المفكر والخبير والوزير والبرلماني الأردني الدكتور محمد حلايقة: الإحباط السياسي تحالف مع الاقتصادي وهذه عوامل انفجار مجتمعي
منذ 15 ساعة
حاوره: بسام البدارين
حجم الخط
لا يتعلق الأمر فقط بمفكر وخبير اقتصادي بارز في الأردن، بقدر ما يتعلق بخبرة سياسية وبيروقراطية وتشريعية وبرلمانية عتيقة تلاحظ وتقيم وتساهم في التشخيص ووضع الحلول والمقاربات أيضا.الدكتور محمد الحلايقة أحد كبار الخبراء الذين يمزجون في الأردن بين التطبيق الاقتصادي وتلمس احتياجات الدولة والناس معا.تقلد الحلايقة عدة مناصب عليا ووزارية في الدولة الأردنية وفي البرلمان وهو دوما في موقع متقدم من أصحاب الاختصاص ومراقبي الشأن الإقليمي والدولي وقد استضافته «القدس العربي» في الحوار التالي وهنا نصه:○ حذرت مؤخرا مما أسميته «الانفجار الاجتماعي» لأسباب اقتصادية في الأردن، لماذا وعلى أي أساس؟• دعني أذكر أن الربيع العربي الذي بدأ في تونس انطلقت شرارته على خلفية اقتصادية وإحباط اقتصادي، وقصة البوعزيزي المواطن التونسي وإحراق عربته التي كان يترزق منها كانت الشرارة التي أحدثت الربيع العربي.وما تلاه من فوضى، لم تكن هناك مظاهرات سياسية مناكفة للحكم وللأسف كان ذلك مؤشرا على حجم الغضب الشعبي المكبوت والإحباط الاقتصادي لدى الشعب التونسي وامتد إلى العديد من الدول على خلفيات مختلفة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو مؤامراتية إن شئتم.المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الأردن مقلقة ليس لي شخصيا وانما مقلقة لكل المواطنين ويجب ان تكون مقلقة لصانع القرار.واضح ان جائحة كورونا أضافت المزيد من الأعباء والتحديات ليس على الحكومة فقط ولكن على المواطن.اليوم نتحدث عن 140 ألف متعطل عن العمل اضيفوا إلى سوق البطالة الذي هو أصلا زاخر، ودخول الناس انقطعت لفترة خاصة من يعملون في المهن الحرة. نسبة الفقر ترتفع حسب إحصاءات الحكومة.آخر مؤشرات البطالة انها وصلت إلى 25 في المئة وهذا أصبح رقما قديما، وأنا قلت في وقت سابق ان البطالة ربما تصل إلى 30 في المئة ونسبة الفقر في ارتفاع، ودخول الناس تتآكل، أيضا الغلاء موجود والناس تشكو من ارتفاع الأسعار.ذلك يعني العوامل التي لا سمح الله يمكن ان تؤدي إلى انفجار اجتماعي موجودة، وحدثت لدينا عدة قصص ومظاهر التعبير عنها كان على خلفية اقتصادية بغض النظر عن ماهية المحرك. قضية النائب اسامة العجارمة شاهد على الموضوع، الناس تعاطفت وتآلفت فترة معينة مع النائب قبل ان ينقلب على نفسه وعلى خطابه.الإحباط للأسف وصل إلى مرحلة عميقة ليس هناك من جهة حكومية تخرج وتقول للناس «لا لدينا أمل وان هناك يوجد ضوء في نهاية النفق».اليوم نتحدث عن 210 آلاف طالب تقدم للثانوية العامة وأنا أتحدث عن 80 أو85 ألف خريج من التعليم العالي لا يجد فرصه ونتحدث عن حوالي 400 ألف طلب لدى ديوان الخدمة المدنية.إذا إحباط اجتماعي كبير نتيجة الوضع المتوتر والقلق، ونرى كيف هذا التوتر يعبر عنه جرائم بشعة نعرفها لأول مرة في المجتمع الأردني بينها جرائم قتل وجرائم بشعة هذه لم تكن موجودة.الناس لا تجد فرص عمل هناك مظاهر متعددة للإحباط الاقتصادي لإغلاق المؤسسات وتعطل الكثير من القطاعات.وكما أشرت جائحة كورونا أثرت على ذلك.أيضا الناس تتأثر بالجو السياسي والمناخ السياسي العام. الناس غير راضية عن مجلس النواب وعن الطريقة التي وصلها هؤلاء النواب إلى المجلس ولذلك ايمانهم بقضية الإصلاح السياسي تراجع عمليا ولعل تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية يعالج هذه الثغرة.أيضا هناك إحباط سياسي كبير نتيجة ما يحدث في الإقليم.يعني الأردنيون يتفاعلون بشكل كبير مع ما يحدث في فلسطين، ورأينا خلال الهجوم على غزة حجم الغضب الأردني وحجم التعاطف الأردني وهذا أيضا عامل نفسي مؤثر على زيادة التوتر.للأسف يعني لا في المجال السياسي هناك اختراق ولا في المجال الاقتصادي ولا الاجتماعي، هذه كلها عوامل تؤدي إلى مزيد من الإحباط.ونرجو من الله ان يكون هناك من الإجراءات ومن الوسائل لتطمين المواطن. أننا نسير نحو الأفضل.والناس اليوم تقارن الأردن بالسنوات السابقة وهذا مؤسف لانه يجب ان نتطلع للمستقبل.المؤسسة الأردنية تتراجع في قرارها وإجراءاتها وفي انجازاتها لذلك كل هذه المجموعة من العوامل التي تجعلني قلقا وتجعل الناس قلقين.
