المرأة المسلمة بين الشريعة الأصيلة والقوانين الدخيلة
لاحظ الرأي العام العربي أن عديد الدول العربية (والمسلمة عموما) تعيش جدلا متناميا حول إعادة النظر في قوانين الأحوال الشخصية من أجل تطوير القوانين خاصة تلك التي اعتمدت تفاسير حرفية وجائرة للشريعة الإسلامية.. وهذه التفاسير المغلوطة والمتناقضة حطت في أحيان كثيرة من مكانة نصف المجتمع وسلبت المرأة حقوقها الشرعية والإنسانية التي لا تقدم للمجتمعات بدونها.. ومن هذه الدول التي تتجادل نخبها حول قوانين الأحوال الشخصية نجد لبنان ومصر والأردن والمغرب والجزائر والكويت، وخاصة تونس التي تفتخر بأن الزعيم بورقيبة أصدر فيها أول مجلة علمانية للأحوال الشخصية..
إلا أنني منذ عقود لم أتعب من القول بأن كل قانون هو كائن اجتماعي حي يتعدل ويتطور ويتحور حسب التحولات الطبيعية التي تطرأ على المجتمع.. ومن واجب نخبة المجتمع تعديله أو تطويره أو تحويره.. إنما نحن الوحيدون لا نمس القوانين حتى الصادرة عام 1919 مثل قانون تجريم توريد الذهب الذي سنته سلطات الاستعمار الفرنسي لمنع التونسيين من امتلاك الذهب.. وإلى اليوم يحاسب كل من يجلب كمية من الذهب إلى تونس رغم أنه سيثري بها رصيد الدولة! (وشكرا للأستاذ المحامي الطاهر بوسمة الذي أثار هذا الموضوع) وأضف إليه قانون الصرف (1945) والمجلة الجزائية (1913)..
أما في قانون الأسرة فتتسابق نخبتنا إلى كسب أصوات النساء (في الواقع صنف واحد من النساء) برفع شعار (مجلة الأحوال الشخصية خط أحمر ومكسب عظيم) بمن فيهم أحزاب المرجعية الإسلامية التي أمسكت ببعض خيوط السلطة ففرطت في ثوابتها وخاضت مع الخائضين قائلة (إنها خط أحمر)!!
وما زلت يوميا أكتشف الآثار السلبية التي انفرد بها مجتمعنا والتي فرضها على الناس هذا القانون المختوم بخاتم آخر ملوك تونس محمد الأمين باشا باي رحمة الله عليه بينما عزله بورقيبة عن عرش آبائه وأجداده بتهمة الرجعية والتخلف! وهو الموقع بيده على هذا القانون وآخر هذه السلبيات ما قرأه الناس على صفحات جريدة (الصباح) التونسية ليوم 22 شباط (فبراير) 2015 حيث جاء في الجريدة عنوان هو (رجل تزوج من بنت أخته) ونقرأ في الخبر حرفيا: (تمكنت الشرطة العدلية بالسيجومي “ضواحي تونس” في تموز (يوليو) 2014 من إلقاء القبض على زوجين يسكنان مسكنا في حظيرة بناء وبالتحقيق معهما تبين أن الزوج هو خال الزوجة!
وبالأمس أصدر حاكم التحقيق بمحكمة تونس الثانية قرارا يقضي بحفظ جميع التهم في حق المشتبه بهما (أي الزوج الخال والزوجة بنت الأخت) وذلك لعدم وجود جريمة معتبرا بأن ما جاء به قانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرخ في غرة (أغسطس) 1957 ومجلة الأحوال الشخصية لم يحرما صراحة زواج المحارم!!! واكتفت مجلة الأحوال الشخصية التي هي (خط أحمر وما تزال).. اكتفت تنصيصا على بطلان الزواج منتهيا (أي حاكم التحقيق) إلى عدم وجود الركن الشرعي للجريمة وهو ما أقرته دائرة الإتهام بتاريخ 17 يونيه 2017.”
إنتهى الخبر كما أوردته جريدة (الصباح). هنا أسأل تلك النخبة المدعية الحداثية العلمانية المتطرفة: “هل نبادر بإصلاح هذا الخلل في قانون الأحوال الشخصية أم نواصل رفع عقيرتنا بالشعار الشعبوي (خط أحمر ولا تقربوها؟
أطلب فقط ممن يتطرف في العلمانية الغربية الدخيلة أن يفكر في ابنته هو نفسه لعل الله قدر لها أن تكون عاقرا فأي الحلين أكثر رحمة ومروءة: هل هو احتفاظ الزوج بالأولى أي ابنتك وإكرامها بأسرة وعش هادئ في الحلال أم الحل المفروض علينا بقانون جائر (لأنه جامد!) والذي يقضي برمي الزوجة البريئة في الشارع وحرمانها من الأمومة العاطفية ودفعها للدعارة لا قدر الله!
