العرب و«العالم الجديد».. سيناريوهات التكيف والمواجهة’
عالم جديد يتشكل.. هذا ما تبرزه المعطيات الراهنة على الصعيد الدولي، وارتداداتها المباشرة وغير المباشرة على النظم الإقليمية المختلفة، وسط تطورات متسارعة عجلت بها اللحظة الفاصلة في يوم 24 فبراير 2022 والمتمثلة في بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، بدلالاتها وتبعاتها المختلفة، وبما تشكله من تهديد للقواعد الراسخة لطبيعة النظام الدولي القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وأمام نذر تغيرات عاصفة بتركيبة التفاعلات الدولية، تطرح جملة من التساؤلات، تدور بشكل أساسي حول «المستقبل»، لجهة طبيعة ومدى المتغيرات التي قد يشهدها النظام الدولي والتبعات المنتظرة على النظم الفرعية الأخرى، وتأثير ذلك على التوازنات الدولية والإقليمية بشكل عام.
عربياً، يأتي السؤال حول المستقبل مربكاً ومركباً أمام مزيد من التعقيدات، من حيث ارتباطه بمحددات داخلية وخارجية ممتدة ومتداخلة، وفي ضوء الأزمات المتفاقمة التي تلف النظام الإقليمي العربي، لا سيما مع التفاعلات الجارية منذ ما يزيد على عقد كامل، بما تطرحه تلك التفاعلات من معادلات أمنية جديدة انعكست على بنية القوى الرئيسية بفواعل هذا النظام الذي يعاني من أزمة بنيوية في موازين القوى الفاعلة، وسط تحالفات متقلبة واختراقات خارجية ببعض المحاور، لا سيما في دول الأزمات.
وإن كانت مسارات التحول بالنسبة للنظام الإقليمي العربي قد بزغت بشكل متسارع خلال العقد الماضي منذ ما سمي بـ«الربيع العربي» مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بجملة المتغيرات الداخلية التي شهدها عديد من الدول، فإن ارتباط المسارات تلك بالمتغيرات الخارجية كان ويظل عاملاً أساسياً من العوامل المحددة لبوصلة التفاعلات الجديدة وسط معادلات ومصالح متداخلة. فأي مصير ينتظر النظام الإقليمي العربي مع حالة ما يمكن وصفه بـ«السيولة» الدولية الراهنة؟ وكيف يمكن للعرب النجاة وسط عالم مجزأ؟ وما هي فرص وحدود التأثير والتأثر العربي بتلك التفاعلات؟ وما حدود الارتدادات السلبية للمتغيرات الدولية على النظام الإقليمي العربي؟ وهل تفتح جملة المتغيرات الدولية والإقليمية الطريق أمام النظام الإقليمي الشرق أوسطي بمفهومه الأوسع، بناءً على تحالفات ومعادلات جديدة برؤى مختلفة؟ وما مدى تأثير ذلك على التحالفات في المنطقة والمعادلات الأمنية الراسخة؟
في شهاداتهم لـ«البيان» حول واقع النظام الإقليمي العربي، وتصوراتهم بشأن ما يتعين التعجيل به من سياسات مشتركة من أجل حجز مكان في عالم الغد، يقدم مفكرون وخبراء عرب رؤى مختلفة بشأن المستقبل، وطبيعة الفرص والتحديات التي تفرض نفسها على المشهد، منطلقين من أساس أن المرحلة الحالية، بكل ما تشهده من تطورات، ستمثل نقطة فاصلة في بنية النظام الدولي والنظم الإقليمية الفرعية، في ضوء حالة السيولة الراهنة.
سيولة دولية
ولا تزال الحالة تلك التي عززتها الأزمة الأوكرانية في مراحل محدودة، لم ترتقِ بعد إلى المستوى الذي يمكن أن نتحدث معه عن تغيير جذري في شكل النظام الدولي وقواعده وقضاياه المطرحة والتوازنات الاستراتيجية بين القوى الموجودة في ذلك النظام، وعلى ذلك تستمر الترتيبات الإقليمية والنظم الإقليمية الفرعية في منطقة الشرق الأوسط على نفس مستوياتها، مع محاولات لا تزال في بداياتها لتغيير بعض القواعد والتوازنات الإقليمية من خلال إعادة طرح مشاريع مختلفة.
