“المركزي التونسي” يرفع الفائدة الرئيسة بعد بلوغ التضخم أعلى مستوياته
اتخذ البنك المركزي التونسي قراراً بالترفيع في نسبة الفائدة الرئيسة بـ25 نقطة أساسية لتبلغ 7.25 في المئة، في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وهي المرة الثانية التي تقوم فيها مؤسسة الإصدار بالترفيع في نسبة الفائدة في ظرف أربعة أشهر، معللة الأمر بآفاق الضغوط التضخمية وأداء الاقتصاد التونسي الذي اتسم بالضعف في الثلث الثاني من السنة الحالية. وبناء على ذلك، قرر البنك رفع نسبتي تسهيلات الإيداع والقرض الهامشي لمدة 24 ساعة إلى 6.25 في المئة و8.25 في المئة، إضافة إلى الزيادة في نسبة الفائدة على الادخار بـ25 نقطة أساسية لتصبح في حدود 6.25 في المئة. وتوقع مجلس إدارة البنك تواصل نشاط الضغوط التضخمية منبهاً إلى ضرورة تنسيق السياسات الاقتصادية لتجنب الانزلاق الخطير المهدد بتعميق مواطن الضعف الاقتصادية.
وأعلن المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) ارتفاع نسبة التضخم لتشهد مستوى قياسياً في سبتمبر (أيلول) قوامه 9.1 في المئة بعد أن كانت 8.6 في المئة خلال أغسطس (آب)، ويعود ذلك إلى الارتفاع المسجل في أسعار الأغذية والطاقة والنقل بعد الترفيع في أسعار المحروقات خلال سبتمبر، وبعد توقف عن مراجعتها الدورية منذ مايو (أيار). ودعا البنك المركزي الأطراف المتداخلة لدعم جهوده في مكافحة التضخم والحفاظ على الاستقرار المالي.
ضعف الإنتاج والتأثيرات الخارجية
واعتبر مجلس إدارة البنك المركزي أن استمرار البنوك المركزية في تشديد سياساتها النقدية أدى إلى تعقيد الأوضاع المالية في العالم، وورد بالنظر إلى نسب النمو الضعيفة المسجلة في الفترة الأخيرة بأهم الاقتصادات بعد أن تواصل المسار التنازلي لأسعار المواد الأساسية والمواد الأولية والنفط على الرغم من حفاظها على مستويات عالية، في الوقت الذي يسجل فيه التضخم العالمي معدلات مرتفعة. وتوقع أن يزداد التوجه التقييدي للسياسات النقدية في الفترة المقبلة بهدف التعامل مع مستويات التضخم المتفاقمة التي تلوح في الأفق بفعل أزمة الطاقة المخيمة على أوروبا مع قدوم فصل الشتاء، كما تكهن البنك بتباطؤ نسب نمو الاقتصاد العالمي ما سيدفع بالمؤسسات الدولية إلى تخفيض نسب النمو الاقتصادي العالمي المتوقعة.
وأشار أيضاً إلى تضاؤل النشاط الاقتصادي في تونس خلال الربع الثاني من السنة الراهنة بسبب الأداء الضعيف للصناعات غير المعملية، في حين مكن الأداء الجيد للصناعات المعملية التصديرية في الفترة المنقضية من السنة من دعم الصادرات، إلى جانب تحسن الطلب الداخلي بعد رفع القيود الصحية ما زاد الضغوط على التوريد.
ولاحظ البنك المركزي أن نسبة التضخم تمثل الأعلى في تونس منذ ما يزيد على ثلاثة عقود، مشيراً على وجه الخصوص إلى التضخم الأساسي “من دون اعتبار المواد الغذائية الطازجة والمواد ذات الأسعار المؤطرة”، ونظراً إلى أنه يمثل مقياس المنحى الأساسي للتضخم، الذي تسارع ليبلغ 8.6 في المئة في أغسطس 2022 مقابل 8.2 في المئة في يوليو (تموز)، و5.3 في المئة قبل سنة من الآن.
وتفاقم العجز الجاري للتجارة الخارجية الذي بلغ 5.8 في المئة سلبي من إجمالي الناتج المحلي خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2022، مقابل 3.6 في المئة سلبي قبل سنة جراء تدهور الحاصل التجاري بنسبة 10.1 في المئة سلبي من إجمالي الناتج المحلي مقابل 6.6 في المئة سلبي في نهاية أغسطس 2021. في الوقت الذي بلغ فيه مستوى الاحتياطي من العملة الأجنبية 23.8 مليار دينار (7.25 مليار دولار) المعادل لـ112 يوماً من التوريد مقابل 23.3 مليار دينار (7.1 مليار دولار) ما يساوي 133 يوماً من التوريد نهاية 2021.
وتوقع البنك أن تظل الضغوط التضخمية نشيطة تحت تأثير العوامل الداخلية أو الخارجية التي ستزيد من حدة الضغوط على الأسعار عند الاستهلاك، وذلك خلال الفترة المتبقية من السنة، كما رأى أن ضعف القدرة الإنتاجية للاقتصاد التونسي في ظل ارتفاع الطلب، يمثل مصدراً رئيساً للتضخم ما دعم التأثيرات التصاعدية الواردة من الخارج.
