الرئيس التونسي يقترح “صلحا جزائيا” مع متهمين بالفساد
في أقل من أسبوع، كثف الرئيس التونسي قيس سعيد القائد الأعلى للقوات المسلحة اجتماعاته بالجيش، على ضوء إجراءات الطوارئ التي أعلنها، وبسط سيطرته على الحكومة، في خطوة وصفها معارضوه بـ”الانقلاب”.
وكان أحدث هذه الاجتماعات ذلك الذي عقده صباح الأربعاء، بقصر قرطاج، مع المجلس الأعلى للجيوش وقيادات أمنية عليا للتداول في الشأن العام بالبلاد.
وقبيل الإجراءات، التي تضمنت إقالة رئيس الوزراء وتجميد عمل البرلمان، الأحد الماضي، ترأس الرئيس اجتماعا طارئا للقيادات العسكرية والأمنية.
أشرف رئيس الجمهورية قيس سعيّد القائد الأعلى للقوات المسلّحة، صباح اليوم الأربعاء 28 جويلية 2021 بقصر قرطاج، على اجتماع المجلس الأعلى للجيوش وقيادات أمنية عليا للتداول في الشأن العام بالبلاد.Posted by Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية on Wednesday, July 28, 2021وبين الاجتماعين، أصدر سعيد أمرا رئاسيا، الاثنين الماضي، قرر من خلاله إعفاء إبراهيم البرتاجي، وزير الدفاع الوطني. كما حذر من أي رد مسلح على إجراءاته وقال: “انبه الكثير الذين يفكرون في اللجوء للسلاح… ومن يطلق رصاصة ستجابهه القوات المسلحة بوابل من الرصاص”.
ومنذ يوم الأحد، تحيط قوات الجيش بالبرلمان والقصر الحكومي ومحطة التلفزيون الرسمية، الأمر الذي أثار حفيظة البعض باعتبار أنه يناقض عقيدة الجيش التونسي المتمثلة في “الحياد السياسي”.
يقول قاسم الغربي، الباحث الاستراتيجي التونسي، لموقع “الحرة”، إن سعيد كان بحاجة لمساعدة المؤسستين العسكرية والأمنية في هذه المرحلة، بالنظر إلى عدم انتمائه لتنظيم سياسي أو مؤسسة مدنية منظمة.
ويحظى سعيد، السياسي المستقل الذي تولى السلطة في 2019، بدعم مجموعة كبيرة من التونسيين بما في ذلك الإسلاميين واليساريين.
“سابقة تاريخية”
ولم يشهد التاريخ التونسي الحديث تدخلا معروفا للجيش في الشأن السياسي أو استيلائه على السلطة مقانرة بجيوش دول أخرى، إلا أن الغربي يصف المساعدة الحالية للمؤسسة العسكرية -التي تعرف في تونس باسم “الجهاز الصامت”- لقرارات سعيد بـ”غير المسبوقة”.
وقال: “هذه أول مرة نتحدث فيها عن تدخل سياسي للجيش، وإن كان بشكل غير مباشر. هذه مسألة جديدة جدا بالنسبة لنا في تونس، وهي سابقة لم نشهدها من قبل”.
وأشار الغربي إلى تدخلات سابقة للمؤسسة العسكرية لكنها “لم تكن سياسية بل كانت عسكرية لإيقاف تحركات وانتفاضات شعبية وقعت عامي 1978 و1984.
كما أن تدخله أثناء ثورة 2011 “لم يكن تدخله سياسيا بل لضبط الوضع الأمني حتى تسليم مقاليد الحكم منذ اليوم الأول لانتخاب المؤسسات المدنية”.
ويعتقد الغربي أن تونس تسعى بشكل واضح، وإن كان بطيئا، نحو تسييس المؤسسة العسكرية، قائلا: “يبدو أننا نتجه نحو تدخل المؤسسة العسكرية في المجال السياسي”.
وعلى العكس من ذلك يقول الخبير العسكري فيصل الشريف، لموقع “الحرة”، إن الجيش التونسي لا يتدخل مباشرة في الشأن السياسي بحسب تاريخه وعقيدته ووفقا لقياداته الميدانية.
