الغنوشي لـ”عربي21″: الجهاز السري فرقعة إعلامية لنظام يحتضر
أعرب رئيس حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي عن يقينه بأن الانقلاب الذي جرى على المسار الديمقراطي وعلى الدستور ليس إلا حدثا عابرا سينتهي بإرادة التونسيين.
وأكد الغنوشي في حوار صريح وشامل مع “عربي21″، أن “الانقلاب كلف التونسيين في عشرة أشهر ما لا قبل لهم به، سياسيا واقتصاديا، وأن استمراره تحول إلى خطر جاثم على البلاد”.. معتبرا أن الحديث عن الجهاز السري المنسوب لحركة النهضة زورا ليس إلا محاولة يائسة لصرف أنظار التونسيين عن نتائج الانقلاب الكارثية مثل الوضع الاقتصادي الخانق .
ورأى الغنوشي أن الحديث عن استقواء بالخارج ضد الاستبداد خدعة للتملص من تحمل المسؤولية السياسية عن ما آلت إليه أوضاع البلاد من عزلة سياسية وتراجع اقتصادي ينذر بمجاعات لا قبل للتونسيين بتحملها.
وانتقد بشدة موقف بعض الدول الإقليمية ومنابرها الإعلامية التي قال بأنها تحولت إلى سيف مسلط على الديمقراطية التونسية خشية من تداعياتها على تلك الانظمة الدكتاتورية، لكنه أكد أن النموذج الديمقراطي وقيم العدل والحرية هي التي ستنتصر في النهاية بإذن الله وأن انقلاب قيس الغادر سينهار غير بعيد وتنهار مراسيمه كأوراق الخريف وستستأنف ثورة الكرامة مسيرتها.
وثمّن الغنوشي موقف الجزائر تجاه تونس، واعتبر أنها كانت سندا للثورة التونسية وللشعب التونسي، طيلة عمر الثورة. ومن ذلك أنه عندما انهارت السياحة التونسية تحت ضربات الإرهاب وانفض من حولنا السواح الأوربيون هبت الملايين من الشعب الشقيق، فأنقذوا الموقف، فضلا عن مئات ملايين الدولارات هبات وقروضا.
من جهة أخرى دعا الغنوشي العالم العربي والإسلامي والدولي إلى إسناد الشعب الفلسطيني في مواجهته للاحتلال، معتبرا أن الشعب الفلسطيني لا يخوض معركته التحررية فحسب، بل يخوض معركة الحرية والشرف نيابة عن أمة العرب والمسلمين وأحرار العالم جميعا. وهو أمر مشرف للشعب البطل ومبعث خجل للبقية وبخاصة المطبعين.
وأكد الغنوشي أن الحديث عن نهاية الإسلام السياسي هو محاولة للهروب من القول بنهاية التيارات العلمانية المتطرفة ذات النزوعات الاستئصالية وأنظمتها الدكتاتورية.
وهذا النص الكامل للحوار:
س ـ لنبدأ من الآخر كما يقال، ومن الجدل المثار بشأن الجهاز السري لحركة النهضة، والذي تم إقحام اسمك فيه.. ما حقيقته؟ وما المغزى من فتحه؟
ـ ما يسمى “الجهاز السري”، هو مجرد فرقعة إعلامية للإساءة إلى النهضة، وربطها بالعنف ولصرف نظر الرأي العام في تونس وفي العالم، عن حالة الاختناق التي يعيشها المنقلب، الذي يعيش ضيقا واختناقا وقد تجمع عليه المزيد من المعارضات والمزيد من الضغوط الاقتصادية، فيحاول أن يصرف الأنظار إلى جهة أخرى، إلى النهضة ملصقا بها العنف والتنظيمات السرية والتآمر على البلاد مما لا علاقة له بالنهضة، ومما سبق لأسلاف قيس من الطغاة أن رددوا اتهامات مماثلة أسقطها القضاء المستقل زمن الثورة وسيسقطها بإذن الله كل قضاء مستقل، إنها مجرد فرقعات إعلامية لنظام يحتضر لصرف الأنظار عن وضع اختناق يعيشه
والأمر حتى الان لا يتجاوز المستوى الإعلامي تحت ضغط يمارسه باستمرار الرئيس المنقلب على وزيرة العدل التي تمارست بدورها على القضاء من أجل إثارة هذا الموضوع المنتهي الصلاحية، في اصرار مرضي من أجل الزج باسمي أنا وأسماء عدد من الإخوة في موضوع لا علافقة لنا به..
