الحروب والتضخم تنغص الفرحة بعيد الأضحى
خلافا لكل عام، لن يتمكن الكثير من السودانيين من الاحتفال بعيد الأضحى الذي سيكون برأيهم “بائسا وحزينا” بسبب الحرب المستعرة منذ أكثر من شهرين بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ومع اقتراب عيد الأضحى، تبدو الأجواء حزينةً في سوق الماشية في عدن، كبرى مدن جنوب اليمن الذي يشهد “حربًا اقتصادية” بين طرفي النزاع الدائر منذ 2014 تضيّق الخناق على سكان أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
كما وجد التونسيون الذين يأملون في شراء أضحية العيد الأسعار مرتفعة للغاية بسبب الجفاف مما يزيد من المخاوف المتعلقة بأزمة اقتصادية يبدو أنها ستزداد سوءا.
الحرب تحرم السودانيين
خلافا لكل عام، لن يتمكن الكثير من السودانيين من الاحتفال بعيد الأضحى الذي سيكون برأيهم “بائسا وحزينا” بسبب الحرب المستعرة منذ أكثر من شهرين بين الجيش وقوات الدعم السريع.
حنان آدم التي هجرت منزلها في حي الأزهري في جنوب الخرطوم وتعيش في مركز ايواء في مدينة الحصاحيصا (120 كيلومترا جنوب العاصمة)، تقول “سيكون يوم العيد حزينا فنحن نعيش في هذه الظروف” الصعبة.
وتتابع هذه الأم لستة أبناء أكبرهم عمره 15 عاما والأصغر في عامه الثاني “الأطفال يسألوننا كل لحظة هل سنعود إلى منزلنا؟”
مواهب عمر فضلت من جانبها البقاء مع ابنائها في الخرطوم رغم الحرب. وتقول إن العيد سيكون “بائسا ولا طعم له”. وتضيف “لا نستطيع حتى شراء خروف”.
أما عمر ابراهيم، الذي يسكن في حي شمبات في الخرطوم مع أطفاله الثلاثة فيساءل “هل ستسكت المدافع يوم العيد؟”
لكن ابراهيم يدرك أن الحرب المستمرة بين قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “تجعل الطقوس التي اعتدنا كل عيد ممارستها مجرد حلم”.
واذا كانت الحرب بدأت في الخرطوم، فإنها امتدت الآن الى الولايات الرئيسية التي توفر الماشية في دارفور وكردفان غرب وجنوب السودان، الذي كان أصلا قبل الحرب واحدا من أفقر بلدان العالم.
أما عثمان مبارك الذي يعمل في تجارة المواشي واعتاد أن يقضي الأيام قبل العيد في بيع الخراف في شوارع الخرطوم والتي يجلبها من كردفان، قال “لا تجارة لنا هذا العام وعيد الأضحى كان موسما للربح لنا والآن انا والذين يعملون معي نعاني من البطالة”.
يجلس محمد بابكر تاجر المواشي وسط خرافه في شارع رئيسي بمدينة ود مدني ويقول “أسعار الخراف أقل مقارنة بالعام الماضي بسبب قلة الإقبال على الشراء وذلك لأن أغلب الناس يعملون في وظائف ولم يتقاضوا مرتباتهم منذ عدة أشهر”.
ويتابع “لكن المعروض من الخراف قليل كذلك إذ لم يستطع تجار كردفان ودارفور الوصول إلى هنا”.
بلا رواتب منذ ثلاثة شهور
في سوق ود حامد، على بعد 150 كيلومترا شمال الخرطوم، في المنطقة التي لم تصلها الحرب، نجح عبد الله النمر في تجميع قطيع من الخراف يعرضه للبيع.
ويقول “لدينا خراف لكن الناس لا تشتري لأنه ليست لديهم الأموال الكافية بسبب الحرب”.
والنازحون الذين جاؤوا بأعداد كبيرة من الخرطوم لم يتقاضوا أي راتب منذ نيسان/ابريل. فالمصارف متوقفة والدولة منحت إجازات للعاملين حتى إشعار آخر.
ويؤكد معاوية محمد وهو تاجر يعاني كذلك من قلة الطلب “الحرب أثرت على الناس، لم يتقاضوا مرتباتهم ولن يتقاضوها قبل فترة.. الوضع صعب والقوة الشرائية ضعيفة”.
يمر عماد محي الدين في سوق ود مدني من دون أن يلتفت إلى الخراف.
ويقول “بالصدفة جئت إلى هنا ولكنني لن اشتري خروفا هذا العام لأنني بلا راتب منذ ثلاثة اشهر”.
