الحصاد المغاربي: سنة زاخرة بالأحداث الثقافية رغم تردي الأوضاع الصحية | القدس العربي
تونس ـ «القدس العربي»: شهدت الساحة الثقافية في البلدان المغاربية هذا العام عودة تدريجية للأنشطة والتظاهرت الثقافية وذلك بعد انقطاع طويل نسبيا بسبب جائحة كورونا وما فرضته من تباعد ومن شلل في الحياة العامة للتوقي من الفيروس الخطير. وقد أثرّ ذلك سلبا على عودة الأنشطة التي لم تكن بالنسق المنتظر باعتبار الصعوبات العديدة التي عاشها الفاعلون في المشهد الثقافي واستمرار هذه الجائحة رغم التقدم الهام الذي شهدته البلدان المغاربية على مستوى التلقيح للتوقي من هذه الآفة.
وتعتبر تونس أقل البلدان المغاربية تضررا من توقف الأنشطة الثقافية باعتبار استمرارها في تنظيم أهم المهرجانات التي عرفت بها على غرار مهرجاني قرطاج الدوليين للسينما والمسرح اللذين لم ينقطعا طيلة السنتين الماضيتين. ففي هذه السنة، وخلال تشرين الثاني/نوفمبر شهد مهرجان أيام قرطاج السينمائية، أعرق المهرجانات السينمائية العربية والإفريقية، فوز الفيلم المصري «ريش» بالتانيت الذهبي، وهو الفيلم الذي أثار جدلا كبيرا في مصر التي حصد مبدعوها أغلب جوائز قرطاج السينمائي لهذا العام وذلك خلافا للدورات السابقة التي تلت رحيل المخرج يوسف شاهين وغيابه عن المشهد السينمائي.
كما عاد معرض تونس الدولي للكتاب إلى الإنتظام في سنة 2021 بعد أن غاب بسبب الجائحة مخلفا انزعاجا كبيرا لدى المتدخلين في صناعة الكتاب التونسي من كتاب وناشرين وغيرهم. فالمعرض، تم تنظيمه خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر أيضا، وهو فرصة للمؤلفين لعرض مؤلفاتهم الجديدة على الجمهور التونسي وحتى العربي والأجنبي من خلال دور النشر العربية والأجنبية المشاركة.
وقبل ذلك تم تنظيم المعرض الوطني للكتاب التونسي خلال شهر حزيران/يونيو بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بعد أن تأجل هذا المعرض، الذي تشارك فيه دور النشر التونسية دون غيرها خلافا للمعرض الدولي. وتنظم هذا المعرض حديث العهد المؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية التي حرص منظموها على التقيد بالبروتوكول الصحي حفاظا على سلامة زوار المعرض وممثلي دور النشر والمنظمين والإعلاميين وغيرهم.
كما انتظمت أنشطة ثقافية عديدة ومتنوعة خلال هذا العام في مختلف أنحاء الجمهورية منها مهرجان نفطة للموسيقى الصوفية. ولقي هذا المهرجان الإستثنائي إقبالا لافتا وتغطية إعلامية هامة ما يؤكد ولع التونسيين بالتصوف والمتصوفة وفنهم العابر للحدود الذي يخاطب الروح والوجدان.
لكن بالمقابل غاب أهم المهرجانات التونسية وهو مهرجان قرطاج الصيفي، وغاب رواد المسرح الأثري بقرطاج عن مسرحهم الذي كان يعج بالحياة كل صيف بوجودهم. كما غاب كبار فناني تونس والعرب والعالم عن هذا الركح التاريخي الذي صعد عليه أهم نجوم العالم وغنوا وأثثوا فيه سهرات فنية تاريخية بقيت راسخة في البال.
كما غاب هذا العام أيضا مهرجان الجم للموسيقى السيمفونية الذي يستقطب فئة من النخبة التونسية لا تفوت الفرصة للاستمتاع بأهم عروض الفرق الموسيقية السيمفونية العالمية الشهيرة في مسرح أثري أسطوري على أضواء الشموع. وغاب أيضا مهرجان المدينة عن سهرات شهر رمضان الفضيل التي اعتاد هذا المهرجان العريق أن يدخل عليها البهجة والسرور وخاصة بمدينة تونس العتيقة.