ليس هنالك شيء ثابت ينسب لنا قادر ان يصمد امام قضاء مستقل وكل الذي نعلمه ان المسار القضائي لا يزال محاطا بقدر كبير من الغموض.. ونحن لم نتوصل بعد بشيء، أو بقرار أو إعلام من المحكمة بأنه تم منعنا من السفر، وإنما هي فرقعات إعلامية حتى الآن.
س ـ طبعا فتح الجهاز السري يأتي في سياق سياسي مغاير، شعاره الظاهر الجمهورية الجديدة.. كيف تقيمون الوضع السياسي العام في تونس أولا؟
ـ الوضع السياسي في البلاد ملخصه، أننا ازاء انقلاب يعيش حالة اختناق سياسي بعد أن اتسعت معارضاته، وتحرك الشارع ضده يهتف بشعار “يسقط الانقلاب، ويسقط المنقلب.. وهناك وضع اقتصادي يزداد اختناقا ويقترب من الإفلاس ان لم يكن وقع فيه، لا سمح الله ، هذا الأمر ي. دفع قادة الانقلااب وأنصاره إلى محاولة صرف الأنظار إلى ملفات أخرى، من مثل ملف النهضة، في محاولة لإرضاء الاستئصاليين الذين لم يقبلوا حتى الآن الديمقراطية، مصرين على إقصاء النهضة، بعد ان عجزوا المرة تلو المروة عن اقصائها ومنافستها بالوسائل السياسية، فالنهضة لا تزال الحزب الأول حسب آخر منافسة انتخابية نزيهة عام 2019،لقد عجزوا عن منافستها أمام صناديق الاقتراع فلم يبق لهم إلا محاولة افتعال قضايا عنف ضدها، وتحويلها من ملف سياسي يُعالج بالوسائل السياسية إلى ملف أمني يُعالج بالوسائل الأمنية والقضائية التي تنطلق من فكرة الديمقراطية و الإقصاء وليس من مبدأ المنافسة الديمقراطية الادماجية التي عجزوا عنها..
س ـ هناك توجه عام يلعن عشرية الثورة ويحملها مسؤولية تردي الأوضاع العامة في تونس.. ويختصرونها في النهضة.. ما هي مسؤولية الثورة والنهضة في ما آلت إليه أوضاع تونس برأيك؟
ـ هم الآن يحاولون صرف الأنظار عن العشرة أشهر التي أعقبت الانقلاب والتي كانت أسوأ فترة في تاريخ تونس بعد الاستقلال وبعد الثورة ، هذه الأشهر العشرة التي عاشتها تونس في ظل الانقلاب، هي التي أصبحت البلاد فيها مهددة بالمجاعة، ومرتبات الموظفين مهددة بعدم الصرف، ،والمواد الأساسية غدت مفقودة في الأسواق اكثر من مرة ، ومُنعت فيها وسائل اعلام وكسرت اقلام واعتقل مدونون وحبس برلمانيون علوى يد قضاء عسكري وهددت احزاب بالحل. وأسوأ من ذلك أوصدت أبواب البرلمان بدبابة وجرد النواب من حصانتهم وتم تجويعهم وحلت الحكومة وحل مجلس القضاء، وأصبحت البلاد مهددة بمختلف الأخطار.
