الخط العربي… فن مهدد بالنسيان تحييه أول خطاطة تونسية – رصيف22
حين تتجول في منزل أول امرأة خطاطة في تونس خاضت غمار مهنة كانت حكراً على الرجال فقط، تجد في كل ركن من أركانه أعمالها، ولا تجد موضعاً في البيت لا يحمل لوحاتها الفنية التي خطّتها بمزيج من الأحرف التي زادتها الألوان لمعاناً وألقاً.أحبّت الخطاطة التونسية سهلة القماطي، هذه المهنة حبّاً شديداً فالحبر سلاحها ولوحاتها متنفّسها الوحيد في الحياة، وتقول في حديثها إلى رصيف22، إن الخط العربي بالنسبة لها أفضل من الرسم والموسيقى والمسرح، فهو غنيّ عن كل تعريف.قضت القماطي، أربعاً وعشرين سنةً وهي تزاول هذه المهنة برغم صعوباتها، وبرغم أنها لم تكن تدرّ لها دخلاً ماديّاً، وهذا لم يمنعها من المضي قدماً والمشاركة في العديد من الدورات والمهرجانات التي مكّنتها من أن تكوّن نَفَسَها الخاصّ في مجال الخط العربي.فن ضارب في التاريخبدأت سهلة، العمل في مجال الخط العربي في المركز الوطني لفنون الخط سنة 1998، وكانت لها العديد من المشاركات في عدد من التظاهرات والدورات المهتمة بالخط العربي حتى أصبحت تدرس هذا الفن الذي تخشى عليه من الاندثار.تقول لرصيف22: في الماضي، لم يكن هناك إقبال على هذا الفن، إذ إن عدد التلامذة الذين كانوا يأتون لتعلم الخط العربي لم يكن يتجاوز العشرة أشخاص. وتضيف أنها درست الفن الكوفي الفاطمي الذي استُعمل في نسخ المصاحف وتغيّرت تسميته بحسب المدينة التي انتشر فيها على غرار الخط المغربي، نسبةً إلى منطقة المغرب العربي.أحبّت الخطاطة التونسية سهلة القماطي، هذه المهنة حبّاً شديداً فالحبر سلاحها ولوحاتها متنفّسها الوحيد في الحياةيُعدّ الخطّ فنّاً وثيق الصلة بالإسلام، وقد انتقل إلى شمال إفريقيا منذ القرن السابع ميلادي، في سياق الفتوحات الإسلامية.توجد في تونس حالياً هيئة رسمية مرجعية واحدة للخط العربي، هي “المركز الوطني لفنون الخط”، الذي أنشئ في العام 1994، ومن أهدافه حماية فن الخط العربي وتطويره وترويج أساليبه في العالم العربي والإسلامي. وازداد اهتمام السلطات التونسية بفنّ الخط العربي منذ وصول الرئيس الحالي قيس سعيّد، إلى الحكم في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، إذ دأب على استخدام الخط العربي في المراسلات الرسميّة والقرارات كافة.الخط العربي هوية تونسيرى الخطاط التونسي عمر الجمني، أن تونس لها ماضٍ عريق جداً في مجال الخط العربي، وهي من بين المحطات الرئيسية التاريخية في مجال الخط العربي في الدول العربية الإسلامية. ويضيف لرصيف22، أن العديد من المساجد ما زالت تحمل أشكالاً فنيةً زخرفيةً ومخطوطات، حتى أنها جسّدت لنا الهوية الثقافية التي يحملها هذا الفن على حد قوله.تمسك القماطي بقلمها المعدني وهي جالسة على طاولة العمل وتحاول أن تخطّ أحرفها بكل حب وكأنها لأول مرة سترسم على اللوحةيقول الجمني لرصيف22، إن الاهتمام بالخط العربي أصبح يشكل هويةً لتونس حتى أن أفضل ما تقدّمه تونس للغرب اليوم، هو فن الخط العربي بتقاليده وأساليبه المعاصرة.وحتى تكون لديك لوحة فنية بلمسات الخط العربي، يجب أن يكون لديك نفس طويل تقول سهلة القماطي، وهي تتجول بين أروقة ورشتها المزخرفة، والتي تكاد لوحاتها تغطي جدرانها، وتضيف أنه بقدر ما يكون الفنان ذا صبر طويل، تكون اللوحة أكثر تعبيراً وجمالاً.