«الدستور» تحقق في تزوير لوحات الفنان الكبير.. زيارة جديدة لـ«حسين بيكار»
سمير غريب: تزييف 500 من أعماله فى السوق
صلاح بيصار: غير صحيح وإنتاجه غزير وأصلى
الفنان الكبير «حسين بيكار» قيمة فنية كبرى ومتجددة.. ولأن عبقريته لا يمكن إغفالها، لا يتوقف المشهد الفنى عن مناقشة تجربته المتعددة الجوانب، خاصة أعماله الفنية، التى أُثير حولها جدل كبير خلال الأيام الماضية.
القضية طفت على السطح مع تصريحات الناقد التشكيلى سمير غريب حول تعرض أعمال الفنان الكبير لعمليات تزوير واسعة، والتى أدلى بها خلال حوار مع «الدستور» منذ أيام، إذ نفى الفنان صلاح بيصار، الذى رافق صاحب لوحة «الرجل والعصفور» سنوات طويلة حتى نهاية حياته، تلك المزاعم، قائلًا إن أعمال الراحل لا يمكن تزويرها.
وأوضح سمير غريب أن هناك أعمالًا كثيرة لـ«حسين بيكار» منتشرة فى المعارض والمزادات، رغم أن أعماله الأصلية قليلة، حيث كان مهتمًا بالرسم الصحفى أكثر من الفن التشكيلى، ورغم أن أعماله الفنية الأصلية تصل إلى نحو ٦٠ أو ٧٠ عملًا فقط، فإن هناك أعمالًا مبيعة له فى السوق الآن تقترب من ٤٠٠ أو ٥٠٠ عمل، وهو ما يكشف عن اتساع ظاهرة تزوير أعمال الرواد.
ويكتسب الجدل حول أعمال «بيكار» أهميته من القيمة الكبيرة التى يحظى بها الفنان الذى قضى ٦٠ عامًا فى تعليم الفن للآخرين بالمدارس ثم الجامعة، ثم توسيع آفاق مشروعه بعمله فى الصحافة، حيث يعد صاحب مدرسة فى الرسم الصحفى. و«بيكار» الرائد الأول فى مصر فى مجال الرسم للأطفال، فهو أول فنان مصرى يرسم كتب الأطفال المدرسية وغير المدرسية، وقد لعب دورًا رئيسيًا فى ترسيخ فن رسوم الكتب للنشء، وقد تعرض للكثير من المضايقات، لدرجة أن الدكتور محمد عمارة، عضو مجمع البحوث الإسلامية السابق، اتهمه عندما فاز بجائزة مبارك فى الفنون عام ٢٠٠٠، بالكفر لأنه بهائى الديانة.
«الدستور» تعيد فتح ملف قضية تزوير أعمال «حسين بيكار»، كما تستعرض جوانب مهمة من حياته فى عالم الصحافة وفن التصوير والرسم.
صلاح بيصار ينفي
«ظلم وإنقاص لشخصية بيكار المصور».. بهذه الكلمات رد الناقد التشكيلى صلاح بيصار على ما أثاره الناقد التشكيلى سمير غريب حول تزوير أعمال الفنان الكبير.
وأكد أنه كان شاهدًا على غزارة إنتاج حسين بيكار، خاصة فى فن البورتريه وأعمال النوبة والأعمال التعبيرية وفى نفس الوقت الصحافة، مشيرًا إلى أن ما تركه «بيكار» من أعمال يتراوح بين ٤٠٠ و٥٠٠ عمل حقيقى.
وقال: «مع تقديرى لسمير غريب لكن قد تكون تصريحاته جاءت بدافع الغيرة على ما حدث مؤخرًا من انتشار ظاهرة تزوير الأعمال الفنية فى مصر».
