الحملة العنصرية ضد العرب في تركيا… لماذا الآن؟ وهل هي بتخطيط من المعارضة وتنفيذ الدولة العميقة وتمويل وإشراف دول خارجية؟
الدكتور رجب السقيري
ازدادت في الآونة الأخيرة بشكلٍ ملحوظ حدة العنصرية البغيضة ضد السوريين خصوصاً وضد العرب عامةً في تركيا سياحاً ومقيمين حتى بلغت درجةً أصبحت تهدد سمعة تركيا كمقصد سياحي وحرمانها من دخل السياحة العربية الذي يقدر بمليارات الدولارات . فكيف بدأت ظاهرة العنصرية في بلدٍ إسلامي تربطه بالأمة العربية روابط عميقة بما فيها الدين والثقافة والتاريخ والجغرافيا ، علماً بأن عائدات تركيا من السياحة تصل إلى حوالي 46 مليار دولار في السنة وتساهم السياحة فيها بنسبة عشرة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ، إضافة إلى أن القطاع السياحي يوفر وظائف لحوالي مليوني تركي .
وإذا عدنا إلى فترة الحملة الانتخابية في بداية صيف هذا العام لرأينا أن سخونة المنافسة بين المرشحين الرئيسين رجب طيب أردوغان وزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو قد قادت الأخير إلى تبني برنامج انتخابي يقوم في معظمه على ترحيل أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجيء سوري إلى بلادهم في غضون عامين ، بينما أعلنت حكومة أردوغان خلال الحملة أنها تدعم عودة طوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم ، الأمر الذي يعني أن كلا الجانبين ، حكومة أردوغان والمعارضة ، تدعمان خروج اللاجئين من تركيا مع فارق وحيد حول كيفية خروجهم .
كيف تكونت العنصرية
من المعروف أن حيوية الشعب السوري وقدرته على العمل الشاق وامتهانه للأعمال الحرة والتجارة التي يمارسها بكل صنوفها والتي تتراوح بين العمل كبائع متجول وبين افتتاح المحال التجارية والمطاعم والخدمات قد جعلته يدخل في منافسة مع الأتراك الذين اضطروا في مدنهم وأسواقهم لاستضافة أكثر من ثلاثة ملايين ونصف من السوريين الذين وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل فدخلوا في صراع من أجل لقمة العيش وعمل معظمهم بدون أوراق عمل رسمية في المطاعم والمرافق السياحية بأجور متدنية يقبل بها اللاجيء ولا يقبل بها التركي وانتشروا في شوارع استانبول كبرى المدن السياحية في تركيا مما أثار حفيظة مستضيفيهم من الأتراك ووجدوا فيهم عبر السنوات العشر الماضية مزاحماً لهم على أرزاقهم . من هنا بدأت مشاعر الكراهية تغزو قلوب الأتراك إزاء السوريين ثم امتدت مشاعر الكراهية هذه لتشمل العرب بشكل عام مهما كانت جنسيتهم وسواءً كانوا مقيمين أو سياحاً .
العرب في تركيا
لا توجد إحصاءات دقيقة عن أعداد العرب في تركيا باستثناء اللاجئين السوريين الذين فروا من بلادهم ولجؤوا إلى تركيا خلال ما أطلق عليه الربيع العربي والذي امتد لأكثر من عشر سنوات اعتباراً من 2011 ويقدر عددهم بما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجيء . لكن التواجد العربي لا يقتصر على السوريين وإنما امتد ليشمل ما يقدر بحوالي ربع مليون إلى نصف مليون من العراقيين والمصريين والأردنيين والفلسطينيين واللبنانيين والعرب الخليجيين إضافة إلى مواطنين من الدول العربية الشمال أفريقية ، ليبيا وتونس والجزائر والمغرب . هذا العدد طبعاً لايتضمن السياح العرب الذين يتدفقون على تركيا كل عام لا سيما في فصل الصيف وتقدر أعدادهم بأكثر من مليوني سائح عربي في السنة .
