الحكومة التونسية الجديدة والمعضلة الاقتصادية | القدس العربي
16 – أكتوبر – 2021
تواجه حكومة نجلاء بودن في تونس تحديات كبيرة ومشاكل بالجملة وهي المطالبة بإيجاد الحلول لهذه التركة الثقيلة في كافة المجالات والتي تسبب فيها سوء أداء الطبقة السياسية التي حكمت تونس بعد عشرية سوداء بكل ما للكلمة من معنى. ولعل الزمن المحدود والقياسي الذي يجب أن تعالج فيه الحكومة الجديدة كل هذه المشاكل المتراكمة يزيد من صعوبة المهمة باعتبار أن تواجد هذه الحكومة مرتبط بانتهاء الظرف الاستثنائي الذي تعيشه تونس منذ 25 تموز/يوليو 2011.
ويبقى الاقتصاد الذي انهار بالكامل أو كاد، أهم المعضلات التي تواجه نجلاء بودن وفريقها الحكومي، والذي تشير الأرقام إلى أن الأوضاع فيما يتعلق به باتت في حضيض لم تعرف له تونس مثيلا حتى في سنوات استعمارها من قبل الفرنسيين. فالخراب طال كل القطاعات بدون استثناء والنسيج تآكل طيلة عشرية كاملة من الكسل والمطلبية وسوء التصرف والغياب التام للتنمية، حتى بات الدمار هو السمة الطاغية على وصف ما طال الاقتصاد التونسي على امتداد السنوات الماضية.
فهل تستطيع نجلاء بودن الأكاديمية المختصة في علم الجيولوجيا والقادمة من مدارج الجامعات ومخابر البحوث أن تخرج تونس بمعية حكومتها من عنق الزجاجة الذي وجدت نفسها فيه؟ هل تنجح فيما فشل فيه تسع رؤساء حكومات تداولوا على القصبة قبلها خلال العشرية الأخيرة التي تلت زلزال 14 كانون الثاني/يناير 2011؟ وهل بقي للتونسيين صبر على تدهور أوضاعهم المعيشية ليمنحوا هذه الحكومة ما تحتاجه من الوقت للقيام بالتشخيص ثم الإصلاحات اللازمة التي يحتاجها هذا الاقتصاد المنهك والمنهار؟
تشير الأرقام إلى أن نسبة التضخم في الاقتصاد التونسي قد ارتفعت إلى 5.7 في المئة خلال شهر حزيران/يونيو 2021 وتجاوز حجم الدين العام قرابة 30 مليار يورو أي 100 في الـ100 من الناتج المحلي الإجمالي. كما تراجعت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي سنة 2020 إلى 8.6 في المئة حسب البنك الدولي وهو ما أثر سلبا على الأوضاع الاجتماعية فارتفعت نسب الفقر والبطالة حتى وصلت 18 في المئة.
وتشير هذه الأرقام بدقة إلى الوضع الكارثي الذي تعيشه البلاد التي أصبحت غير قادرة على سداد ديونها دون الإقتراض مجددا سواء من صندوق النقد الدولي أو من غيره. فتونس مطالبة هذا العام بتسديد قرابة الـ 4.5 مليار دولار كديون عن قروض سابقة ونيل قرابة 6 مليارات دولار لتغطية عجز الميزانية بعد أن عجزت عن تحقيق نسبة النمو التي توقعها الخبراء مع بداية هذا العام، فقد توقعت الحكومة السابقة تسجيل نسبة نمو تقدر بـ 3.9 في المئة فيما توقع صندوق النقد الدولي نسبة تقدر بـ 3.2 في المئة ولم تتحقق لا هذه ولا تلك.
على وشك الإفلاس
ويرى البعض أن الخضراء على وشك الإفلاس ما لم تجد الحكومة الجديدة الموارد المالية الكافية في أسرع الآجال، وهي عملية جد صعبة في ظل تراجع تصنيف تونس السيادي الإئتماني والذي قد يستمر في التراجع ويجعل الجهات المانحة والمؤسسات المالية الدولية تتردد في الإقراض. كما أن الموارد الذاتية تكاد تكون منعدمة في الوقت الحالي بسبب عدم عودة عديد القطاعات إلى نسق إنتاجها الطبيعي ومن ذلك قطاع الفوسفات والقطاع الفلاحي، وكذلك السياحة التي تراجعت مداخيلها بقرابة 64 في المئة ولم تتعاف بعد والتي أجهز عليها فيروس كورونا وقبله العمليات الإرهابية وخصوصا عمليتي باردو وسوسة.
