المشهد التونسي المرتبك.. قراءة في المماطلة بقلم نسيم قبها | دنيا الرأي
وبالرغم من تقاطر الوفود الدولية على تونس، والضغوط المتكررة والتصريحات المتنوعة داخليًّا من طرف الأحزاب والشخصيات السياسية والاتحاد العام التونسي للشغل، وخارجيًّا من طرف البرلمان الأوروبي والكونجرس الأميركي وبعض الدول لتوجيه الرئيس التونسي المرتبك في تنفيذ الإملاءات الخارجية واستحقاقات الداخل، غير أنه اتبع سياسة كسب الوقت لتحقيق عدة أهداف بحسب الرؤية المنسجمة أكثر مع المصالح الفرنسية من أجل ضمان بقائه في السلطة، والعمل على تطهير الدوائر القضائية والأمنية وغيرها من القيادات، واستبدال قيادات ومدراء موالين له من ذوي التوجهات الفرنكفونية بها.
فمن خلال رصد التفاعل الدولي مع المشهد التونسي بعد المرسوم الرئاسي 117 الصادر يوم 22 سبتمبر (أيلول) الماضي، والذي عزز كثيرًا من صلاحيات رئيس الجمهورية، يتضح أن ثمة ضغوط أميركية على الرئيس سعيد لكي يعدل عن مساره الذي انحرف بفعل اعتماده على فرنسا والقوى الفرنكفونية في الداخل، وبفعل نرجسيته ورغبته في الاستئثار بالسلطة، وبسبب قلة خبرته السياسية، ومحاولته الجلوس على كرسيين (الفرنسي والأميركي). وهو الأمر الذي أغضب أميركا وأثار حفيظة عملائها في الحزب الدستوري الحر الذي انقلب على إجراءات الرئيس بعد أن كان مؤيدًا لها، حيث أعلنت رئيسة الحزب أنها هي من هيأت الوضع لإجراءات رئيس الجمهورية، وذلك في إشارة منها ومن أميركا لتذكيره بتبعيته السياسية.
وقد ظهرت مؤشرات الغضب الأميركي على الرئيس سعيد من خلال زيارة ستيفن تاونسند، قائد القيادة العسكرية في إفريقيا (أفريكوم) للمنطقة حيث التقى الرئيس عبد المجيد تبون، ورئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، بينما اقتصر لقاؤه في تونس مع أركان الجيش في المطار بحضور السفير الأميركي دونالد بلوم الذي قرر الرئيس بايدن نقله إلى الباكستان من دون أن يعين خلفًا له. كما ظهر التوتر في علاقة سعيد بأميركا من خلال الاحتجاج الذي قدمه للسفير دونالد بلوم بشأن التدخل الأميركي في الشأن التونسي الداخلي.
ونظرًا للضغوط الممارسة عليه، أعلن سعيد الخميس ٤ تشرين ثاني/نوفمبر إصداره قرارًا لوزير الاتصالات لتحضير استفتاء إليكتروني يشمل التنقيحات التي يعتزم إجراءها على الدستور الذي ما فتئ يردد أنه ملتزم به ولم يبطله، رغم إصداره قرارات تقوضه، وتحصر الصلاحيات بيده، وهو رهان فرنسا للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والفرنكفونية في تونس. وهذا ما يفسر تعيين مسؤولين فرنكفونيين على رأسهم رئيسة الوزراء نجلاء بودن ذات الميول الثقافية الفرنكفونية شديدة العداء للإتجاه المحافظ، ويفسر أيضًا ملاحقة سعيد لنواب ائتلاف الكرامة الذي بنى حملته الانتخابية سنة ٢٠١٩ على ضرب المصالح الفرنسية.
ولا يخفى أن عدم اعتراض رجالات أميركا في الجيش التونسي على إجراءات الرئيس، وتوفير الغطاء الإقليمي له من طرف رجالاتها في مصر والإمارات، إنما هو لاحتوائه وكبح ميوله الفرنسية وتركه لتصفية المحافظين وتحجيم دورهم، وإعادة ضبط القوى السياسية التي أثارت امتعاضًا شعبيًّا واسعًا بسبب ممارسات النواب في البرلمان قبل إعلان تجميده.
ومن خلال هذه الآلية تستفيد الولايات المتحدة من تنفيس احتقان الشعب ، وتُلجئ الرئيس على قطع تواصله المشبوه مع فرنسا، كما تُرغم الأحزاب على التكيف مع دورها الوظيفي الذي يحتم عليها ترسيخ النهج العلماني الليبرالي، وحمل الشعب على تقبل انقلاب موازين القوى، وإعادة الهيكلة والسير على أساسها.
وقد أسهمت هذه الإجراءات التي تمت بوسوسة فرنسية، وضوء أخضر أميركيٍّ في تشظي الحزب الأكبر والمحسوب على “الإسلام السياسي”؛ وهو حركة النهضة، التي استقال من قياداتها أكثر من مائة وثلاثين شخصية، وهو الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على المشروع الإسلامي النهضوي، ويضعف نموه في المشهد السياسي والحياة العامة، ويُهمش دعاته لصالح الوسط السياسي العلماني ، ولصالح المشاريع الغربية المشروطة، وبخاصة وأن تونس قد مثلت الأنموذج والمثال لأهل المنطقة في “الربيع العربي”.
#المشهد #التونسي #المرتبك #قراءة #في #المماطلة #بقلم #نسيم #قبها #دنيا #الرأي
تابعوا Tunisactus على Google News