كيف تراجع القطاع العام؟
○ في التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي أدرته لستة أشهر فقط قبل استقالتك تحذير من تراجع خطر في خدمات القطاع العام، على أي أساس ولماذا هذا التراجع خطر؟• ليس في التقارير فقط التي تتحدث عنه تراجع القطاع العام ولكن هناك شواهد وشواهد صادمة.الذي حدث في مستشفى السلط كان كارثة بكل المقاييس وشكلت صدمة للأردنيين جميعا. كنا نفاخر في أداء قطاعنا الصحي وكنا نفاخر بالإدارة الأردنية وهذه الإدارة قدمت نماذج طيبة في الماضي حتى للعديد من الدول العربية.وكانت هناك إشادة بالإدارة الأردنية وكنا مثلا في أداء الإدارة ونزاهتها، ولكن للأسف اليوم نحن نشهد مؤسسة أردنية تتآكل وهناك تردد في اتخاذ القرار، هناك ترهل في القطاع العام والسبب أو الأسباب لذلك عديدة.أولا الجهاز الحكومي جهاز متضخم والسيطرة والرقابة تضعف بطبيعة الحال في حالة وجود أعداد كبيرة هذا أيضا كان له مساوئ كثيرة انعكست على الإنفاق والقطاع العام.كانت لدينا في الماضي معاهد لا أدري ماذا حصل لها تدرب الموظفين «معهد الإدارة العامة»و «دورات تدريبية» كان هناك اهتمام بالموظف العام. اليوم الكل يسعى للوصول إلى الوظيفة العامة بغض النظر عن الطريقة بالواسطة أو بالكفاءة أو إلى غير ذلك، ولكن من «دخل بيت ابي سفيان فهو آمن». صحيح ان هناك أداء للأجهزة الرقابية في الجانب المالي ولكن بالجانب الإداري للأسف لا توجد جهة رقابية.ألغينا ديوان الرقابة والتفتيش في مرحلة سابقة. الوزارات والمؤسسات تعج بالموظفين. المسؤول في الصف الأول والثاني مشغول بالمعالجة اليومية للقضايا والمشاكل وقليل من الانتباه يعطي لإعادة النظر في جذرية الأداء الإداري.وعلينا ان نعود إلى ما كنا عليه من ناحية اختيار الموظف ومن ناحية المسؤول الأول.وفي رأيي ان قرار الحكومة بالاستغناء عن الناس في سن الستين ليس جيدا. هذه مسطرة ليست عادلة، فكثير من الناس يبدأ عطائهم في عام الستين.في رأيي ان الإصلاح الإداري أولوية ويتقدم على الإصلاح السياسي والاقتصادي لأنهما يحتاجان لإجراءات طويلة في حين ان الإصلاح الإداري يحتاج إلى قرار. لابد من إعادة النظر بمنظومة الخدمة المدنية والتوظيف والأداء للموظف العام، ولابد من التأهيل والتدريب.اليوم في مستجدات في نظام الإدارة العامة لا يمكن ان تستمر بالطريقة التقليدية.ودخولنا على موضوع الحكومة الإلكترونية في فترة من الفترات كان تخبيصا في الأداء، والأردن أصبح مشهورا بكثرة المنصات.اليوم تتغير الإدارة، كثير من الشركات في العالم والمؤسسات لجأت إلى العمل عن بعد عبر جهاز كومبيوتر.كل وزارة يجب اليوم ان تبدأ بكشف ما هي الإجراءات الإدارية لتحسين الأداء والابتعاد عن مفارقات موظف كسول وآخر لا يريد العمل بعد توسع الفساد الصغير.حسنا فعلت بعض المؤسسات أنها طورت أنظمة إلكترونية لتقديم الخدمة هذا شيء جيد لكن يتوجب أن نوسع ونطور هذه الخدمة ونخفف من تدخل الموظف.الذي يذهب إلى القطاع العام مع احترامي لكل موظفي القطاع العام الذين يدرسون الآداب والفلسفة والتجارة وكل هذه التخصصات وهؤلاء هم الذين حصلوا على معدلات يعني ليست بمستوى معدلات الفئة الأولى في الثانوية العامة.يعني لا يعقل ان مثل هذه التخصصات وخريجيها مع احترامي لهم هناك ناس جيدين ومبدعين ان يتولوا الإدارة خاصة في فترة قصيرة دون تأهيل، دون تدريب والخ.