وأضاف أنه رغم أن التطورات التي تشهدها تونس حاليا تحمل بعدا سياسيا، فإن الجيش لا يعارض جهود الرئيس باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وبموجب الدستور التونسي، فإن الرئيس مسؤول بشكل مباشر عن الشؤون الخارجية والجيش فقط.
وانتشر مقطع فيديو لرئيس مجلس النواب راشد الغنوشي الذي يرأس حزب النهضة، ولعب دورا في الحكومات الائتلافية المتعاقبة، وهو يطلب من عسكري من قوات الجيش المتمركزة خارج المبنى دخول البرلمان، قائلا: “أنا أحمي الشرعية”، فرد الجندي: “وأنا أحمي الوطن”.
ويثير دعم الجيش لإجراءات سعيد انتقادات حزب النهضة الإسلامي، أكبر حزب في البرلمان، وفي حديث سابق مع موقع “الحرة”، لام بلقاسم حسن، عضو المكتب السياسي للنهضة، دور الجيش والقوات الأمنية في تأييد ما وصفه بـ”الانقلاب”.
وردا على ذلك، يقول الشريف إن حركة النهضة تريد تحييد الجيش، متسائلا “إذا حايدتم الجيش فماذا سيكون دوره؟”.
وقال إن المؤسسة العسكرية في تونس تحمي حدود الدولة ومؤسساتها من الانهيار.
وبعد ما شهدته مراكز التطعيم من فوضى الأسبوع الماضي طلب الرئيس من الجيش تولي مسؤولية التصدي للجائحة، حيث توفي أكثر من 19 ألف شخص، بحسب أحدث بيانات وزارة الصحة التونسية.
الأرقام الرئيسيّة المسجّلة بتاريخ 27 جويلية 2021
#كوفيد_19 🇹🇳Posted by Ministère de la santé وزارة الصحة on Thursday, July 29, 2021وفي هذا السياق يقول الشريف إن الجيش تدخل في الملف الصحي الذي اتصف تعامل الحكومة معه بـ”الكارثي”، مضيفا “المؤسسة العسكرية وجدت شبه انهيار للدولة”، مشيرا إلى تجاوز البرلمان وبعض الأحزاب السياسية دور الدولة.
وبالتزامن مع ذلك، قال القضاء التونسي، الأربعاء، إنه قبل عشرة أيام من اتخاذ الرئيس للخطوات الأخيرة، فتح تحقيقا مع أكبر حزبين في البرلمان، وهما النهضة وقلب تونس، اللذين اتهما سعيد بتنفيذ انقلاب.
وكان حسن قال لموقع “الحرة” إن التعطيل السياسي الذي واجهه البرلمان لفترة طويلة أدى إلى تفاقم الأزمتين الاقتصادية والصحية في تونس.
وأضاف “مجلس النواب سن قوانين من بينها الطوارئ الصحية والإنعاش الاقتصادي وتشغيل أصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل منذ عشر سنوات فأكثر، فضلا عن قوانين أخرى تتعلق بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
الرئيس والحكومة والنهضة.. من يتحمل مسؤولية الأزمة في تونس؟
في الساعات التي أعقبت إعلان الرئيس قيس سعيد تجميد أعمال البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة تجمعت حشود ضخمة لدعمه في تونس ومدن أخرى، وتعالت الهتافات والزغاريد في الوقت الذي طوق فيه الجيش مبنى البرلمان والتلفزيون الحكومي.
لكن رغبة الرئيس في الانفراد بالسلطة والتي عبر عنها في أكثر من مناسبة خلال لقاءاته بأجهزة رسمية في الدولة” تقف عائقا أمام تنفيذ بعض القوانين، حسبما يقول عضو حركة النهضة.
ويرى الشريف أن “الجيش أراد أن يسترجع بقوة مفهوم الدولة ويحمي المؤسسات، ويعضد الرئيس في الإصلاحات التي ستعيد الهيبة للدولة، وهذا هو دور المؤسسة العسكرية”.
وتابع الخبير العسكري قائلا: “الجيش لا يمكن أن يعمل في فوضى ولدينا أمثلة كثيرة في العالم العربي على ذلك، فالمؤسسة العسكرية تعمل في إطار نظام واحترام تراتبية”.
