القمة الصينية.. الفرص المنشودة في الشرق الأوسط !
آراء حرة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
بات على الولايات المتحده أن تكون أكثر واقعية وتتقبل فكرة التعامل مع عالم جديد يرفض هيمنة القطب الواحد غربيا كان أوشرقيا، وعلينا نحن سكان الشرق الأوسط الاستعداد لشراكة استراتيجية مع الصين وغيرها إن أردنا عالما أكثر عدلا نكون فيه قطبا من أقطابه الجديدة وإلا استبدلنا هيمنة الكاوبوى الأمريكى بسطوة التنين الصينى.
من منظور مثالى تستطيع أمريكا العيش فى عالم تحكمه قوانين وآليات التنافس الحميد الذى يخدم الحضارة البشرية؛ لاالصراع الذى لابد وأن يصل الى نقطة الذروة وهى لحظة الصدام العسكرى حيث لانصر مضمون ؛ومع وجود ترسانات نووية لانصر لأحد والمرجح فناء الجنس البشرى.
لكن ذلك يشترط تخلى أمريكاوحلفاؤها الأوروبيين عن النزعات الاستعمارية التى تشكل على مايبدو جزءا مهما من الموروث الثقافى والسياسى الغربى بسبب تاريخهم الاستعمارى والاستيطانى ؛وهو ماانعكس جليا فى مواقف النخبة السياسية والإعلامية الغربية مع بدايات الأزمة الأوكرانية عندما لم تخف بعض رموز هذه النخبة نظرتها العنصرية باستنكارها مشاهد اللاجئين الأوكران لمجرد أنهم من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعر الأصفر.
وقالوا بوقاحة هؤلاء أوربيون مثلنا وليسوا عراقيين أوسوريين أو ليبيين أو أفارقة.
هذه النظرة الاستعلائية تجلت فى التصريح الشهير لعميد الديبلوماسبة الأوروبية مفوض السياسة الخارجية العليا للاتحاد الأوروبى ” جوزيه بوريل” بقوله أن إوروبا حديقة جميلة وكل ماحولها أدغال.
الثقافة الغربية تنظر لكل آخر مختلف باعتباره الأدنى وأنه فى أحسن الأحوال لابد وأن يصبح تابعا وهذا ما انعكس فى الممارسة السياسية عند التعامل مع باقى شعوب الأرض خاصة فى إفريقيا والشرق الأوسط.
وحتى مع وصف علاقة واشنطن وغيرها من العواصم الغربية مع بعض الدول العربية سواء باالتحالف أو الشراكة الاستراتيجية إلا أنها لم تكن كذلك فى واقع الأمر حيث كانت تدار بمنطق التبعية التى تخدم مصالح الحديث الأمريكى أو الشريك الأوروبى أولا ولو كان على حساب المصالح الإستراتيجية للطرف العربى، مع الاستخدام الدائم لأوراق ضغط مزعومة يسمونها حقوق الإنسان وتارة أخرى يسمونها رعاية الإرهاب.
القمم الصينية الثلاث التى عقدها الرئيس ” شى جين يانج” مع المملكة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجى، والدول العربية بمشاركة الرؤساء والملوك أو ممثلين عنهم إضافة الى أمين عام جامعة الدول العربيه السفير أحمد أبو الغيط،لاتؤسس فقط لمرحلة جديدة للشراكة العربية الصينية.
وإنما يمكن اعتبارها الإعلان الأول عن تدشين عالم متعدد الأقطاب لاوجود فيه للهيمنة الأمريكية، عالم يغيب فيه منطق التابع والمتبوع فى إدارة العلاقات الدولية.
وربما كانت المنطقة العربية محظوظة بإطلاق الولايات المتحدة الأمريكية ما أسمتها استراتيجية الفوضى الخلاقة مطلع الألفية الثالثة ومع احتلالها العراق فى عام ٢٠٠٣ بغية مقرطة دول المنطقة بحسب التعبير الأمريكى لتقودنا التفاعلات اللاحقة لهذه الاستراتيجيه الى أحداث ٢٠١١ أو ماسمى باالربيع العربى لتتكشف إمام أعيننا دعم واشنطن راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان لجماعات إسلامية إرهابية تعتبر الديمقراطية كفرا وحقوق الإنسان بدعا؛ وعملت على تمكين تلك الجماعات من حكم بعض البلدان على غرار ماجرى فى مصر مع جماعة الإخوان الإرهابية التى دعمتها بصور مختلفة فى تونس وسوريا واليمن وحتى داخل معظم إن لم يكن كل دول الخليج.
ورغم ماقد يبدو من عداء بين واشنطن وطهران إلا أن الأولى سارعت إلى تمكين الميليشيات الإيرانية من العراق فور احتلالها مارس ٢٠٠٣ وبدأت تستخدمها كأداة لمحاصرة الخليج من الشمال والجنوب حيث سيطرة ميليشيات الحوثى فى اليمن.