العشرية التي يصمونها بأنها العشرية السوداء، نحن لا نقول بأنها عشرية ازدهار وأنها جنة على وجه الأرض، اذ كانت عشرية انتقال ديمقراطي لم تحقق ازدهارا اقتصاديا حقيقيا، ولكن عاش التونسيون لأول مرة في تاريخهم الحرية والديمقراطية بمقاييس اعرق الديمقراطيات المعاصرة. حيث كتبت أعظم دساتيرها سنة 2014، الدستور الذي انقلب عليه الدكتاتور، الدستور الذي تمت ترجمته في مؤسسات ديمقراطية منتخبة ومستقلة تعبر بجد عن مبدإ استقلال السلطات وتوازنها . جرت عديد الانتخابات ان يشنأها احد بتزوير لأول مرة في تاريخ البلاد.
هذه العشرية ساهمت فيها كل العائلات السياسية والمنظمات الوطنية بدرجات متفاوتة. تصدرنا فيها المشهد لسنتين وشاركنا بأقدار مختلفة خلال بقية الفترة. نحن لدينا الشجاعة لتقبل المسؤولية على قدر مساهمتنا ولإجراء مراجعات وتقبل حكم الشعب في الانتخابات على هذه الفترة. لكن للأسف العديد من الاطراف التي ساهمت بشكل كبير في هذه العشرية إما اختفت من الساحة أو تنكرت لمسؤوليتها لتلقيها على النهضة، وهذا يعتبر تلبيسا ومغالطة.
وبالتاكيد لم تكن عشرية ازدهار اقتصادي . وذلك عائد الى طبيعة عدم الاستقرار التي تتسم بها مراحل الانتقال الديمقراطي وحالة الوضع الاقليمي المضطرب وقلة تجربة نخبة الحكم وارتفاع مستوى الانتظارات والمطالب الاحتماعية، ولكنها كانت عشرية ازدهار انتقال ديمقراطي وحريات عامة وخاصة، توجت بحصول تونس على جائزة نوبل اعترافا بما حققته تونس من نجاحات كبيرة..
العشرية، إذن كانت خليطا من النجاحات والإخفاقات، ولم تكن عشرية سوداء، بل كانت عشرية متميزة في تاريخ تونس، عشرية حرية وديمقراطية ورُفع فيها اسم تونس عاليا وصفقت برلمانت العالم لتونس بما فيها البرلمان الأوروبي فكانت تونس باقة فل ومنارة للديمقراطية في عالم عربي تطحنه الانقلابات والحروب الأهلية.
س ـ الذين يتحدثون عن الوجه المظلم للثورة.. هؤلاء مخطئون أو متآمرون على الثورة والديمقراطية؟
ـ “العشرية السوداء” ، رددوا هذه الفرية: الذين لم يفرحوا بفرح التونسيين بالحرية ولم يفرحوا بحصول تونس على جائزة نوبل تتويجا لديمقراطيتها، ولم يفرحوا بدستور الحرية ، ويحدثون أنفسهم بعودة تونس إلى ما قبل 2011، وهم يقولون لا عودة إلى الوراء وهم عائدون إلى ما وراء الوراء، إلى ما قبل الثورة وإلى مرحلة الحزب الواحد، والنظام البوليس الذي قامت عليه الثورة. بل قد ارتدوا الى ما قبل الاستقلال، إلى عهد البايات عهد الحماية الذيي استساغوه. لقد عادوا بنا إلى حكم الفرد ومريديه في شكل سياسي لم تشهد له البلاد مثيلا.
هذه العشرية التي يهاجمونها فتحت للتونسيين أبواب الحرية والانتماء إلى عالم الحداثة السياسية الديمقراطية بديلا عن نظام الحزب الواحد والإعلام المزيف والانتخابات المزورة.
س ـ ذكرت جائزة نوبل والانتماء إلى العالم الحر، أنت تعلم أن هذه الجائزة تسلمتها منظمات المجتمع المدني التي رعت الحوار وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل.. أين هذه المنظمات اليوم؟
ـ الاتحاد العام التونسي للشغل اطلق مبادرة للحوار الوطني منذ سنتين كنا قد رحبنا فيها بينما اصر قيس سعيد على رفضها ، وحاول استعمال الاتحاد ككومبارس يزين به حواره الشكلي والصوري، فرفض الاتحاد ان يكون ديكورا في مسرحية سعيد للحوار .. ومعنى ذلك انه في المحصلة حتى وان اختلفنا في توصيفنا للخامس والعشرين من يوليو ولكن نلتقي مع الاتحاد في رفض مخرجات المنقلب وما اراد تكريسه من مشهد دكتاتوري وفي المطالبة بحوار حقيقي لا حوار على المقاس .
