المصادقة على حزمة المساعدات تختبر العلاقات الأميركية – التونسية |
تونس – يتأهب الكونغرس الأميركي للمصادقة على حزمة المساعدات التي خصصتها إدارة الرئيس جو بايدن لتونس، وهي خطوة تشكل اختبارا جديدا للعلاقات بين البلدين خاصة بعد الخامس والعشرين من يوليو، الذي مثل نقطة حاسمة في المشهد السياسي الذي تعرفه تونس.
رغم الشراكة التاريخية التي تربط بينهما إلا أن هناك خشية من تأثيرات ما يوصف باللوبيينغ الذي اشتغل من أجل توصيف أحداث الخامس والعشرين من يوليو وما رافقها من قرارات على أنها انقلاب على الكونغرس وإدارة بايدن، خاصة وأن الرئيس التونسي قيس سعيد لا يُخفي أن بلاده تتعرض لضغوط دولية.
وزاد من الشكوك في هذا الاتجاه “القلق العميق” الذي عبرت عنه وزارة الخارجية الأميركية حيال عزم الرئيس سعيد حلّ المجلس الأعلى للقضاء غداة إعلانه من وزارة الداخلية الأحد عن حل هذه الهيئة الدستورية المستقلة والتي اتهمها بالعمل استنادا إلى الولاءات.
كشفت سفيرة تونس في الولايات المتّحدة حنان التاجوري بالساسي، عن منح اقتراح إدارة بايدن مساعدة تونس هذا العام بمبلغ قدره 197 مليون دولار أميركي بانتظار المصادقة عليها من قبل الكونغرس، الذي سبق وأن ناقش الوضع في تونس وهو ما أثار مخاوف من أن يرفض المصادقة على هذه المساعدات.
لكنّ أوساطا دبلوماسية تحاول التخفيف من وطأة هذه المخاوف، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة لن تضغط على تونس من بوابة المساعدات رغم القلق الذي تبديه إزاء التطورات في البلاد.
لا خطر قادم
قال وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس إن “الولايات المتحدة تُدرك أن تونس تعيش انتقالا ديمقراطيا، ومهما كانت تحفظاتها على قرارات رئيس الجمهورية بعد يوليو الأخير تبقى في خط الشريك المتميز بالنسبة إلى تونس بما أن الأمور ليست بنفس الحدة التي يشعر بها الأميركيون مع بعض الدول الأخرى التي تضغط عليها الولايات المتحدة مثل مصر”.
وتابع ونيس في تصريح لـ”العرب” أن “هناك مثلا شدة في التعامل مع مصر تختلف على التعامل الأميركي مع تونس، نحن لسنا أمام خطر، فالولايات المتحدة لن تعلق المساعدات الممنوحة لتونس، هذا طبعا لا ينفي وجود ضغط لكنه يبقى ضغطا دبلوماسيا لا يصل حدّ تعليق المساعدات”.
وأضاف الدبلوماسي التونسي أن “هناك حادثة صحيح يجب التوقف عندها وهي انضمام سفارة واشنطن في تونس إلى سفارات بريطانيا وفرنسا وغيرهما للتعبير عن الأسف لقرار حل المجلس الأعلى للقضاء، هناك تخفيف حتى في اللغة الدبلوماسية حيث أشاروا إلى عزم الرئيس القيام بهذه الخطوة ولم يقولوا إنه تم حل المجلس”.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه تونس مسارا سياسيا انتقاليا يقوده الرئيس سعيد بعد أن فعّل الفصل 80 من الدستور في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، والذي جمد بمقتضاه عمل واختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وأقال الحكومة السابقة المدعومة من حركة النهضة برئاسة هشام المشيشي في خطوة وصفها خصومه وخاصة النهضة بالانقلاب.
منذ ذلك الحين حاولت حركة النهضة وقياداتها القيام بحراك واسع خارجيا يستهدف الضغط على دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا بهدف الضغط على تونس، التي تواجه أزمة اقتصادية متفاقمة وسط توقف المفاوضات مع المانحين الدوليين.
