المنفي والدبيبة والآمال المخيبة | ميلاد عمر المزوغي
نظرا للمعاناة المستمرة والجرائم البشعة على مدى عقد من الزمن كان الشعب يأمل في تغيير السلطة التنفيذية والمتمثلة في المجلس الرئاسي وحكومته المفروضة من قبل المجتمع الدولي لكي ينعم بشيء من الاستقرار ويتحصل على قوت يومه بأيسر السبل، لينهي عشرية الدم والتهجير والقتل على الهوية والتدمير الممنهج لكل ما هو قائم.
حدث التغيير ولكنه شكلي بامتياز. لجنة الحوار التي تولت المهمة، اتت بأناس ليس لهم باع في السياسة ولم نعرف عنهم انهم في يوم ما كانوا حريصين على الوطن، ساعين الى راب الصدع بين مكونات المجتمع، مغلبين مصلحة الشعب على مصالحهم الخاصة، باذلين قصارى جهودهم من اجل وحدة الوطن الترابية، عازمين على اخراج المرتزقة بمختلف انتماءاتهم وتابعياتهم، قاطعين العزم على فك الارتباك بأي طرف خارجي ساهم في تأجيج الصراع وتمزيق الاتفاقيات المذلة التي لم تنل ثقة البرلمان،
كان الامل يحذو المواطن في قيام السلطات الجديدة بإبعاد الوجوه التي مل المواطن سماع اصواتها وحضورها المتكرر على الشاشات الرخيصة التي يقومون بتمويلها، انهم اصحاب المناصب السيادية الذين عاثوا في البلاد فسادا وتحكموا في قدرات البلد الاقتصادية، وشراء الولاءات والنفوس المريضة وإحداث مصالحة وطنية حقيقية بين ابناء الشعب الذي اجزم بأنه وفي سبيل المصلحة العامة سيتعالى عن الجراح لأجل اقامة الدولة الوطنية القوية القادرة، وتامين الحدود وحمايتها من خلال اعادة بناء الجيش والقوى الامنية واستحداث دستور ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ومحاسبة الخارجين عن القانون، السائرين في ركب العمالة، المنفذين لأوامر اسيادهم الذين توا بهم الى السلطة، الذين ساهموا وبشكل مباشر في ازهاق ارواح بريئة.
للأسف لم يتحقق اي شيء لصالح الوطن والمواطن، توالت الزيارات الخارجية للمسئولين كما انهم استقبلوا وفودا رسمية من دول الجوار وتلك الفاعلة في الملف الليبي لأجل عقد صفقات في مجالات النفط والغاز واستجلاب عمالة لاسترضاء الاطراف الخارجية، متناسين ان عمرهم جد قصير لا يتعدى السبعة اشهر وهي بالكاد تكفي للعمل على اجراء انتخابات حرة ونزيهة وتوفير الامكانيات اللازمة للمفوضية العليا للانتخابات (المؤكد انهم يسعون الى الاحتفاظ بالسلطة لأطول فترة زمنية ممكنة).
عندما اعتلى مرسي عرش مصر وهبه اخوان ليبيا حينها وديعة مالية كبرى. يتكرر اليوم نفس المشهد، فالسيد الدبيبة وعلى لسان احد اعضاء الحكومة التونسية قال بان الدبيبة وعدهم بوديعة تقدر بمليار يورو (6 مليار دينار ليبي) والقيام بمشاريع استثمارية في تونس ليزداد نفوذ حركة النهضة الاخوانية فيها، بينما يعاني الليبيون شظف العيش وانعدام الخدمات العامة، وجائحة كورونا ضاربة اطنابها في البلد.
الحديث عن اجراء استفتاء على الدستور اولا والذي ينادي به مجلس الدولة الاخواني وبعض اعضاء مجلس النواب بائعي الذمم وبالتعاون مع المنفي والدبيبة والفريق المصاحب لهما، هو اعلان صارخ للنية التي كانوا يبيتونها بعرقلة قيام الانتخابات، اي التمديد للأجسام الحالية لبضع سنوات، ان مشروع الدستور الذي اعدته اللجنة الخاصة المنتخبة شعبيا، به الكثير من الشوائب وعليه عديد ألمآخذ، كما ان الدساتير التي تحدث نوعا من الامن والاستقرار تكتب في زمن السلم لا الاحتراب، نجزم اننا لسنا في حاجة ماسة الى دستور يأخذ وقتا لوضعه، بل في امس الحاجة الى اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وفق قاعدة دستورية، تضع القطار على السكة الصحيحة ومن ثم يتم معالجة الامور بروية وعقلانية.
المجتمع الدولي يلوح بعصى الانتخابات في موعدها، لكنه يبدو انه غير جاد في ذلك، ان عدم اجراء الانتخابات في موعدها ينذر باستفحال الامور واستمرار المعاناة ومستقبل وحدة البلد، لقد خابت امال غالبية الليبيين في مرؤوسيهم وبالأخص المنفي والدبيبة في انقشاع الظلم والعيش بكرامة.
تابعوا Tunisactus على Google News