س ـ الرئيس قيس سعيد يقترب من إتمام سنة بعد سيطرته على الحكم، وهو يتوجه اليوم إلى الاستفتاء على دستور لم يكتمل بعد ويستعد لانتخابات نهاية العام من دونكم.. ما الذي يعنيه ذلك عندكم؟
ـ المنقلب يريد تكريس انقلابه بدستور جديد يكرسه نظاما جماهيريا يحلم به يعيد للاذهان نظام فرعون “انا ربكم الاعلى ” مما لا علاقة له بالتعددية الديمقراطية .. لم يرض بدستور الثورة ولا بالقيادات التي جاءت بها الثورة ويحدّث بنفسه بالنظام القاعدي أو النظام الجماهيري.، حيث لا أحزاب ولا نقابات ولا مجتمعا مدنيا، وإنما هناك رئيس ملهم قادم من العالم الآخر يحمل رسالة انقاذ للعالم قاطبة، جهاز يرسل.. و”شعب” يتلقى.
نحن نقدّر أن الشعب التونسي يستحق خيرا من ذلك وأن الشعب الذي أنتج ثورة الحرية والكرامة غير مستعد أن يستبدلها بنظام فردي لا ينتمي إلى عالمنا، عالم الحرية والكرامة والتعددية.
س ـ يأخذ بعض المعارضين لسياسات الرئيس قيس سعيد على المعارضة أنها لم تتوحد وأن خلافاتها البينية لا تزال اكبر من خلافاتها مع الانقلاب، وأن هذا سبب في استمرار قيس سعيد طيلة هذه الفترة.. ما الذي يفرق المعارضة؟
ـ المعارضة تفرقها آراء مختلفة، ومصالح مختلفة وأهواء مختلفة، ولكن الشعب التونسي يكتشف اليوم بأنه قد خُدع بوعود قيس، وأنه خُدع بأنه أعطى صوته وثقته لجهة لا تستحق ذلك.. ولذلك الشعب التونسي بصدد مراجعة نفسه، والشارع التونسي في الأشهر الثمانية الأخيرة ملأ الشوارع عدة مرات مبرهنا على رفضه لنظام قيس، ولرفضه الانقلاب، ويتجه لتوحيد صفوفه.
ويمكن النظر إلى جبهة الخلاص التي أطلقها الاستاذ نجيب الشابي مؤخرا، والتي تضم 10 مجموعات منها خحمسة أحزاب وخمس مجموعات ليست إلا نواة لصف معارض واسع موحد ضد الانقلاب.. ومقابل ذلك جرت محاولات لصنع شارع مؤيد للانقلاب لكنها فشلت لأنها لم تتمكن من تجميع بضع عشرات وفي الأقصى مئات، وتبين أننا أمام شارع واحد يعد بعشرات الآلاف في الأغلب رافض للانقلاب.. مما يدل أن الشعب التونسي يعيش بداية صحوة وأنه تنبه للخطأ الذي وقع فيه وللغواية التي تعرض لها، وهو اليوم يكفر عن ذلك ويعود إلى ثورته وإلى دستوره.. الشعب التونسي يعيش أزمة اقتصادية حقيقية وحالة بطالة تتسع وغلاء للأسعار وفقدان للعديد من السلع، وهو اليوم مهدد لأول مرة بالمجاعة وبكثير من الأخطار، ولذلك هو اليوم يعود إلى ثورته وإلى حريته وإلى زعمائه، ومدرك أن الأزمة الاقتصادية التي تطحنه سببها الرئيسي هو الرئيس قيس سعيد، والخيارات السياسية التي عزلت الحكومة وعزلت تونس دوليا..