لذلك اليوم ضروري نعيد النظر بحجم الحكومة، بإجراءات الحكومة وبموضوع تأهيل الموظف ومرة أخرى بموضوع توزين الخدمة الحكومية.ومثال آخر على تردي الإدارة الحكومية ما حصل في قطاع الكهرباء لأول مرة يحصل في الأردن مثل هذا القطع الشامل ولهذا العدد الطويل من الساعات. وللأسف التبريرات اللي صنعناها يعني فيها انتقاص من ذكاء الأردنيين وشكلت لجنة وأيضا ظهرت بعض التوصيات لكن لحد الآن لا نعلم تماما ما الذي حدث.الأمثلة كثيرة الحقيقة، وهناك أشير أيضا إلى شكاوى من القطاع الخاص ورجال الأعمال تحديدا أثناء مراجعتهم إلى بعض الدوائر الحكومية لدينا أمثلة ناجحة في الدوائر الحكومية. الناس تمتدح دائرة الجوازات العامة وتمتدح دائرة ترخيص المركبات على سبيل المثال وترخيص السواقين، هناك أمثلة ناجحة.طيب لازم ندرس الأمثلة الناجحة ولماذا هي ناجحة وكيف ممكن ان نؤثر في المؤسسات المتراجعة حتى تؤدي مثل هذه الخدمات وتصبح أيضا مؤسسات ناجحة.
الإتجاه المعاكس
○ كنا قد سمعناك تتحدث عن «عكس الإتجاه» في الاتجاه الاقتصادي لمعالجة المعضلات، ما هي فكرتك هنا وعن ماذا نتحدث؟• برنامجي أو فكرتي تبدو نظرية بالمقام الأول، لكن لجأت لها بعض الدول. فطوال سنوات كان الخط الاقتصادي الأردني قائما على فكرة تعزيز إيرادات الدولة وذلك بطبيعة الحال عبر رفع الضرائب والرسوم وهي من أعلى النسب في العالم، ورغم ذلك لم يحصل إختراق ولم تتحرك أي من مؤشرات النمو. واليوم لتحقيق نمو ناشط لا بد من «نيو تيرن» عنوانه تخفيض الضرائب بالتوازي مع تقليص حجم الحكومة ومعالجة الهدر واقتراحي ان نرجع بضريبة المبيعات إلى 10 في المئة على عدة سنوات ويعلم الجميع ان ضريبة الدخل مرتفعة جدا في الأردن وانه ثمة مشكلة في بيروقراطية التحصيل الضريبي وقد شهدنا مؤخرا حالات قسوة أدت إلى نفور بعض رجال الأعمال. وما ينبغي ان يحصل تقليص العبء الضريبي حتى يزيد الاستهلاك وبالتالي تزيد ضريبة المبيعات.ونعم تحدثت عن تلازم مسارات الإصلاح في حضرة جلالة الملك في الاقتصاد والسياسة والإدارة ويمكن ان تكون الأولوية لإصلاح إداري فهو لا يحتاج لأكثر من مراجعة التشريعات والأنظمة، ويمكن ان نبدأ به بأي لحظة والمعروف ان لدينا خللا في منظومة الشراكة مع القطاع الخاص وبالتالي تلازم مسارات الإصلاح ضروري. وما حصل في فترة الجائحة كورونا ان البنك المركزي ومؤسسة الضمان الاجتماعي أسهما في تخفيف الأعباء وماعدا ذلك لا يوجد فائض مالي في الدولة.التكامل الثلاثي ..ماذا بعد؟فيما يتعلق بمشروع التكامل الثلاثي بين الأردن والعراق ومصر، لا يؤمن الحلايقة برفع سقف التوقعات ويرى أن التباحث على أساس التنسيق شيء جيد، لكن لا توجد مساحة للتفاؤل الكبير، مقترحا بان التكامل بدون سوريا ينطوي على خسارة للجميع وان التجارب العربية عموما في مسألة التكامل لا توحي بالثقة، فالأنظمة السياسية مختلفة وبالتالي الآليات الاقتصادية تختلف والموارد كذلك والتفكير القطري هو السائد.بالنسبة للعراق يرى الحلايقة انه مستباح من احتلالين وبالتالي قراره الاقتصادي لا يمكنه ان يكون مستقلا، ومصر لديها مشكلات مع ليبيا وأثيوبيا وطموحها في العراق يرتكز على الطاقة والعمالة، أما الأردن فيواجه ضغوطات متنوعة الأنماط وعليه يمكن التحدث عن مشاريع ومباحثات وتعاون من دون الافراط بالتفاؤل أو إطلاق عبارات قد لا تعكس الواقع.