فكيف يمكن للحكومة الجديدة أن تباشر مهامها لإنقاذ دولة تم تسييرها رعوانيا طيلة عقد من الزمان من دون مخططات تنموية وبدون رؤية واضحة ما عدا الإذعان لصندوق النقد الدولي وبرامجه القائمة على استهداف الدور الاجتماعي للدولة؟ وكيف سيتم التعامل مع كثرة الاضرابات العمالية ومطلبية المنضوين تحت راية الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يحمله البعض جزءا من المسؤولية على تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
يذهب البعض إلى حد توقع فشل الحكومة في إيجاد الحلول لهذا الاقتصاد المنهك وهو ما سيجعل في رأيهم السحر ينقلب على الساحر، فيتحول الملف الاقتصادي والاجتماعي الذي كان السبب الرئيسي في الإطاحة بحركة النهضة إلى سبب في الإطاحة بمن أطاح بحركة النهضة أي الرئيس قيس سعيد. فالشارع التونسي عرف بعدم تسامحه مع من يستهدف معيشته أو لا يجد الحلول لمشاكله الاقتصادية والاجتماعية، وهو الذي يرفع حكامه على الأعناق باحثا عن المهدي المنقذ، ثم سرعان ما يزلزل عروشهم إذا استفحل فيهم الفساد وعجزوا عن الإيفاء بتعهداتهم تجاهه.
ورغم النظرة السوداوية المتشائمة لكثير من التونسيين إلا أن هناك من يرى أن بإمكان هذه الحكومة الجديدة النجاح باعتبارها ستعمل في مناخ لا وجود فيه لتجاذبات وصراعات سياسية خلافا للحكومات السابقة التي أعاقت عملها الخلافات بين الأحزاب وأقطاب السلطة. وبالتالي فإن هذه الحكومة ستعمل تحت إمرة ربان وحيد بهدوء وراحة بال، ولن تجد برلمانا يتصدى لمشاريع قوانينها وستعمل منفردة بلا رقيب أو حسيب وذلك خلافا للحكومات السابقة التي أعاقتها كثيرا تركيبة النظام السياسي الذي كان قائما.
مشروع قانون الصلح الجزائي
كما يرى هؤلاء أن مشروع قانون الصلح الجزائي مع رجال الأعمال المتورطين في نهب المال العام مقابل قيامهم بمشاريع تنموية في الجهات، والذي يصر عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد قد يحرك عجلة الاقتصاد باعتبار حجم المبلغ الذي يتوقع أن يتم جمعه والذي يقدر بـ4.8 مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك يمكن الذهاب باتجاه التخفيض في دعم المواد الأساسية وتخفيض نفقات أجور الوظيفة العمومية مع التفويت في بعض المؤسسات العمومية جزئيا أو بالكامل.
كما أن عودة النشاط السياحي إلى سالف عهده في المستقبل وذلك بعد التقدم الكبير الذي تحقق في مجابهة فيروس كورونا خلال الشهرين الأخيرين قد يساهم في حل جزء من المشكلة. وهناك أيضا القطاع الفلاحي حيث حل موسم جني وجمع بعض منتوجاته الهامة على غرار التمور التي احتلت تونس المرتبة الأولى عالميا في تصديرها في السنوات الأخيرة، وزيت الزيتون الذي تتنافس الخضراء مع إسبانيا وإيطاليا على المرتبة الأولى عالميا في إنتاجه وتصديره وهو يدر على البلاد سنويا أرباحا هامة لا تقل أهمية عن أرباح الفوسفات والبترول.
كما أن إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد الوطني سيمكن تونس من إيجاد موارد تقدربـ30 مليار دينار حرمت الدولة نفسها لعقود طويلة نتيجة لطوباويتها وعدم تعاملها مع الأمر الواقع كما هو. فقد حان الوقت لضخ أموال هذا القطاع في الدورة الاقتصادية والكف عن النظر إلى المنخرطين فيه كمجرمين باعتبارهم ضحايا لدولة عجزت طيلة عقود عن توفير مواطن الشغل لشعبها فاضطرتهم إلى البحث عن بدائل خارج الأطر الشرعية.
وهناك حلول أخرى يمكن الذهاب فيها مثل البحث عن موارد للميزانية من بعض الدول الصديقة لتونس وهي كثيرة في هذا العالم وهو ما سيمكن الدولة من تجنب الصناديق المالية. وهناك إمكانية مطالبة بعض أصدقاء تونس بإعادة جدولة ديونها أو بيعها مقابل استثمارات في البلاد، وعديد الحلول الأخرى التي يقدمها خبراء الاقتصاد شريطة أن تتوفر الإرادة السياسية وحصول هدنة اجتماعية تخفف من الإضرابات وكثرة المطلبية التي دأبت عليها النقابات العمالية.
#الحكومة #التونسية #الجديدة #والمعضلة #الاقتصادية #القدس #العربي
تابعوا Tunisactus على Google News