وبشكل مفصل، يقول خبير العلاقات الدولية نائب مدير مركز رع للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، الدكتور أكرم حسام، إنه حتى الآن من الصعب وصف ما يحدث حالياً على مستوى النظام الدولي بأنه قد وصل لمرحلة من السيولة التامة؛ لأن قواعد النظام الدولي التي تأسست عقب الحرب العالمية الثانية وتطورت مؤسسياً وتشريعياً وعلى مستوى القانون الدولي، لا تزال قائمة حتى الوقت الحالي، لكن مع الوضع في الاعتبار أن جزءاً من المشهد الدولي الراهن – والذي تمثل فيه الحرب في أوكرانيا مؤشراً مهماً – يشير إلى محاولة تغيير بعض القواعد التي استقرت منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وهو ما اتضح في الخطاب السياسي الروسي، والتأكيد على الرغبة في تغيير قواعد القانون الدولي والهيمنة الدولية، سواء على المستوى السياسي أم الاقتصادي، بينما حتى الآن لم يتحقق ذلك التغيير. ويتمثل الصراع حالياً على القيادة، لجهة من يقود بنفس قواعد النظام الدولي. وتاريخياً ومن خلال التجارب التي مر بها النظام الدولي، فإن قواعد وأسس ومؤسسات ذلك النظام ومفاهيمه لا تتغير إلا من خلال وقوع حروب كبرى، وحتى الآن لم تتطور الحرب الروسية الأوكرانية إلى هذا المستوى لنقول إن هناك تغييراً مزلزلاً.
وبالتالي لا تزال قواعد النظام الدولي مستقرة، ربما هناك تغيرات طفيفة في هوامش النظام الدولي مثل بعض أسس التوازنات الموجودة في شرق أوروبا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي تتغير حالياً، من بينها وضع الحياد لبعض الدول مثل فنلندا والسويد، إضافة إلى التوجهات الاستقلالية والدفاعية والاستراتيجية لبعض الدول مثل ألمانيا والدنمارك، بما ينبئ بوجود تغيرات على الهامش، لكن في إطار النظام الدولي القائم.
ارتدادات عكسية
ارتباط النظام الإقليمي العربي بالمتغيرات الدولية ما زال محكوماً بمجموعة من المحددات، لكن لم يتبلور حتى الآن ما يمكن تسميته بالنظام الإقليمي الشرق أوسطي، رغم كل المحاولات منذ تسعينيات القرن الماضي لإنشاء مشروع الشرق الجديد الذي يعاد طرحه من جديد.
وبينما يشهد العالم الآن حالة من عدم الاستقرار في النظام الدولي، إلا أن تلك الحالة لم تدفع بعد لتشكل ملامح لنظام جديد، ومن ثم لم يتمخض بعد أي شكل من أشكال التغيير الجذري بالنظم الإقليمية الفرعية، وبالمقاييس العامة، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية على رأس النظام العالمي لسنوات طويلة، فيما يعتقد علماء السياسة بأن تشكيل بنية للنظام الجديد يتطلب من ثلاث إلى خمس سنوات، طبقاً لأستاذ العلوم السياسية المتخصص في العلاقات الدولية، الدكتور طارق فهمي. وتتأثر النظم الإقليمية الفرعية عادة بالارتدادات السلبية لحالة السيولة التي يشهدها النظام الدولي، ومن بينها النظام الإقليمي العربي، في ظل انقسام الحالة العربية واستمرار أزماتها المفتوحة على مصراعيها، بما يفتح المجال أمام نظام أوسع، وهو النظام الإقليمي الشرق أوسطي، وهو ما بدأ يتشكل على أسس وقواعد مختلفة. وبالتالي – والحديث لفهمي – نحن أمام نظامين متنافسين (النظام الإقليمي العربي القديم الذي بدأ يتهاوى نتيجة ضعف المؤسسات، ينافسه نظام شرق أوسطي صاعد بقوة). وأمام تلك المتغيرات، فإن العرب «ليس أمامهم رفاهية الاختيار»، لا سيما في ضوء تراجع دور الجامعة (يستدل هنا بالصعوبات التي تواجه انعقاد القمة العربية وما يعكسه ذلك من دلالات شديدة الخطورة) بما يفتح المجال لإعطاء الفرصة للنظام الإقليمي الجديد للإعلان عن نفسه بقوة في إطار ترتيبات أمنية جديدة تجري في المنطقة.. وبالتالي نحن أمام وقائع جديدة تتشكل في بنية النظام الإقليمي العربي نتيجة الارتدادات السلبية لما يشهده النظام الدولي.