فطام المساعدات
○ أخيرا، هل ترى شعار الاعتماد أردنيا على الذات وفطام المساعدات واقعيا؟ ولك مقولة شهيرة بعد كورونا نرغب بتوضيح مقاصدها بعنوان «تحويل المحنة إلى فرصة أو منحة»؟• فيما يخص الحديث عن الفطام من المساعدات هو شعار طموح جدا سبق ان رفعته عدة حكومات فيما تضمنته أوراق جلالة الملك النقاشية.بصراحة الوضع الجيوسياسي للأردن لا يسمح بذلك. وإذا أردنا الاعتماد على الذات فعلا نحتاج لبرنامج يصل إلى 30 عاما في ضوء الموارد الموجودة على ان نلتزم به فعلا وبصفة سنوية ضمن رؤيا وطنية شاملة تؤدي إلى تنويع مصادر الدخل بعيدا عن الاقتراض.وهنا ثمة بعض الأفكار بطبيعة الحال. فمثلا كنا منارة في قطاع الخدمات وينبغي ان نعود ونعالج الهدر المالي ويمكن ان ننشط في العقبة والسياحة وقطاع الخدمات ومن غير المعقول أننا ندخل المئوية الثانية للدولة بدون قطاع نقل متطور حيث ان سكة الحديد الوحيدة هي تلك العثمانية الآن.ويفيدنا هنا زيادة إنتاجية الموظف العام وتقوية منظومة الإدارة والاستثمار أكثر في إمكانيات الغاز والنفط والعمل على إجراءات لتطوير البنية التحتية والفوقية واستغلال الامكانات الموجودة بسب الثقل والمكانة الدولية للأردن وجلالة الملك ويمكن ان نذكر مثالا، فقد أعفي السودان مؤخرا من 23 مليار دولار وما زلنا لا نستثمر بطريقة صحيحة ورقة اللاجئين ومكانة الأردن في الخريطة الدبلوماسية الدولية وتلك كلها خطوات متلازمة.ونعم جائحة كورونا كانت محنة يمكن استثمارها كفرصة.علينا ان نعرف هنا كأردنيين بأن مشكلات الاستثمار معقدة ومساحة الحراك أمامنا في الصادرات، وليس سرا أننا لا ننتبه كثيرا أو لم ننتبه في الماضي لأفريقيا المجاورة ولا لدول القوقاز أو جمهوريات الاتحاد السوفييتي، فنحن لدينا قطاع طبي واعد وصناعات أدوية يعتد بها ويمكن ان نراهن على توسيع صادرات وإنتاج المستلزمات الطبية بالعديد من أنواعها، وقد كنت أحلم مرة بأن نقيم منطقة كورونا آمنة في وادي رم مثلا، ولدينا فرص سياحة طبية أهملناها وأخرى كانت جيدة في الماضي وتدر دخلا في المجال التعليمي وخدشناها.ولدينا أيضا ما وصفه رجل أعمال مصري بانه منجم كبير، وهو اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، فأمريكا تستورد بما قيمته 2 ونصف تريليون دولار، واتفاقيتنا للتجارة الحرة معها ممتازة جدا لكن لا نستثمرها في المكان الصحيح. ماذا لو استطعنا الحصول مثلا على 5 في المئة فقط من الحصة في السوق الأمريكي؟ ماذا لو ركزنا على شركة مثل كي مارت في قطاع الملابس يمكن ان نصدر لها 50 إلى مليون قطعة؟ لدينا أيضا قطاع الإنترنت والخدمات، وما يمكن قوله بإن الفرصة موجودة وكامنة في عمق الأزمة فلدينا أيضا قطاع زراعي ستر عورة الجائحة وما بعدها ويمكننا التركيز على صناعتنا الغذائية والطبية.المطلوب رصد تلك الفرصة والعمل بجهد وطني للاستثمار فيها.في الخلاصة وبعد حديث معمق تعرض للكثير من التفاصيل، يلفت الحلايقة نظر الجميع إلى ان حرية التعبير والحريات العامة في الدول أصبحت من المعايير الأساسية في توجيه الاستثمارات بالنسبة للعديد من الدول الديمقراطية والشعوب وقطاعات المستثمرين.
تابعوا Tunisactus على Google News