حرب اقتصادية تنغّص على اليمنيين
مع اقتراب عيد الأضحى، تبدو الأجواء حزينةً في سوق الماشية في عدن، كبرى مدن جنوب اليمن الذي يشهد “حربًا اقتصادية” بين طرفي النزاع الدائر منذ 2014 تضيّق الخناق على سكان أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
يأكل عشرات الماعز التبن في حين يغطي الرعاة الحظائر لحماية الماشية من أشعة الشمس الحارقة. لكن لا يأتي سوى عدد قليل من الزبائن لشرائها.
يقول أحدهم ويُدعى عامر محمد وهو مدرّس في عدن، لوكالة فرانس برس “من كان يعيّد برأس (ماشية)، بات هذه السنة يعيّد بنصف (رأس)، يشترك شخصان برأس واحدة وفقًا للظروف المعيشية”.
جاء الراعي إياد العليمي لبيع ماشيته في عدن، المقرّ الموقت للحكومة منذ سيطرة المتمردين الحوثيين على العاصمة صنعاء في العام 2014.
ويؤكد “توقعنا كثيرًا أن تتحسن الأوضاع وأن تصبح معيشة المواطن بخير وأن يتوفّر له كلّ شيء وأن تصبح الأسعار أرخص. للأسف كل شيء غال”.
منذ أكثر من ثماني سنوات، يعيش اليمنيون شبه المعزولين عن العالم، في ظلّ حرب أهلية اتخذت منحى إقليميًا، بين الحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية، والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
وتم التوصل إلى هدنة في نيسان/أبريل 2022. ورغم انتهاء مدّتها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سُجّل تراجع كبير في القتال ما أنعش آمال التوصل لسلام.
وقال المبعوث الأممي الخاص هانس غروندبرغ في منتدى اليمن الدولي الذي عُقد في لاهاي منتصف الشهر الحالي، إن “الحرب الاقتصادية اشتدّت”.
وأضاف “اتخذ الطرفان تدابير تصعيدية وتدابير مضادة اقتصادية ما زاد من وقع الضرر على اقتصاد اليمن الذي يعاني أصلاً من التحديات، وكان لذلك كما نعلم جميعًا أثر مدمر على الشعب اليمني في نهاية المطاف”.
وأغرق النزاع اليمن وهو أصلًا أفقر دول شبه الجزيرة العربية، بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم وتسبب بتراجع ناتجه المحلي الإجمالي إلى النصف، بحسب البنك الدولي.
وأعطت الهدنة والجهود الدبلوماسية الأخيرة التي تلت التقارب السعودي الإيراني وهدفت إلى وضع الحرب على طريق الحل، متنفّسًا لليمنيين البالغ عددهم 30 مليونًا، لكن الارتياح والأمل لم يستمرّا طويلًا.
ففي أواخر العام 2022، تسببت هجمات بمسيّرات شنّها المتمردون على منشآت نفطية بحرمان الحكومة من تصدير النفط، مصدر عائداتها الرئيسي، ما فاقم تدهور قيمة العملة الوطنية.
وتواجه الحكومة صعوبات في تمويل الخدمات الأساسية ورواتب الموظفين الحكوميين، في حين أن الموظفين الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين لم يتقاضوا أجورهم منذ سنوات.
ويقول وهيب داود وهو أحد سكان عدن، “نحن في وضع سيء جدًا… لا كهرباء لا ماء لا رواتب غلاء فاحش لا تربية لا صحة… نحن شبه أموات، لا نعيش”.
ويشير البنك الدولي في تقرير نُشر في نيسان/أبريل إلى أن القطاع الخاص في اليمن الذي يواجه أصلًا نقصًا في المواد الأولية وتهالك البنى التحتية، يعاني من “ضرائب مزدوجة (تفرضها الحكومة والمتمردون) ومن فساد معمّم”، متوقّعًا تسجيل ركود هذا العام وبلوغ التضخم نسبة 16,8%.
في مناطق شمال البلاد وغربها الخاضعة لسيطرة المتمردين، حيث يعيش قرابة 80% من الشعب، الوضع أيضًا مأسوي رغم تخفيف الحصار البحري والجوي الذي تفرضه السعودية.
ويؤكد مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وهو منظمة يمنية غير حكومية، أن “هناك هدنة حدثت على المستوى العسكري والسياسي ولكن بالمقابل فقد تصاعدت حدة المواجهات والحرب الاقتصادية”.
