السنة الثقافية المصرية – التونسية احتفاء بتاريخ مشترك | حكيم مرزوقي
إقامة ما يعرف بـ”السنة الثقافية المشتركة” بين بلدين عربيين بحجم تونس ومصر، هي بمثابة السنّة الحميدة التي يمكن أن تقتفي أثرها بلدان عربية أخرى عبر اتفاقيات مشتركة.
هذه “السنوات الثقافية” لا يمكن لها أن تؤتي أكلها إلا بإشراف واستشارة أهل الشأن الثقافي، وليس فئة الإداريين البيروقراطيين من أولئك الذين ينزعون نحو المحاباة والمحسوبيات فيمنحون امتيازات السفر والمشاركة لفئة دون غيرها.
بين تونس ومصر
المشكلة في العمل العربي المشترك أنه عادة ما يأخذ طابعا رسميا محنطا، يهتم بالوجوه الملمعة والمكرسة من طرف جهات حكومية، ويتجاهل “غير المرغوب فيهم” من المثقفين والفنانين، فكأنما المسألة تتعلق باختيار أعضاء بعثة دبلوماسية، وليس بتمثيل ثقافي يستند إلى الحوار والتنوع والاختلاف.
ولا يمكن لمثل هذه التظاهرات الثقافية المشتركة أن تنجح دون هوامش من الحريات تتجنب التهميش وتقبل بالتنوع والانفتاح على كل الحساسيات الثقافية في البلد الواحد، بغية التفاعل الإيجابي وإمكانية التعاون من أجل الإنتاجات المشتركة بين البلدان العربية، بعيدا عن المنطق الرسمي والمؤسساتي وحده.
التظاهرات المشتركة بين دولتين عربيتين من شأنها أن تعطي نتائج أفضل من المهرجانات والتظاهرات العربية العامة
وفي إطار إعلان 2021/ 2022 سنة الثقافة التونسية – المصرية، التي جرى إقرارها بين البلدين على أعلى المستويات، شهدت تونس ومصر عدة نشاطات وتظاهرات واتفاقيات ثقافية من شأنها أن تزيد من تمتين الجسور التاريخية بين البلدين اللذين يشتركان في موروث ثقافي وفكري يعود إلى عصر ما عرف بالنهضة الثقافية العربية بدايات القرن الماضي، حيث يحلو للكثير من الدارسين إجراء مقاربات بين مشروعي التنوير في كلا البلدين.
قد تبدو مقارنة تونس بمصر من حيث الفاعلية الثقافية والسياسية غير منطقية، وذلك لاعتبار الفارق في التعداد السكاني، لكن تونس كانت تضاهي شقيقتها الكبرى في مجالات عديدة منذ مشروع محمد علي باشا الإصلاحي، إذ وقعت تونس اتفاقية “عهد الأمان” وأنشأت أول دستور في العالم العربي.
ويرصد الدارسون عدة مقاربات بين تونس ومصر تبدأ بالتعاون بين مؤسستي الزيتونة والأزهر في مجال الفقه والتشريع، مرورا بالأدب والمسرح والموسيقى والسينما، ووصولا إلى المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية التي تقام اليوم، ويقع التنسيق والتعاون بينها بصرف النظر عن المنافسة المشروعة وادعاء الريادة والأسبقية لمهرجان على نظيره الآخر.
العلاقة بين مصر وتونس لا تخلو من حساسيات لدى كل فريق من البلدين، منذ ستينات القرن الماضي، إذ يكفي أن يتزعم كل من الحبيب بورقيبة وجمال عبدالناصر مدرستين سياسيتين مختلفتين، فالأول عرف بالواقعية السياسية، أما الثاني فكان من مناصري القومية العربية.
وبطبيعة الحال كان لكل زعيم شيعة وأنصار ومؤيدون على مستوى الجبهة الثقافية. أما اليوم، وبعد انقشاع ضباب الأحلام التفت البلدان إلى إصلاح ما يمكن إصلاحه من أخطاء الماضي عبر التنسيق والعمل المشترك، خصوصا وأنهما ينتميان إلى ما عرف بدول “الربيع العربي”، ويعملان على التخلص من الفكر الإخواني الذي يسعى لنخر الدولة والمجتمع.
مبادرات مشتركة
كل المؤشرات تبدو إيجابية على مستوى إنجاح السنة الثقافية التونسية المصرية، فما كاد البلدان يتعافيان نسبيا من جائحة كورونا التي عطلت مجمل النشاطات الثقافية، حتى استأنفا ما نصت عليه تلك الاتفاقيات الموقعة بين المسؤولين الثقافيين في كلا البلدين.
ها هو توقيع مذكرة تعاون ترى النور بين المعهد الوطني للتراث ووكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية من جهة والمجلس الأعلى للتراث المصري من جهة أخرى، عملا على دعم جهود تثمين التراث والاستفادة من التجارب النموذجية للبلدين في مجال السياحة الثقافية، إلى جانب الاتفاق على تنفيذ توأمة أولى بين دار الكتب الوطنية التونسية ومكتبة الإسكندرية في إطار دعم دور الكتاب في بناء المجتمعات وتكوين الأجيال، وثانية بين مدينتين تاريخيّتين هامتين من البلدين.
ومن جهة ثانية تناول الطرفان المصري والتونسي أيضا محور المشاركة المصرية في فعاليات الدورة 36 لمعرض تونس الدّولي للكتاب التي ستنطلق يوم الحادي عشر من نوفمبر، والتي ستشهد حضورا أدبيا هاما للجناح المصري بالمعرض تزامنا مع إقرار السنة الثقافية التونسية – المصرية.
وفي المجال الفني اتّفق الطرفان على التعاون وتبادل الخبرات في مجال رقمنة المخزون السينمائي، واقتراح أن تكون مصر ضيفة شرف على تظاهرة “أيام قرطاج المسرحية” المزمع تنظيمها في شهر ديسمبر المقبل، وبرمجة عدد من السهرات الفنية والموسيقية الكبرى في تونس ومصر بمشاركة عدد من المبدعين والفنانين من البلدين.
ولكي لا يتهم المرء بالنظر فقط إلى النصف الفارغ من الكأس، فإن مبادرات ثقافية كثيرة أقيمت هذا العام في مصر احتفاء بتونس كقطب فاعل ونشيط في المشهد الثقافي العربي على مستوى المسرح بالذات.
#السنة #الثقافية #المصرية #التونسية #احتفاء #بتاريخ #مشترك #حكيم #مرزوقي
تابعوا Tunisactus على Google News