هناك أيضا سبب آخر لاستمرار قيس سعيد رغم اقتناع جميع الأطراف بأنه ليس فقط قد فشل في قطع أي خطوة في طريق حل مشكلات البلد الاقتصادية، إذ ليس له حتى الاهتمام بها، بل زاد في تعقد الأزمة برفضه المطلق في قيادة البلاد إلى حوار وطني تشارك فيه كل القوى السياسية والاجتماعية ونخبة البلد، مصرا على الانفراد بمستقبل البلاد حتى اصبح ليس القائد في حل مشكلات البلد ولا هو حتى جزء من الحل بل هو مشكل البلد والخطر الجاثم ومصر تهديد لوحدة البلد .
ومع ذلك فإن قوى ترى في سقوط قيس سعيد سيكون في مصلحة النهضة وأنه سيزيدها قوة ويرجعها الى صدارة المشهد. نحن نقول لهم، لا يجب أن تقودهم هذه القناعة الى ترك البلد ينهار وترك الحريق يلتهم البلد. ونقول لهم، نحن نتفهم تخوفكم، ومستعدون للتحاور والتعاون مع كل الاطراف للاتفاق على الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي تحتاجها البلاد وعلى خارطة طريق تخرجنا من الأزمة التي تتردى فيها البلاد.
ما يحركنا هو خوفنا على بلادنا وليس رغبتنا في المناصب والمواقع. نحن في حركة النهضة معنيون بحفظ بلادنا ووحدة شعبنا، وإنقاذ دولتنا وتجنب الفتن التي يمكن أن تدمر بلدنا، هدفنا هو إنقاذ بلادنا من خطر الانهيار، وليس تصدر المشهد والعودة إلى الحكم. نعرف أن التحديات التي تواجه البلاد كبيرة خاصة بسبب ما أحدثه الانقلاب من أضرار، تعالوا نتحاور، تعالوا نضع اليد في اليد لإنقاذ بلادنا قبل فوات الأوان، ونحن مستعدون لتقديم التضحيات والتنازلات من أجل ذلك فبلادنا أغلى علينا من أحزابنا وأنفسنا.
تواصل الانقسام ورفض التعاون والتخويف من عودة النهضة هو أهم سلاح لدى الانقلاب ليواصل في تفكيك الدولة، وتفكيك المؤسسات، وترسيخ نظامه الهلامي الانفرادي المطلق الذي يقوم بالضرورة على تدمير ومسح كل ما انتجته دولة الاستقلال والثورة من نخب ومؤسسات وحريات عامة وفردية ومجتمع مدني وأحزاب. بالنسبة للمنقلب، تونس قبله كانت تعيش مرحلة العدم والتيه، وأنه مرسل ليصنع تاريخا جديدا ليس فيه مكان الا للزعيم ومريديه و”شعبه”. لذا أدعو أبناء تونس لايقاف هذا العبث الخطير بالدولة والبلاد، وذلك قبل فوات الاوان.نحن احرص على عودة الديمقراطية من عودتناإالى الحكم.
س ـ هناك من المعارضة من يشترط على النهضة أن تقوم بنقد ذاتي أولا.. هل تعتقد أن هذا الشرط له ما يبرره؟
لا شك أن العودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل. ومن يظن بأنه على الصواب في كل أمره وأنه يمثل الحقيقة، فهو مخطئ بالتأكيد، فكل ابن آدم خطاء.. والمجموعات السياسية تخطئ لا شك، وينبغي أن تراجع نفسها بين الحين والآخر، ونحن لسنا ضد سنن الله سبحانه وتعالى بأن البشر خطاء وبأن التوبة مطلوبة، وأن الاستغفار مطلوب، وأن محاسبة الذات قبل محاسبة الغير مطلوبة، ونحن لسنا خارجين من هذه السنة، ونحن بصدد مراجعة الكثير من سياساتنا ولا شك أن أكبر خطأ ارتكبنا، أننا أعطينا الثقة في من لا يستحق هذه الثقة.. أعطينا الثقة في قيس سعيد وما كان يستحق هذه الثقة، ولنا أخطاء أخرى نحن بصدد مراجعتها.. وللآخرين أخطاؤهم.