أحداث شحيحة
أما في الجزائر فإن الآثار السيئة للجائحة بدت أكثر وضوحا على الحياة الثقافية التي كانت شحيحة من الأحداث هذا العام باستثناء بعض الأنشطة هنا وهناك. ومن بين هذه الأنشطة الملتقى الوطني الأول للكتاب الأمازيغي الذي احتضنته مدينة بجاية الواقعة بمنطقة القبائل، وذلك خلال تشرين الأول/أكتوبر باعتبار أن هناك انفراجا في الأوضاع الصحية شهدته الجزائر مع نهاية فصل الصيف.
كما عرفت ولاية الطارف، وتحديدا مدينة القالة، مع نهاية شهر أيلول/سبتمبر تنظيم مهرجان إفتراضي للفيديو التوعوي والتحسيسي حول «السياحة الايكولوجية». وقد كان الهدف منه هو جمع صانعي المحتوى والهواة والمحترفين، لاكتشاف المواهب من الفئات الشبابية ودفعهم إلى الإبتكار مع توعيتهم بالقضايا الإنسانية والمصلحة العامة.
كما انتظمت بعض المهرجانات الجهوية في عدد من ولايات الجزائر على غرار مهرجان الديوان بعين الصفراء المخصص للموسيقى والرقص في تشرين الأول/أكتوبر من السنة المنقضية. وشاركت في هذا المهرجان عديد الفرق الموسيقية على غرار فرقة «ديوان سيدي بلال» لولاية معسكر التي فازت بالمرتبة الأولى في هذا المهرجان.
وخلال الشهر أيضا تم افتتاح السنة الثقافية في دار الأوبرا في الجزائر العاصمة التي قدم فيها باليه أوبرا الجزائر وفرقة أهاليل للغناء عدة عروض من التراث الجزائري لاقت استحسان الحاضرين. وتنطلق الأنشطة الثقافية في الجزائر في فصل الخريف لتمتد إلى السنة الموالية التي يأمل الجزائريون أن تكون خالية من كوفيد ليعود للثقافة ألقها.
ولم يعرف بلد المليون شهيد خلال السنة المنقضية تنظيم أهم مهرجاناته الثقافية على غرار مهرجان وهران للفيلم العربي ومهرجان موسيقى المالوف الاندلسي بمدينة قسنطينة وغيرها من المهرجانات ذات الإشعاع الإقليمي. وبقي كوفيد عائقا أساسيا خلال العام المنقضي يحول دون أن تستأنف الحياة الثقافية الجزائرية نشاطها المعهود بشكل طبيعي دون خوف من انتشار هذا الوباء.
تخمة سينمائية
وخلافا للجزائر فإن المغاربة وجدوا بعض الحلول التنظيمية كما حصل في المھرجان الدولي للفیلم بمراكش في دورته الرابعة. حيث أقيم ما سُمي «ورشات الأطلس» في صیغة رقمیة، وذلك في الفترة الممتدة ما بین 22 و25 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وقد تم خلال هذه التظاهرة منح ست جوائز للفائزين وهي جوائز ذات قيمة مالية معتبرة زادت من أهمية هذا المهرجان.
وفي نفس الإطار، أي تنظيم التظاهرات الثقافية عن بعد توقيا من كورونا، نظمت وزارة الثقافة والشباب والرياضة برنامجا متنوعا من الأنشطة المسرحية عن بعد، وذلك من خلال بث عروض مسرحية بمختلف المراكز الثقافية التابعة لها وذلك بمختلف أنحاء المغرب. وكانت هذه التظاهرة الهامة بمناسبة اليوم الوطني للمسرح المغربي الذي يصادف يوم 14 آيار/مايو من كل سنة. كما شهد العام المنقضي تنظيم المسابقة الوطنية لمهرجان «أفولاي» للمسرح الأمازيغي بتزنيت وفوز مسرحية «أفار» بجائزته الكبرى.
وخلال شهر آذار/مارس تم تنظيم مهرجان السينما الأفريقية بخريبكة في الدورة الثانية والعشرين وهو مهرجان بدأ يشق طريقه ضمن المهرجانات الهامة للقارة السمراء. فالسينمائيون الأفارقة بدأوا يضعون مهرجان خريبكة في أجنداتهم بعد مهرجاني قرطاج وواغادوغو في جمهورية بوركينا فاسو وهما أعرق مهرجانين للسينما الأفريقية.
كما انتظمت نهاية العام مهرجانات سينمائية جهوية مختلفة في المغرب مثل الدورة الحادية عشرة من لقاءات «خميس السينما وحقوق الإنسان» وهو من تنظيم جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان بسينما النهضة بالرباط. وكذلك الدورة السادسة لمهرجان تطوان الدولي لمدارس السينما الذي فاز بجائزته الكبرى فيلم «فيراي» البولوني وهو فيلم من إخراج أغنييشكا نوفوسيلسك.
