتكتلات قوية تمكن المزارعين من تثمين وعصرنة إنتاجهم، وتجاوز عدد من التحديات الكبرى، في مقدمتها الولوج إلى السوق بسهولة، دونما الحاجة إلى الوسطاء، إضافة إلى القدرة على مواجهة التحديات والمخاطر، لا سيما التغيرات المناخية التي يعد القطاع الفلاحي أكبر متضرر منها.
#الجفاف #يهدد #تصبير #الزيتون #بمراكش #ومخاوف #من #الوسطاء #والمضاربات
تابعوا Tunisactus على Google News