ومن ينظر إلى نفسه على أنه فوق النقد وفوق الخطأ وفوق المحاسبة فهو مخطئ وظالم لنفسه قبل غيره، ولا شك؟
س ـ داخليا أين وصلت حواراتكم مع المستقيلين من القيادات ومع المجمدين لعضويتهم في مجلس الشورى، وماذا عن المؤتمر 11 للحركة؟
ـ بالتأكيد هنالك حوارات داخل النهضة باستمرار وداخل مجلس الشورى وخارجه، ونحن بصدد البحث عن وفاقات في مواجهة الخطر الداهم، خطر الدكتاتورية الجاثم على البلاد، خطر المجاعة المهددة للبلاد، البلاد تحتاج إلى وحدة صف وإلى توافقات واسعة لا تستثني إلا من استثنى نفسه.. ولذلك نحن دعاة حوار، وقيس سعيد هو الذي رفض الحوار مع الاحزاب ومع مؤسسات المجتمع المدني بما فيها اتحاد الشغل الذي دعا إلى الحوار وكذا النهضة، ولكن الرئيس المنقلب مصر على اعتبار نفسه فوق النقد، وأنه الناطق الرسمي باسم الحقيقة.. ورافض لكل التوافقات والحوارات..
أما الذين استقالوا من النهضة فنحن ملتقون معهم حول القضايا الوطنية وعلى رأسها مقاومة الانقلاب والعودة إلى الحرية. وهناك جبهة الخلاص الوطني التي نجتمع فيها مع الذين استقالوا بالأمس من الحركة لمواجهة خطر وطني مشترك، والنضال من اجل استعادة الديمقراطية..
نحن لم نقطع الحبال مع أحد يريد الخير لتونس ويريد العودة إلى الديمقراطية ومقاومة الانقلاب والدكتاتورية..
أما بخصوص المؤتمر 11 للحركة فالإعداد له لم يتوقف والبحث جار عن تحري الظرف المناسب والقرار في يد مجلس الشورى.
س ـ كثيرا ما يتهمكم خصومكم وأنصار الرئيس بأنكم تستقوون بالخارج.. ما هي حقيقة هذا الاتهام أولا.. وكيف تقيم موقف الخارج مما يجري في تونس منذ الانقلاب؟
ـ نحن حركة وطنية تونسية واتهامات الاستقواء بالخارج اتهامات فارغة اتهامات منافسين سياسيين غير منصفين، تونس جزء من العالم، تتفاوض مع المؤسسات الدولية ومع صندوق النقد الدولي وهي شريك لأوروبا ولا أحد ينادي بعزل تونس عن العالم الخارجي..على ان لا ينال ذلك من سيادة دولتنا واستقلال قرارنا.
الذين أساؤوا لتونس واضعفوا مكانتها وقوتها التفاوضية وقوتها الناعمة هم الذين انقلبوا على الثورة، وهم الذين استعانوا بقوى خارجية انقلابية لم تُعرف بعلاقة إيجابية لا مع الديمقراطية ولا مع الثورة.. الجهات التي تتدخل في الشأن التونسي لدعم الثورة المضادة ولدعم الانقلاب واضحة، وسائل إعلامها واضحة ..
أما العالم الديمقراطي فيدعم الديمقراطية وعودتها إلى تونس، وقد أصدر عديد البيانات ضد الانقلاب مثلما فعل البرلمان الأوروبي والكونغرس الأمريكي وغيرهما من القوى الديمقراطية السياسية والإعلامية ليس غيرة على النهضة وانما على قيمها ومصالحها، ولكن هذا الدعم لم يتخذ شكل جيوش أجنبية، والحمد لله، لا تنتصب على أرض تونس جيوش أجنبية، لدعم الديمقراطية ولا أحد دعا إلى تدخل عسكري في تونس، وإنما الأمر أن هناك قوى سياسية ديمقراطية في العالم تدعم الديمقراطية في تونس بالمواقف، وهناك قوى دكتاتورية انقلابية في العالم تدعم المنقلببين في تونس بالإعلام وبأكثر من ذلك.