ويشير إلى أن “رغم فتح الخطوط الملاحية إلى ميناء الحديدة فقد تم اتخاذ قرار بمنع دخول البضائع المستوردة من الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية”.
في هذه المدينة الاستراتيجية الواقعة في غرب البلاد، فتح الموظف الحكومي السابق حسن الذي لم يرغب بالكشف عن اسم عائلته، متجرًا صغيرًا لبيع المثلّجات لتأمين لقمة عيش عائلته.
لكن مع ذلك يقول إنه سيضطر لبيع سيارته لتوفير احتياجات أسرته للعيد. ويؤكد “أنا أصلًا توقفتُ عن استخدام سيارتي منذ فترة طويلة بسبب عدم قدرتي على توفير الوقود”.
تدهور القوة الشرائية ينغّص فرحة التونسيين
تشكل القطعان الصغيرة للأغنام مشهدا مألوفا في المدن والبلدات التونسية في الفترة التي تسبق عيد الأضحى إذ يجلبها المزارعون من الريف لبيعها، وهي تتغذى على جوانب الطرق السريعة وفي الأراضي الخالية.
لكن الثغاء، الذي يتردد صداه عبر أحياء المدينة حيث تقوم العائلات بتسمين الأغنام على أسطح المنازل أو في الحدائق، قد يكون أقل هذا العام مع ارتفاع الأسعار بنحو 25 بالمئة في وقت يعاني فيه كثير من التونسيين بالفعل.
في ظلّ التضخّم الهائل وتدهور القوة الشرائية للدينار التونسي، لم يجد لطفي فرحاتي بدّاً من اقتراض المال والذهاب إلى السوق بحثاً عن خروف رخيص الثمن للاحتفال عيد الأضحى، “فالتضحية بشاة أمر ضروري ولو كانت الأسعار مرتفعة”.
وعلى غرار العديد من مواطنيه فإنّ الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها تونس والتضخّم المتسارع الذي قوّض القوة الشرائية في البلاد لم يمنعا هذا العامل المحدود الدخل من السعي لتقديم الأضحية التقليدية بمناسبة العيد.
يقول هذا الأب البالغ 46 عاماً إنّ “الأمر أكثر من مجرد تقليد، إنه طقس مقدّس”، مشيراً إلى أنّه اقترض المال ليتمكّن من شراء خروف وإرضاء أطفاله.
هذا العام، على غرار العديد من السلع الاستهلاكية، بلغ سعر خروف “الأضاحي” ألف دينار على الأقل (300 يورو)، أي أكثر من ضعف الحدّ الأدنى للأجور في هذا البلد.
ويضيف فرحاتي “أدرك أنّ المزارع يعاني من ارتفاع أسعار العلف، لكن كيف يمكن الحصول على خروف مع العلم أنّ الأرخص ثمنه حوالى ألف دينار؟”.
وقال رضا بوزيد، الذي يعتبر شراء أضحية لأسرته مهما جدا بالنسبة له “الوضع الاقتصادي سيء للغاية. تضاعف سعر كل شيء. وراتبي لا يكفيني لنهاية الشهر”. ويفكر بوزيد في أخذ قرض صغير من أحد البنوك لشراء الأضحية.
وعندما قارن بين سعر الخروف الذي يبلغ حاليا 900 دينار (290 دولارا) وبين 750 دينارا دفعها مقابل واحد من نفس الحجم العام الماضي، شعر بالقلق من تأثير ذلك على دخله الشهري.
وأردف قائلا “راتبي 950 دينارا فقط في الشهر فماذا سيتبقى منه؟”.
وفي سوق برج العامري القريب، تفقد خالد فريخي الأغنام مع ابنته الصغيرة التي كان يحملها على كتفه وقرر عدم الشراء هذا العام. وقال “لا نستطيع تحمل هذه الأسعار”.
ويعزو رئيس الغرفة الوطنية للقصابين، أحمد العميري، ارتفاع أسعار الأغنام أيضًا إلى تراجع الثروة الحيوانية بسبب الجفاف.
ويوضح العميري لوكالة فرانس برس أنّه “خلافاً لما يعلنه المسؤولون ووسائل الاعلام، لدينا 650 ألف رأس فقط وليس 1,1 او 1,2 مليون رأس”، مشيراً إلى أنّ “الندرة تساهم في زيادة الأسعار”.
وللحدّ من الارتفاع الحادّ في أسعار الأغنام واللحوم الحمراء، اقترح العميري حثّ مفتي الجمهورية على إصدار فتوى بإلغاء الأضاحي للاحتفال بالعيد “حفاظاً على القوة الشرائية للمستهلك”.
