- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

- الإعلانات -

الريح.. أو “تصوير ما لا يمكن تصويره”

يؤكد الفنان الرؤيوي الألماني، بول كلي، في أكثر من مناسبة (بما في ذلك كتابه الشهير عام 1910م) أن مهمة المصور الروحية، خاصة في الفن المعاصر، تتمثل في دوره في تحويل “اللامرئي إلى مرئي”، وذلك نتيجة احترافه العزف على الكمان في فرقة البلدية، إضافة إلى احترافه التصوير والتأليف التوليفي.
تنطبق هذه النبوءة المستقبلية على المعرض الراهن في “متحف الفنون المعاصرة أندريه مالرو”، في مدخل ميناء مدينة الهافر في الشمال النورماندي، هي التي تعد عاصمة التشكيل الثانية بعد باريس، حول “تصوير الريح” في شتى مراحل تاريخ الفن، من الباروك إلى ما بعد الحداثة، عبورًا من الرومانسية والانطباعية وما بعدها.
تعد مجموعة الفن المعاصر في هذا المتحف متفوّقة على نظائرها في بقية المتاحف. تعكس أهميته من جهة أخرى تمجيده لاسم أندريه مالرو، الذي يعد من أكبر النقاد الفنيين في فرنسا (لذلك اختاره الرئيس شارل ديغول وزيرًا للثقافة)، وهو من أسس أبرز دار نشر فرنسية “La Méthamarphose des formes” اختصت بنبش الحضارات المهملة، خاصة في الشرق الأوسط (على نموذجها ما بين الرافدين)، واستقدم أبرز مختص، أندريه بارو، لينجز كتابه من القطع الرحب والوثائق التي لا تقدر بثمن خاصة حيالها، ومثله عن بقية الحضارات السومرية ـ الأكادية ـ العيلامية ـ الكنعانية ـ الفينيقية المتزامنة مع الفنون المصرية، وهكذا. والمتحف تخيله أندريه مالرو منذ 1958م، في كتابه “المتحف الخيالي”، ثم افتتحه بنفسه عام 1961م، وأطلقت وزارة الثقافة اسمه عليه، إحياء لذكراه، واعترافًا بفضله.

الريح في مناظر ڤان غوخ 

ثم إن فضل مبادرة أبرز اتجاه، وهو الانطباعية، تمّ في الهافر، على يد المعلم بودان، قبل كلود مونيه وباريس. وكان مونيه يسافر منه أسبوعيًا إلى لندن ليتأمل لوحات تورنير وحرائقها البحريّة. لكل هذه الأسباب، وصلت شهرته إلى أن عدد زواره من شتى البقاع السياحية يتجاوز كل عام المليون ونصف المليون وافد.

سوزوكي هارونوبو (استامب ياباني): “امرأة في مهب الريح” 

كان المفروض أن يكون هذا المعرض الأصيل والمثير من نصيب أبرز المتاحف الباريسية “أورسي”. لكن إدارته فضلت أن تتجه موجات السياحة خلال القيظ الجهنمي غير المتوقع إلى نجومية متحف أندريه مالرو في الهافر. ورصدت ميزانيته الهائلة ومادته العلمية المستعارة بسلطتها من آفاق متحفية متباعدة، وحذت حذو متحف أورسي متاحف رديفة، مثل متحف برست، ومتحف البوزار، في روان.
ليس من السهل جمع هذه المنتخبات المتباعدة التي يجمعها موضوع الريح، فقد عانق العرض مئة وسبعين عملًا فنيًا، من تصوير إلى رسم وطباعة، ومن نحت إلى سيراميك وزجاج معشق، موروث مبدعات مئة فنان من أشهر الأسماء وأشدها شيوعًا، ممثلة منعطفات تاريخ الفن، بتنوعاته من الباروك إلى الرومانسية، ومن الانطباعية إلى المعاصرة والحداثة، وصولًا حتى ما بعد الحداثة، على غرار: دورير ـ غويا ـ فكتور هوغو ـ دومييه ـ مييه ـ كورو ـ كوربيه ـ تورنير ـ بودان ـ مونيه ـ رنوار ـ سارولا ـ فلاتون ـ فلامينك ـ فان دونجبن ـ دوفي ـ أرب ـ مان ري ـ نادار ـ الأخوة ليميير ـ هيروشيج وهوكوساي. يمتد زمان العرض على مساحة صيفية سياحية زمانية شاسعة ما بين منتصف يونيو/ حزيران، وأوائل أكتوبر/ تشرين الأول من العام الراهن 2022م.

لويس أنكيتان: “عاصفة على جسر سان بيير”

أما رمز المعرض (في لوحة الإعلان) فكانت لوحة الفنان الفرنسي الرومانسي فرانسوا جيرار: “مداعبة الريح للزهور”، على جسد الآلهة الإغريقية زيغير، جلبت من متحف غرونوبل، وهي منجزة عام 1802م. تعبر بصيغة أمينة عن فكرة المعرض: تصوير ما لا يمكن رسمه ولا مشاهدته إلا من آثاره. لذلك يجب انتظار السينما القادرة على اقتناص الحركة في ديمومتها، فلم يكن من السهل تحويل الفن السكوني إلى حركة فرضية تتجاوز حدود الوصف، رغم وجود عباقرة الاستامب الياباني، وعلى رأسهم موجة هوكوساي، وأمواج ورياح هيروشيج. واستغرق فان غوخ في فنهم المعبّر عن النسيم والريح والعواصف والسونامي، حتى أصبح سلوك فرشاة ألوانه عاصفًا، مثل الدوامات البسيكولوجية المحتدمة الحلزونية.
قصة الريح رومانسية في تصوير العواصف والزوابع والدوامات، وهيجان الأمواج، والمثل الشعبي الشائع: “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”. ثم رسم وضعيات الشخوص بعكس الريح، مثل أوراق الشجر، والأردية، والأعلام، وأشرعة السفن والمراكب، وطواحين الجزري، ورسوم ليوناردو دافنشي، ومن ثم الإحالة إلى جهاز قياس الرياح الشائع في فرنسا بشكل الديك الذي نراه على الأسطح الريفية الفرنسية المدعوة بـ”الجيرويت”.

منظر لكلود مونيه: “الريح تهز أوراق الشجر”

يذكر أرسطو أربعة أنواع من الريح الهوائية دخلت أنوائها الميثولوجية اليونانية. وتستعرض لوحات المعرض شتى وجوه العصف والزوابع والتحول الغاضب والقدري للهواء، خاصة في عروض الفيديو والسينما التي نجحت في اقتناص مساراتها المخفية عن العين المجردة منذ عام 1895م بفضل الأخوة لوميير، واختراع الفن السابع: السينما والفيديو، أحد وسائط ما بعد الحداثة.

- الإعلانات -

#الريح #أو #تصوير #ما #لا #يمكن #تصويره

تابعوا Tunisactus على Google News

- الإعلانات -

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبولقراءة المزيد