الغلاء يستنزف التونسيين: التضخم يأكل الرواتب
حياة التونسيين تزداد صعوبة رغم الإجراءات الحكومية (Getty)تُجمع شرائح واسعة من التونسيين على أن الرواتب لم تعد كافية لتسيير أسبوع من النفقات بسبب الغلاء الفاحش في المعيشة والخدمات، ويأتي ذلك في وقت يتواصل فيه عجز السطات على كبح الأسعار التي أوكلت لقوانين السوق وأهواء المضاربين.وتعيش أسواق تونس على وقع غلاء غير مسبوق نتيجة تصاعد أسعار الخضر والفواكه ومختلف السلع الأخرى، فضلا عن شطط في أسعار الخدمات، ما تسبب في نزيف دائم لجيوب التونسيين الذين يقرون بعدم القدرة على مجابهة المصاريف لأكثر من 8 أيام تحتسب منذ تاريخ تنزيل الرواتب، فيما يضطرون إلى تدبر مصاريف بقية الشهر بالسلفات والديون والقروض البنكية.ومنذ سنوات، دخلت الأسعار في تونس دوامة الارتفاع، غير أنها كانت تمنح المواطنين هدنة بين الحين والآخر، نتيجة العوامل الطبيعية التي تساعد على وفرة المنتج أو التدخلات الظرفية للدولة لتقليم أظفار المحتكرين والمضاربين. لكن كل أشكال الهدنات انتهت حيث بات المواطنون في سباق مستمر تنقطع معه الأنفاس، بحسب تعبير المواطنة هندة الفوغالي (52 عاما)، التي تسهر على تسيير نفقات أسرة تتكون من 5 أشخاص.
تقول الفوغالي، التي يقدر دخل أسرتها الشهري بـ2400 دينار، أنها تصنّف من بين الأسر ذات الدخل المحترم، غير أن مجموع الراتبين (راتبها وراتب زوجها) لا يكفيان لسداد نفقات 10 أيام على أقصى تقدير، بعد خصم البنك قسط قرض شهري بقيمة 1100 دينار حصلت عليه أسرتها لشراء مسكن.
وأضافت المتحدثة لـ”العربي الجديد” أنه ما تبقى من الراتب، أي نحو 1300 دينار، يوزع بين نفقات الأكل وفواتير الكهرباء والماء والدروس الخصوصية وغيرها من المصاريف، معتبرة أن الغلاء أدخل التونسيين في دوامة ضغوط باتت تؤثر على تماسك الأسر ونفسيات أفرادها.كذلك يقول المواطن إبراهيم بوذينة، (52 عاما)، إن التضخم أرهق التونسيين ولا سيما محدودي الدخل منهم. وأضاف: ليس كافيا أن تدعم الحكومة العجين والخبز والزيت، معتبرا أن هذه الحاجيات تكفي التونسيين قبل 40 عاما. وأضاف أن سلة الإنفاق تزيد من سنة إلى أخرى، مشددا على ضرورة مراجعة آليات احتساب التضخم ومكونات الإنفاق الأسري. وأشار في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن مصاريف شحن الهواتف والإنترنت أصبحت عبئا على الأسر، غير أن الحكومة لا تعتبرها من الإنفاق الأساسي في حين أنه لم يعد بالإمكان الاستغناء عنها. والسوق التونسية تخضع إلى قوانين الأسعار المحررة، فيما تكتفي وزارة التجارة بضبط أسعار المواد الأساسية، ويتم تعديلها كلما اقتضت الحاجة بهدف امتصاص ارتفاع الأسعار في السوق العالمية وتكاليف الإنتاج وسعر صرف الدولار، مع مراعاة تطور مستوى الدخل.وخلال شهر فبراير/ الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 4.8 بالمائة مقارنة بالشهر السابق عليه، حسب بيانات نشرها معهد الإحصاء الحكومي. وكشف المعهد عن زيادة في أسعار الخضر بـ12.1 بالمائة والزيوت الغذائية بنسبة 10.2 بالمائة، فيما قدرت الزيادة في أسعار مشتقات الحليب والبيض بنسبة 5.7 بالمائة. وسجل التضخم الضمني (من دون احتساب الطاقة والتغذية) لشهر فبراير/ شباط نسبة 5.6 بالمائة. ويعتبر الخبير الاقتصادي خالد النوري أن دوائر ضغط تشكلت في العقد الأخير تمكنت من اكتساب دراية كافية بكافة مسالك التوزيع في البلاد، ما سمح لها بوضع سياسة التفاهمات السعرية والتحكم فيها مستفيدة من ضعف وتفكك هياكل الرقابة الحكومية.
خلال شهر فبراير/ الماضي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 4.8 بالمائة مقارنة بالشهر السابق عليه، حسب بيانات نشرها معهد الإحصاء الحكومي
وقال النوري في تصريح لـ”العربي الجديد” إن انفجار الأسعار يفسّر في جزء كبير بخضوع السوق التونسية إلى دوائر الضغط هذه، التي أصبحت تتحكم في الأسعار وفق مصالحها الربحية، مشيرا إلى أن السوق التونسية محكومة أيضا بعوامل أخرى ساهمت في ارتفاع الأسعار، وهي ندرة بعض المواد والسياسة النقدية التي تزيد من كلفة الإنتاج بسبب فوائض القروض المثقلة على الصناعيين، فضلا عن الزيادات المتواترة في الأجور من دون دراسات علمية لانعكاس ذلك على نسب التضخم.وأشار في سياق متصل إلى أن تونس تعتمد على منظومة قياسات سعرية يزيد عمرها عن 35 عاما، ما ينعكس على البيانات الرسمية التي يصدرها معهد الإحصاء، معتبرا أن البيانات المتعلقّة بنسب التضخم أو الزيادة في الأسعار لا تعكس حقيقة الأسعار. ومن جانبه، يطالب المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، بأن تبذل الحكومة جهدا إضافيا في مكافحة الغلاء، معتبرا أن المواطنين تُركوا لمواجهة مصيرهم بمفردهم. وقال بن عمر إن أزمة المواد الغذائية، إبان الفترة الأولى من جائحة كورونا في مارس/آذار الماضي، كشفت حجم تحكم المضاربين في شبكات التوزيع وقدرتهم على التحكم في الأسعار ودفعها نحو الأقصى. وأضاف في تصريح لـ”العربي الجديد” أن تواصل الغلاء بهذه الوتيرة يزيد من إفقار التونسيين وتجويعهم، وهو ما يفسر موجات الاحتجاج التي لا تتوقف، بحسب قوله.
تابعوا Tunisactus على Google News