وتقول نسرين (43 عاماً)، وهي أمّ لطفلين التقتها وكالة فرانس برس في سوق للأغنام في أريانة، الضاحية الشمالية للعاصمة تونس، إنّ “الأسعار باهظة”.
وقرّرت ربّة المنزل هذه الانتظار قبل أن تنفق نقودها على أمل أن تنخفض الأسعار، لكنّ التخلّي عن شراء الخروف أمر غير وارد.
وتقول “يمكنني أن أخفض نفقات الترفيه أو الميزانية المخصّصة للنزهات الصيفية، لكن من المستحيل أن أحرم أطفالي من هذه الفرحة والتجمّع حول طبق من الشواء”.
وبالنسبة إلى فتحي ضيفاوي، وهو تاجر مواشي جاء لبيع أغنامه في السوق، فهو يتفهّم “حيرة المستهلك واستياءه”، عازياً ارتفاع الأسعار إلى الجفاف وغلاء العلف.
كذلك فإنّ التضخّم الذي بلغ حوالى 10 بالمئة انعكس ارتفاعاً في أسعار الكعك والحلويات التقليدية التي عادة ما يتم التهافت على شرائها خلال هذه الفترة التي تشهد حفلات زفاف واحتفالات بنهاية العام الدراسي ومناسبات أخرى.
ويوضح علي بن مصمودي، مدير التسويق لدى “حلويات المصمودي”، أنّ المتجر قام بتكييف عروضه بما يتناسب مع تراجع القوة الشرائية.
ويضيف الرجل البالغ 33 عاماً “نقترح علباً تضمّ منتجات للميزانيات الصغيرة. السعر لم يتغيّر لكنّ الكمية انخفضت بشكل كبير”.
الجفاف والتضخم
كان الاقتصاد التونسي في حالة سيئة حتى قبل أن تلحق به جائحة كوفيد-19 مزيدا من الضرر في عام 2020، ومع اقتراب الوضع المالي للدولة من الانهيار، لا تستطيع الحكومة مواجهة التضخم العالمي.
وبالنسبة للمزارعين، أدى المحصول الكارثي بسبب عدم هطول الأمطار إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية. وباع العديد من المزارعين مواشيهم العام الماضي بسبب عدم قدرتهم على تحمل التكاليف المرتفعة، مما تسبب في نقص اللبن الحليب لعدة أشهر.
وفي سوق برج العامري، قال المزارع نبيل رحيمي (38 عاما) إن الجفاف أتلف محصوله من القمح والشعير تماما وتركه بحاجة لشراء علف لأغنامه لكنه استطاع بالكاد تحمل زيادة تكاليف العلف.
وقرر بالفعل بيع 200 من أغنامه البالغ عددها 350 لأنه لا يستطيع إطعامها. وقال “إذا ساء الوضع سأبيعها كلها”.
ورحيمي ليس وحده. وقال خالد عياري المسؤول في اتحاد الفلاحة والصيد البحري إن تونس أنتجت 1.2 مليون رأس من الأغنام في العيد في عام 2022، لكنها لم تنتج إلا حوالي 850 ألف رأس هذا العام. وذكر أن النقابة رفضت استيراد الأغنام لحماية المزارعين.
وقال المزارع الشاب هيثم جويني، الذي ورث قطيعه من والده، إنه يفكر باستمرار في الهجرة. وأردف قائلا “لا أستطيع العيش هكذا… قلبي مكسور. لماذا لا تستطيع الحكومة مساعدتنا؟ الناس تعاني”.
وأدّت الأزمة المالية التي تشهدها تونس بشكل خاص إلى نقص مزمن في المنتجات الغذائية الأساسية، على خلفية التوترات السياسية الشديدة منذ احتكر الرئيس قيس سعيد كلّ السلطات في تمّوز/يوليو 2021، مما أدّى إلى زعزعة الديموقراطية التي نتجت عن أول ثورة في الربيع العربي عام 2011.
وفي تشرين الأول/أكتوبر، توصلت تونس التي يبلغ دينها العام 80% من إجمالي الناتج المحلي، إلى اتفاق مبدئي للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي يناهز ملياري دولار، لكن المحادثات تعثرت منذ ذلك الحين بسبب الإصلاحات التي طالب بها الصندوق ولا سيما بالنسبة الى الشركات التي تديرها الدولة وإلغاء الدعم الحكومي عن منتجات أساسية.
* المصدر: وكالات+فرانس برس+رويترز
#الحروب #والتضخم #تنغص #الفرحة #بعيد #الأضحى
تابعوا Tunisactus على Google News