بينما في المقابل تتوافر أمام النظام الإقليمي العربي القديم مجموعة من البدائل لمواجهة عثراته، تنطلق من أساس ضرورة توافر الإرادة السياسية العربية؛ لإحداث توافقات عربية بشأن عقد القمم العربية وتوحيد المواقف وحل الأزمات والقضايا المفتوحة «وما لم يحدث ذلك فإن الوضع الراهن يفتح الباب بقوة أمام نظام إقليمي واقعي جديد، يقوم على ركام النظام التقليدي»، بحسب أستاذ العلوم السياسية المتخصص في العلاقات الدولية. لكن يتزامن ذلك وأدوات قوة تمتلكها دول عربية، لا سيما الدول الغنية بالنفط، والتي يمكنها أن تستثمر الحرب في أوكرانيا وما يجري في النظام الدولي لتحقيق مكاسب عربية. وهو ما يؤكده أستاذ العلوم السياسية بقوله: «الدول العربية لديها إمكانات هائلة، يمكن توظيفها بشكل فعال إذا ما حدث توافق في الإرادات والعلاقات وإحداث التوازن المطلوب الذي يعيد للنظام الإقليمي العربي تماسكه وفعاليته»، مشيراً إلى أن دول الخليج لاعب رئيسي في النظام الإقليمي عموماً بما لديها من إمكانات.
انهيارات متواصلة
وبشكل عام، بات من الصعب القول بوجود نظام عربي أو إقليمي متماسك حالياً؛ في وقت تمر المنطقة بحالة فوضى عارمة في عدد من الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية واحتجاجات وثورات. وهو ما يبرزه المحلل السوري، الدكتور رياض نعسان أغا، الذي شغل منصب وزير الثقافة ببلاده في وقت سابق، والذي يشير إلى حالة التفكك في الأنظمة العربية التي تعرضت لانهيارات منذ أكثر من عشر سنوات، ولم تبرأ الجراح بعد في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن وتونس والسودان، والدول العربية الأخرى تأثرت بالحالات الارتدادية «وهذا أمر طبيعي»، وفق تصوره.
يتزامن ذلك وغياب الرؤية العربية المشتركة حول المستقبل العربي وآليات إعادة بناء منظومة عربية قوية متجانسة لمواجهة سيل التحديات الراهنة. مع الأخذ في الاعتبار انعكاسات الصراعات الدولية بشكل مضطرب على الأنظمة العربية، ومن أهمها حالياً الحرب في أوكرانيا التي جعلت بعض الدول العربية تتجنب اتخاذ مواقف تميل إلى إحدى الجبهتين، وتفضل حالة الحياد التي ترفضها الولايات المتحدة بشكل أحرج دولاً أوروبية عظمى، وجدت نفسها تدفع ثمن الانخراط في تحالفات مكلفة اقتصادياً ومن ثم عسكرياً.
وطبقاً لأغا، فإن حالة الاضطراب الراهنة في مواقف الولايات المتحدة ونوايا الإهمال الشكلي لمنطقة الشرق الأوسط وحديثها المستمر عن تنافسية مصطنعة مع الصين «جعلت بعض الأنظمة العربية مضطرة للبحث عن بدائل؛ تحسباً لمتغيرات يمكن أن تحدث تباعاً، وكان حدث انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان والتلويح بانسحاب من الشرق الأوسط فاصلاً بين مرحلتين، وداعياً لإعادة النظر في وسائل حماية الأمن القومي ضد أية صراعات محتملة مستقبلاً».
وفي حالة غياب قيادة عربية رائدة وجدار استنادي عربي متين – كانت تمثله بعض الدول العربية المركزية – تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بدور شديد الفاعلية لسد هذا الغياب، بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية، وبتفعيل الدور المصري الذي آن أن ينطلق إلى التعافي كي تعود مصر قاطرة هامة في السياسة العربية، وقد نجحت دولة الإمارات في معالجة كثير من القضايا الشائكة وفتحت آفاقاً لترميم العلاقات التي اضطربت في السنوات الماضية، طبقاً للمفكر السوري.
ويختتم وزير الثقافة السوري الأسبق شهادته لـ«البيان» حول واقع النظام الإقليمي العربي، بقوله: «رغم كوني أشعر بفواجع الانهيارات وكوارث ما عانته شعوبنا العربية في العقد الثاني من القرن الحالي إلا أنني أدرك أن الأمة العربية تمرض لفترات من تاريخها وتضعف، لكنها تبقى حية وقادرة على النهوض، ولا بد من عودة العمل العربي المشترك سريعاً لبناء الثقة مجدداً بين الدول العربية، وتوحيد رؤية المستقبل العربي، وترميم ما حدث من خراب وشتات شعبي وإنساني في الدول التي تعرضت لانهيارات مفجعة. وإن أخفقت السياسة العربية في توحيد الصف ومجابهة التحديات الراهنة فستقبل بعض الأنظمة على مزيد من الانهيارات التي تهدد أمنها وقد تخرجها من التاريخ والجغرافيا، وتعيد الدول الكبرى تقسيمها وتفقدها سيادتها، كما حدث لقرنين من الزمان قبل ألف عام».