التزامات تركيا نحو اللاجئين السوريين
تجدر الإشارة إلى أن القانون الدولي وبالذات الاتفاقية الدولية للاجئين لعام 1951
(والبروتوكول الملحق بها لعام 1967) تحظر على الدول الأطراف فيها ترحيل اللاجئين قسرياً أو إعادتهم إلى بلادهم إذا كانوا سيتعرضون لمخاطر على حياتهم ، وبما أن تركيا دولة طرف في هذه الاتفاقية منذ عام 1962 فهي ملزمة بعدم إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم عنوةً ، وعليه يرى بعض المحللين أن الحملة القائمة حالياً لترحيل اللاجئين السوريين ليست ممنهجة ولا تتبناها الحكومة التركية ، فكيف إذن تقوم الشرطة التركية وأجهزة إنفاذ القانون بترحيل السوريين عنوة وإلقائهم في شمال سوريا وتركهم لتتقطع بهم السبل ومنعهم من العودة إلى تركيا رغم التزام حكومة أردوغان التي فازت بالانتخابات بعدم إخراج اللاجئين السوريين إلا بطريقة طوعية ؟
الدولة العميقة والتحريض على العنصرية
عدم فوز المعارضة التركية بقيادة كليجدار أوغلو في الانتخابات لا يعني تخليها ، أي المعارضة ، عن تنفيذ ما وعدت به حول ترحيل السوريين ، وأغلب الظن أن المعارضة قد وجدت طريقةً للعمل تحت الطاولة من خلال الدولة العميقة عن طريق مؤيديها في دوائر ومؤسسات الدولة التركية وهم كثرُ ، تعمل بطريقة ممنهجة وبدعم من أجهزة أمنية خارجية أمريكية وأوروبية وإسرائيلية ، إذ لم يكن سراً الدعم الذي حظي به كليجدار أوغلو من الدول الغربية خلال حملته الانتخابية وقد قالها هو بصراحة مخاطباً ناخبيه أن دولاً أوروبية ستمد يد العون له لتغطية نفقات ترحيل اللاجئين السوريين ، كما كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد وعد بالعمل على إسقاط أردوغان “بالطرق الديمقراطية” الأمر الذي يعني تقديم الدعم للمعارضة التركية . كما أن ترحيل اللاجئين السوريين يخدم غرضين بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي فهو من ناحية يبدد قلقهم من عودة أردوغان لسياسة فتح البوابة التركية مشرعة لتدفق اللاجئين إلى أوروبا ، ومن ناحية أخرى يأمل الأوروبيون ومعهم الأمريكان والإسرائيليون بأن عودة ثلاثة ملايين ونصف المليون سوري إلى شمال سوريا سيربك حكومة الأسد وربما يعيد الأوضاع في سوريا إلى المربع الأول بعد أن حقق الأسد اختراقات أنهت الحرب الأهلية تقريباً كما حقق نجاحاً باهراً في عودة سوريا إلى الحضن العربي .
لكن يبقى السؤال : إذا كان الأمر يتعلق بترحيل اللاجئين السوريين فلماذا التحريض على العرب عامةً والمخاطرة بفقدان مليارات الدولارات التي تضخها السياحة العربية سنوياً في الاقتصاد التركي إضافة إلى مخاطر عودة التوتر بين تركيا والدول العربية ،لا سيما الخليجية بعد التحسن الكبير الذي طرأ على هذه العلاقات ؟ الجواب أسهل مما نتصور ، إذ أن إلحاق الأذى بالاقتصاد التركي ما زال هدفاً للدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول الأوروبية بما فيها بريطانيا وفرنسا وألمانيا ، وقد نجحت هذه القوى الغربية المعادية لأردوغان (بدعوى أنه يطبق أجندةً إسلامية ويسعى إلى القضاء على العلمانية في تركيا) ، نجحت في العمل على خفض قيمة الليرة التركية ورفع نسبة التضخم إلى مستويات غير مسبوقة مما وضع الاقتصاد التركي في مأزق . وعليه فإن فقدان عوائد السياحة العربية والمخاطرة بتوتير العلاقات مع الدول العربية من شأنه إضعاف أردوغان وإفشال محاولاته المستميتة لإنقاذ الاقتصاد التركي الأمر الذي يحقق للمعارضة التركية أحد أهم أهدافها السامية ، فالعنصرية البغيضة المتمثلة في قيام الدولة العميقة بكل طاقتها بالإساءة إلى المقيمين والسياح العرب إضافة إلى ترحيل اللاجئين السوريين ومعهم أحياناً بعض العرب الآخرين كما حدث مؤخراً عندما تم ترحيل مواطنين مغربيين ألى شمال سوريا ظناً من السلطات التركية بأنهم سوريون لأنهم يتكلمون العربية .
أخيراً أود أن أنهي هذا المقال بسؤال محير بعض الشيء وهو إذا كان هذا ما تفعله المعارضة التركية عن طريق الدولة العميقة وبمساعدة من أطراف خارجية فأين حكومة أردوغان من كل ذلك ؟ ولماذا لا تضع حداً لهذه الممارسات وتوقف ترحيل السوريين عنوةً كما توقف الإساءة للعرب سياحاً ومقيمين لتجنب الأضرار الناجمة عن ذلك ؟ أم أن تلك حكايةٌ أخرى ؟
سفير سابق وباحث في العلاقات الدولية والدراسات الدبلوماسية
ترحب ‘راي اليوم’ بآراء الكتاب وتأمل ان لا يزيد المقال عن 800 كلمة مع صورة وتعريف مختصر بالكاتب
#الحملة #العنصرية #ضد #العرب #في #تركيا #لماذا #الآن #وهل #هي #بتخطيط #من #المعارضة #وتنفيذ #الدولة #العميقة #وتمويل #وإشراف #دول #خارجية
تابعوا Tunisactus على Google News