“الشيطان في أوهايو”.. إبليس مع البنات في المنزل
اختار صناع مسلسل “الشيطان في أوهايو” (Devil in Ohio) -الذي يعرض على شاشة “نتفليكس” (Netflix)- تيمة “الخوف”، وقدم المخرج حالة من الإثارة والترقب طوال حلقات المسلسل الثماني، وقد استمرأ الحالة؛ فقرر أن يترك النهاية مفتوحة لمزيد من القلق على مصائر الأبطال.
وإذا كان الشيطان في تراث السحر يمثل رعبا مباشرا مصحوبا بالذبح والدماء والخراب، فإن أكثر من يخاف الشخص عليهم منه هم أسرته من أطفاله وزوجته، لكن الأكثر رعبا هو أن يعيش الشيطان مع الأسرة في المنزل وفي صورة فتاة جميلة لا يثير وجودها إلا البهجة.
يمتد حضور الشيطان في الدراما وفي فنون الأداء بشكل عام إلى أزمنة البدايات، فهو ذلك الرمز الذي رافق وجوده وجود أبينا آدم، ووجود الثنائية الأساسية للحياة وهي الخير والشر.
وظهرت في السينما والتلفزيون تجليات لما يمكن أن تدعى صورة متخيلة له من قبل صناع الأعمال، كما استعار المبدعون بعض صفاته وأسقطوها على بشر يرون أنهم أقرب إلى الشياطين، وقد دأبت شبكة نتفليكس على تقديم أعمال تعرض الشيطان في صور مختلفة خلال العامين الأخيرين ولعل أشهر أعمالها هو مسلسل “لوسيفر”.
نشأت الفنون المختلفة استلهاما من الأديان كالقصص بأنواعها، ومن طرق العبادة كذلك مثل المسرح الذي نشأ في البداية للتعبد لآلهة الأوليمب في اليونان، أما السينما فنشأت ونضجت في عالم يتجه رأسا نحو الخروج عن كل الأديان مع تأسيس دولة ضد فكرة الدين كالاتحاد السوفياتي مع بدايات القرن العشرين، وانتشار مظاهر التحرر من الدين في الغرب، لذلك تتعامل الفنون البصرية مع القيم بشكل أقل تقديسا وأكثر جرأة.
وكما ظهر بعض البشر الذين اختاروا الانحياز للشيطان سلوكا وعملا، أظهر آخرون تقديرا لاختياراته واتباعا لها، وهم من تطورت عنهم في ما بعد عبادة الشيطان.
وقد أعلنت عبادة الشيطان عن نفسها للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية عام 1966 في ما سميت كنيسة الشيطان، وتطورت إلى أشكال مختلفة رافقت السحر والطقوس الغريبة في ممارستها بدءا من التضحيات ببشر وحيوانات، وصولا إلى شرب الدماء.
فتاة مفقودة
يستند مسلسل “الشيطان في أوهايو” إلى كتاب يحمل الاسم نفسه للكاتبة داريا بولاتينن، التي أكدت في أكثر من تصريح صحفي أن القصة التي تدور حولها روايتها حقيقية تماما، لكنها -أي الكاتبة- لا تستطيع الإفصاح عن أسماء أبطالها، خوفا عليهم.
وتدور أحداث القصة حول أسرة كلاسيكية أميركية، تتكون من أب يعمل بتجديد وإنشاء العقارات، وأم تعمل طبيبة نفسية بأحد المستشفيات و3 فتيات أصغرهن متبناة.
تستقبل الأم حالة لفتاة مصابة بصدمة نفسية ولا تتكلم وفي ظهرها حفرت نجمة خماسية مقلوبة، وظلت الفتاة المصدومة وحيدة طوال اليوم نظرا لأنه لم يسأل عنها أحد، فقررت الطبيبة (الممثلة إيمي دي شانيل) اصطحابها إلى بيتها لفترة قصيرة حتى يتسنى للجهات الرسمية تأمين مأوى لها.
تبدأ الحقائق في الظهور ببطء شديد، حيث تكتشف الطبيبة أن الفتاة “ماي” (الممثلة مادلين آرثر) هاربة من مجتمع مغلق أو طائفة من عبدة الشيطان، وبالتالي فإن هروب الفتاة له عواقب.
أسرة الطبيبة لها خطوطها الدرامية المنفصلة، فالزوج “بيتر” (الممثل سام جيبر) يصادف صعوبات في عمله كوكيل عقاري، وتكافح الابنة الوسطى “جولز” (الممثلة زاريا دوتسون) لإثبات وجودها اجتماعيا، بينما تنشغل الكبرى بنفسها.
تمثل الفتاة الهاربة الغامضة خطرا نسبيا على الجميع، حيث يطاردها أفراد من طائفتها، ومنهم شقيقها الأكبر الذي يحاول استغلال شعور “جولز” بالوحدة لاختطافها في سبيل استعادة “ماي”، وتقوم الطائفة أيضا بإشعال حريق مدمر في المنزل الذي وضع فيه الأب رأسماله ويستعد لبيعه.
تحاصر الأخطار الأسرة من كل الجهات بسبب “ماي” ويدرك الأب خطورة وجود الفتاة الغريبة في منزله مع بناته الثلاث، فيواجه زوجته الطبيبة التي تتمسك برغبتها في مساعدة الفتاة الهاربة، وتكون النتيجة انفصال الزوج ببناته في منزل مستقل حتى تتجاوز الطبيبة مرحلة مساعدة “ماي”.