التكامل الاقتصادي العربي
قال المحلل الاقتصادي السعودي سليمان العساف، خلال مشاركته في استطلاع «البيان» حول مستقبل النظام الإقليمي العربي، إن الدول العربية تتميز بعدة مزايا، والتي حال استغلالها بالشكل المناسب، فإن العرب يضمنون حضوراً مؤثراً لهم في سياق التفاعلات الجديدة حول العالم.
وتابع: «ثمة دول لديها العلم، وأخرى تتمتع بفوائض مالية هائلة، ودول لديها وفرة بالأيدي العاملة الماهرة، ودول لديها الموارد الطبيعية والأرض الخصبة، وبالتالي لو أن هناك تكاملاً عربياً حقيقياً لأصبح العرب قوة لا يستهان بها، كما الاتحاد الأوروبي، بناتج محلي ربما يتزايد بأكثر من المعدلات الراهنة، التي هي في حدود الثلاثة تريليون دولار، بثلاثة أضعاف، إذا استطاعت الدول العربية توظيف قدراتها بشكل سليم من خلال تكامل عربي حقيقي وفعال».
ولفت إلى أن دول الخليج لديها فوائض مالية ضخمة جداً، تتمثل في الاحتياطات التي تتمتع بها (ضمن قائمة أكبر 10 صناديق سيادية حول العالم، وتمثل ما قد يصل إلى نصف الاحتياطات في العالم) فضلاً عن احتياطات النفط الضخمة (احتياطات مؤكدة تجاوزت 1.55 تريليون برميل من النفط الخام)، كما تمثل دول الخليج نسبة مؤثرة في الناتج المحلي العالمي (يشكل الاقتصاد الخليجي 1.75% من الاقتصاد العالمي عام 2021 البالغ 96.29 تريليون دولار، محتلاً المرتبة الـ12).
نقاط القوة والضعف
يتحدث مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، الدكتور غازي فيصل حسين، عن نقاط القوة والضعف المشتركة، والتي تتشكل بناءً عليها بنية النظام الإقليمي، حيث تمتلك بلدان المنطقة ثروات مادية وبشرية وتحتاج إلى تحقيق التكامل الاقتصادي والصناعي والزراعي وعلى صعيد الخدمات كي ترتقي إلى مستويات متقدمة للتنمية والرفاه الاقتصادي والاجتماعي.
مشروع
إن توفير الفرص للتعاون بين الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط للتمهيد نحو مشروع الشراكة الاقتصادية والتعاون والتضامن وتحويل المنطقة تدريجياً إلى سوق اقتصادية مفتوحة تضمن حرية انتقال الأشخاص والسلع والاستثمارات ورفع القيود الجمركية (وحدة السوق) سيوحد ذلك كله المصالح السياسية ويعزز المشتركات، ويحدث حالة من التوافق حول الجهود المشتركة لمواجهة مختلف أشكال التطرف والعنف؛ لبناء السلام والأمن والشراكة وتطوير فرص الانتقال السلمي نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والمرأة والطفل.
ويعتقد بأن التحرر من ظاهرة الحروب والأزمات في سوريا والعراق ولبنان، وتبني أنظمة فيدرالية ديمقراطية اجتماعية يمكن أن يسهم في بناء السلام والأمن ومواجهة التطرف ومظاهر العنف الاجتماعي والتمييز المذهبي والديني والقومي، لتحقيق العدالة في توزيع الثروة وضمان المشاركة السياسية والاقتصادية والتعددية الاجتماعية ونبذ أنظمة رأسمالية الدولة وتقويض مختلف أشكال الاستبداد والشمولية وترسيخ قيم وثقافة الديمقراطية واحترام الحريات والحقوق الفردية.
فرصة لاكتشاف الأخطاء
خلافاً لكثير من التحليلات الغارقة في حالة من السوداوية بشأن مستقبل المنطقة العربية، فإن الباحث السعودي في العلاقات الدولية سلمان الأنصاري، يعتقد بأن ما يحدث في منطقتنا هو فرصة مناسبة لاكتشاف الأخطاء، ومن ثم بحث الأطر الواقعية لحلها، وهذا من شأنه الارتقاء بالرؤى في سياقاتها كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وحتى العقائدية، من جهة كونها تحولات ضرورية تستوجب التفكير والبحث، والأهم الشجاعة في اتخاذ القرار وتنفيذه.