وأضاف: «كان حسين بيكار دائمًا فى مرسمه يعمل، وأنا شاهد على أنه عندما طلب منه الكاتب مصطفى نبيل، رئيس تحرير الهلال، لوحة من أعماله وافق بيكار على طلبه؛ وكان متواضعًا جدًا فى أسعاره، حيث قدّم لرئيس التحرير لوحتين عن مرحلة النوبة بنحو ١٧ ألف جنيه، وما حدث أنه بعد وفاة حسين بيكار تضاعفت أسعار لوحاته».
وقال الناقد التشكيلى سمير غريب إنه يتحمل مسئولية تصريحاته حول أن أعمال «بيكار» لا تتعدى الـ٦٠ أو ٧٠ عملًا أصليًا.
وأضاف: «هذا كلام على مسئوليتى.. من الجائز أن صلاح بيصار لم يطلع على حجم ما تم تزويره من الأعمال، وأقول له إذا كانوا زوروا أعمال محمود سعيد.. هل سيعجزون عن تزوير أعمال حسين بيكار؟».
وتابع: «بعد وفاة حسين بيكار زادت قيمة أعماله وأصبح المزورون لديهم قدرة أكبر على تزوير أعماله على المستوى التجارى، خاصة أن أعماله تُباع بشكل جيد ولدىّ فيديو يثبت واقعة تزوير لوحاته وبيعها بأسعار كبيرة».
وأشار إلى أن علاقته بالفنان بيكار ليست علاقة أستاذ وتلميذ مثل علاقة الراحل مع «بيصار»، بل علاقة زميلى صحافة جمعتهما مؤسسة صحفية واحدة هى مؤسسة «الأخبار».
وأوضح أنه عندما أسس جميعة النقاد التشكيليين فى الثمانينيات من القرن الماضى، تفضل «بيكار» مشكورًا ووافق على أن يكون الرئيس الفخرى للجمعية وحضر الاجتماع التأسيسى لها.
الفنان حسين بيكار ولد عام ١٩١٣ وتوفى عام ٢٠٠٣ عن عمر ناهز ٨٩ عامًا، وكانت بداياته الفنية عندما سافر إلى المغرب عقب تخرجه فى كلية الفنون الجميلة عام ١٩٢٨، وكانت وقتها تسمى «مدرسة الفنون العليا»، فى بعثة تعليمية لتدريس الرسم والموسيقى، وهناك رسم العديد من اللوحات، منها ٣ بورتريهات لفتاة كانت تسمى «لولا» وكانت تعمل أمينة مكتبة تطوان بالمغرب، ويوجد بورتريه من البورتريهات الثلاثة عن حبيبته فى متحف الفن الحديث إلى اليوم.
وقال «بيصار»: «بيكار عمل فى الصحافة عام ١٩٤٤، قبل عرض على ومصطفى أمين للانتقال إلى (أخبار اليوم)»، مشيرًا إلى أن «بيكار» استقال من كلية الفنون الجميلة عام ١٩٥٩، بناءً على طلب على ومصطفى أمين ليبدأ العمل فى «أخبار اليوم»، وقبل ذلك عمل فى «دار المعارف»، عام ١٩٤٨، حيث رسم أغلفة كتب كامل الكيلانى.
وواصل: «قبل بيكار عرض (أخبار اليوم) لأن الراتب كان مغريًا، وكانت هناك امتيازات للوظيفة، منها منحة للسفر لأى دولة يريد الذهاب إليها من أجل إعداد تحقيقات مرسومة»، مشيرًا إلى أن «بيكار يعد أول من قدّم فى الصحافة المصرية التحقيق المرسوم، بعد التحقيق المصور الذى كان غالبًا فى العمل الصحفى».
ولفت إلى أن على أمين طلب من «بيكار» فى الستينيات الكتابة إلى جانب رسوماته، وأعطى له فرصة الكتابة فى الصفحة الأخيرة، إلى جانب مقاله، وهو ما مثّل تحديًا كبيرًا لـ«بيكار»، لأنه سيكتب فى الجريدة الأكثر شعبية آنذاك فى مصر، ووقتها ربط «بيكار» بين الرسم والرباعيات، و«أنا أرى أن رباعياته هى شعر منظوم فيه حكمة الحياة والزمن».