ومضى يقول: “التراتبية تفرض على الجيش احترام القائد الأعلى للقوات المسلحة، لتجاوز الأزمات الكثيرة جدا التي حلت بالبلاد في ظل حكومة وبرلمان متخبطين”.
خيارات أخرى؟
وعما إذا كان أمام الجيش خيارات أخرى غير الانصياع لأوامر الرئيس، يقول الغربي: “الإجابة لا، وهنا المأزق الحقيقي”.
وأضاف “فلنتخيل للحظة أن الجيش رفض تطبيق أوامر القائد العام للقوات المسلحة، سيصبح الوضع خطيرا جدا، وقد يؤدي إلى إمكانية وقوع تمرد في الجيش، وهذا غير مقبول”.
لكن ذلك لا ينفي، في رأي الغربي، أن الجيش دخل على خط السياسة.
إلا أن الشريف يعتقد أن هناك فرق كبير بين تأييد الجيش لقرارات الرئيس واتخاذه لهذه الخطوات، وفي حالة تونس فإن المؤسسة العسكرية نفذت الوضع الأول، وهو الموقف الذي تتبعه جيوش العديد من الدول في حالة الأزمات الكبيرة.
وبعد إقالته رئيس الوزراء هشام المشيشي، الذي يحظى بدعم الغنوشي، ليتولى بنفسه السلطة التنفيذية “بمساعدة حكومة، يرأسها رئيس الحكومة، ويعينه رئيس الجمهورية”، لم يذكر سعيد ما إذا كان أعضاء الحكومة الآخرون سيبقون في مناصبهم.
أصدر رئيس الجمهورية قيس سعيّد أمرا رئاسيا قرّر من خلاله إعفاء:
• السيّد هشام مشيشي، رئيس الحكومة والمكلف بإدارة شؤون…Posted by Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية on Monday, July 26, 2021لكنه في اليوم التالي من إصدار هذه الإجراءات، أصدر أمرا رئاسيا قرر من خلاله إعفاء البرتاجي، وزير الدفاع، “رغم أنه من المقربين من سعيد”، حسبما يقول الغربي.
وتحدث الغربي والشريف عن أن رفض وزير الدفاع المقال، وهو سياسي شغل المنصب منذ أغسطس 2020، استخدام الجيش سياسيا، كان السبب وراء إقالته.
وفيما لم يعلق البرتاجي على قرار إقالته، يقول الشريف: “أقيل لأنه أبدى تخوفا من تسييس أو عسكرة بعض المؤسسات”.
كما يشير الغربي إلى أنباء عن إقالة حاكم التحقيق العسكري، قائلا: “واضح أن هناك شخصيات داخل المؤسسة العسكرية رفضت إدخال الجيش في العملية السياسية”.
والأربعاء، أعفى سعيد رئيس التلفزيون الوطني محمد لسعد الداهش من منصبه وعين بديلا مؤقتا له، وذلك بعدما قال ضيفان، من نقابة الصحفيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، في أحد البرامج إنهما منعا من دخول مبنى التلفزيون.
يشرف رئيس الجمهورية قيس سعيد القائد الأعلى للقوات المسلحة، اليوم الأربعاء 28 جويلية 2021 بقصر قرطاج، على إجتماع أعضاء المجلس الأعلى للجيوش وقيادات أمنية عليا.Posted by Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية on Wednesday, July 28, 2021فيما تمكن الضيفان بعد ذلك من الظهور في البرنامج. كما جرت مقابلة مستشار لسعيد ومتحدث باسم الجيش في البرنامج، ونفى الاثنان إصدار أي أوامر بمنع الضيوف من الدخول.
ويقول الشريف إن دور الجيش سيتمحور حاليا في جهود مكافحة وباء كوفيد-19، وضمان عدم انهيار مؤسسات الدولة، وحفظ الأمن القومي في الداخل وعلى الحدود.
ويشير الخبير العسكري إلى “خوف كبير” من الوضع على الحدود مع ليبيا، “حيث يمكن أن تنتهز الميليشيات هناك فرصة الأوضاع غير المستقرة في تونس لدخول البلاد”، لافتا إلى الهجوم الإرهابي في مدينة بن قردان الحدودية جنوب شرق تونس في 2016، والتي أعلن تنظي ما يعرف بالدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عنها.
تابعوا Tunisactus على Google News