الفنانة التشكيلية الليبية سعاد الترهوني :
الفنانة التشكيلية الليبية سعاد الترهوني :
أرسم عندما أشعر بالصفاء الذهني
عادل الميالي
سعاد الترهوني رسامة ليبية أسهمت عبر مسيرتها الفنية في إثراء المشهد التشكيلي الليبي , فهي فنانة جادة ومجتهدة ومثابرة , حيث يتجلى ذلك من خلال حرصها الدائم على الحضور والمشاركة الفاعلة في العديد من المعارض الفنية داخل وخارج ليبيا .
أعمال الترهوني تحمل رؤية فنية واعية وثقافة فاعلة مع جمالية بصرية , إذ تسعى إلى مخاطبة الرائي بلغة حوارية تشكيلية رائعة يتجلى فيها النضج الفني والتلقائية والعفوية والوضوح , بهدف إعادة إنتاج الوطن وفق مخيلتها الإبداعية المرتكزة على قراءة واعية لتاريخ ليبيا بكل ما يكتنزه ويحويه من جمال في الطبيعة وإرث تاريخ زاخر .
تنتمي غالبية أعمال الترهوني إلى المدرسة الواقعية عبر رؤية وأداء خاص , ذلك ان لغة التشكيل لديها مستمدة من الواقع المحلي والبيئة الليبية بكل ملامحها وروحها وعناصرها , إذ تنوعت أعمالها بين موضوعات البحر والطبيعة , فضلا عن أعمال تجسد معالم المدينة القديمة والموروث الليبي بما يحمله من عراقة وأصالة .
وبالرغم من المسحة الواقعية لأعمالها , إلا ان البعد الإنساني يبدو جليا وواضحا عبر حضوره الفاعل , فضلا عن هيمنة وبروز انفعالاتها الإبداعية والتي تجعل من العمل الفني زاخرا بالإيحاءات التي تعبر عن الهواجس النفسية للفنانة .
الترهوني عبر لوحاتها المتدفقة بالحيوية والألوان المتجددة , تؤرخ للواقع الليبي عبر مشاهدات حياتية تستحضر التفاصيل والجزئيات , مؤكدة بذلك عمق انتمائها وارتباطها القوي بواقعها .
ولغرض التعرف على المسيرة الفنية لهذه الفنانة المتجددة , كان لنا هذا الحوار :
البدايات
{ مشوارك الفني في مجال الرسم , كيف كانت بدايته ؟
منذ طفولتي وأنا أميل للرسم , حيث كنت أمسك القلم والورقة وأحاول أن أرسم كل شىء يقع عليه ناظري وخاصة تفاصيل محيطي الاجتماعي , وأقصد هنا المدرسة الابتدائية , كما كنت أنتظر حصة الرسم بفارغ الصبر , إذ كان يفرحني تشجيع
أساتذتي لي , وربما هذا ما شجعني على الاستمرار في مشواري , ولعل النقطة الأكبر والأهم في حياتي هي سفري إلى فرنسا ومكوثي فيها لمدة خمس سنوات , إذ سرعان ما التحقت بمعهد متخصص بتدريس الرسم , حيث تعلمت فعلا فن الرسم وأطلعت على مدارسه واتجاهاته وأدواته , وتعرفت على أعمال وتجارب الفنانين العالميين في هذا المجال .
{ أيهما أكثر تأثيرا في صقل قدرات الفنان , الموهبة الفطرية أم الدراسة الأكاديمية ؟
اكتساب طرق الرسم وأساليبه وتقنياته المتعددة لا يتأتى إلا عبر الممارسة والتجربة العملية والخبرة المتواصلة , إذ لا تكفي الدراسة النظرية لوحدها , لهذا يجب على الفنان الذي يتمتع بموهبة فنية , دراسة وفهم المبادئ الفنية , لكي يلم بجميع فروع الفن , ذلك أن الإطلاع والبحث له دور كبير في بناء وتكوين شخصية الفنان .
{ ما الذي يشكله لك فن الرسم ؟
الرسم هو عالمي الخاص , فأنا إنسانة أبحر بخيال يتجانس مع الواقع والطبيعة التي أبدعها الله , إذ أنني أرى الأرض والبحر والشجر صورا وألونا , كما أرى في عيون بعض الشخوص مرآة تعكس إبداعات كثيرة مليئة بالحب والصدق والمحبة , كذلك أرى في كل الأشياء صورا تنقلها أحاسيسي بصدق وجمالية متكاملة .
{ متى ترسم الفنانة سعاد الترهوني ؟
لابد من القول ان الفنان يجد نفسه من خلال لوحته ويشعر بالراحة عندما يمسك الفرشاة , لهذا فأنا أرسم عادة عندما تأتيني لحظة ما , قد تكون شعورا لا إراديا , إذ ليس هناك ثوابت في الرسم والعمل , فالمصادفة أحيانا قد تخلق لوحة , وعموما فأنا أرسم عندما أشعر بالصفاء الذهني .
{ ما الإحساس الذي ينتابك عندما ترسمين ؟
عندما أرسم أشعر بمتعة وسعادة كبيرة لا يمكن وصفها , فمن خلال الرسم أحس وأشعر بذاتي , حيث أنني أجد نفسي داخل لوحتي بكل ما في من مشاعر وأحاسيس لدرجة أنني أعيش معها ساعات طويلة دون أن أفارقها لحظة , شعورا بالسعادة من خلال الألوان المتنوعة والأشكال الرائعة , كما إن الرسم هو علاج نفسي لأشياء كثيرة بداخلي , فاللوحة تمثل تجاوبا بيني وبينها , أخاطب فيها نفسي , باختصار أقول إن الرسم بالنسبة لي أشبه بالولادة .