وعن تجربة «بيكار» فى عالم الرسم للأطفال، ذكر أن «بيكار» عمل مستشارًا فنيًا لمجلة «السندباد» التى صدر العدد الأول منها فى ٢ يناير عام ١٩٥٢، عيد ميلاد «بيكار»، تكريمًا له، وتعد تجربته هناك امتدادًا لما تربى عليه فى طفولته، وعشقه مجلة «الأولاد»، التى كان يصدرها يونس القاضى، وهى مجلة تأثر بها أيضًا أديب نوبل «نجيب محفوظ» فى طفولته لكونها مجلة ممصرة، أى تنشر النصوص المصرية للأطفال.
ولفت إلى أن «بيكار» كان يسمح لتلاميذه بالرسم فيها، مثل يوسف فرنسيس وكامل مصطفى، وكانت تجربة مهمة لأنها قدمت للطفل المصرى بديلًا عن المجلات الأجنبية.
وعن توقف المجلة، قال «بيصار» إن «بيكار» أكد أن السبب هو أن توزيعها كان يتبع وزارة التربية والتعليم آنذاك، وفشلت الوزارة فى توزيعها، ثم جمعتها «دار المعارف» فى عدد من المجلات فيما بعد.
وذكر أن مسألة قدرة حسين بيكار على رسم لوحاته إلى جانب رسومه الصحفية فى غاية البساطة بالنسبة له، وهو ما ورثه منه تلاميذه مثل يوسف فرنسيس، الذى كان يرسم أيضًا للصحافة إضافة إلى رسمه اللوحات التصويرية، مشيرًا إلى أن الرسم الصحفى عمل سريع ولا يستغرق أكثر من ساعتين فى اليوم لكى تلحق رسوماته المطبعة، وهو ما كان يمنحه الفرصة لرسم لوحاته التصويرية.
ويرى «بيصار» أن «بيكار» صنع أهم أعماله بعد استقالته من منصب رئيس قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة، إذ أصبح قادرًا على السفر دون قيود من أجل عمل تحقيق مرسوم، فسافر إلى المغرب مرة ثانية وإلى إسبانيا والحبشة، ونفذ تحقيقات مرسومة كانت تنشر فى مجلتىّ «الجيل» و«آخر ساعة»، عبارة عن لوحات مكتملة ترصد كل ما يدور فى الواقع.
وقال إن رسومات حسين بيكار فى ستينيات القرن الماضى، خاصة الصادرة فى سلسلة «الكتاب العجيب»، دارت حول فكرة أن يرسم القصة كاملة دون نص، بمعنى أن يكون الرسام هو مؤلف النص والرسم معًا، وهو ما اتّبعه فيه تلاميذه، مثل محيى الدين اللباد، وكانت بداية تقديم النص مع الفنون.
أما أبرز البورتريهات التى رسمها حسين بيكار، فكان بورتريه للفنانة نجاة الصغيرة، و١٠ بورتريهات لنفسه، مثل الفنان الهولندى العالمى «رامبرانت»، الذى رسم نفسه فى أكثر من مرحلة عمرية، وهو ما اتّبعه فيه حسين بيكار، إذ رسم نفسه فى أكثر من مرحلة عمرية، كما رسم بورتريه فريدًا لوالدته.
وأضاف «بيصار» أن «بيكار» كان يحب الموسيقى والعزف والغناء، وغنى للملك فاروق فى يوم ميلاده، وأُعجب الملك بصوته ومواهبه المتعددة.