الأغذية والطاقة
ويعود ارتفاع نسبة التضخم وبلوغها مستوى 9.1 في المئة في الأساس إلى تسارع نسق ارتفاع أسعار الأغذية بنسبة 13 في المئة في سبتمبر بعد أن كانت 11.9 في المئة في أغسطس، وأسعار السكن والطاقة المنزلية بنسبة 6.4 في المئة بعد أن كانت 6.2 في المئة في أغسطس، نتيجة التعديل الأخير في أسعار النفط المنزلي وقوارير الغاز. وزادت أسعار النقل بنسبة 8.3 في المئة في سبتمبر بعد أن كانت 8.1 في المئة في أغسطس تأثراً بالتعريفة الجديدة للمحروقات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وارتفعت أسعار المواد الغذائية بحساب الانزلاق السنوي بنسبة 13 في المئة بسبب ارتفاع أسعار الدواجن بنسبة 27.4 في المئة، والبيض بنسبة 25 في المئة، والزيوت الغذائية بنسبة 21.8 في المئة، والغلال بنسبة 18.2 في المئة، كما شهدت أسعار المواد المصنعة ارتفاعاً بنسبة 9.4 في المئة باحتساب الانزلاق السنوي نظراً للزيادات في أسعار مواد البناء بنسبة 10.4 في المئة، وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 10 في المئة، ومواد التنظيف بنسبة 9.1 في المئة، كما ارتفعت أسعار الخدمات بنسبة 6.1 في المئة بسبب الزيادة في خدمات المطاعم والمقاهي والنزل بنسبة 9.2 في المئة.
وسجل التضخم الضمني أي من دون احتساب الطاقة والتغذية ارتفاعاً ليصبح في حدود 7.3 في المئة بعد أن كان 7.1 في المئة خلال أغسطس. وتنامت أسعار المواد الحرة بنسبة 10.4 في المئة مقابل 5.2 في المئة بالنسبة للمواد المؤطرة. يشار إلى أن نسبة الارتفاع وفق الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 15.4 في المئة مقابل 0.5 في المئة للمواد الغذائية المؤطرة.
وشهد مؤشر أسعار الاستهلاك العائلي ارتفاعاً بنسبة 1.1 في المئة خلال سبتمبر بعد 0.4 في المئة في أغسطس، وواحد في المئة في يوليو، ويعزى التطور إلى الارتفاع المسجل في أسعار التغذية والمشروبات بنسبة 2.2 في المئة وأسعار مواد وخدمات التعليم بنسبة أربعة في المئة.
الكتلة النقدية
ورأى المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي محمد سويلم، أن رفع نسبة الفائدة الرئيسة ورد في إطار الحرب المعلنة على التضخم ولا يقتصر الأمر على المركزي التونسي، بالنظر إلى اعتمادها من قبل البنوك في أنحاء العالم جميع لمواجهة الضغوط التضخمية التاريخية بفعل تداعيات الحرب. وهي الوسيلة التقنية المعتمدة من قبل مؤسسات الإصدار في ظل الظروف الراهنة للتحكم في الأسعار المشتعلة.
ويخضع التضخم في تونس إلى أسباب عدة منها تراجع الإنتاج، لكن تظل العوامل الخارجية هي الأكثر تأثيراً، وبناء على ذلك، يصنف معظمه تضخماً مستورداً بحكم علاقات تونس التجارية الوطيدة بمنطقة اليورو. فالنظرية الاقتصادية تصنف التضخم دائماً على أنه ظاهرة نقدية تواجهها البنوك المركزية بآلية وحيدة هي الرفع في نسبة الفائدة الرئيسة.
وقد خضعت تونس لتداعيات كتلة النقود والتضخم في العالم، ويواجه الاقتصاد التونسي عجزاً تاريخياً في ميزانه التجاري بسبب تنامي أسعار الأغذية والنفط ما أثر بالسلب على الميزان التجاري وأسهم في زيادة أسعار السلع وندرتها في السوق الداخلية. وذكر سويلم أنه توقع نسبة زيادة تتجاوز 25 نقطة قاعدية في حين اكتفى المركزي بهذا القدر، ومن المنتظر الترفيع فيها في المستقبل القريب. وقال إن تونس عرفت، في فترات سابقة، مستويات مرتفعة لنسبة الفائدة الرئيسة في إطار تعاملها مع الضغوط التضخمية، وبلغت 11.87 في المئة سنة 1991، معتبراً أن نسبة 7.25 في المئة في حال الاكتفاء بها أو الترفيع فيها تظل ظرفية ومرتبطة بظرف اقتصادي محدد للحد من تطور القروض، بحكم أنها تخلق الكتلة النقدية وتزيد من نسقها على حساب الإنتاج، سعياً إلى تخفيض الطلب على الخدمات والسلع، بينما يتحتم ترشيد الاستهلاك لتخفيض التضخم المستورد بهدف دعم البنك المركزي في معالجته الكتلة النقدية.
#المركزي #التونسي #يرفع #الفائدة #الرئيسة #بعد #بلوغ #التضخم #أعلى #مستوياته
تابعوا Tunisactus على Google News