المدارس الفنية
{ ما المدارس الفنية التي تميلين إليها ؟
هناك مدارس ومذاهب متعددة منها الواقعية والتجريدية والانطباعية والسريالية والتكعيبية والرمزية , ولكنني أميل إلى المدرسة الواقعية كونها ترسم من واقع الفن وتعبر عن الحياة الواقعية .
{ يرى البعض إن الفن ليس محاكاة , إنما هو عالم قائم بذاته , فما قولك في ذلك ؟
لابد للفن أن يكون خالقا لعوالم جديدة وأن يكون معبرا عن الذات ومكتفيا بها , إذ تمتزج عاطفة الفنان مع الشكل للوصول إلى غاية بحتة , وبذلك يكون معبرا عن رمز العاطفة أو مكتفيا بذاته من خلال إيجاد تراكيب شكلية وفق عمليات مدركة من قبل الفنان للخروج بنتيجة ترضي الفنان وتوجد الكيان المستقل للعمل الفني .
{ ما الذي تمثله البيئة بالنسبة لك ؟
لابد للفنان أن يسخر أعماله لخدمة البيئة , خاصة وأن بيئتنا هي بيئة جميلة يغمرها التراث والأصالة , ومن هنا فإن معظم رسوماتي مستمدة من البيئة , كما أنني أحب التراث الليبي كثيرا , حيث نفذت عدة لوحات مستمدة من التراث , وأحيانا أستمد موضوعاتي من الطبيعة الغنية بالألوان , وبشكل عام فإن البيئة تشكل عنصرا أساسيا بالنسبة للفنان , فهي تعطيه صفاء الذهن وتستفز كوامن الإبداع لديه وتحثه على الرسم .{ برأيك هل الطبيعة تساعد على نضج الذاكرة ؟
للطبيعة ومظاهرها الخلابة الأثر الكبير في تطوير قدراتي , فهي تصور جمالا مخلوقات الله , ومن هذه المشاهد والتفكير فيها يكتسب الفنان قدرة تحليلية جمالية يستطيع خلالها استخدام عناصر الطبيعة واتخاذها عنصرا أساسيا في أعماله الفنية .
دلالات اللون
{ هل توظفين اللون أحيانا لإعطاء معاني خاصة ذات تأثيرات نفسية معينة ؟
اللون يوضع حسب الموضوع الذي أمامك , ولكن عين الفنان تعكس الألوان الجميلة في اللوحة , فهو (أي الفنان) الوحيد الذي يستطيع أن يملك ما في الموضوع من ألوان ويسجلها في اللوحة , ولا بأس من توظيف أي لون في اللوحة , ذلك إن الفنان حر في إظهار لوحته كما يشاء , وعموما فإن اللون هو الذي يعطي الجو العام للوحة الفنية .
{ الفن المبدع هو حصيلة الشكل زائد المضمون , فهل تحرصين على هذه الموازنة خلال عملك الفني ؟
لا تكتمل اللوحة الفنية إلا من خلال توافق وتكامل عنصري الشكل والمضمون , فهما وجهان لعملة واحدة , ولا يمكن أن ينفصلا عن بعضهما كما يقول بعض الفلاسفة في هذا الشأن , وبالتالي لابد أن أحرص هذه الموازنة لكي يخرج العمل الفني في أبهى وأروع صوره.
{ الفن هو تعبير عن موقف إنساني إزاء الحياة والوجود , فهل تسعين إلى تجسيد ذلك من خلال رسوماتك؟
طبعا أحرص على تجسيد كل مشهد من مشاهد الحياة في لوحاتي سواء كانت مشاهد مفرحة أم محزنة .
الثقافة والإبداع
{ هل تشكل الثقافة الموسوعية معينا مهما بالنسبة للفنان التشكيلي ؟
بالطبع لكي يعطي الفنان صورة صادقة لفنه ومجتمعه , فالثقافة تساهم في بلورة الوعي وتحقيق النضج العقلي لدى الفنان , بالإضافة إلى الاستقامة في السلوك والحذق في الأشياء والإتقان في العمل .
{ كيف يمكن أن يساهم الفنان في خدمة قضايا المجتمع ؟
الإنتاج الفني لا يمكن أن يكون ذا مستوى جماهيري , ولا يمكنه أن يتجاوب مع الآخرين إلا حينما يستوعب الفنان الحياة الشعبية بما فيها من ثقافة وحضارة وعادات , ويستشرف القوى التي من شأنها أن تحرك المجتمع وتدفعه نحو التقدم , وبذلك تصبح نظرتنا إلى الفن نظرة واعية وإيجابية , كما أؤكد على ضرورة وعي الفنان لذاته لكي يسهم في تسريع مهامه الحضارية والثقافية لخدمة المجتمع.
{ من وجهة نظرك كفنانة تشكيلية , ما هو مفهوم الفن ؟
الفن هو فكر وعاطفة وجمال يرقى بالذائقة والمتلقي إلى حالة من الإندماج الفكري التذوقي من خلال إيجاد علاقات بين الأشكال والمفاهيم وصياغتها وفق سياقات جديدة متناسبة مع الحاجة الإنسانية لفن جديد وصيغ جديدة للتعبير .
#الفنانة #التشكيلية #الليبية #سعاد #الترهوني
تابعوا Tunisactus على Google News