محنة «بيكار» واتهامه بالكفر حدثت عندما فاز بجائزة مبارك فى الفنون، أرفع جائزة يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، ففى أعقاب إعلان فوزه، طالب الدكتور محمد عمارة برد الجائزة، متهمًا «بيكار» بالكفر كونه بهائى الديانة، وهو اتهام تسبب فى إحداث حالة من الجدل فى الأوساط الثقافية المصرية آنذاك، ولعل تلك الواقعة تكشف عن حجم ما تعرض له الفنان الراحل من ظلم وهو على قيد الحياة بعد رحلة عطاء طويلة.
اتهامات «عمارة» كان لها أثر سلبى كبير فى نفوس الكتّاب، وهو ما برز فى تعليق الكاتب الساخر أحمد رجب فى بابه الشهير «نصف كلمة» بجريدة «الأخبار» حيث قال: «عشت عمرى فى الأخبار مع الفنان العظيم بيكار الذى كان بهائيًا، ولم يكن ذلك يعنى أحدًا لأننا كنا زمان متحضرين نعرف أن الدين لله، وكان بيكار نموذجًا للخلق الرفيع والشفافية وعفة اللسان والتواضع».
واستفز الاتهام حينها أيضًا الكاتب الصحفى إبراهيم سعدة حيث كتب معلقًا: «سعدت كل السعادة بفوز الفنان العملاق حسين بيكار بجائزة مبارك فى الفنون، أرفع جائزة يمنحها المجلس الأعلى للثقافة.. فى هذا العام، والفنان بيكار يعرفه الرأى العام المتابع للإبداع والفنون، وليس فى حاجة للتعريف به أو الحديث عن فنه، وعبقريته، ولوحاته.. خلال مشواره الطويل، أستاذًا فى كلية الفنون الجميلة، ثم فنانًا متفرغًا فى دار أخبار اليوم منذ الخمسينيات وحتى اليوم».
وأضاف «سعدة»: «الفنانون المتخصصون هم الذين يمكنهم أن يحدثونا عن موهبة وإبداع هذا الفنان العظيم، أما نحن الذين لم ندرس الفنون التشكيلية فإننا نكتفى بالإعجاب والانبهار ونحن نقف أمام لوحاته المنشورة فى الصحف والمجلات، والمعلقة على جدران المعارض الفنية، وفى بيوت سعداء الحظ الذين حظوا باقتناء لوحات أبدعتها ريشة الفنان الكبير بيكار».
وواصل: «إعجابى وانبهارى بإبداع بيكار يرجع إلى عقود عديدة ماضية. وقتها كنت فى المدرسة الابتدائية عندما أصدرت (دار المعارف) مجلة الأطفال الشهيرة (سندباد) التى رأس تحريرها الأديب الكبير الراحل محمد سعيد العريان، وكان الفنان بيكار هو الوحيد الذى كان يرسم غلافها، وشخصيات موضوعاتها وقصصها، وأبرزها طبعًا رحلات سندباد فى عالم الغرائب والمغامرات بريشته الساحرة، وخطوطه التى ينفرد بها. وبعد توقف المجلة انتقل بيكار إلى (دار أخبار اليوم)، حيث كان يرسم أغلفة كتبها ومجلاتها وأبطال قصصها القصيرة أو الطويلة التى كان يكتبها كبار القصاصين والروائيين فى ذاك الزمان».
وتابع: «هذه السيرة البسيطة لا جديد فيها. فالملايين يعرفون صاحبها عن بُعد من خلال متابعة إبداعاته المنشورة يوميًا، وأسبوعيًا، وشهريًا، وفصليًا.. لكن الذين تعرّفوا على بيكار عن قرب وزاملوه وتتلمذوا على يديه وتعاملوا معه فى كلية الفنون الجميلة، ودار المعارف، ودار أخبار اليوم، وغيرها.. يمكنهم أن يحدثونا عما لا نعرفه عن هذا الإنسان نادر الوجود فى تعاملاته، وتواضعه، وسمو أخلاقه».
#الدستور #تحقق #في #تزوير #لوحات #الفنان #الكبير. #زيارة #جديدة #لـحسين #بيكار
تابعوا Tunisactus على Google News