تمسك القماطي بقلمها المعدني وهي جالسة على طاولة العمل وتحاول أن تخطّ أحرفها بكل حب وكأنها لأول مرة سترسم على اللوحة، وهي تحدثنا عن قواعد الخط العربي، فتقول إنه يحتاج إلى قواعد في الميزان وإن كلّ حرف له ميزان، فالميزان في نظرها أمر مقدّس ولا يمكن إخراج أي عمل من دون احترام هذه القاعدة الأساسية. من بين المتطلبات الأخرى التي يرتكز عليها الخط العربي الدقة والرقّة في رسم الحروف التي لا يمكن أن تكون إلا بالقلم المعدني الذي تم صنعه خصيصاً للخط العربي والذي تعدّه القماطي سلاح كل خطّاط عربي يسعى إلى إخراج لوحاته في أبهى صورة.بعث مركز لفنون الخطبحسب القماطي، لم تكن هناك ثقافة خطية في تونس قديماً، وقد حاولت من خلال لوحاتها ومشاركاتها في العديد من التظاهرات الثقافية التعريف بالخط المغربي الحسيني، حتى أصبحت لدى الناس فكرة عن ثقافة الخط ورغبة في معرفة جذور الحضارة التونسية، خاصةً الخطّ القيرواني المشتقّ من الخط الكوفي المصحفي.تواصل القماطي الحديث إلى رصيف22، قائلةً: أصبح هناك إقبال على امتهان الخط العربي حتى أنه لم يعد يعتمد على الخشب فقط، وإنما على اللباس أيضاً، وعلى الأواني الفخارية، ومن هنا بدأت ثقافة فن الخط العربي تتسع لدى التونسيين حتى أصبحوا يعطون للّوحات الفنية التي تزدان بالخط العربي قيمةً. تسعى تونس إلى إحياء هذا الفن الذي بات نادر الاستعمال من خلال بعث المركز العالمي لفنون الخط، وهو في طور الإنجاز، وسيكون المركز الوحيد في العالم العربي الإسلامي الذي ستقام فيه المهرجانات الدولية والدراسات والمحاضرات على مستوى العالم. يقول عمر الجمني، وهو من أشهر الخطّاطين، إن جميع الكتابات التاريخية التي نُشرت في العالم سيتم تسجيلها والاحتفاء بها في هذا المركز بالإضافة إلى المهرجانات الدولية. ويضيف أن هذا المركز في طور الدراسة وتم تقديم مقترحات وأفكار إلى وزارة الثقافة التي أعلمت بدورها مجموعةً من المهندسين بهذا المشروع من أجل تقديم مقترحاتهم.صعوبات تواجه الخط العربي أصبح من الصعب حسب العديد من الخطاطين أن تفرض نفسك في مجال الفن مع تطور ثقافة الفن التشكيلي الذي بات يميل إليه جزء كبير من الناس. وتفيد سهلة القماطي بأنه لم يعد هناك انتباه إلى اللوحة الكلاسيكية في تونس، وبأنه أصبح هناك توجه وميل نحو الفن التشكيلي.واضطرت القماطي إلى اعتماد الرسم الزيتي لإضافة لمسة فنية جديدة إلى الخط العربي حتى تصبح لديها قيمة لدى المشاهد والزّبون. لكن برغم إشكالية الوصول إلى جمهور واسع، فإن حضور الخط العربي أصبح أكبر، وبدا لافتاً خلال المعرض الدولي للكتاب من خلال لوحة فنية مشتركة اشتغل عليها أشهر الخطّاطين في تونس، ووقّع عليها رئيس الجمهورية قيس سعيّد.تسعى تونس إلى إحياء هذا الفن الذي بات نادر الاستعمال من خلال بعث المركز العالمي لفنون الخط، وهو في طور الإنجازيقول عمر الجمني إن مشاركته والخطاطة التونسية سهلة القماطي في هذا العمل، كان فيه تنسيق فني ولوني إذ إن كل خطاط اعتمد أسلوباً معيّناً في الخط فكان المزج بين الخط الكوفي القيرواني والخط الديواني والخط المغربي.وأضاف الجمني أن العمل الجماعي أتاح لهم حرية التنسيق اللوني في اللوحة فخلق فيها روح الحركية والإبداع الثقافي الذي كان لافتاً لزائري المعرض. وهذا أيضاً جزء من روح الفنانة التي تعمل على ترسيخ مكانة الخط والمرأة التونسيّة معاً في الثقافة الوطنيّة التونسية.
#الخط #العربي.. #فن #مهدد #بالنسيان #تحييه #أول #خطاطة #تونسية #رصيف22
تابعوا Tunisactus على Google News