الأزمة الحقيقية
من أجل “ماي”، ترتكب الطبيبة مخالفة إجرائية في المستشفى بحثا عن بيانات إضافية تعرف من خلالها قصة “ماي”، فتعاقب من رئيستها بحضور جلسة علاج نفسي، وهناك نكتشف أنها لا تساعد “ماي” بقدر ما تساعد نفسها، وأن ثمة ألما مزمنا قادما من ماضيها العائلي ينبغي أن تتخلص منه بمساعدة فتاة مرشحة للموت إن لم تساعدها وهي “ماي”.
في مراهقتها، كانت الطبيبة سوزان ابنة لأم متزوجة من شخص مثالي خارج أبواب البيت، لكنه كان قاسيا ومتوحشا في داخله وفي نوبة توحش كاد أن يقتل سوزان ورغم ذلك رفضت والدتها مساعدتها.
تجيب المؤلفة أخيرا عن السؤال البسيط حول أسباب تمسك الطبيبة بمساعدة حالة مرضية لم تعد -حتى- ضمن مسؤولياتها، إنها تساعد نفسها، فهي ترى في “ماي” تلك الفتاة التي كاد زوج والدتها المتوحش أن يقضي عليها.
الدكتورة سوزان أو الطبيبة النفسية تعيش أزمة عميقة لا تتعلق فقط بكونها صدمت لأن والدتها رفضت إنقاذها، لكنها أيضا رفضت الهروب معها من الرجل الذي يمارس العنف المنزلي عليها.
رغم موت الأم بعد سنوات قليلة بالسرطان، فإن الابنة لم تنس ذلك الخذلان، لكنها تزعم لنفسها وللآخرين أنها ووالدتها ضحايا، أما في قرارة نفسها، فكانت تكره أمها كراهية حقيقية بسبب الخذلان، ولا ترغب في التعرض لمثل هذه الكراهية من نفسها في حال خذلت الفتاة الضعيفة الهاربة، رغم النجمة الشيطانية المحفورة على ظهرها.
كانت المفارقة المخيفة في بناء الشخصية هو ذلك العمى الذي دفع بأم إلى القبول باحتمال دمار بيتها مقابل ألا تتعرض لكراهية كتلك التي تكنها للأم التي خذلتها. رغم كل ذلك الثراء في المشاعر والتناقضات، فإن وجه إيمي دي شانيل لم يكن بالمستوى نفسه من الثراء والزخم في التعبير؛ إذ توقفت عند انطباعين هما الانشغال والابتسام وفتح العينين عن آخرهما دون معنى.
نفوذ وفساد
يمكن تصنيف المسلسل باعتباره دراما عائلية نظرا للقصص الفرعية المتعلقة بأفراد الأسرة، ويمكن تصنيفه بوليسيا أيضا نظرا لوجود المحقق “لوبيز” (الممثل جيراردو سيلاسكو) المنقول حديثا إلى البلدة، وتقود جهوده إلى الكشف بشكل كامل عن تلك الطائفة التي يمتد تاريخها إلى سنوات سابقة، وتقوم بممارسة طقوس العبادة ويتجلى لها “إبليس” في صورة “غراب” ويتحدث إلى زعيمها عند الضرورة.
يكشف المحقق أيضا مزيدا من الجرائم التي ارتكبتها الطائفة سابقا بين حرق وقتل، وحين يشرع في القبض على الجناة تحدث المفاجأة؛ إذ يأتيه تحذير بطرف خفي من رئيسته يعرف من خلاله أن ظنونه السابقة بشأن تورط العديد من المسؤولين في الشرطة وفي البلدة هي حقائق ينبغي مواجهتها.
كان أكثر المتورطين وضوحا “مأمور البلدة” (الممثل برادلي ستريكر) الذي اضطر المحقق إلى قتله، لكن هؤلاء الذين لم يتم تجسيدهم في العمل كانوا قضاة وسياسيين تم تحييد بعضهم بالرشوة والبعض الآخر بالولاء والانتماء للطائفة.
حكاية الطائفة
بدأت الطائفة برجل يائس حاول البحث عن الذهب مع المغامرين المهاجرين إلى أرض الأحلام في أميركا، لكنه صادف سوء حظ قاس. ينصرف إلى وحدته يائسا، باحثا عما ينهي ألمه، فيسمع صوتا يخاطبه، لا يجد سوى غراب، ويتكرر النداء، فينتبه إليه.
هنا تبدأ الطائفة في الولادة، حيث تصنع أوهام الهروب من واقع فشله في تحقيق أحلامه عقائد وسلوكيات وعادات، تجعل منه مالكا للمقاطعة بكاملها، أرضا ونفوذا.
حين ترفضه امرأة، يقرر التضحية بها لأجل الشيطان، فتصبح عادة لدى الطائفة كلما حل الجفاف، وها هي الطائفة تعيش جفافا. يختار نواب الشيطان في الطائفة أكثر الفتيات تميزا وإيمانا، فتكون ابنته “ماي”. تهرب الفتاة المختارة حبا في الحياة، لكنها تضعف في ليلة الحصاد.
كانت ماي قد استقرت في الدراسة، بل وفازت بلقب ملكة حفل التخرج في المدرسة الثانوية، لكن إيمانها العميق بعقيدة عبدة الشيطان يعيدها كأنما هي تحت تأثير تنويم مغناطيسي إلى طائفتها التي تستقبلها لتبدأ مراسم التضحية بها حرقا، لكن الطبيبة والمحقق يقومان بإنقاذها.
في نهاية العمل، تكتشف الطبيبة أن الفتاة التي أدت طقسا شيطانيا قبل أول عشاء في بيتها، أصبحت تؤدي صلاة مسيحية خالصة من دون ذكر للشيطان، لكن يبقى الخوف قائما من فتاة تملك قدرات غير عادية وتربطها علاقة روحية بالشيطان تحتل منزل الأسرة.
#الشيطان #في #أوهايو. #إبليس #مع #البنات #في #المنزل
تابعوا Tunisactus على Google News