وشهد العام في نهايته أيضا تنظيم الدورة 22 لمهرجان الأرز للفيلم القصير بمدينة إفران حيث تم تسليط الضوء على موضوع «صوت الشباب بين الإبداع وإشكالية الإنتاج السينمائي». وكذلك مهرجان أكادير الدولي للسينما والهجرة في دورته الثامنة عشرة الذي كانت فيه المملكة العربية السعودية ضيف شرف. وكذلك المهرجان المغاربي للفيلم بوجدة الذي فاز فيه الفيلم السينمائي «بابيشا» للمخرجة الجزائرية مونية مدور.
لكن رغم كل هذه الأنشطة الهامة فقد حال الوضع الصحي دون تنظيم عديد التظاهرات الثقافية، حيث تم منع توافد الجمهور على معرض الدار البيضاء لكتاب الطفل والناشئة، الذي كان من المفروض أن ينتظم خلال الفترة المتراوحة بين 2 و 7 كانون الأول/ديسمبر، كما تم منع العارضين من مواصلة عرض منشوراتهم، والاكتفاء ببث الورشات المبرمجة عبر فيسبوك. كما تم تأجيل مهرجان «الأندلسيات الأطلسية» بالصويرة إلى ربيع سنة 2022 وهو من تنظيم جمعية الصويرة موكادور.
موطن الشعراء
وللثقافة في موريتانيا طعم خاص، كيف لا وهي بلد المليون شاعر والقبائل العربية الحسانية الفصيحة في لغة الضاد والتي تتقن نظم الكلام في بيئة صحراوية جميلة وملهمة لقريحة الشعراء. كما أن ثراء البلد بالمعالم التراثية وبالعادات والتقاليد العريقة والضاربة في القدم يجعلها بيئة خصبة لثراء المشهد الثقافي ولتواجد المهرجانات والتظاهرات الثقافية بشكل دوري ومنتظم.
وقد شهدت السنة المنقضية تنظيم موريتانيا لعديد المهرجانات لعل أهمها مهرجان نواكشوط للشعر العربي الذي ينظمه بيت الشعر بنواكشوط. واختار المنظمون نهاية شباط/فبراير لهذا الحدث الهام الذي يتناغم والروح الموريتانية المحبة للشعر كما اختاروا قصر المؤتمرات في العاصمة لتنظيم هذه الدورة السادسة التي أشرف عليها رئيس الجمهورية.
كما اختار الموريتانيون التميز بتنظيم مهرجان فريد من نوعه في المنطقة المغاربية وربما في العالم ويتعلق بمهرجان موسيقى الرعاة الدولي الذي تم تنظيمه في آب/أغسطس من العام المنقضي. وانتظم المهرجان تحت شعار «شعر للأرض للإنسان» الذي يثبت مدى تعلق الراعي بالأرض والطبيعة والمراعي التي يقضي فيها أغلب وقته وهي التي تقتات منها شياهه أو إبله التي تعتبر مصدر رزقه.
ومن أهم المهرجانات الموريتانية أيضا مهرجان المدائن القديمة الذي انتظم نهاية العام المنقضي في دورته العاشرة، بمدينة وادان الواقعة في أقصى شمال موريتانيا. وقد شهد المهرجان حضورا لافتا من المثقفين والعلماء والمفكرين والمؤرخين وافتتحه الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.
ويرى البعض أن من أسباب نجاح موريتانيا في تنظيم تظاهراتها الثقافية خلال السنة المنقضية هو انخفاض نسبة الإصابة بفيروس كورونا مقارنة بباقي البلدان المغاربية التي انتشر فيها الوباء بشكل لافت وخصوصا تونس التي فتحت حدودها على مصراعيها منذ قرابة السنتين ولم تحكم الإغلاق مثل جيرانها. ويتوقع أن يشهد العام الجديد نهضة ثقافية مغاربية لافتة مع التحسن في الوضع الصحي الذي تشهده المنطقة نتيجة الإقبال على التلاقيح وذلك بعودة بعض التظاهرات الثقافية إلى سالف نشاطها وبعث أخرى جديدة لإثراء المشهد الثقافي.
#الحصاد #المغاربي #سنة #زاخرة #بالأحداث #الثقافية #رغم #تردي #الأوضاع #الصحية #القدس #العربي
تابعوا Tunisactus على Google News