بعبارة أخرى الفراغ السياسى والأمنى فى الشرق الأوسط لم يصنعه الإعلان الأمريكى عن الانسحاب من المنطقة ؛ لأن جوبايدن عاد يؤكد أن بلاده لن تنسحب وتترك فراغا يملأه الصينيون أو الروس.
بيد أن تصريح الرئيس الأمريكى جو بايدن الذى أطلقه أثناء قمة جده يونيو الماضى جاء بعد فوات الأوان فالفراغ أو بالأحرى الانسحاب الأمريكى جرى عمليا عندما أزالت إدارة بايدن ميليشيا الحوثى من قوائم الإرهاب وسمحت للصواريخ الإيرانية تهديد المنشآت النفطية والمناطق المدنية فى السعودية والإمارات.
مجمل السياسات الأمريكية فى المنطقة كانت صاحبة الفضل الأول فى توليد وعى جديد ومختلف لدى أنظمة الحكم الجديدة سواء فى مصر أو المملكة السعودية.
الصين لن تأت لملء الفراغ الأمريكى ليس لأنها تريد ذلك لكن لأن تغييرا مهما وحاسما جرى فى الشرق الأوسط،الناس هنا يريدون علاقات ندية ويدركون أنهم رقم صعب فى عملية تخليق العالم الجديد متعدد الأقطاب؛ الخليج بدوره الحاسم فى قضية الطاقة النفطية وإمكاناته الاقتصادية الهائلة،مصر بأدوارها الحيوية بحكم نفوذها فى شرق المتوسط وإمكاناتها الواعدة فى إنتاج الطاقة المتجددة.
علاوة على موقعها الجغرافى الحاسم وكونها صاحبة أقوى وأكبر جيوش المنطقة على الإطلاق.
الشراكة الصينية العربية ستكون على المستويات كافة الاقتصادية والتكنولوجية والصناعية ومشروعات النقل وصولا إلى التعاون فى مجال علوم الفضاء وسيجرى خلال ذلك كله توطين التكنولوجيا بمختلف صورها سواء فى مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعرفة أو فى مجالات التصنيع المدنى والعسكرى؛ ولأن هذه الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية متعددة المجالات تتطلب استقرارا سياسيا وأمنيا أكد الرئيس الصينى على العمل سويا مع الدول العربيه لإنهاء أزمات دول المنطقة سياسيا فى سوريا وليبيا واليمن ومايعنى بالضرورة أن الصين وبحكم علاقتها الاستىراتيجية مع إيران وروسيا ستلعب دورا حاسما فى تحجيم التهديد الإيرانى فى أقل تقدير إن لم يكن فى إيجاد صيغة لتوافق سياسى ايرانى عربى قائم على التنافس والتعاون لاالصراع والتآمر وفى مثل هذه الصيغة مصلحة صينية روسية وبالطبع عربية.
صحيح أن الصين وروسيا ليسو كالغرب لايحترمون مبدأ سيادة الدول وخصوصيتها الثقافية ويتدخلون فى شؤونها الداخلية لكن السياسة لاتعرف الثبات،وحتى تفرض على الآخر الالتزام بالمبادئ واحترام أخلاقيات التعاون عليك دائما أن تحتفظ بقوتك وتعمل على تطويرها حتى تحتفظ بمكانتك كند، وحتى تبلغ غايتك فى العالم الجديد المنشود الأكثر عدالة.
دلالة القمة الصينية العربية والتى كان أمين عام جامعة الدول العربية من أبرز المشاركين فيها، تعنى أن الصين تسعى إلى شراكة استراتيجية موسعة مع الدول العربية ككتلة وظنى أنها فرصة لتطوير آليات العمل العربى الجماعى عبر جامعتهم وفرصة أيضا لكل دولة عربية على حدة لتحسين أوضاعها الداخلية بما يعزز الاستقرار السياسى بمعنى أنه مع بقاء وتطوير الإستراتيجيات الأمنية لمحاربة تنظيمات الإسلام السياسى الإرهابية على الدول العربية أن تعمل على إصلاح بنية هياكلها الاقتصادية وتحسين بيئة الاستثمار وتعزيز قدرات مواطنيها على تنمية أنشطتهم الاقتصادية بما يسمح بنمو الطبقة المتوسطة فى مجتمعات الشرق الأوسط العربية حتى تكون مستعدة للتعاون مع هذه الشراكة الجديدة وحتى لاتتحول مع الأيام إلى تبعية جديدة للتنين الصينى.
#القمة #الصينية. #الفرص #المنشودة #في #الشرق #الأوسط
تابعوا Tunisactus على Google News