وأثار ذلك توجسا من أن يتم بالفعل إلحاق الضرر بتونس من خلال وقف المساعدات الممنوحة إليها من قبل شركائها أو عدم دعم موقفها في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الدولية المانحة.
واكتسى هذا التوجس أهمية خاصة بعد البيانات الأخيرة الصادرة عن الخارجية الأميركية ومجموعة السبع الذين أعربوا مساء الاثنين والثلاثاء عن قلقهم البالغ إزاء إعلان الرئيس سعيد حل المجلس الأعلى للقضاء.
ضرورة تجنب المجازفة
تثير البيانات الصادرة عن الخارجية الأميركية أو شركاء تونس التقليديين الآخرين مثل الاتحاد الأوروبي وفرنسا بشأن الوضع في تونس قلقا، خاصة أنها تتزامن مع تحذيرات من انهيار مالي قد تشهده تونس بالفعل وسط ضغوط على الرئيس سعيد.
وبينما يطالبه البعض بالمسارعة في اتخاذ قرارات حاسمة في علاقة بمحاسبة المتورطين في قضايا فساد وإرهاب، يرى البعض الآخر من أنصاره أن للرئيس سعيد زمنه السياسي الخاص به، فيما يرفض خصومه جميع خطواته.
وقال المحلل السياسي محمد صالح العبيدي إن “على الرئيس سعيد التريث في اتخاذ بعض الخيارات، هناك من يدفعه إلى خيارات بعينها لكن هناك خارجا وشركاء يراقبون وأي خطوة قد يعتبرونها تمهّد لدكتاتورية كما يحاول خصومه تصويرها، لذلك عليه التريث خاصة أن خارطة الطريق التي أعلنها وتم بدء تنفيذها لاقت ترحيبا من شركاء تونس الخارجيين”.
وأوضح العبيدي لـ”العرب” أن “العلاقات مع الولايات المتحدة لا تزال طيبة لكن هناك خطوات قد تقود تونس إلى عزلة وهذا ما يريده خصوم الرئيس سعيد، لاسيما أن واشنطن أو غيرها من العواصم الغربية لم تتعرف بعد على خطط الرئيس سعيد في ما يتعلق بنظام الحكم المرتقب وغيره، ولذلك دائما ينصصون مثلا على ضرورة أن يكون تشاركيا وغيرها”.
وكان سعيد قد أعلن في الثالث عشر من ديسمبر الماضي عن روزنامة للمواعيد السياسية في بلاده ما شكل خارطة طريق لطالما طالب بها شركاء تونس، الذين رحبوا بها على غرار الولايات المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي.
لكن مع احتدام المواجهة مع حركة النهضة الإسلامية قد يتأثر الموقف الأميركي بما تمارسه جماعات الضغط التي اتهمت النهضة مرارا بتحريكها ضد الرئيس سعيد، الذي لم يتردد في وقت سابق من اتهام خصومه في إشارة إلى النهضة بالعمل على تشويه صورة تونس في الخارج وفق قوله.
وقال العبيدي إن “ذلك يبقى واردا جدا خاصة أن هناك انتقالا في الموقف الأميركي من رفض توصيف ما حدث في الخامس والعشرين من يوليو بالانقلاب مرورا بالترحيب بخارطة الطريق ثم الإعراب عن القلق تجاه خطوات الرئيس سعيد”.
وبدأت منذ أسابيع استشارة إلكترونية سيتبعها حوار وطني تمهيدا لاستفتاء شعبي على دستور جديد ستصوغه لجنة مكلفة بالإصلاحات الدستورية، ثم إجراء انتخابات في السابع عشر من ديسمبر المقبل.
#المصادقة #على #حزمة #المساعدات #تختبر #العلاقات #الأميركية #التونسية
تابعوا Tunisactus على Google News