س ـ إلى من تشير بالدول التي تدعم الانقلاب؟
ـ أقصد الذين يرون في الثورة التونسية ونموذجها الديمقراطي خطرا عليهم خطر اقتداء شعوبهم المقهورة بالنموذج التونسي فتبادر إلى استهداف شمعتنا بدل الاستضاءة بها.. القوى الدكتاتورية في المنطقة تخشى من الديمقراطية التونسية ولذلك تسلط عليها حربا إعلامية واضحة.. هناك قنوات إعلامية خليجية مسلطة على تونس للتشنيع على الديمقراطية للتبشير بسقوطها ولدعم المنقلبين..كما هناك اخرى مضادة لها
س ـ أنت شخصيا لعبت دورا مهما في إرساء علاقات متميزة مع الجزائر.. ومعروف أن لك صداقات مهمة مع السياسيين الجزائريين، وقد وقفت إلى جانب استقرار الجزائر في فترات متعددة.. كيف تنظر لموقف الجزائر مما يجري في تونس؟
ـ أعتبر أن الموقف الجزائري الرسمي مما يجري في تونس موقف إيجابي .. الجزائر وقفت مع الثورة التونسية ودعمت تونس اقتصاديا دعما كبيرا، خلال أزمة تونس خصوصا عامي 2015 و2016 حينما ضُربت تونس بالإرهاب ضربات موجعة زلزلت عمود اقتصادها وهو السياحة، فتولت الجزائر حكومة وشعبا الوقوف مع تونس، فهبت ملايين من اشقائنا الجزائريين إلى تونس وأنقذوا الموسم السياحي.. وذلك عندما فر السواح الأوروبيون.. وقفت الجزائر بالمنح والقروض لدعم الميزانية التونسية.. تقديرنا كبير للأشقاء الجزائريين رئيسا وحكومة وشعبا.
س ـ بعد الذي جرى لكم في تونس وما جرى في مصر وفي باقي دول الربيع العربي، بدأ الحديث عن فشل الإسلام السياسي ونهايته.. هل هذا الاستنتاج صحيح؟
ـ هناك بيت شعري قديم يقول: زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا أبشر يا مربع بطول بقاء.. طال التبشير بنهاية ما يسمى الإسلام السياسي، لكن يبدو أن الإسلام السياسي له أكثر من سبع أرواح.. إذا فقد واحدة تحل أخرى محلها..
الحقيقة القائمة تشهد أن من سينتهي ليس هو “الإسلام السياسي”، وإنما الأنظمة الدكتاتورية الاستئصالية العلمانية المتطرفة، ولا أقول كل العلمانيات، وإنما العلمانيات الاستئصالية المتطرفة هي التي تحتضر في العالم العربي ولا تجد لها طريقا إلى الحكم إلا عبر الانقلابات.. أما الإسلام “السياسي” فبيّن أكثر مرة أنه يمكن أن يتراجع لكنه سرعان ما يعود ليتقدم مجددا لأنه أصيل في شعوبنا وعريق، وبالتالي يمكنه أن يتأخر وأن يخرج من السلطة بالصندوق لكنه ما يلبث ان يعود إليها لأنه أصيل.. أما الذين يخرجون ولا يعودون إلا عبر الانقلابات فهم معروفون وليس من بينهم الإسلاميون..
س ـ كنت واحدا من أهم القيادات الإسلامية الداعية للانخراط في النظم الديمقراطية والتعاون مع المجتمع الدولي لترسيخ الاستقرار.. هل مازلت مؤمنا بذلك بعد تجربة الربيع العربي؟
ـ نعم، الربيع العربي أكد ديمقراطية الإسلاميين وأدرك العالم بأنه ليس بين الإسلامي وبين الوصول إلى السلطة إلا حضور الحرية وغيابها، كلما حضرت الحرية حضر الإسلام الديمقراطي.. أو الإسلام الصحيح . أما الإسلام بصيغه المتطرفة والإرهابية فيختفي باختفاء اوضاع الفساد والاختلال. الإسلام بصيغته المعتدلة والسمحاء الديمقراطية لا ينقضي.. قد يتأخر قليلا لكنه سرعان ما يتقدم لأن شعوبنا شعوب أصيلة بإسلامها وبديمقراطيتها وبشوقها إلى الحرية.