ويرى أن «الأمم التي تتعرض لضغوط وأزمات هي تلك التي تزداد مناعتها وخبرتها وبالتالي قدرتها على مواجهة التحديات في تحقيق نهضتها وتقدمها «ونحن على سبيل المثال في المملكة العربية السعودية نمتلك هذه المقومات التي استشرفتها رؤية 2030 التي أعلنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تحظى بإجماع وطني، وتحوّل التحديات إلى منجزات حقيقية وملموسة على أرض الواقع، ووضع المملكة في مكانتها الحقيقية، ونفس الشيء بالنسبة لمصر، حيث نرى أن التحديات تزيدها إصراراً على التقدم ووضع الخطط والاستراتيجيات التي تساعدها في تجاوز هذه التحديات».
ويضيف: «ما يحدث الآن ليس جديداً في عالم السياسة على وجه الخصوص، فقد سبق وتعرضت أوروبا لأزمات تاريخية كانت أكثر قسوة وصعوبة مما نواجهه الآن، لكنها صهرت المجتمع الأوروبي وجعلته ينهض ويتقدم ويحقق طموحاته».
إذاً ورغم كل الانفلات الذي تسببه بعض الأنظمة الإقليمية، إلا أن وقائع التاريخ تكشف لنا أن كل هذه الانفلاتات مآلها إلى زوال ومسارها دائماً يقود نحو حتمية تغييرها، لذا فكل صعود للأزمات يتبعه غالباً صعود في الوعي الذي يساعد في تشكيل حالات من الإجماع الوطني لدى المجتمعات.
أجندات تعاون
يرى محللون أن نجاح المشاريع التي تقف على الطرف الآخر من مشروع الأمن العربي يعني المس بالنظام العربي الحالي لصالح قوى خارجية على حساب الأمن القومي العربي، وبالتالي ينبغي وضع أجندات عربية جديدة للتعاون والعمل المشترك، وقد يكون التعاون الاقتصادي هو جوهرها ومحركها لرفع المستوى الوحدوي العربي.
مصالح مشتركة
يرى مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل حسين، أن دول الشرق الأوسط تجمعها مصالح اقتصادية وأمنية وسياسية، من بنيها مجال حماية البيئة ومواجهة التلوث والاحتباس الحراري وتحديات الحصول على الطاقة المتجددة، كما تبرز تحديات الحروب وظاهرة الإرهاب وارتفاع معدلات الفقر والأمية والبطالة والجوع كتهديد خطير للأمن والاستقرار وتحقيق السلام المستدام.
مصر والخليج.. نواة النظام الإقليمي
قال خبير العلاقات الدولية بالقاهرة، الدكتور طارق البرديسي، لـ«البيان» بشأن مستقبل النظام الإقليمي العربي، إنه «من الواضح أن نواة النظام الإقليمي بتصوره الجديد يتمثل في هذه العلاقة الوثيقة والشراكة الاستراتيجية بين الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، إضافة إلى الشراكات المماثلة التي جاءت بعد ذلك من جانب دول تقترب من هذه النواة الإقليمية الصلبة».
وأشار إلى أن المصالح الآن هي التي تحكم العلاقات السياسية حول العالم، بينما المنطقة العربية (ممثلة في النواة الصلبة المذكورة) تنشط بمنتهى البراعة، وقد باتت أكثر نضجاً ورشداً فيما يتعلق بتعاطيها مع هذه التفاعلات الدولية، يتجسد ذلك على سبيل المثال في العلاقات المتوازنة مع روسيا ومع الولايات المتحدة.
وتابع: لم تعد المنطقة العربية تراهن على الولايات المتحدة بالكامل كما كان عليه الأمر بالنسبة لعديد من الدول من قبل.. الآن أصبح الكل يبحث عن مصالحه، ولم تعد 99 بالمئة من أوراق اللعبة بيد واشنطن كما كان يتردد قديماً.. رأينا تحالفات جديدة، ورأينا كيف أن الجميع يبحث عن مصالحه في تكوين شراكات وتحالفات – وفق مبدأ المصلحة – سواء مع الولايات المتحدة ومع روسيا ومع دول الاتحاد الأوروبي، وقد باتت التحالفات مفتوحة على مصراعيها.
تابعوا أخبار العالم من البيان عبر غوغل نيوز
MENAFN19062022000110011019ID1104398923
#العرب #والعالم #الجديد #سيناريوهات #التكيف #والمواجهة
تابعوا Tunisactus على Google News