الدرة الثانية التي انفردنا بها دون العالمين هي أن أي شاب تونسي يتزوج من ابنة عائلة كريمة يحبها وتحبه فإذا بها عاقر بإرادة الله وحده (ويجعل من يشاء عقيما) فيضطر حسب المجلة المحروسة أن يطلقها (للضرر!) عوض أن يحتفظ بها وهي ذخر وأمانة ويتزوج من امرأة ولود فتنجب أولادا يتربون مع أمين اثنتين (أم بيولوجية وأم عاطفية).. وقد عرف جيلي وعايش حالات كثيرة من هذا التوازن الإنساني والتراحم الأسري، ورأينا كيف كانت الأم العاطفية أما بأتم معنى الكلمة والأولاد إلى آخر رمق في حياتهما ينادون الأم البيولوجية بعبارة (أمي) والأم العاطفية بعبارة (أميمة) تقديرا لها ولسهرها وحدبها على أولاد زوجها!
وأنا أطلب فقط ممن يتطرف في العلمانية الغربية الدخيلة أن يفكر في ابنته هو نفسه لعل الله قدر لها أن تكون عاقرا فأي الحلين أكثر رحمة ومروءة: هل هو احتفاظ الزوج بالأولى أي ابنتك وإكرامها بأسرة وعش هادئ في الحلال أم الحل المفروض علينا بقانون جائر (لأنه جامد!) والذي يقضي برمي الزوجة البريئة في الشارع وحرمانها من الأمومة العاطفية ودفعها للدعارة لا قدر الله! أترك الجواب لضمائر القراء الأفاضل وضمائر تلك الأقلية المتمكنة من المنابر والصراخ الذي لقنتهم إياه المرحومة نوال السعداوي و برامج مسمومة لقنوات أجنبية إستئصالية؟
أما الدرة الأخيرة والتي حيرتني وتحير كل من يطلب الحقيقة هي أن التيار العلماني لم يفسر لنا إلى اليوم التناقض الصارخ بين الغايات التي رمى إليها هذا القانون عام 1956 وبين واقع الحال أي النتائج الحقيقية في المجتمع التونسي. فهم يقولون إن بورقيبة حرر المرأة وأن المرأة التونسية هي الوحيدة في العالم العربي والإسلامي التي تتمتع بحقوق لم تتمتع بها حتى السويديات، ولكننا بعد 66 عاما من صدور قانون 13 أغسطس 56 نجد مع الأسف أن بلادنا تحتل المراتب الأولى في نسبة الطلاق إفريقيا وفي نسبة العنوسة عربيا وفي نسبة الأمهات العازبات وفي نسبة الإجهاض غير المبرر، بالإضافة إلى المراتب المتقدمة في الأمراض النفسية والتفكك الأسري وتعاطي المخدرات وتصنيف بلادنا في قائمة البلدان الأكثر تعاسة!
وهذه الحقائق يمكن الرجوع إليها من إحصاءات رسمية قام بها الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري ومصالح وزارة الصحة وبعض المنظمات المستقلة وهي أرقام تؤكدها المحاور التي يقدمها الإعلامي علاء الشابي في برنامج اجتماعي كشف عن حالات مأساوية للعلاقات المتأزمة بين الجنسين.. وفي أغلب الحالات تذهب ضحيتها المرأة التونسية التي قيل إنهم حرروها! وأولادها المشتتين بعد الانفصال (100 ألف طفل ومراهق يغادرون المدارس سنويا!).
إنني أطرح هذه المشاكل الاجتماعية العسيرة من منظور مواطن يشعر بمسؤولية إبداء رأيه وأنا أبو بنات ولا أرضى لهن ظلما أو قهرا معاذ الله، بل غايتي مراجعة سلبيات كل القوانين التي تتأكد مضاعفاتها العكسية على صحة و سلامة المجتمع كما نغير دواء ثبت بعد التجربة أن له انعكاسات سلبية فإما يسحب من السوق أو تغير تركيبته كما كان يقول لنا أستاذ القانون العام (كازامايور) في باريس.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي
#المرأة #المسلمة #بين #الشريعة #الأصيلة #والقوانين #الدخيلة
تابعوا Tunisactus على Google News