س ـ لعلك تابعت وتتابع ما يجري في فلسطين من مواجهات في رمضان وبعدها، وما جرى من اغتيال لصحفية في قناة الجزيرة.. كيف تنظر لواقع ومستقبل القضية الفلسطينية؟
ـ قلب الأمة في فلسطين، والأمة ليست مجتمعة على شيء كما هي مجتمعة على الحق الفلسطيني، ومناهضة الظلم الواقع على هذا الشعب الأصيل.. البطل . هذا الشعب يدافع عن شرفه ودينه وحضارته وكرامته ، في مواجهة أخر واشرس وانكى ما تبقى من صور الاستعمار ، بل هو في الخط الاول دفاعا عن الأمة كلها وعن الإنسانية الحرة.. ونحن متوجعون ومتألمون لأننا لا نقدر أن نقدم ما يجب تقديمه للشعب الفلسطيني من عون.. وندعو احرار العالم وكل الخيرين أن يقفوا مع الشعب الفلسطيني البطل .. هناك للاسف نكوص عروبي وإسلامي وإنساني عن اداء ما يجب آداؤه تجاه هذا الشعب المناضل.نحن كلنا إعجاب بشبابه وفتياته وبمسلميه ومسيحييه، وعلى راسهم فقيدة الحرية الإعلامية المعروفة شيرين أوب عاقلة رحمة الله. الشعب الفلسطيني برهن بأنه جدير بأن يكون شعب الجبارين، وحارس المسجد الأقصى والقدس الشريف وحق على الأمة أن تقف معه حتى يستعيد المسجد الأقصى والقدس وأرضه السليبة.
س ـ ختاما رسالتك للتونسيين وللديمقراطيين العرب والغربيين..
ـ نحن ممتلئون يقينا وقناعة بأن الديمقراطية التونسية ليست شيئا عابرا وأن الثورة التونسية ليست صدفة، وأن الدستور ليس حدثا عابرا، وأن الدكتاتورية التبي يسعى المنقلب لتكريسها هي الحدث العابر، وهي الغفوة التي أصابت الشعب التونسي، وبدأ يستفيق منها..
ونحن مدركون أن المعركة في تونس والعالم لا تدور بين إسلاميين وعلمانيين، وإنما تدور بين ديمقراطيين أحرار وبين استئصاليين يحدثون أنفسهم بالتسلط على الناس.. هذه معركة تونس ومعركة العالم بين قوى حرة تدافع عن الإنسان الحر الكريم، وبين قوى تعسفية ظالمة قوى تحدث نفسها بالتسلط، وبأنها أعلى من الناس وأن من حقها أن تتسلط على الناس تحت شعارات زائفة .
إذن نحن نرى أن المستقبل للحرية والديمقراطية وللإسلام الديمقراطي وللعدالة الاجتماعية وللفقراء والمساكين وحقهم في الحرية والكرامة والاسهام في مستقبل بلادهم والتمتع بثرواته .
إيماننا عميق بقيم العدل والحرية وانها قيم أصيلة في بنية هذا العالم ، بينما التسلط والدكتاتورية والظلم أمور شيطانية شاذة لا مستقبل لها.. ودعوتي للعالم كله أن ينظر إلى الإسلام باعتباره مكونا أساسيا من مكونات هذا العالم، شريك في سياساته.. وإنه عنوان آخر من عناوين القيم الأصالة: العدل والحرية والكرامة والجمال.
#الغنوشي #لـعربي21 #الجهاز #السري #فرقعة #إعلامية #لنظام #يحتضر
تابعوا Tunisactus على Google News