الديمقراطية ضحية كورونا
يخرج الناس في مدن كثيرة من العالم محتجين على حكوماتهم، يرفض بعضهم إجبارية التلقيح ضد كورونا، وآخرون قيود الحياة الاجتماعية الجديدة التي جعلت العالم مغايراً، كئيباً ومحزناً في بلاد كثيرة، وصعباً في بلاد أخرى.
ترفض مجتمعات بشكل فطري أن تتغير حياتها، حيث كان الناس يمنّون النفس بانتهاء الوباء قريباً، الأسبوع المقبل، ثم الشهر المقبل، هذا العام ثم الذي يليه. وبدأ الجميع أخيراً يقتنع بأن الحقيقة مختلفة، وأن هذا الفيروس لن يرحل، وعلى البشر أن يتأقلموا ويضعوا قواعد جديدة للحياة، لأن الصعب ليس أن تتباعد فقط مع زميلك في العمل أو في السوبرماركت، ولكن المشكلة أنك ترى في ابنك أو ابنتك أو زوجتك العائدين من الدراسة أو العمل، إمكانية موضوعية للعدوى، وأن تخاف عليهم بالمثل من نفسك.
ربما تكون المجتمعات المتقدمة، العريقة في المؤسسات والإدارة والحكم والديمقراطية، والغنية أيضاً، قادرة على تحمّل هذا التململ، لأنها تملك، بحكم ما لديها من آليات وتقاليد، ما يمكنها من أن تصبر أكثر، ويطول نفسها وتفهم هذا القلق الشعبي العميق، ولأنها في نهاية الأمر موجودة أصلا لخدمتهم. أما عندنا، حيث تتكدس الكوارث السياسية والأناءات المتضخمة، وطموحات السلطة الجارفة، وأوهام الحكمة، وحيث تتراكم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتتكاثر ديوننا لدى البنوك الدولية، وحيث تنعدم التجربة وتتصف الدولة بالهشاشة، فهناك خوف كبير على الديمقراطية، لأن هناك تهديداً حقيقياً بأن تكون إحدى أهم ضحايا كورونا.
في كل بقاع الأرض تتصف الحكومات بنزعتها الأبوية الحمائية، ترى في نفسها القدرة على فهم مصلحة الشعب، وتتحرك على هذا الأساس، وهذا ما يهدد الديمقراطية بالفعل، ويحول الحكومات إلى جيوش تمنع وتحد من الحياة، بداعي الحماية والخوف على الناس. فما بالك إذا كانت حكومات متعطشة للسلطة أو للتسلط في حقيقة الأمر، هدفها الوحيد أن تبقى وتستمر على رؤوس الناس. وإذا نجحت الديمقراطية في أن تنجو بنفسها في أي دولة، وألا تكون ضحية من ضحايا كورونا، فستكون أقوى الاختبارات على الإطلاق لهذه الشعوب والأنظمة السياسية، وسيقوى عود التجربة، وتتضح قواعد العلاقة أكثر بين الحاكمين والمحكومين. ولكن العكس صحيح أيضاً، لأن الانتكاسة ممكنة ومتاحة بحكم هذه المعطيات الموضوعية.
#الديمقراطية #ضحية #كورونا
تابعوا Tunisactus على Google News